• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء العاشر) ، تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي .
                    • الموضوع : سورة التغابن .

سورة التغابن

64 - سورة التغابن

مدنية بلا خلاف - في قول ابن عباس وعطاء والضحاك - وهي ثمان عشرة آية بلا خلاف

بسم الله الرحمن الرحيم

(يسبح لله ما في السموات وما في الارض له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير(1) هوالذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير(2) خلق السموات والارض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير(3) يعلم ما في السموات والارض ويعلم ماتسرون وماتعلنون والله عليم بذات الصدور(4) ألم يأتكم نبؤاْ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذبا أليم(5))

خمس آيات.

[18]

قد فسرنا معنى قوله (يسبح لله ما في السموات وما في الارض) وأن المراد بها ما في خلق السموات والارض، وما فيهما من الادلة الدالة على توحيده وصفاته التي باين بها خلقه، وأنه لايشبه شيئا ولايشبهه شئ وأنه منزه عن القبائح وصفات النقص، فعبر عن ذلك بالتسبيح من حيث كان معنى التسبيح التنزيه لله عما لايليق به.

وقوله (له الملك) معناه انه المالك لجميع ذلك والمتصرف فيه بما شاء، ولا أحد يمنعه منه، وله الحمد على جميع ذلك، لان خلق ذلك اجمع للاحسان إلى خلقه به والنفع لهم فاستحق بذلك الحمد والشكر (وهو على كل شئ قدير) يعني مما يصح أن يكون مقدورا له، فلا يدخل في ذلك مقدور العباد، لانه يستحيل أن يكون مقدورا لله.

وقوله (هوالذي خلقكم) معناه هو الذي اخترعكم وأنشأكم بأن أخرجكم من العدم إلى الوجود (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) معناه فمنكم من يختار الكفر بسوء اختياره ومنكم مؤمن بحسن اختياره للايمان.

وقال الحسن: فيه محذوف وتقديره فمنكم كافر ومنكم مؤمن ومنكم فاسق.

وقال غيره: ليس فيه حذف، لان الغرض ذكر الطرفين لا المنزلة بين المنزلتين كما أن قوله (خلقكم) خطاب يتوجه إلى جميع الخلق. وإن كان منهم الاطفال والمجانين الذين لاحكم لهم بالايمان ولابالكفر وقال الزجاج: معناه (فمنكم كافر) بالله بأن الله خلقه (ومنكم مؤمن) بذلك.

وقوله (والله بما تعملون بصير) معناه - ههنا - أنه خلق الكافر، وهو عالم بما يكون منه من الكفر، وكذلك خلق المؤمن وعلم بما يكون منه من الايمان، وكل ذلك على وجه الاحسان في الفعل الذي يستحق به الحمد والشكر.

ثم قال (خلق السموات والارض) بمعنى اخترعهما وانشأهما (بالحق) أي للحق وهو انه

[19]

خلق العقلاء تعريضا لهم للثواب العظيم، وما عداهم خلق تبعا لهم لما فيه من اللطف، وهذا الغرض لا يتأتى إلا على مذهب العدل، وأما على مذهب الجبر فلا.

(وصوركم متوجه إلى البشر كلهم (فأحسن صوركم) معناه من الحسن الذي يقتضيه العقل لا في قبول الطبع له عند رؤيته، لان فيهم من ليس بهذه الصفة.

وقال قوم: لا بل هو من تقبل الطبع لانه إذا قيل: حسن الصورة لا يفهم منه إلا تقبل الطبع، وسبيله كسيل قوله لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم)(1) وإن كان فيهم المشوه الخلق لان هذا عارض لا يعتد به في هذا الوصف، والله تعالى خلق الانسان على أحسن صورة الحيوان كله. والصورة عبارة عن بنية مخصوصة كصورة الانسان والفرس والطير وما أشبه ذلك.

ثم قال (واليه المصير) يعني اليه المرجع يوم القيامة واليه المآل.

