• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء الخامس) ، تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي .
                    • الموضوع : سورة براءة من ( آية 33 ـ 73 ) .

سورة براءة من ( آية 33 ـ 73 )

[209]

قوله تعالى: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون(33)

آية.

اخبر الله تعالى انه " هو الذي ارسل رسوله " صلى الله عليه واله وحمله الرسالة التي يؤديها إلى امته " بالهدى " يعني بالحجج والبينات والبيان لما يؤديهم العمل به إلى ابواب الجنة.

و " دين الحق " هوالاسلام وما تضمنه من الشرائع، لانه الذي يستحق عليه الجزاء بالثواب. وكل دين سواه باطل لانه يستحق به العقاب. ومن شأن الرسول أن يكون أفضل من جميع أمته من حيث يجب عليهم طاعته وامتثال ما يأمرهم به بما هو مصلحة لهم، ولانه رئيس لهم في الدين، ويقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما كان أفضل فيه.

وقوله " ليظهره على الدين كله " معناه ليعلي دين الاسلام على جميع الاديان بالحكم والغلبة والقهر لهم.

وقال البلخي: ظهوره على جميع الاديان بالحكم، لان جميع الاديان نال المسلمون منهم وغزوا فيهم وأخذوا سبيهم وجزيتهم. وفي الاية دلالة على صدق نبوته صلى الله عليه واله لانها تضمنت الوعد بظهور الاسلام على جميع الاديان، وقد صح ظهوره عليها.

وقال ابوجعفر عليه السلام ان ذلك يكون عند خروج القائم عليه السلام.

وقال ابن عباس: إن الهاء في " ليظهره " عائدة إلى الرسول صلى الله عليه واله أي ليعلمه الله الاديان كلها حتى لايخفى عليه شئ منها.

[210]

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم(34)

آية.

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين يعلمهم أن كثيرا من احبار اليهود وعلمائهم ورؤسائهم، وكثيرا من رهبان النصارى ليأكلون أموال الناس بالباطل من حيث كانوا يأخذون الرشا في الاحكام - في قول اسحاق والجبائي - وأكل المال بالباطل تملكه من الجهات التي يحرم منها اخذه.

وقيل في معنى " ليأكلون اموال الناس بالباطل " وجهان: احدهما - انهم يتملكون. وفوضع يأكلون موضعه لان الاكل غرضهم. والثاني - يأكلون اموال الناس من الطعام، فكأنهم يأكلون الاموال، لانها من المأكول، كما قول الشاعر:

ذر الا كلين الماء لوما فما أرى *** ينالون خيرا بعد أكلهم الماء(1)

اي ثمن الماء.

وقوله " ويصدون عن سبيل الله " معناه يمنعون غيرهم من اتباع الاسلام الذي هو سبيل الله التي دعاهم إلى سلوكها. والغرض بذلك التحذير من اتباعهم والتهوين على المسلمين مخالفتهم.

وقوله " والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله " معناه الذين يخبؤن أموالهم من غير ان يخرجوا زكاتها، لانهم لو اخرجوا زكاتها وكنزوا ما بقي لم يكونوا ملومين بلا خلاف.

وهو قول ابن عباس: وجابر، وابن عمر، والحسن والسدي، والجبائي.

قال: وهو إجماع.

واصل الكنز كبس الشئ بعضه على بعض.

ومنه قولهم كنز التمر والطعام قال الهذلي:

لادر دري إن أطعمت نازلكم *** قرف الحتي وعندي البر مكنوز(2)

الحتي سويق المقل.

___________________________________

(1) اللسان (أكل) وروايته (من) بدل (ذر) و (ظلما) بدل (لوما).

(2) مقاييس اللغة 2 / 136 واللسان " كنز ".

[211]

وقوله " ولا ينفقونها في سبيل الله " إنما لم يقل ولا ينفقونهما لاحد أمرين: احدهما - ان تكون الكناية عائدة إلى مدلول عليه وتقديره ولاينفقون الكنوز أو الاموال. والاخر - ان يكون اكتفى بأحدهما عن الاخر للايجاز ومثله " وإذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها "(1) وقال حسان:

إن شرخ الشباب والشعر الاس‍ *** ود ما لم يعاص كان جنونا(2)

وقال الاخر:

نحن ما عندنا وانت بما *** عندك راض والرأي مختلف(3)

وكان يجب ان يقول راضيان.

ومعنى البيت نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راض وحذف الخبر من الاول لدلالة الثاني عليه كما حذف المفعول في الثاني لدلالة الاول عليه في قوله " والذاكرين الله كثيرا والذاكرات "(4) والتقدير والذاكرات الله. ومثل ذلك الاية. وتقديرها والذين يكنزون الذهب ولا ينفقونه في سبيل الله ويكنزون الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله.

وموضع " والذين يكنزون " يحتمل وجهين من الاعراب: أحدهما - ان يكون نصبا بالعطف على اسم (إن) وتقديره: يأكلون والذين يكنزون الذهب: والثاني - ان يكون رفعا على الاستئناف.

وقال ابن عمر كل ما اخرجت زكاته فليس بكنز، وبه قال عكرمة.

وقال الجبائي وغيره: " الذين يكنزون " نزلت في مانعي الزكاة من أهل الصلاة.

وقال قوم: نزلت في المشركين، والاولى أن تحمل الاية على العموم في الفريقين.

وقوله " فبشرهم بعذاب اليم " قيل في معناه قولان: أحدهما - ان اصل البشرى مما يظهر في بشرة الوجه من فرح او غم، إلا

___________________________________

(1) سورة 62 الجمعة آية 11.

(2) تفسير القرطبي 8 / 128 ومجاز القرآن 1 / 258.

(3) تفسير القرطبي 8 / 128 ومعاني القرآن 1 / 434، 445.

(4) سورة 33 الاحزاب آية 35.

[212]

انه كثر استعماله في الفرح كما قال الجعدي.

وأراني طربا في إثرهم *** طرب الواله اء كالمختبل(1)

لان أصل الطرب ما يستخف من سرور او حزن.

والثاني - انه وضع الوعيد بالعذاب الاليم موضع البشرى بالنعيم.

وروي عن علي عليه السلام انه قال: كلما زاد على أربعة الاف، فهو كنز. أديت زكاته او لم تؤد، وما دونها فهو نفقة.

وقال أبوذر: من ترك بيضاء او صفراء كوي بها وسئل رسول الله صلى الله عليه واله عند نزول هذه الاية أي مال يتخذ، فقال: لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة تعين احدكم على دينه.

قوله تعالى: يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون(35)

آية.

قوله " يوم يحمى " متعلق بقوله " فبشرهم بعذاب اليم " في يوم يحمى عليها. ومعناه انه يدخل الذهب والفضة إلى النار فيوقد عليها يعني على الكنوز التى كنزوا فالهاء في قوله " عليها " عائدة على الكنوز او الفضة.

والاحماء جعل الشئ حارا في الاحساس، وهو فوق السخان، وضده النبريد تقول: حمى حما وأحماه احماء إذا امتنع من حر النار.

وقوله " فتكوى " فالكي إلصاق الشئ الحار بالعضو من البدن. ومنه قولهم اخر الداء الكي لغلظ أمره كقطع العضو إذا عظم فساده تقول: كواه يكويه؟؟؟ واكتوى اكتواء.

___________________________________

(1) مقاييس اللغة 3 / 445 واللسان (خيل).

