• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : التفسير البنائي للقرآن الكريم ـ الجزء الثاني ، تأليف : الدكتور محمود البستاني .
                    • الموضوع : سورة الحجر .

سورة الحجر

سورة الحجر

 

______________________________________________________

الصفحة 437

 

هندسياً، توزّع هذه السورة في جملة من الأقسام على النحو الآتي:

1 ـ القسم الأول: يتحدث عن سلوك المعاصرين لرسالة الإسلام من حيث انحرافاتهم.

2 ـ القسم الثاني: يتحدث عن إبداع الظواهر الكونية.

3 ـ القسم الثالث: يتحدث عن قصة إبليس.

4 ـ القسم الرابع: يتضمن عرضاً لأربع قصص هي: قصة إبراهيم، قصة لوط، قصة أصحاب الأيكة، قصة أصحاب الحجر.

القسم الأخير، يتحدّث عن الأسلوب التبليغي لرسالة الإسلام. طبيعياً، إن هذه الأقسام تترابط فيما بينها عضوياً على نحوٍ ممتعٍ ومُحكَم.

من حيث البناء العام: تترابط المقدّمة والختام (أي القسم الأول والأخير) فيما بينهما، حيث يظل الحديث عن (المنحرفين المعاصرين لرسالة الإسلام) هو العنصر الرابط بين بداية السورة ونهايتها، فبداية السورة تتحدث عن (أسلوب المنحرفين)، وأما نهايتها فتتحدث عن (أسلوب) المواجهة لهؤلاء المنحرفين.

وأما الأقسام الثلاثة (2، 3، 4) فبالرغم من أنها تتوزع في موضوعات مختلفة (الظواهر الإبداعية، قصة إبليس، قصص الماضين) إلاّ أنها جميعاً ترتبط بخيوطٍ مشتركة تتشابك بعضها مع الآخر من جانبٍ، وتتشابك هذه جميعاً مع مقدمة السورة ونهايتها من جانبٍ آخر، مما يجعل الأقسام كلّها تخضع لبناء عماري محكمٍ وممتعٍ على نحو ما نبدأ بتوضيحه الآن.

 

* * *

 

______________________________________________________

الصفحة 438

 

القسم الأول

 

لقد بدأ القسم الأول من السورة بالحديث عن سلوك المنحرفين المعاصرين لرسالة الإسلام، إلا أن هذه البداية قد استُهلت ـ زمنياً ـ من سلوكهم في اليوم الآخر، ثم ارتدّ الحديث عنهم إلى سلوكهم الدنيوي، فالسورة قد استهلت بهذا النحو: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين). ومعنى هذا، أنّ الحديث في هذا القسم من السورة إنما ينصبّ على الكافرين، ما دامت السورة قد استهلت الحديث عن ردود الفعل التي يصدر الكافرون عنها في اليوم الآخر، وما دامت هذه الردود من الفعل، نتيجة منطقية لما صدر عنهم من السلوك في الحياة الدنيا... من هنا يمكننا أن نتبيّن الأهمية الفنية لمثل هذا الإستهلال وطريقة الصياغة (الزمنية) له، حيث نعرف تماماً بأن النص عندما يبدأ من (نهاية الموقف ـ وهو ردود الفعل في اليوم الآخر) ويرتدّ إلى (بداية الموقف ـ وهو سلوك المنحرفين دنيوياً) إنما يستهدف من ذلك جملة دلالات، وفي مقدمتها: التأكيد على أهمية (اليوم الآخر) وما يترتب عليه من الجزاء... وبالفعل، سنجد أن هذا المفهوم (أي: أهمية اليوم الآخر وجزاءاته) ينعكس على غالبية الأقسام من السورة الكريمة. ففي القسم الثاني من السورة (وهو الخاص بالظواهر الإبداعية) يختم النصُ الحديث عن ظواهر السماء والأرض والنجوم والجبال والمعائش والرياح والإماتة والإحياء، يختمها بقوله تعالى (وإنّ ربّك هو يحشرهم انه حكيم عليم) حيث إستثمر النص الحديث عن الإماتة والإحياء ليربط ذلك بالحديث عن اليوم الآخر (وهو: الحشر) كما أن القسم الثالث الذي يتحدث عن إبليس قد إستثمره النص، ليحدثنا عن الجنة وعن جهنم في اليوم الآخر من خلال اتّباع الناس أو عدم إتباعهم لإبليس.