ثم قال (يعلم) يعني الله تعالى بعلم (ما في السموات والارض) من الموجودات (ويعلم ما تسرون وما تعلنون) أي ما تظهرونه وما تخفونه.

وقيل: ما يسره بعضكم إلى بعض وما تخفوه في صدوركم عن غيركم.

والفرق بين الاسرار والاخفاء أن الاخفاء أعم لانه قد يخفى شخصه وقد يخفى المعنى في نفسه والاسرار والمعنى دون الشخص (والله عليم بذات الصدور) معناه وهو عالم باسرار الصدور وبواطنها. ثم خاطب نبيه صلى الله عليه واله والمؤمنين فقال (ألم يأتكم نبؤ الذين كفروا من قبل) يعني من قبل هؤلاء الكفار (فذاقوا وبال أمرهم) أي بما سلطه الله عليهم بأن أهلكهم الله عاجلا واستأصلهم (ولهم عذاب اليم) أي مؤلم يوم القيامة.

___________________________________

(1) سورة 95 التين آية 4

[20]

قوله تعالى: (ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد(6) زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبّؤُنّ بما عملتم وذلك على الله يسير(7) فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير(8) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفّر عنه سيّئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم(9) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير(10))

خمس آيات.

قرأ رويس عن يعقوب (نجمعكم) بالنون على الاخبار من الله عن نفسه. الباقون بالياء على تقدير يوم يجمعكم الله.

(أبشر) لفظه لفظ الواحد والمراد به الجمع بدلالة قوله (يهدوننا) لانه على طريق الجنس الذي لا يجمع ولا يثنى.

لما قرر الله تعالى خلقه بأنهم جاء‌هم اخبار من مضى من الكفار وأن الله تعالى أهلكهم بكفرهم، بين لم أهلكهم فقال (ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم) أي تجيئهم رسلهم من الله بالحجج الواضحات (فقالوا) لهم (أبشر يهدوننا) وقد بينا أن لفظ (بشر) واحد والمراد به الجمع، ومعناه أخلق مثلنا يهدوننا إلى الحق؟ ! متعجبين من ذلك مستهزئين به (فكفروا) بالله وجحدوا رسله (وتولوا) أي اعرضوا عن القبول منهم (واستغنى الله) ومعناه أن الله لم يدعهم إلى عبادته لحاجته اليهم، لان الله تعالى غني عنهم وعن غيرهم، وإنما دعاهم لما يعود عليهم بالنفع حسب

[21]

ماتقتضيه حكمته في تدبيرهم (والله غني) عن جميع خلقه (حميد) على جميع افعاله لانها كلها إحسان.

وقيل (حميد) يدل على أنه يجب على عباده أن يحمدوه.

ثم حكى ما يقول الكفار فقال (زعم الذين كفروا بالله) وجحدوا رسله فقال المؤرج: (زعم) معناه كذب في لغة حمير.

وقال شريح (زعم) كنية الكذب والحدة كنية الجهل (أن لن يبعثوا) أي لا يحشرهم الله في المستقبل للحساب والجزاء ف‍ (قل) لهم يامحمد صلى الله عليه وآله (بلى وربي) أي وحق ربي، على وجه القسم (لتبعثن) أي لتحشرن (ثم لتنبؤن) أي لتخبرن (بما عملتم) من طاعة ومعصية (وذلك على الله يسير) سهل لا يتعذر عليه ذلك، وإن كثروا وعظموا فهو كالقليل الذي لا يشق على من يأخذه لخفة أمره، ومثله قوله (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة)(1) واصله من تيسير الشئ بمروره على سهولة.

ثم قال (فآمنوا بالله) معاشر العقلاء (ورسوله) أي وآمنوا برسوله (النور الذي أنزلنا) يعني القرآن، سماه نورا لما فيه من الادلة والحجج الموصلة إلى الحق فشبهه بالنور الذي يهتدى به على الطريق (والله بما تعملون خبير) أي عالم بأعمالكم لا يخفى عليه خافية منها.