[213]

وقوله " جباههم " جمع جبهة وهي صفحة اعلى الوجه فوق الحاجبين. وجبهه بالمكروه يجبهه جبها إذا استقبله به " وجنوبهم " جمع جنب والجنب والضلع والابطل نظائر " وظهورهم " جمع ظهر، وهو الصفحة العليا من خلف، المقابلة للبطن يقال: كتب في ظهر الدرج وبطنه إذا كتب في جانبيه.

والمعنى ان الله يحمي هذه الكنوز بالنار ليكوي بها جباه من كنزها ولم يخرج حق الله منها وجنوبهم وظهورهم، فيكون ذلك اشد لعذابهم وأعظم لخزيهم.

وقوله " هذا ما كنزتم " اي يقال لهم: هذا ما ذخرتموه لانفسكم " فذقوا ما كنتم تكنزون " ومعناه فاطعموا جزاء ما كنتم تدخرونه من منع الزكوات والحقوق الواجبة في أموالكم.

قوله تعالى: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيّم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين(36)

آية.

قرأ ابوجعفر " اثنا عشر " و " أحد عشر " و " تسعة عشر " بسكون الشين فيهن إلا أن النهرواني روى عنه حذف الالف التي قبل العين.

لما ذكر الله تعالى وعيد الظالم لنفسه بكنز المال من غير اخراج الزكاة وغيرها من الحقوق التي لله منه اقتضى ذلك ان يذكر النهي عن مثل حاله، وهو الظلم في الاشهر الحرم التي تؤدي إلى مثل حاله او شر منها في سوء المنقلب، فأخبر تعالى " ان عدة الشهور " في السنة على ما تعبد الله المسلمين بأن يجعلوه لسنتهم دون ما يعتبره مخالفوا الاسلام " إثنا عشر شهرا " وانما قسمت السنة اثني عشر شهرا لتوافق أمر

[214]

الاهلة مع نزول الشمس في اثني عشر برجا تجري على حساب متفق، كما قال: " الشمس والقمر بحسبان "(1) والشهر مأخوذ من شهرة أمره لحاجة الناس اليه في معاملاتهم ومحل ديونهم وحجهم وصومهم، وغير ذلك من مصالحهم المتعلقة بالشريعة.

وقوله " في كتاب الله " معناه فيما كتبه الله في اللوح المحفوظ وفي الكتب المنزلة على أنبيائه.

وقوله " يوم خلق السماوات والارض " متصل ب‍ " عند الله " والعامل فيها الاستقرار. ثم بين أمر هذه الاثني عشر شهرا " منها أربعة حرم " وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب: ثلاثة سرد وواحد فرد كما يعتقده العرب.

ومعنى " حرم " انه يعظم انتهاك المحارم فيها اكثر مما يعظم في غيرها، وكانت العرب تعظمها حتى ان الرجل لو لقي قاتل أبيه لم يهجه لحرمته. وانما جعل الله تعالى بعض الشهور اعظم حرمة من بعض لما علم في ذلك من المصلحة في الكف عن الظلم فيها، فعظم منزلتها، وانه ربما أدى ذلك إلى ترك الظلم اصلالا نطفاء النائرة تلك المدة وانكسار الحمية، فان الاشياء تجر إلى اشكالها.

وقوله " ذلك الدين القيم " معناه التدين بذلك هو الدين المستقيم.

وقوله " فلا تظلموا فيهن أنفسكم " نهي منه تعالى لخلقه عن أن يظلموا انفسهم لان من فعل قبيحا يستحق عليه العقاب، فقد ظلم نفسه بذلك بادخال الضرر عليها وقال ابومسلم: معناه لاتدعوا قتال عدوكم في هذه الاشهر بأجمعكم، ولا تمتنعوا من أحد الا من دخل تحت الجزية والصغار، وكان من أهلها بدلالة قوله " وقاتلوا المشركين كافة " وكافة مشتقة من كفة الشئ وهي طرفه وانما أخذ من أن الشئ إذا انتهى إلى ذلك كف عن الزيادة، ولا يثنى كافة ولا يجمع.

وقوله " وقاتلوا المشركين كافة " امر منه تعالى بقتال المشركين أجمع: امر

___________________________________

(1) سورة 55 الرحمان آية 5

[215]

الله تعالى المؤمنين بأن يقاتلوهم كماأن المشركين يقاتلونهم كذلك، والضمير في قوله " فيهن " يحتمل أن يكون عائدا على الشهور كلها على ما قال ابن عباس، ويحتمل أن يعود على الاربعة الحرم على ما قال قتادة لعظم أمرها.

واختار الفراء رجوعه إلى الاشهر الحرم. قال لانه لو رجع إلى الاثني عشر لقال فيها.

والصحيح ان الجميع جائز وانما خص الاربعة اشهر بذلك في قول قتادة لتعاظم الظلم لان أن الظلم يجوز فعله على حال من الاحوال.

وقوله " ذلك الدين القيم " معناه ذلك الحساب الصحيح هو الدين القيم لا ما كانت عليه العرب من النسئ.

وقيل: معناه ذلك التدين هو الدين القيم.

وقوله " كافة " نصب على المصدر، ولايدخل عليها الالف واللام، لانه من المصادر التي لاتنصرف لوقوعه موقع معا وجمعا بمعنى المصدر الذي هو في موضع الحال المذكورة، فهو في لزوم النكرة نظير أجمعين في لزوم المعرفة.

وقوله " واعلموا ان الله مع المتقين " لمعاصيهم وما يؤدي إلى عقابه ويكون معهم بالنصرة والولاية دون الاجتماع في مكان او محل، لان الله لايجوز عليه ذلك لانه من امارت الحدث.

قوله تعالى: إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لايهدي القوم الكافرين(37)

آية قرأ ابوجعفر وابن فرج عن البزي " انما النسي " من غير همز قلب الهمزة ياء وادغم الياء الاولى فيها فلذلك شدد.. الباقون " النسئ " ممدود مهموز على وزن فعيل.

وروي عن ابن مجاهد وابن مسعود عن عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير

[216]

" النس‌ء " على وزن النسع.

وقرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر " يضل " بضم الياء وفتح الضاد.

وقرأ يعقوب بضم الياء وكسر الضاد.

الباقون بفتح الياء وكسر الضاد قال ابوعلي: وجه قراء‌ة ابن كثير اذا قرأت على وزن النسع ان (النسئ) التأخير.

قال ابوزيد: نسأت الابل في ظمئها يوما او يومين او اكثر من ذلك، والمصدر " النسئ " ويقال: الابل نسأتها على الحوض وأنا أنسأنها نسئأ إذا اخرتها عنه.

قال: وما روي عن ابن كثير من قراء‌ته بالياء فذلك على ابدال الياء من الهمزة، ولا أعلمها لغة في التأخير، كما ان ارجيت لغة في ارجأت. وما روي فيه من التشديد فعلى تخفيف الهمز، لان النسي بتشديد الياء على وزن فعيل بالتخفيف قياسي. وسيبويه لايجيز نحو هذا القلب الذي في النسئ الافي ضرورة الشعر. وابن زيد يراه ويروي كثيرا عن العرب. ومن قرأ بالمد والهمز فلانه اكثر هذا في المعنى.

قال أبوزيد: أنسأته الدين إنساء إذا أخترته واسم ذلك النسيئة والنسأ. وكان النسئ في الشهور تأخير حرمة شهر إلى شهر ليست له تلك الحرمة فيحرمون بهذا التأخير ما أحل الله ويحلون ما حرم الله.