إذن، جاء الإستهلال بالحديث عن ردود الفعل لدى الكافرين في اليوم

 

______________________________________________________

الصفحة 439

 

الآخر، يحمل مهمة عضوية هي إنعكاساته على هيكل النص في أقسامه الأخرى.

وهذا من حيث الجزاءات الأخروية.

أما من حيث الجزاءات الدنيوية، فقد جاء الحديث عن هلاك الماضين منعكساً بدوره على أكثر من أقسام السورة بخاصة القسم الثالث الخاص بقصص الماضين، حيث نجد أن النص في القسم الأول من السورة بعد أن انتهى من حديثه عن ردود الفعل الأخروية، أردفه بقوله (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون * وما أهلكنا من قرية إلاّ ولها كتاب معلوم)، وبالفعل سنجد ـ في القسم الثالث من السورة ـ أن هلاك قوم لوطٍ والأيكة والحجر هو الحَدَث المنعكس الذي يربط بين قسمي السورة (الأول والثالث).

وأمّا الموضوعات التي عرَضَها النص في القسم الأول من السورة فتتمثّل في عرض جوانب من سلوك المنحرفين والتعقيب عليها وذلك مثل إتّهامهم صاحب الرسالة بالجنون، ومطالبتهم بإنزال الملائكة بدلاً من البشر، حيث عقّب النصُ على ذلك بأن الماضين أيضاً كانوا يستهزءون برسلهم، وأن المنحرفين حتى لو أنزلت عليهم الملائكة وفُتِحت لهم أبواب السماء للمشاهدة الحسية فإنهم سيقولون بأن هذه المشاهدة (سحر).

 

* * *

 

القسم الثاني

 

قلنا: إن هذا القسم خاص بعرض الظواهر الإبداعية من سماء ونجوم وأرض وجبال ونبات ومطر وإنس وجان... ولا شك، أن عرض مثل هذه الظواهر يتم وفق سياقات متنوعة، تستهدف لفت النظر إلى حقائق تصبّ في طرح المفهومات الخاصة بقدرة الله تعالى وبكونها لصالح الإنسان، وبضرورة الشكر عليها، مضافاً إلى كونها ترتبط عضوياً بمحتويات السورة الكريمة في

 

______________________________________________________

الصفحة 440

 

أقسامها الأخرى، فمثلاً نجد أن النص قد تحدث عن السماء والكواكب قائلاً (ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيّناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطانٍ رجيم * إلاّ من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين). ففي عرض هذه الظاهرة الإبداعية (السماء والكواكب) نلحظ إشارةً إلى (الشياطين) التي تسترق السمع وإفشال محاولاتها من قِبَل الله تعالى، حيث أن الإشارة إلى الشياطين تعدُّ تمهيداً للقسم الثالث من السورة الخاص بإبليس. كذلك نجد أن القسم الأخير من هذا الحقل الخاص بالظواهر الإبداعية قد خُتِم بقوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإِ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم) حيث يعدّ هذا الختام (تمهيداً) للقسم الثالث الخاص بإبليس وموقفه من السجود لآدم. إذن، الإشارة إلى خلق السماء والكواكب والإنسان والجان جاءت بمثابة خطوط فكرية ترتبط بما يُطرَح من الموضوعات في القسم الثالث من السورة، مما يكشف مثل هذا الطرح عن مدى إحكام العمارة الفنية للسورة الكريمة.