وقوله (يوم يجمعكم) تقديره واذكروا يوم يجمعكم (ليوم الجمع) وهو يوم القيامة.

وقوله (ذلك يوم التغابن) والتغابن هو التفاوت في اخذ الشئ بدون القيمة، والذين اخذوا الدنيا بالاخرة بهذه الصفة في أنهم اخذوا الشئ بدون القبمة، فقد غبنوا أنفسهم بأخذ النعيم المنقطع بالدائم واغبنهم الذين اشتروا الاخرة بترك الدنيا المنقطع اليها من هؤلاء الذين تغابنوا عليها، وقال مجاهد وقتادة: يوم التغابن غبن أهل الجنة أهل النار.

ثم قال (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا) أي من يصدق بالله ويعترف

___________________________________

(1) سورة 31 لقمان آية 28

[22]

بوحدانيته وإخلاص العبادة له ويقر بنبوة نبيه ويضيف إلى ذلك افعال الطاعات (يكفر عنه سيئآته) أي يكفر عنه سيئاته التي هي دونها، ويتفضل عليه باسقاط عقاب ما دونها من المعاصي (ويدخله جنات تجري من تحتها الانهار) يعني بساتين تجرى من تحت أشجارها الانهار (خالدين فيها) أي مؤبدين لا يفنى ماهم فيه من النعيم أبدا (ذلك الفوز العظيم) أي النجاح الذي ليس وراء‌ه شئ من عظمه.

ثم قال (والذين كفروا) بالله وجحدوا وحدانيته وأنكروا نبوة نبيه وكذبوا بمعجزاته التي هي آيات الله (أولئك اصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير) أي بئس المآل والمرجع. وقرأ (نكفر، وندخله) بالنون أهل المدينة واهل الشام على وجه الاخبار من الله تعالى عن نفسه. الباقون بالياء على تقدير يكفر الله عنهم ويدخلهم.

قوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا باذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم(11) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فان توليتم فانما على رسولنا البلاغ المبين(12) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون(13) يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم(14) إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم(15))

خمس آيات.

يقول الله تعالى مخاطبا لخلقه انه ليس يصيبكم مصيبة إلا باذن الله. والمصيبة

[23]

المضرة التي تلحق صاحبها كالرمية التي تصيبه. ومنه الصواب بأنه أصابه الحق كالرمية في اصابة البغية.

وقيل: إنما عمم قوله (مااصاب من مصيبة إلا باذن الله) وفي المصائب ما هو ظلم، والله لا يأذن في الظلم، لانه لا يحسن في الحكمة، الا ترى انه ليس منها إلا ما أذن الله في وقوعه او التمكن منه وذلك أذن للملك الموكل به كأنه قبل له لا تمنع من وقوع هذه المصيبة. وقد يكون ذلك بفعل التمكن من الله كأنه يأذن له ان يكون.

وقال البلخي: معناه إلا بتخلية الله بينكم وبين من يريد فعلها.

وقال قوم: هو خاص فيما يفعله الله تعالى او يأمر به، ويجوز ايضا ان يكون المراد بالاذن - ههنا - العلم، فكأنه قال لا يصيبكم من مصيبة إلا والله تعالى عالم بهاه ثم قال (ومن يؤمن بالله) أي من يصدق بالله ويعترف بواحدانيته (يهد قلبه) أي يحكم بهدايته. ويجوز ان يكون المراد يشرح صدره للايمان.

وقيل: معناه يهدي قلبه بأن المصيبة باذن الله ذكره ابن عباس وعلقمة - قال هو الرجل تصيبه المصيبة فيسلم ويرضى ويعلم أنها من عند الله، وقال الفراء: هو أن يقول: إنا لله وإنا اليه راجعون، وقال غيره: معناه إذا ابتلي صبر، وإذا انعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر.