والنسئ مصدر كالنذير والنكير وعذير الحي.

ولايجوز أن يكون (فعيلا) بمعنى مفعول لانه حمل على ذلك كأن معناه انما المؤخر زيادة في الكفر.

المؤخر الشهر وليس الشهر نفسه بزيادة في الكفر، وانما الزيادة في الكفر تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة.

وقال ابوعبيدة فيما روى عن الثوري من قوله: انما النسئ زيادة في الكفر، قال: كانوا قد وكلوا قوما من بني كنانة يقال لهم: بنوا فقيم وكانوا يؤخرون المحرم وذلك نساء الشهور لايفعلون ذلك الا في ذي الحجة اذا اجتمعت العرب للموسم، فينادي مناد أن افعلوا ذلك لحاجة او لحرب، وليس كل سنة يفعلون ذلك، فان ارادوا ان يحلوا المحرم نادوا هذا صفر وان المحرم الاكبر صفر، وربما جعلوا صفرا محرما مع ذي القعدة حتى يذهب الناس إلى منازلهم إذا نادى المنادي بذلك، وكانوا يسمون المحرم صفرا ويقدمون ويقدمون صفرا سنة ويؤخرونه.

[217]

وقال الفراء: والذي يتقدم به رجل بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة وكان رئيس الموسم، فيقول: أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولايرد لي قضاء فيقولون: نعم صدقت انسئنا شهرا اوأخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر وأحل المحرم فيفعل ذلك. وانما دعاهم إلى ذلك توالي ثلاثة اشهر حرم لايغيرون فيها وكان معاشهم في الغارة.

والذي كان ينسأها حين جاء الاسلام هو جنادة بن عوف بن ابي امية وكان في بني معدإن قبل بنو كنانة قال الشاعر:

ألسنا الناسئين على معد *** شهور الحل نجعلها حراما(1)

وقال ابن عباس كانوا يجعلون المحرم صفرا وقال ابوعلي: كانوا يؤخرون الحج في كل سنة شهرا وكان الذين ينسؤن بنو سليم، وغطفان، وهو ازن، ووافق حج المشركين في السنة التي حج فيها ابوبكر في ذي القعدة، فلما حج النبي صلى الله عليه واله في العام المقبل وافق ذلك في ذي الحجة فلذلك قال: ألا إن الزمان قد استدركه كهيئة يوم خلق السماوات والارض وقال مجاهد: فكان النسئ المنهي عنه في الاية تأخير الاشهر الحرم عما رتبها الله، وكانوا في الجاهلية يعملون ذلك وكان الحج يقع في غير وقته واعتقاد حرمة الشهر في غير أوانه، فبين تعالى أن ذلك زيادة في الكفر.

قال ابوعلي: من قرأ " يضل " بفتح الياء وكسر الضاد قال الذين كفروا لايخلوا أن يكونوا مضلين لغيرهم أوضالين هم في انفسهم فاذا كان كذلك لم يكن في حسن اسناد الضلال في قوله " يضل " اشكال، ألا ترى أن المضل لغيره ضال بفعله اضلال غيره كما ان الضال في نفسه الذي لم يضله غيره لايمتنع اسناد الضلال اليه ومن ضم الياء وكسر الضاد فمعناه ان كبراء‌هم واتباعهم يضلونهم بأمرهم اياهم بحملهم على هذا التاخير في الشهور.

وروي في التفسير ان رجلا من كنانة يقال له ابوثمامة كان يقول للناس في منصرفهم من الحج إن آلهتكم قد اقسمت لنحر من.

___________________________________

(1) قائله الكميت. تفسير القرطبي 8 / 138

[218]

وربما قال لنحلن هذا الشهر يعني المحرم فيحلونه ويحرمون صفرا وان حرموه احلوا صفرا وكانوا يسمونهما الصفرين فهذا اضلال من هذا المنادي.

ومن قرأ بضم الياء وفتح الضاد - وقيل انها قراء‌ة ابن مسعود - يقوي ذلك قوله " زين لهم سواء اعمالهم " اي زين ذلك لهم حاملوهم عليه وداعوهم اليه. وعلى هذه القراء‌ة يكون " الذين كفروا " في موضع رفع بانهم فاعلون والمفعول به محذوف وتقديره يضل منسؤا الشهور الذين كفروا تابعيهم والاخذين لهم بذلك.

ومعنى قوله " ليواطئوا " فالمواطأة موافقة امر التوطئة المعنى ليواطئوا العدة في الاربعة اشهر.

وقوله " زين لهم اعمالهم " قال الحسن وأبوعلي المزين لهم انفسهم والشيطان وقيل: زين بالشهوة وليجتنبوا المشتهى فذكر ذلك للتحذير والاعتراف به. والتزيين يكون بمعنى الفعل له ويكون بمعنى تقبل الطبع.

وإنما سمي انساؤهم زيادة في الكفر من حيث أنهم اعتقدوا أن ذلك صحيح وصواب فلذلك كان كفرا فلا حجة في ذلك ان تكون افعال الجوارح كفرا.

وقوله " والله لا يهدي القوم الكافرين " معناه انه لايهديهم إلى طريق الجنة اذ كانوا كفارا مستحقين لعذاب الابد.

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحيوة الدنيا من الاخرة فما متاع الحيوة الدنيا في الاخرة إلا قليل(38)

آية.

هذا خطاب من الله تعالى لجماعة من المؤمنين وعتاب وتوبيخ لهم بأنهم إذا قيل لهم على لسان رسوله " انفروا في سبيل الله " ومعناه اخرجوا في سبيل الله يعني الجهاد

[219]

وسماه سبيل الله، لان القيام به موصل إلى معنى الجنة ورضا الله تعالى والنفر الخروج إلى الشئ لامر هيج عليه وضده الهدوء تقول: نفر إلى الثغر ينفر نفرا ونفيرا ولايقال النفور إلا في المكروه كنفور الدابة عما تخاف، وقوله " اثاقلتم إلى الارض " اصله تثاقلتم وادغمت التاء في الثاء لمناسبتها لها وادخلت الف الوصل ليمكن الابتداء بها ومثله اداركوا قال الشاعر:

تولى الضجيع إذا ما استافها خصرا *** عذب المذاق إذا ما اتابع القبل(1)

والتثاقل تعاطي اظهار ثقل النفس ومثله التباطئ وضده التسرع.

ومعنى " اثاقلتم إلى الارض " قيل فيه قولان: احدهما - إلى المقام بارضكم ووطنكم. الثاني - لما اخرج من الارض من الثمر والزرع.

قال الحسن ومجاهد: دعوا إلى الخروج إلى غزوة تبوك بعد فتح مكة وغزوة الطائف، وكان ايام ادراك الثمرة ومحبة القعود في الظل فعاتبهم الله على ذلك. والاية مخصوصة بقوم من المؤمنين دون جميعهم، لان من المعلوم ان جميعهم لم يكن بهذه الصفة من التثاقل في الجهاد، وهو قول الجبائي وغيره.

فقال الله تعالى لهم على جهة التوبيخ، والتعنيف ارضيتم بالحياة الدنيا على الاخرة، آثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة الاخرة الباقية. وهو استفهام، والمراد به الانكار.

