• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : الترجمة .
                    • الموضوع : الحب الإلهي في الكتاب والسنة (*) ـ القسم الثاني ـ .

الحب الإلهي في الكتاب والسنة (*) ـ القسم الثاني ـ

بقلم: الدكتور محمد حسين خليلي

ترجمة بتصرّف: عباس الجعفري / القسم الثقافي للدار

كنّا قد بحثنا في القسم الأوّل عن موضوع الحبّ الإلهي في الكتاب والسنّة، وفي القسم الثاني نتناول هذا الموضوع في نظر العرفاء والفلاسفة.

1. الحب الذاتي

إنّ حب الله سبحانه وتعالى لذاته المقدّسة هو الحبّ الحقيقي والأصيل. ويعبّر أهل المعرفة عن هذا الحبّ بـ «الحب الذاتي».

يقول ابن سينا في ذلك: ««والأول عاشق لذاته من ذاته بل هو معشوق لذاته من ذاته» [الاشارات والتنبيهات، شرح المحقق الطوسي، ج 3، نمط 8، ص 359].

ويقول صدر الدين الشيرازي: «أما الواجب فهو عاشق لذاته فحسب ومعشوق لذاته... وهو مبتهج بذاته لا بغيره، إذ لا غير ولا ندّ ولا شريك له وهو العزيز القهار...» [الأسفار الأربعة، ج7، ص157].

ويقول ابن عربي: «فلولا هذه المحبة ما ظهر العالم في عينه، فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب الموجد لذلك». [فصوص الحكم، مع تعليقات أبو العلاء العفيفي، ص 203]

ويقول السيّد الخميني (رحمه الله): «... فحب ظهور الذات ومعروفيتها، حب الذات لا الأشياء...»

2. الحب الإلهي

أ. حب الله لخلقه

أولاً. الحب الإلهي العام (حب الله لجميع خلقه في هذا العالم)

في نظر الحكماء: إنّ الذات المقدَّسة الإلهية هي أساس الوجود وهي التي تفيض للوجود جميع الكمالات. وبعبارة أخرى: إنّ جميع الموجودات في عالم الإمكان ليس لديها ـ بنفسها ـ شيء سوى ما أفاضه الله عليها.

يقول الآخوند: «فينطوي في عشقه لذاته، عشقه لجميع الأشياء، كما ينطوي في علمه بذاته، علمه بجميع الأشياء».

ثانياً: الحب الإلهي الخاص (حب الله للإنسان)

الإنسان مجمع النعم الإلهية الظاهرة والباطنة في الملك والملكوت، وتشهد بذلك هذه الآية الشريفة: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20]

ب. حب الخلق لله تعالى

والمقصود منه حب جميع المخلوقات والممكنات لله تعالى.

يقول ابن عربي: «فالحب الإلهي هو حب الله لنا وحبنا لله أيضاً قد يطلق عليه أنه إلهي» [الفتوحات المكية، ج 2، ص 323]

أنواع حب الإنسان لله تعالى

1. الحب الفطري: هو الحب الذي أودعه الله في ضمير الإنسان وفطره عليه، وهذا الحب شامل وموجود عند عموم الناس: ﴿فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30]. كذلك فإنّ المقصود من الحديث النبوي الذي يقول: «كل مولود يولد على الفطرة» هو تلك الفطرة التوحيدية وجبلة الميول الإلهية.

2. الحب الإلهي الاكتسابي: وهو بحاجة لتحققه وظهوره إلى الكدح والمجاهدة.

3. الحب الإلهي الموهوب: ونقصد منه الحب الذي وهبه الله للعبد وليس للعبد في هذا أيّ دور، وهو أعلى وأقوى مرتبة من مراتب ودرجات الحب الذي يختص بالمحبّين.

الحب الإلهي خاص الخاص الخلق لله تعالى

إنّ الله سبحانه وتعالى هو الخير المطلق، وجميع الموجودات تعشق الخير المطلق بصورة فطرية، والخير المطلق يفيض على الجميع بعطائه الذاتي، إلا أنّ المراتب تختلف؛ فكلّما اتّسع ظرف وجود الموجود كلّما تقرّب أكثر من الخير المطلق، لكن توجد نفوس قدسية وإلهية تتلقّى الفيض الإلهي بلا واسطة، ولا يمكن لأحد حتى مع المجاهدات الكثيرة أن يصل إلى تلك المرتبة التي خصّ الله بها صفوته، ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، [آل عمران: 33] ويقول أمير المؤمنين علي (ع): «لا يُقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة أحد، ولا يسوّى بهم مَن جرت نعمتهم عليه أبداً» [نهج البلاغة، الخطبة2، ص 44].

حب وولاء الإنسان الكامل في الآيات والروايات

1. ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23] و ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾. [سبأ : 47]

تحثّ الآية الأولى إلى مودّة أهل البيت (ع) عامّة؛ لأنّ رسالة الرسول الكريم (ص) عامّة ودائمة، لذلك لابدّ أن يكون الأجر عامّاً ودائماً.

2. ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ[آل عمران: 31]. تبيّن الآية الكريمة أنّ علامة حبّ الله تعالى هي اتّباع الرسول (ص)، وواضح أنّ الحب والولاء يسبقان الاتّباع.

3. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، [المائدة: 35] فقد وردت أحاديث كثيرة عن العترة الطاهرة تقول أنّ المقصود من الوسيلة في هذه الآية هم أهل البيت (ع) «الأئمة من ولد الحسين(ع) ... هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله عز وجل». [ميزان الحكمة، ج 1، باب 578، ص519، ح3207]

ويقول السيّد الخميني (رحمه الله) عنهم (عليهم السلام): «فهُم في أعلى مرتبة التوحيد والتقديس وأجلّ مقامات التكثير ولم يكن التكثير حجاباً لهم عن التوحيد ولا التوحيد عن التكثير، لقوّة سلوكهم» [مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية].

الولاية أقرب السبل إلى التوحيد

الحب الواقعي والحقيقي يختصّ بالمحبوب الحقيقي والواقعي وهو الله سبحانه وتعالى، إلا أنّ حب مظاهره التامة؛ أي: العترة الطاهرة (ع)، فهو أقرب السبل للوصول إلى حبّه سبحانه وتعالى، لذلك نرى أنّ القرآن يُشير إلى هذا المعنى فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35] فالمقصود من الوسيلة هنا وبتواتر الروايات المعتبرة والمسلَّمة هم الأئمّة المعصومون (ع)، كما ينقل أيضاً عن الرسول الكريم (ص) أنّه قال: «الأئمة من ولد الحسين... هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله تعالى». [ميزان الحكمة، ج 1، باب 578، ص 519، ح3207]

وطبقاً لآيات القرآن الكريم، إنّ مودّة آل الرسول (ص) هو أجر الرسالة [﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى الشورى: 23]، وهذه المودّة لأهل بيت النبي (ع) ـ التي هي أجر الرسالة ـ هي في حدّ ذاتها حسنة يحصل عليها المحبّ [﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا الشورى: 23] ، فهذا الأجر خير وحسنة ينتفع بها المحب لا المحبوب [﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ سبأ: 47] ؛ لأنّ المحب يتّخذ المحبوب إلى ربّه سبيلاً. [﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا الفرقان: 57] فحبّ أهل البيت (ع) يجعل الإنسان سائراً على طريق الحق وعلى الصراط المستقيم، لأن أهل بيت الوحي هم في مرتبة الإنسان الكامل الذي هو التجلّي الكامل لجميع أسماء الله وصفاته ومَظهر للاسم الأعظم؛ فحب هؤلاء الكاملين في الواقع هو حب لله. يقول الشاعر الولائي والمحب لأهل البيت (ع) ابن فارض المصري في قصيدة له:

أحبة قلبي والمحبة شافعي*** لديكم اذا شئتم بها اتصل الحبل

ويقول أيضاً:

ذهب العمر ضياعاً وانقضى *** باطلاً اذا لم أفز منكم شي

غير ما اوليت من عقدي ولا *** عترة المبعوث حقاً من قُصي

3. الحب الروحي

في هذا النوع من الحب، يعشق المحبُّ محبوبَه لكماله وجماله بغض النظر عن الانتفاع منه؛ أي: إنّ الإنسان صاحب الطينة الطيّبة والقلب الطاهر يعشق كل جمال، سواء كان هذا الجمال ظاهراً أو باطناً، ولذات الجمال لا للذّة معيَّنة.

4. الحب الطبيعي النفسي

وهو ما يتعلّق بالجمال والحُسن الظاهري للمحبوب. وأساس ودافع هذا الحب أمران:

الأوّل: الدافع الخارجي؛ وهو الاستقامة في الخلق والجمال الظاهري.

الثاني: الدافع الداخلي؛ وهي الفطرة الميّالة نحو الجمال وجبلة الإنسان والمفطور عليها بحب كل جميل.

5. الحب الطبيعي الحيواني

وهو الميل وحب أنواع اللّذائذ الحيوانية كالمنكوحات والمأكولات والشهوات وغيرها. وأساس هذا الحب الميول الحيوانية للإنسان، وتصدر تحت إشراف نفسه الأمّارة.

6. حب الأوهام والخيال

إنّ أحد القوى النفسية للإنسان هي قوّة الخيال وهي التي تفعّل قوّة الإبداع في العقل. وإنّ الاعتماد على المفاهيم التي تفتقر إلى الصبغة الدينية والأخلاقية وكذلك التفاخر والتكاثر والإعجاب بالأمور الزائفة والزائلة، كلّها أمور تحصل نتيجة للأوهام التي يعيشها الإنسان. يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: 18]. ففي الحقيقة حينما تسيطر الأوهام على الإنسان، فإنّه يتّجه إلى أعلى درجات الحماقة وهو الفخر، لذلك يقول أمير المؤمنين علي (ع): «لا حمق أعظم من الفخر». [شرح غرر الحكم ودرر الكلم، ج 6، ص 383، ح 10655]

ــــــــــــــــ

مقتبس من كتاب: مقام محبت الهى از منظر حكمت و عرفان نظرى و عملى «مقام الحب الالهي في الحكمة والعرفان النظري والعملي» (بالفارسية)، الدكتور محمد حسين خليلي.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2018
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19