وقرأ ابوبكر (يهد قلبه) - بفتح الدال - بمعنى يسكن قلبه (والله بكل شئ عليم) لا يخفى عليه شئ من ذلك.

ثم أمرهم فقال (واطيعوا الله) فيما أمركم به (واطيعوا الرسول) فيما أمركم به ونهاكم عنه (فان توليتم) أي فان أعرضتم عن القبول منه وتوليتم عن الحق فليس على رسولنا قهركم إلى الرد إلى الحق (فانما على الرسول البلاغ المبين) الظاهر، وحذف ايجازا ثم قال (الله) الذي يحق له العبادة (لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فالتوكل هو تفويض الامر إلى الله بأنه يتولاه على الحق فيه وقد أمر الله بالتوكل عليه فينبغي للمسلم أن يستشعر

[24]

ذلك في سائر احواله وقال قوم: التوكل تفويض الامر إلى مالكه لتدبره بالحق فيه. والوكيل المالك للتدبير فيمن فوض الامر اليه فيه.

ثم خاطب تعالى المؤمنين فقال (يا ايها الذين آمنوا إن من أزواجكم واولادكم عدوا لكم فاحذروهم) قال ابن عباس: نزلت الاية في قوم اسلموا بمكة وأرادوا الهجرة فمنعوهم من ذلك، وقال عطاء بن بشار: نزلت في قوم أرادوا البر فمنعهم هؤلاء.

وقال مجاهد: هي في قوم إذا أرادوا طاعة الله منعهم أزواجهم واولادهم فبين الله تعالى أن في هؤلاء من هو عدولكم في الدين فاحذروهم فيه. و (من) دخلت لتبعيض لانه ليس حكم جميع الازواج والاولاد هذا الحكم. والعداوة المباعدة من الخير بالبغضة ونقيضها الولاية وهي المقاربة من الخير بالمحبة. والاذن الاطلاق في الفعل، تقول: يسمع بالاذن، فهذا أصله، ثم قد يتسع فيه بما يقارب هذا المعنى.

ثم قال (وإن تعفوا) يعني تتركوا عقابهم (وتصفحوا) وتعرضوا عما كان منهم (وتغفروا) أي تستروا ذنوبهم إذا تابوا واقلعوا عنها (فان الله غفور) أي ستار على خلقه (رحيم) بهم.

ثم قال (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) اي محنة وابتلاء.

وقال قتادة: يعني بلاء.

والفتنة المحنة التي فيها مشقة تمنع النفس عما تدعو اليه الشهوة (والله عنده أجر عظيم) أي ثواب جزيل على الصفح والعفو وغيرهما من الطاعات.

[25]

قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون(16) إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم(17) عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم(18))

ثلاث آيات.

هذا أمر من الله تعالى للمكلفين يأمرهم بأن يتقوه بأن يتركوا معاصيه ويفعلوا طاعاته.

فالاتقاء الامتناع من الردى باجتناب ما يدعو اليه الهوى.

يقال: اتقاه بالترس إذا امتنع منه بأن جعله حاجزا بينه وبينه.

وقوله (ما ستطعتم) معناه اتقوه بحسب طاقتكم، فان الله تعالى لا يكلف نفسا ما لا تطيقه، وإنما يكلفها ماتسعه له، ولا ينافي هذا قوله (اتقوا الله حق تقاته)(1) لان كل واحد من الامرين إنما هو إلزام ترك جميع معاصيه فمن ترك جميع المعاصي فقد اتقى عقاب الله، لان من لم يفعل قبيحا ولا أخل بواجب فلا عقاب عليه إلا أن في احد الكلامين تبيين أن التكليف لا يلزم العبد إلا فيما يطيق. وهذا يقتضي أن اتقاء‌ه فيما وقع من القبيح ليس بأن لا يكون وقع وإنما هو بالندم عليه مع العزم على ترك معاودته. وكل أمر يأمر الله به فلا بد من أن يكون مشروطا بالاستطاعة، فان كانت الاستطاعة غير باقية على مذهب من يقول بذلك، فالامر بما يفعل في الثالث. وما بعده مشروط بأن يفعل له إستطاعة قبل الفعل بوقت وإلا لا يكون مأمورا بالفعل، وإن كانت ثابتة فالامر على صفة الاستطاعة، لانه لا يصح الشرط بالموجود، لان الشرط يحدث، فليس يخلو من ان يكون على شريطة وقوع القدرة او على صفة وجود القدرة وقال قتادة قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) ناسخ لقوله (اتقوا الله حق تقاته) كأنه يذهب إلى أن فيه رخصة لحال التقية وما جرى مجراها ممايعظم فيه المشقة