والرضا هو الارادة غير انها لاتوصف بذلك إلا اذا تعلقت بما مضى من الفعل والارادة توصف بما لم يوجد بعد قال تعالى مخبرا " فما متاع الحياة الدنيا في الاخرة الا قليل " اي ليس الانتفاع بما يظهر للحواس الاقيل ومنه قولهم: تمتع بالرياض والمناظر الحسان.

ويقال للاشياء التي لها أثمان: متاع تشبيها بالانتفاع به.

___________________________________

(1) معاني القرآن 1 / 438 والطبري 14 / 252 (استاف) الشئ قرب منه وشمه، و (القبل) - بضم القاف - جمع قبلة.

[220]

قوله تعالى: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير(39)

آية.

هذا تحذير من الله تعالى لهؤلاء الذين استبطأهم ووصفهم بالتثاقل عن سبيل الله بقوله " إلا تنفروا " أي إن لم تخرجواالى سبيل الله التي دعيتم اليها من الجهاد " يعذبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم " يقومون بنصرة نبيه ولا يتثاقلون فيه.

والاستبدال جعل أحد الشيئين بدل الاخر مع الطلب له والتعذيب بطول وقت العذاب، لانه من الاستمرار وقد يكون عقابا وغير عقاب.

وقوله " ولاتضروه شيئا " قيل فيمن يرجع اليه قولان: احدهما - انه يعود على اسم الله في قول الحسن.

قال: لانه غني بنفسه عن جميع الاشياء والاخر - قال الزجاج: إنها تعود إلى النبي صلى الله عليه واله لان الله عصمه من جميع الناس وقوله " والله على كل شئ قدير " معناه قادر على الاستبدال بكم وعلى غيره من الاشياء. وفيه مبالغة.

الآية: 40 - 59

قوله تعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم(40)

آية.

[221]

قرأ يعقوب وجده " وكلمة الله هي العليا " بالنصب على تقدير وجعل كلمة الله هي العليا ومن رفع استأنف، وهو أبلغ لانه يفيد أن كلمة الله العليا على كل حال.

وهذا ايضا زجر آخر وتهديد لمن خاطبه في الاية الاولى بانهم إن لم ينصروا النبي صلى الله عليه واله ولم يقاتلوا معه ولم يجاهدوا عدوه " فقد نصره الله " أي قد فعل الله به النصر حين اخرجه الكفار من مكة " ثاني اثنين ".

وهو نصب على الحال اي هو ومعه آخر، وهو ابوبكر في وقت كونهما في الغار من حيث " قال لصاحبه " يعني ابا بكر " لاتحزن " اي لا تخف. ولا تجزع " ان الله معنا " أي ينصرنا.

والنصرة على ضربين: احدهما - يكون نعمة على من ينصره. والاخر - لايكون كذلك، فنصرة المؤمنين تكون إحسانا من الناصر إلى نفسه لان ذلك طاعة لله ولم تكن نعمة على النبي صلى الله عليه واله. والثاني - من ينصر غيره لينفعه بما تدعوا اليه الحكمة كان ذلك نعمة عليه مثل نصرة الله لنبيه صلى الله عليه واله ومعنى " ثاني اثنين " أحد اثنين يقولون هذا ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة، وخامس خمسة، لانه مشتق من المضاف اليه.

وقد يقولون خامس اربعة أي خمس الاربعة بمصيره فيهم بعد أن لم يكن.

والغار ثقب عظيم في الجبل.

قيل: وهو جبل بمكة يقال له ثور، في قول قتادة.

وقال مجاهد: مكث النبي صلى الله عليه واله في الغار مع ابي بكر ثلاثا.

وقال الحسن: أنبت الله على باب الغار ثمامة، وهي شجيرة صغيرة.

وقال غيره: الهم العنكبوت؟؟؟؟ على باب الغار.

وأصل الغار الدخول إلى عمق الخباء.

ومنه قوله " إن أصبح ماؤكم غورا "(1) وغارت عينه تغور غورا اذا دخلت في رأسه.

ومنه أغار على القوم إذا أخرجهم من أخبيتهم بهجومه عليهم.

وقوله " فأنزل الله سكينته عليه " قيل فيمن تعود الهاء اليه قولان: احدهما - قال الزجاج: إنها تعود إلى النبي صلى الله عليه واله.

والثاني - قال الجبائي: تعود على أبي بكر

___________________________________

(1) سورة 67 الملك آية 30

[222]

لانه كن الخائف واحتاج إلى الامن لان من وعد بالنصر فهو ساكن القلب.

والاول أصح، لان جميع الكنايات قبل هذا وبعده راجعة إلى النبي صلى الله عليه واله ألا ترى أن قوله " إلا تنصروه " الهاء راجعة إلى النبي صلى الله عليه واله بلا خلاف، وقوله " فقد نصره الله " فالهاء أيضا راجعة إلى النبي صلى الله عليه واله وقوله " اذا اخرجه " يعني النبي صلى الله عليه واله " اذ يقول لصاحبه " يعني صاحب النبي صلى الله عليه اله ثم قال " فأنزل الله سكينته عليه " وقال بعده " وأيده بجنود " يعني النبي صلى الله عليه واله فلا يليق أن يتخلل ذلك كله كناية عن غيره وتأييد الله إياه بالجنود ما كان من تقوية الملائكة لقلبه بالبشارة بالنصر من ربه ومن القاء اليأس في قلوب المشركين حتى انصرفوا خائبين.

وقوله " وجعل كلمة الذين كفروا السفلى " أي جعلها نازلة دنية وأراد بذلك أن يسفل وعيدهم النبي صلى الله عليه واله وتخويفهم إياه فأبطل وعيدهم ونصر رسول الله والمؤمنين عليهم فعبر عن ذلك بأنه جعل كلمتهم كذلك، لاانه خلق كلمتهم كما قال " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا "(1).

وقيل: إن كلمة الذين كفروا الشرك، وكلمة الله التوحيد، وهي قول: لااله الا الله.

وقيل: كلمتهم هو ما تغامزوا عليه ومن قتله.

و " كلمة الله " ما وعد به من النصر والنجاة.

ثم أخبر ان " كلمة الله هي العليا " المرتفة اي هي المنصورة بغير جعل جاعل، لانها لايجوز أن تدعو إلى خلاف الحكمة.

وقوله " والله عزيز " معناه قادر لايقهر " حكيم " واضع الاشياء مواضعها ليس فيها وجه من وجوه القبح. وليس في الاية ما يدل على تفضيل أبي بكر، لان قوله " ثاني اثنين " مجرد الاخبار أن النبي صلى الله عليه واله خرج ومعه غيره، وكذلك قوله " اذ هما في الغار " خبر عن كونهما فيه، وقوله " اذ يقول لصاحبه " لامدح فيه أيضا، لان تسمية الصاحب لاتفيد فضيلة ألا ترى أن الله تعالى قال في صفة المؤمن والكافر " قال له صاحبه وهو

___________________________________

(1) سورة 43 الزخرف آية 19.

[223]

يحاوره أكفرت بالذي خلقك "(1) وقد يسمون البهيمة بأنها صاحب الانسان كقول الشاعر (وصاحبي بازل شمول) وقد يقول الرجل المسلم لغيره: ارسل اليك صاحبي اليهودي، ولايدل ذلك على الفضل، وقوله " لاتحزن " إن لم يكن ذما فليس بمدح بل هو نهي محض عن الخوف، وقوله " إن الله معنا " قيل إن المراد به النبي صلى الله عليه واله، ولو أريد به أبوبكر معه لم يكن فيه فضيلة، لانه يحتمل أن يكون ذلك على وجه التهديد، كما يقول القائل لغيره إذا رآه يفعل القبيح لاتفعل إن الله معنا يريد أن متطلع علينا، عالم بحالنا.