 

* * *

 

القسم الثالث

 

هذا القسم ـ كما كرّرنا ـ خاص بتجربة إبليس وموقفه من السجود لآدم، حيث مهّد القسم الثاني من السورة لهذه الموضوعات الخاصة بإبليس... وكما أن القسم الثاني من السورة قد عكس موضوعاته على القسم الثالث، كذلك فإن القسم الثالث من السورة يعكس موضوعاته على القسم اللاحق منها، فضلاً عن إرتباطه بالأقسام السابقة عليه، حيث أن إضلال إبليس أو عدم إضلاله يظل مرتبطاً بالحديث عن الجزاءات الإيجابية والسلبية في (اليوم الآخر) فيما لحظنا كيف أن إستهلال هذه السورة بالحديث عن ردود فعل المنحرفين (ربما يودُّ الذين كفروا لو كان مسلمين) إنما استهدف التأكيد على

 

______________________________________________________

الصفحة 441

 

أهمية اليوم الآخر وما يترتب عليه من الجزاءات، وهو أمر قد أكّده النص مباشرة حينما لوّح للفريقين (المؤمن والكافر) بمصائرهما إلى الجنة والنار (إن جهنم لموعدهم أجمعين...الخ). (إن المتقين في جنات وعيون...الخ).

ويُلاحظ أن النص قد خَتَم هذا القسم من السورةَ بقوله تعالى: (نبّئ عبادي انّي أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم) إن هذا الإنباء بكل من الرحمة والعذاب (الجنة والنار) قد جسّد ـ مضافاً إلى العلاقة العضوية بين تجربة إبليس وانعكاساتها على اليوم الآخر ـ جسّد (تمهيداً) فنياً للقسم اللاحق من السورة، حيث استُهِل هذا القسم بصياغة فنية مشتركة بين ختام القسم الثالث وبداية القسم الرابع من خلال عبارة (نبّئ). فقد طالب النصُ محمّداً ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بأن ينبّئ عباد الله بأنه الغفور الرحيم، وطالبه بأن ينبّئهم بأن عذابه هو العذاب الأليم، ثم طالبه في القسم الرابع بأن ينبّئ عباده بقصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وبسائر القصص الثلاث التي تكفّل القسم الرابع من السورة بطرحها، حيث شكّل هذا (الإنباء) محطة توقفٍ تربط بين القسمين الثالث والرابع من السورة الكريمة.

 

القسم الرابع

 

هذا القسم ـ كما اتّضح تماماً ـ خاص بالعنصر القصصي فيما أوضحناه إرتباطه العضوي بالقسم الثالث (وبالقسم الأول أيضاً)، وحيث يحسن بنا الآن أن نعرض لصياغته الفنية، من حيث العمارة العامة لقصصه وما طَرَحه من الموضوعات.

يتضمن هذا القسم أربع قصص هي: إبراهيم، لوط، أصحاب الأيكة، أصحاب الحجر. ونقف مع القصتين الأوليين أولاً:

إن قصة إبراهيم وقصة لوط، يمكن جعلهما قصتين مستقلتين، كما يمكن جعلهما قصة واحدة متداخلة، كما هو طابع البعض من قصص القرآن

 

______________________________________________________

الصفحة 442

 

الكريم وسنوضّح المسوّغ الفنّي لتداخل هاتين القصتين، بعد أن ننتهي من الحديث عن القصة الأولى: قصة إبراهيم عليه السلام.

إن قصة إبراهيم تتلخص في مواجهته ـ فجأة ـ ضيوفاً من الملائكة، قد أنكرهم بادئ الأمر ولم يتعرّف هويتهم حتى أنه توجس منهم خوفاً، إلا أنهم أخبروه بمهمتهم المزدوجة، وهي: أنهم بشّروه أوّلاً بأنه سيولد له غلام عليم، وأخبروه ثانياً ـ عندما سألهم عن مهمتهم ـ بأنهم مُرسلون لإبادة قوم لوط ... والسؤال هو: كيف تمت صياغة هذه القصة من حيث البناء العماري لها؟ ثم: لماذا تداخلت مع قصة أخرى هي قصة لوط؟.