___________________________________

(1) سورة 3 آل عمران آية 102

[26]

وإن كانت معه القدرة على الحقيقة.

وقال غيره: ليس بناسخ، وإنما هو مبين لا مكان العمل بهما جميعا. وهو الصحيح، لان تقديره: اتقوا الله حق تقاته فيما استطعتم قوله (واسمعوا) أي اصغوا إلى ما يأمركم الله به (واطيعوا) فيما آمركم به (وانفقوا) فيما أمركم بالانفاق فيه من الزكاة والانفاق فيه سبيل الله وغير ذلك (خيرا لا نفسكم) انتصب (خيرا) بفعل محذوف يدل عليه (انفقوا) وتقديره وأنفقوا الانفاق خيرا لا نفسكم، ومثله انتهوا خيرالكم، وهو كقولهم: وذاك أوسع لك لانك إذا أمرته بشئ فهو مضمن بأن يأتي خيرا له.

وقوله (ومن يوق شح نفسه) أي من منع ووقى شح نفسه. والشح منع الواجب في الشرع.

وقيل: الشح منع النفع على مخالفة العقل لمشقة البذل، ومثله البخل يقال: شح يشح شحا فهو شحيح وشحاح.

وقال ابن مسعود: من الشح أن تعمد إلى مال غيرك فتأكله.

وقوله (فاولئك هم المفلحون) معنان إن من وقى شح نفسه وفعل ما اوجبه الله عليه فهو من جملة المنجحين الفائزين بثواب الله.

وقوله (إن تقرضوا الله قرضا حسنا) والقرض أخذ قطعة من المال بتمليك الاخذ له على رد مثله وأصله القطع: من قرض الشئ يقرضه قرضا إذا قطع منه قطعة. وذكر القرض في صفة الله تلطفا في الاستدعاء إلى الانفاق في سبيل الله، وهو كالقرض في مثله مع اضعافه ولا يجوز أن يملك الله - عزوجل - لانه مالك للاشياء من غير تمليك ولان المالك لا يملك ما هو مالكه.

وقوله (يضاعفه لكم) أي يضاعف ثوابه لكم بامثاله. ومن قرأ (يضعفه) بالتشديد، فلان الله تعالى بذل بالواحد عشرة إلى سبعين وسبعمائة (ويغفر لكم) أي ويستر عليكم ذنوبكم ولا يفضحكم بها (إن الله شكور حليم) أي يجازي على الشكر (حليم) لا يعاجل العباد بما يستحقونه من العقاب.

[27]

وقوله (عالم الغيب والشهادة) أي يعلم السر والعلانية وهو (العزيز) الذي لا يغالب (الحكيم، في جميع افعاله و (الشكور) في صفة الله مجاز ومعناه إنه يعامل المطيع في حسن الجزاء معاملة الشاكر و (الحلم) ترك المعاجلة بالعقوبة لداعي الحكمة. و (الغيب) كون الشئ بحيث لا يشاهده العبد. و (الغائب) نقيض الشاهد وهو (الحكيم) في جميع أفعاله. وقرأ (يضعفه) بالتشديد ابن كثير وابن عامر. الباقون (يضاعفه) وقد مضى تفسيره.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1318
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18