والسكينة قد بينا أنها نزلت على النبي صلى الله عليه واله بما بيناه من ان التأييد بجنود الملائكة كان يختص بالنبي صلى الله عليه واله فأين موضع الفضلية للرجل لولا العناد، ولم نذكر هذا للطعن على ابي بكر بل بينا أن الاستدلال بالاية على الفضل غير صحيح.

قوله تعالى: إنفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون(41)

آية.

هذا امر من الله تعالى للمؤمنين أن ينفروا إلى جهاد المشركين خفافا وثقالا وقيل في معنى " خفافا وثقالا " ثمانية أقوال: احدها - قال الحسن ومجاهد والضحاك والجبائي: إن معناه شبانا وشيوخا.

وثانيها - قال صالح: معناه أغنياء وفقراء.

وثالثها - قال ابن عباس وقتادة: نشاطا وغير نشاط.

ورابعها - قال ابوعمرو: ركبانا ومشاة.

وخامسها - قال ابن زيد: ذا صنعة وغير ذي صنعة.

وسادسها - قال الحكم: مشاغيل وغير مشاغيل.

وسابعها - قال الفراء: ذو العيال، والميسرة: هم الثقال، وذو العسرة وقلة العيال هم الخفاف.

وثامنها - ان يحمل

___________________________________

(1) سورة 18 الكهف آية 38

[224]

على عمومه فيدخل فيه جميع ذلك، وهو الاولى والاليق بالظاهر، وهو اختيار الطبري، والرماني ويكون ذلك على حال خفة النفير وثقله لان هذا الذي ذكر يجري مجرى التمثيل لما يعمل هذا العمل به.

وقوله " وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم " أمر من الله لهم بأن يجاهدوا في قتال اعدائه بأموالهم وأنفسهم. والجهاد بالمال واجب كالجهاد الانفس، وهو الانفاق في سبيل الله، وظاهر الاية يدل على وجوب ذلك بحسب الامكان. فمن لم يطق الجهاد إلا بالمال فعليه ذلك يعين به من ليس له مال.

وظاهر الاية يقتضي وجوب مجاهدة البغاة كما يجب مجاهدة الكفار، لانه جهاد في سبيل الله، ولقوله " فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله "(1) فأوجب قتال البغاة إلى حين يرجعوا إلى الحق.

وقوله " ذلكم خير لكم " إشارة إلى الجهاد وتقديره ذلك الجهاد خير لكم. وإنما قال " خير لكم " وان لم يكن في ترك الجهاد خير، لاحد أمرين: احدهما - خير من تركه إلى المباح. والثاني - ان فيه الخير لكم لافي تركه، فلايكون خير بمعنى أفعل من كذا.

وقوله " إن كنتم تعلمون " معناه إن كنتم تعلمون الخير في الجملة فاعلموا أن هذا خير.

وقال أبوعلي: معناه " ان كنتم تعلمون " صدق الله فيما وعد به من الثواب الدائم.

وقال أبوالضحى: أول ما نزل من سورة براء‌ة " انفروا ".

وقال مجاهد: أول ما نزل قوله " لقد نصركم الله.

وقال ابن عباس: نسخ هذه الاية قوله " وما كان المؤمنون لينفروا كافة "(2).

وقال جعفر بن قيس: هذا ليس بمنسوخ، لان المنسوخ مالا يجوز فعله. وهذا ليس بصحيح، لانه يجوز أن يكون وجوبه زال إلى الندب او الاباحة.

___________________________________

(1) سورة 49 الحجرات آية 9.

(2) سورة 9 التوبة آية 123

[225]

قوله تعالى: لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لا تّبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون(42)

آية.

هذه الاية في قوم تخلفوا عن النبي صلى الله عليه واله ولم يخرجوا معه إلى غزوة تبوك. وحسن الكناية عنهم وإن لم يجر لهم ذكر لكونهم داخلين في جملة الذين أمروا بالخروج مع النبي صلى الله عليه واله إلى الجهاد وأن ينفروا معه.

والمعنى لو كان المدعو اليه عرضا قريبا من الغنيمة وما يطمع فيه من المال " وسفرا قاصدا " معناه سفرا سهلا باقتصاده من غير طول في آخره. وسمي العدل قصدا، لانه مما ينبغي أن يقصد " لاتبعوك " يعني خرجوا معك وبادروا إلى اتباعك " ولكن بعدت عليهم الشقة " اي بعدت عليهم المسافة، لانهم دعوا إلى الخروج إلى تبوك ناحية الشام، فالشقة القطعة من الارض التي يشق ركوبها على صاحبها لبعدها.

ويحتمل أن يكون من الشق ويحتمل ان يكون من المشقة.

والشقة السفر والمشاقة.

وقريش يضمون الشين، وقيس يكسرونها.

وقريش يضمون العين من (بعدت).

وقوله " وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم " اخبار منه تعالى ان هؤلاء الذين ذكرهم يحلفون ويقسمون على وجه الاعتذار اليك ويقولون فيما بعد " لو استطعنا لخرجنا معكم " اي لو قدرنا وتمكنا من الخروج لخرجنا معكم ثم اخبر تعالى انهم " يهلكون أنفسهم " بذلك واخبر تعالى انه يعلم انهم يكذبون في هذا الخبر الذي أقسموا عليه. وفي الاية دلالة على أن الاستطاعة قبل الفعل لانهم لايخلون من احد امرين: إما أن يكونوا مستطيعين من الخروج وقادرين عليه ولم يخرجوا اولم يكونوا قادرين عليه وإنما حلفوا أنهم لو قدروا في المسقبل

[226]

لخرجوا، فان كان الاول فقد ثبت ان القدرة قبل الفعل، وإن كان المراد الثاني فقد أكذبهم الله في ذلك وبين انه لو فعل لهم الاستطاعة لما خرجوا، وفي ذلك أيضا تقدم القدرة على المقدور، وليس لهم أن يجعلوا الاستطاعة على آلة السفر وعدة الجهاد، لان ذلك ترك الظاهر من غير ضرورة فان حقيقة الاستطاعة القدرة وإنما يشبه غيرها بها على ضرب من المجاز، على انه إذا كان عدم الالة والعدة يعذر صاحبه في التأخر فمن ليس فيه قدرة اولى بأن يكون معذورا وفي الاية دلالة على النبوة لانه اخبر انهم سيحلفون في المستقبل على ذلك بالله " لو استطعنا لخرجنا معكم " فجاؤا فيما بعد وحلفوا على ما اخبر به.

قوله تعالى: عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين(43)

آية.

هذه خطاب فيه بعض العتاب للنبي صلى الله عليه واله في إذنه من استأذنه في التأخر فأذن له، فأخبر الله بأنه كان الاولى ان لاتأذن لهم وتلزمهم الخروج معك حتى اذا لم يخرجوا ظهر نفاقهم، لانه متى أذن لهم ثم تأخروا لم يعلم بالنفاق كان تأخر هم أم بغيره. وكان الذين استأذنوه منافقين.

وحقيقة العفو الصفح عن الذنب، ومثله الغفران، وهو ترك المؤاخذة على الاجرام.