من حيث البناء، فإن القصة سلكت منحىً قائماً على عنصر التشويق والمماطلة والمفاجأة بما يواكب ذلك من الضبابية الممتعة التي تجعل المتلقّي ـ من جانب ـ يتطلّع إلى معرفة ما يحدث، وتفسير ما حدَثَ من جانب آخر. فالقصة تبدأ بعرضٍ مضبّب هو: دخول الضيوف على إبراهيم عليه السلام، ويزداد العرض ضبابيّةً حينما يتدخّل عنصر الحوار بين إبراهيم وضيوفه، حيث يزيد الحوار الموقف ضبابيةً عندما يجد المتلقي أن إبراهيم قد توجّس خيفةٍ من ضيوفه، إذ المفروض أن يكون مجيء الضيوف مقروناً بترحيب إبراهيم وليس بتوجسه... ثم يتدخّل عنصر المفاجأة ليكشف جزءً من الغموض الذي لفّ الموقف وهو تقديمهم البشرى بغلام عليم، حيث يكتشف القارئ ـ من جانب ـ بأن الضيوف هم من (الملائكة) وليسوا بشراً، وحين يكتشف ـ من جانب آخر ـ حدثاً إعجازياً هو: الإنجاب في مرحلة الكبر، ثم تُطوى هذه الأقصوصة ليواجه المتلقي أقصوصة أخرى (يُفاجأ) بها، ألا وهي إخبارهم إبراهيم ـ عليه السلام ـ بمهمة رئيسة هي إرسالهم لإبادة قوم لوط. وهنا يبدأ ـ من جديد ـ عنصر التشويق والمماطلة والمفاجأة في رسم وقائع القصة الجديدة قصة لوط... إنه أولاً يعرف على نحو الإجمال بأن هؤلاء الملائكة مرسلون إلى

 

______________________________________________________

الصفحة 443

 

قوم مجرمين، وأنهم يستهدفون إبادتهم، وإن آل لوط مستثنون من هذا الجزاء، وأن إمرأته فحسب سيطالها الجزاء المذكور، إلاّ أنه ـ أي المتلقي ـ لا يزال يجهل سبب ذلك.

هنا تبدأ الأقصوصة بكشف الأسباب على نحو من التدرّج الفنّي الذي يفجّر الإثارة والدهشة والامتاع فيما يبلغ مداه الضخم عندما تتوالى المواقف والأحداث في الكشف عن الحقائق تدريجاً... فالملائكة جاءوا لوطاً ـ عليه السلام ـ بنفس الملامح التي جاءوا بها إبراهيم ـ عليه السلام ـ أي: سمة (الضيوف) المجهولين من جانبٍ، وإنكار لوط لمجيئهم من جانب آخر. كما أن كشف الحقائق يأخذ نفس الطريقة ـ في الأقصوصة السابقة ـ من حيث المماطلة والتشويق، فالمتلقي يعرف على نحو الإجمال بأن الملائكة جاءوا بمهمة جزائية هي إنزال العذاب على مجتمع لوط، ويعرف خلال ذلك بأن عائلة لوط مطالبة بمغادرة المدينة ليلاً، وأن العذاب نازل عليهم ـ أي مجتمع لوط ـ صباحاً ... ولكنه ـ أي المتلقي ـ يجهل سبب الجزاء ونمطه... ثم تبدأ الأحداث بالانكشاف تدريجاً، حيث تنقل له القصة وقائع ما حدث بين لوط ومجتمعه في اليوم التالي لمجيء الأضياف الملائكيين (وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفيَّ فلا تفضحون...) فبهذا المنحى الممتع، يكتشف المتلقّي (من خلال عنصر المحاورة بين لوط ومجتمعه، بأن هؤلاء القوم هم شواذ جنسياً... وأن العذاب ـ من ثم ـ إنما جاء للسبب المشار إليه، وأن نمطه هو: الصيحة. ثم تنتهي قصة لوط بإبادة مجتمعه المنحرف.