وقد كان يجوز أن يعفو الله عن جميع المعاصي كفرا كان او غيره، غير أنه أخبر أنه لايعفو عن عقاب الكفر، لاجماع الامة على ذلك، وما عداه من الفسق باق على ما كان عليه من الجواز.

وانما قال " عفا الله عنك " على غير لفظ المتكلم لانه أفخم من الكناية لان هذا الاسم من اسماء التعظيم كما أن قولك إن رأي الامير افخم من قولك إني رأيت.

وقال ابوعلى الجبائي: في الاية دلالة على ان النبي صلى الله عليه واله كان وقع منه ذنب في هذا الاذن.

[227]

قال: لانه لايجوز أن يقال لم فعلت ما جعلت لك فعله؟ كما لايجوز أن يقول لم فعلت ما أمرتك بفعله.

وهذا الذي ذكره غير صحيح، لان قوله " عفا الله عنك " إنما هي كلمة عتاب له صلى الله عليه واله لم فعل ما كان الاولى به أن لايفعله، لانه وان كان له فعله من حيث لم يكن محظورا فان الاولى ان لايفعله، كما يقول القائل لغيره إذا رآه يعاتب أخاله: لم عاتبته وكلمته بما يشق عليه؟ وان كان له معاتبته وكلامه بما يثقل عليه. وكيف يكون ذلك معصية وقد قال الله في موضع آخر: " فان استاذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم " وإنما اراد الله أنه كان ينبغي أن ينتظر تاكيد الوحي فيه. ومن قال هذا ناسخ لذلك فعليه الدلالة.

وقوله " لم أذنت " فالاذن رفع التبعة، عاتب الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله لم أذن لقوم من المتأخرين عن الخروج معه إلى تبوك وإن كان له اذنهم لكن كان الاولى ان لايأذن " حتى يتبين لك " حتى يظهر لك " الذين صدقوا " في قولهم لو استطعنا لخرجنا معكم، لانه كان فيهم من اعتل بالمرض والعجز وعدم الحمولة " وتعلم الكاذبين " منهم في هذا القول.

قوله تعالى: لايستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الاخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين(44)

آية.

أخبر الله تعالى نبيه بعلامة المنافقين والكاذبين بأن بين أنه لايستأذن احد النبي صلى الله عليه واله في التأخر عنه والخروج معه إلى جهاد أعدائه ولايسأله الاذن في التأخر القوم الذين يؤمنون بالله ويصدقون به ويقرون بوحدانيته ويعترفون باليوم الاخر. والاستئذان طلب الاذن من الاذن.

ومعنى قوله " أن يجاهدوا " فيه حذف وتقديره لان لا يجاهدوا بحذف (لا) لان ذمهم قد دل عليه - هذا قول ابي علي

[228]

الجبائي - وقال الحسن: تقديره كراهية أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم.

وقال الزجاج: هو في موضع نصب، لان تقديره في أن يجاهدوا، فلما حذف حرف الجر انتصب، وعند سيبويه وغيره هو في موضع الجر.

وقوله " والله عليم بالمتقين " اخبار منه تعالى بانه يعلم من يتقي معصية الله ويخاف عقابه، ومن لايتقيه.

قال ابن عباس هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوه في القعود عن الجهاد وعذر للمؤمنين، فقال: لم يذهبوا حتى يسأذنوه. والمعنى انه لم يخرجهم من صفة المتقين إلا انه علم أنهم ليسوا منهم. فان قيل أي الجهادين أفضل: أجهاد السيف أم جهاد العلم؟ قيل: هذا بحسب الحاجة اليه والمصلحة فيه، وكذلك الجهاد بالمال والجهاد بالنفس. وإنما يقع التفاضل مع استواء الاحوال الا بمقدار الخصلة الزائدة من خصال الفضل.

وأجاز الرماني الجهاد مع الفساق إذا عاونوا على حق في قتال الكفار لانهم يطيعون في ذلك الفعل كما هم مطيعون في الصلاة والصيام وغير ذلك من شريعة الاسلام.

والظاهر من مذهب أصحابنا أنه لايجوز ذلك إلا ما كان على وجه الدفع عن النفس وعن بيضة الاسلام.

قوله تعالى: إنما يستأذنك الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون(45)

آية.

أخبر الله تعالى في هذه الاية بانه إنما يستأذن النبي صلى الله عليه واله في التأخر عن الجهاد والقعود عن القتال معه القوم " الذين لايؤمنون بالله " اي لا يصدقون بالله ولايعترفون به " واليوم الاخر " يعني بالبعث والنشور " وارتابت قلوبهم " يعني اضطربت وشكت.

والارتياب هو الاضطراب في الاعتقاد بالتقدم مرة والتأخر اخرى.

[229]

والريبة شك معه تهمة: رابني ريبا وريبة وارتاب ارتيابا، واستراب استرابة.

وقوله " فهم في ريبهم يترددون " معناه فهم في شكهم يذهبون ويرجعون والتردد هو التصرف بالذهاب والرجوع مرات متقاربة، مثل المتحير، رده ردا وردده ترديدا، وتردد ترددا وارتد ارتدادا، وراده مرادة، وتراد القوم تردادا، واسترده استردادا.

وقوله " في ريبهم يترددون " يدل على بطلان قول من يقول: إن المعارف ضرورة، لانه تعالى أخبر أنهم في شكهم يترددون، صفة الشاك المتحير في دينه الذي ليس على بصيرة من أمره.

وقيل في معنى اليوم الاخر قولان: احدهما - انه آخر يوم من أيام الدنيا والمؤذن بالكرة الاخيرة. الثاني - وهو الاقوى - انه يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة وهو الاظهر من مفهوم هذه اللفظة.

قوله تعالى: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين(46)

آية.

اخبر الله تعالى ان هؤلاء المنافقين لو ارادوا الخروج مع النبي صلى الله عليه واله نصرة له ورغبة في جهاد الكفار كما أراد المؤمنون ذلك لاعدوا للخروج عدة، وهو ما يتهيأ لهم معها الخروج، ولكن لم يكن لهم في ذلك نية وكان عزمهم على أن النبي صلى الله عليه واله ان لم يأذن لهم في الاقامة فخرجوا، أفسدوا عليك وضربوا بين أصحابك، وأفسدوا قلوبهم، فكره الله خروجهم على هذا الوجه، لان ذلك كفر ومعصية.

والله لا يكره الخروج الذي أمرهم به، وهو أن يخرجوا لنصرة نبيه وقتال عدوه والجهاد في سبيله كما خرج المؤمنون كذلك، فثبطهم الله عن الخروج الذي عزموا عليه ولم يثبطهم عن الخروج الذي أمرهم به، لان الاول كفر. والثاني طاعة.

[230]

وقوله " وقيل اقعدوا مع القاعدين " يحتمل شيئين: أحدهما - أن يكون القائلون لهم ذلك أصحابهم الذين نهوهم عن الخروج مع النبي نصرة له ورغبة في الجهاد.

والثاني - ان يكون ذلك من قول النبي صلى الله عليه واله لهم على وجه التهديد لاعلى وجه الاذن، ويجوز أن يكون إذنه لهم في القعود الذي عاتبه الله عليه.

وأنه كان الاولى أن لايأذن لهم فيه، ولا يجوز أن يكون ذلك من قول الله، لانه لو كان كذلك لكان مباحا لهم التأخر. اللهم إلا أن يكون ذلك على وجه التهديد، فيجوز أن يكون ذلك من قول الله.