بيد أنه ينبغي أن نشير إلى أن هذه القصة وسابقتها ـ إبراهيم ولوط ـ قد ارتبطتا بعضاً مع الآخر، حيث كانت شخوص (الملائكة) هم (الأبطال) المشتركين في القصتين، فهم ضيوف لدى كل من إبراهيم ولوط، وهم الذين (بشّروا) إبراهيم بالولد، (وبشروا) لوطاً بإبادة مجتمعه المنحرف، وبشّروه

 

______________________________________________________

الصفحة 444

 

بإنقاذه وعائلته إلا امرأته... كما أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ هو البطل المشترك الآخر الذي مارس عملية الربط بين القصتين أو (التمهيد) للقصة الأخرى (لوط) حيث أن تساؤله عن مهمة الملائكة هو الذي مهّد ـ من خلال إجابتهم بأنهم مرسلون إلى إبادة قوم لوط ـ للقصة المذكورة... ولعلّ ـ مضافاً إلى ما تقدّم ـ للرابطة (النَسبية) بين إبراهيم ولوط (إبراهيم خال لوط) من جانب، ومعاصرتهما بطبيعة الحال من جانب آخر، تفسيراً لتداخل القصتين.

 

* * *

 

بعد ذلك تواجهنا قصتا أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر، حيث اشتركتا مع قصة لوط في رسم المصائر الدنيوية للمنحرفين وهي إبادتهم، مع ملاحظة أن النص ربط بين قصتي لوط وشعيب (أي أصحاب الأيكة) معلقاً على ذلك (وإنهما لبإمام مبين) أي أن كلاً من مدينتهما يقع بمرأىً من الناس حتى لا تزال آثار المدينتين باقية (بالنسبة إلى زمان النص).

كما أن الربط بين القصة الأخيرة (أصحاب الحجر) وبين لوط أيضاً قد تمّ من خلال عنصر آخر هو (التجانس) بين الجزائين، حيث اشتركت القصتان في الصياغة اللفظية لرسم المصائر متمثلة في عبارتي: (فأخذتهم الصيحة مشرقين) بالنسبة إلى قوم لوط، (فأخذتهم الصيحة مصبحين) بالنسبة إلى قوم أصحاب الحجر.

وهذه الأنماط من الاشتراك والتجانس بين القصص الأربع تظلُّ تعبيراً واضحاً عن مدى تماسك وجمالية البناء العماري، بالنحو الذي تقدم الحديث عنه.

 

القسم الأخير

 

يظل هذا القسم من السورة تلخيصاً أو نتيجة لما سبقته من الأقسام الأربعة من جانب، كما يطرح أفكاراً جديدة من جانب آخر. أما الأفكار

 

______________________________________________________

الصفحة 445

 

المطروحة جديداً فتتمثل في جملة موضوعات مثل: عدم مدّ الأعين إلى ما متّع الله تعالى به الآخرين (أي الكفار) من أمتعة الحياة الدنيا (ولا تمدّن عينيك...) حيث تم الربط بين هذه الظاهرة الجديدة وبين المنحرفين الذين تكفلت الأقسام السابقة من السورة بالحديث عن غفلتهم، ومصائرهم الدنيوية، فضلاً عن الأخروية التي شكّلت ـ كما أشرنا ـ واحداً من محاور السورة الكريمة فيما استُهلت بالحديث عن اليوم الآخر، وفيما جاء القسم الأخير أيضاً متضمناً لهذا الجانب حينما استهل بهذا المفهوم (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلاّ بالحق وإن الساعة لآتية...). وقد تكررت الإشارة إلى هذا الجانب مرة أخرى في قوله تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون).

وأما الجديد الآخر الذي طرح في هذا القسم فهو أسلوب التبليغ لرسالة الإسلام، حيث كان القسم الأول من السورة يتناول سلوك الآخرين حيال رسالة الإسلام، في حين أن القسم الأخير يتناول سلوك المبلّغ الإسلامي حيال الآخرين، متمثلاً في: (واخفض جناحك للمؤمنين) (فاصفح الصفح الجميل) (قل إنّي أنا النذير المبين) (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) (فسبّح بحمد ربك وكن من الساجدين) (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)... وهكذا تنتهي السورة بهذا الربط بين مقدمتها (عن المنحرفين، واليوم الآخر) وبين الأقسام التي تحدثت عن ظواهر مرتبطة بالقسم المذكور وبين الختام الذي شكّل طرحاً جديداً، وشكّل ربطاً بين موضوعاته وموضوعات الأقسام الأخرى، بالنحو الذي تقدّم الحديث عنه.

 

______________________________________________________

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=539
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29