والعدة والاهبة والالة نظائر.

والانبعاث الانطلاق بسرعة في الامر، ولذلك يقال: فلان لاينبعث في الحاجة أي ليس له نفاذ فيها.

والتثبط التوقف عن الامر بالتزهيد فيه ومثله التعقيل.

وقوله " مع القاعدين " يعني مع النساء والصبيان والمرضى والزمنى، ومن ليس به حراك.

وقال ابن اسحاق: كان الذين استأذنوه اشرافا ورؤساء كعبد الله بن أبي بن ابي سلول والحد بن قيس.

وزاد مجاهد رفاعة بن التابوت وأوس بن قبطي.

قوله تعالى: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم والله عليم بالظالمين(47)

آية.

بين الله تعالى في هذه الاية الوجوه في كراهية انبعاثهم ووجه الحكمة في نثبيطهم عن ذلك وهو ما علم من ان في خروجهم مفسدة للمؤمنين، لانه قال " لوخرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا " قال الفراء: لو قال ما زادكم يريد خروجهم لكان جائزا، وهذا من سعة العربية.

والخبال الفساد، والخبال الموت، والخبال لاضطراب في الرأي بتزيين أمر لقوم وتقبيحه لاخرين ليختلفوا وتفترق كلمتهم.

قوله " ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة " والايضاع الاسراع في السير بطرح العلق

[231]

قال الشاعر:

أرانا موضعين لامر غيب *** ونسحر بالطعام وبالشراب(1)

وقال آخر:

ياليتني فيها جذع *** أخب فيها وأضع(2)

وربما قالوا للراكب: وضع بغير الف، ومنه وضعت الناقة تضع وضعا، وأوضعتها إيضاعا.

ومعنى الايضاع هاهنا إسراعهم في الدخول بينهم للتضريب بنقل الكلام على وجه التخويف.

قال الحسن: معناه مشوا بينكم بالنميمة، لافساد ذات بينكم.

وقوله " وفيكم سماعون لهم " قيل في معناه قولان: احدهما - قال قتادة وابن اسحاق: فيكم القابلون منهم عند سماع قولهم، وقوله " إلا خبالا " استثناء منقطع وتقديره ما زادوكم قوة ولكن طلبوا لكم الخبال ويحتمل أن يكون المعنى إنهم على خبال في الرأي فيعقده حتى يصير خبالا فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا. الثاني - قال مجاهد وابن زيد: لهم عيون منهم ينقلون أخباركم إلى المشركين.

وقوله " يبغونكم الفتنة " معناه يطلبون لكم المحنة باختلاف الكلمة والفرقة.

قال الحسن: يبغونكم أن تكونوا مشركين.

وأصل الفتنة إخراج خبث الذهب بالنار، تقول: بغيتك كذا بمعني بغيت لك ومثله جلبتك وجلبت لك و " خلالكم " أي بينكم مشتق من التخلل، وهي الفرج تكون بين القوم في الصفوف وغيرها، ومنه قول النبي صلى الله عليه واله تراصوا في الصفوف لايتخللكم اولاد الخذف.

وقوله: " والله عليم بالظالمين " معناه - هاهنا - عالم بمن يستأذن

___________________________________

(1) مر تخريجه في 1 / 372.

(2) قائله دريد بن الصمة قاله يوم حنين: اللسان (وضع) وسيرة ابن هشام 4 / 82 وتفسير الطبري 14 / 278

[232]

النبي صلى الله عليه واله في التأخر شكا في الاسلام ونفاقا، وعالما بمن سمع حديث المؤمن وينقله إلى المنافقن فان هؤلاء ظالمون انفسهم وباخسون لها حظها من الثواب.

قوله تعالى: لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لكم الامور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون(48)

آية.

اقسم الله تعالى أن هؤلاء المنافقين " ابتغوا " أي طلبوا إفساد ذات بينكم وافترق كلمتكم في يوم أحد حتى انصرف عبدالله بن أبي بأصحابه وخذل النبي صلى الله عليه واله وكان هو وجماعة من المنافقين يبغون للاسلام الغوائل قبل هذا، فسلم الله المؤمنين من فتنتهم وصرفها عنهم.

وقوله " وقلبوا لك الامور " فالتقليب هو تصريف الشئ بجعل أسفله أعلاه مرة بعد أخرى، فهؤلاء صرفوا القول في المعنى للحيلة والمكيدة وقوله " حتى جاء الحق " أي حتى اتى الحق " وظهر أمر الله وهم كارهون " أي في حال كراهتهم لذلك، فهي جملة موضع الحال. والظهور خروج الشئ إلى حيث يقع عليه الادراك وقد يظهر المعنى للنفس إذا حصل العلم به.

قوله تعالى: ومنهم من يقول ائذن لي ولاتفتنّي ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين(49)

آية.

قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد: نزلت هذه الاية في ألحد بن قيس، وذلك ان النبي صلى الله عليه واله لما دعا الناس إلى الخروج إلى غزوة تبوك لقتال الروم جاء‌ه ألحد ابن قيس، فقال: يا رسول الله إني رجل مستهتر بالنساء فلا تفتني ببنات الاصفر، قال الفراء: سمي الروم أصفر، لان حبشيا غلب على ناحية الروم، وكان له بنات قد أخذن من بياض الروم وسواد الحبشة فكن صفرا لعسا، فنزلت هذه الاية فيه.

[233]

وقال الحسن وقتادة وأبوعبيدة وأبوعلي والزجاج: معنى ولا تفتني ولاتؤثمني بالعصيان في المخالفة التي توجب الفرقة، فتضمنت الاية ان من جملة المنافقين من استأذن النبي صلى الله عليه واله في التأخر عن الخروج، والاذن رفع التبعة في الفعل، وهو والاباحة بمعنى، وقال له " لاتفتني " اي لا تؤثمني بأن تكلفني المشقة في ذلك فأهم بالعصيان أو لا تفتني ببنات أصفر على ما حكيناه، فقال الله تعالى " ألا في الفتنة سقطوا " أي وقعوا في الكفر والمعصية بهذا القول وبهذا الفعل. والسقوط الوقوع إلى جهة السفل ووقوع الفعل حدوثه وسقوطه أيضا.

وقوله " وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " اخبار منه تعالى أن جهنم مطيفة بما فيها من جميع جهاتها بالكافرين. والاحاطة والاطافة والاحداق نظائر في اللغة. ولا يدل ذلك على انها لا تحيط بغير الكفار من الفساق الا ترى أنها تحيط بالزبانية والمتولين للعقاب، فلا تعلق للخوارج بذلك.

قوله تعالى: إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولّوا وهم فرحون(50)

آية.

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله بأن هؤلاء المنافقين الذين ذكر هم متى نال النبي صلى الله عليه واله والمؤمنين حسنة أي نعمة من الله تعالى وظفر باعدائهم وغنيمة ينالونها ساء‌هم ذلك وأحزنهم، وإن تصبهم مصيبة أي آفة في النفس او الاهل او المال - وأصلها الصوب - وهو الجري إلى الشئ، يقال: صاب يصوب صوبا، ومنه صوب الاناء إذا ميله للجري، والصواب اصابة الحق " يقولوا " يعني هؤلاء المنافقين " قد أخذنا أمرنا من قبل " ومعناه قد حذرنا واحترزنا، في قول مجاهد وغيره، ومعناه

[234]

اخذنا امرنا من مواضع الهلكة فسلمنا مما وقعوا فيه " ويتولوا " اي يعرضوا " وهم فرحون " يعني فرحين بتأخرهم وسلامتهم مما نال المؤمنين من المصيبة. والاصابة وقوع الشئ بما قصدبه.

قوله تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولينا وعلى الله فليتوكل المؤمنون(51)

آية.

امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله ان يقول لهؤلاء المنافقين الذين يفرحون بمصيبات المؤمنين وسلامتهم منها " لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " وقيل في معناه قولان: احدهما - ان كل ما يصيبنا من خير أو شر فهو مما كتبه الله في اللوح المحفوظ من أمرنا، وليس على ما تظنون وتتوهمون من اهمالنا من غير أن نرجع في أمرنا إلى تدبير ربنا، هذا قول الحسن. الثاني - قال الجبائي والزجاج: يحتمل أن يكون معناه لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كتب الله لنا في القرآن من النصر الذي وعدنا.

وقال البلخي: يجوز ان يكون (كتب) بمعنى علم ويجوز ان يكون بمعنى حكم، والاولان أقوى.

فان قيل: ما الفائدة في كتب ما يكون من افعال العباد قبل كونها؟ قلنا في ذلك مصلحة للملائكة ما يقابلون به فيجدونه متفقا في الصحة، مع ان تصور كثرته اهول في النفس وأملا للصدر.

وقوله: " هو مولانا " يحتمل معنيين: احدهما - انه مالكنا ونحن عبيده. والثاني - فان الله يتولى حياطتنا ودفع الضرر عنا.

وقوله " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " امر منه تعالى للمؤمنين ان يتوكلوا عليه تعالى دون غيره. والتوكل تغويض الامر إلى الله والرضا بتدبيره والثقة بحسن اختياره. كما قال " ومن يتوكل على الله فهو حسبه "(1) وحرف الجر الذي في

___________________________________

(1) سورة 63 الطلاق آية 3.

[235]

معنى الظرف متعلق بالامر في قوله " فليتوكل " وتقديره فليتوكل على الله المؤمنون وانما جاز تقديمه لانه لايلبس، ولا يجوز تقديمه على حرف الجزاء لانه يلبس بالجزاء في الجواب.

قوله تعالى: قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيَين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون(52)

آية.

روى ابن فليح والبزي إلا النقاش " هل تربصون " بتشديد التاء، وجهه أنه أراد تتربصون فادغم احد التاء‌ين في الاخرى. امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله ان يقول لهؤلاء المنافقين " هل تربصون بنا " والتربص التمسك بما ينتظر به مجئ حينه ولذلك قيل تربص بالطعام إذا تمسك به إلى حين زيادة سعره، وقوله " إلا احدى الحسنيين " واحدى الشيئين واحدد منهما، واحد العشر واحد منها، واحدى النساء معناه واحدة منهن. والحسنيان عظيمان في الحسن من النعم ومعانيهما هاهنا إما الغلبة بنصر الله عزوجل والشهادة المودية إلى الجنة، في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم. و (هل) حرف من حروف الاستفهام والمراد هاهنا التقريع بالتربص المؤدي صاحبه إلى كل ما يكرهه من خيبته وفوز خصمه.

وقوله " ونحن نتربص بكم " أي قل لهؤلاء: ونحن ايضا نتوقع بكم ان يوقع بكم عذابا " من عنده " يهلككم به " او بأيدينا " بأن ينصرنا عليكم فيقتلكم بأيدينا.

وقوله " فتربصوا " صورته صورة الامر والمراد به التهديد كما قال: " اعملوا ما شئتم "(1) " واستفزز من استطعت "(2) وانما قلنا ذلك لان

___________________________________

(1) سورة 41 حم السجدة آية 40.

(2) سورة 17 الاسرى آية 64

[236]

تربص المنافقين بالمؤمنين تمسك بما يؤدي إلى الهلاك وذلك قبيح لايريده الله ولا يأمر به.

وقال الفراء: العرب تدغم لام هل وبل في التاء خاصة وهو كثير في كلامهم.

قوله تعالى: قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين(53)

آية.

أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله ان يقول لهؤلاء المنافقين " انفقوا " وصورته صورة الامر وفيه ضرب من التهديد وهو مثل قوله " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "(1) وانما هو بيان عن توسعة التمكين من الطاعة والمعصية، وقال قوم: معناه الخبر الذي تدخل (إن) فيه للجزاء كما قال كثير:

اسيئي بنا او احسني لاملومة *** لدينا ولامقلية ان تقلت(2)

كأنه قال: إن أحسنت أو أسأت لم تلامي، وإنما حسن ان يأتي بصيغة الامر على معنى الخبر بتوسعة التمكين لانه بمنزلة الامر في طلب فعل ما يتمكن الذي قد عرفه المخاطب، كأنه قيل اعمل بحسب مايوجبه الحق فيما مكنت من الامرين. ووجه آخر أن كل واحد من الضربين كالمأمور به في انه لايعود وبال العائد الاعلى المأمور.

وقوله " طوعا " فالطوع الانقياد بارادة لمن عمل عليها. والكره فعل الشئ بكراهة حمل عليها.

وقوله " لن يتقبل منكم " معناه لايجب لكم به الثواب على ذلك مثل تقبل الهدية ووجوب المكافاة وتقبل التوبة وايجاب الثواب عليها، ومثله في كل طاعة.

وقوله " إنكم كنتم قوما فاسقين " اخبار منه تعالى وخطاب لهؤلاء المنافقين بأنهم كانوا فاسقين متمردين عن طاعة الله، فلذلك لم يقبل نفقاتهم وإنما كانوا ينفقون

___________________________________

(1) سورة 18 الكهف آية 29.

(2) معاني القرآن 1 / 441 وقد مر في 1 / 327

[237]

أموالهم في سبيل الله المرياء دفعا عن انفسهم.

قوله تعالى: وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولايأتون الصلوة إلاوهم كسالى ولاينفقون إلا وهم كارهون(54)

آية.

قرأ اهل الكوفة الا عاصما " ان يقبل " بالياء. الباقون بالتاء.

وجه قراء‌ة من قرأ بالياء ان التأنيث ليس بحقيقي فجاز أن يذكر كقوله " فمن جاء موعظة "(1) ومن قرأ بالتاء فعلى ظاهر التأنيث. والمنع أمر يضاد الفعل وينافيه.

والمعنى هاهنا أن هؤلاء المنافقين منعوا انفسهم ان يفعل بهم قبول نفقاتهم، كما يقول القائل: منعته بري وعطائي.

وقوله " ان تقبل " في موضع نصب، وتقديره وما منعهم من أن تقبل وحذف (من).

وقوله " إلا أنهم كفروا بالله ورسوله " انهم في موضع رفع والعامل في اعراب انهم يحتمل احد امرين: احدهما - ما منعهم من ذلك إلا كفرهم.

والثاني - أن يكون تقديره ما منعهم الله منه إلا لانهم كفروا بالله.

وعندنا ان الكافر لايقع منه الانفاق على وجه يكون طاعة، لانه لو أوقعها على ذلك الوجه لاستحق الثواب.

والاحباط باطل، فكان يؤدي إلى ان يكون مستحقا للثواب. وذلك خلاف الاجماع وعند من خالفنا من المعتزلة وغيرهم يصح ذلك، غير انه ينحبط بكفره فأما الصلاة فلا يصح أن تقع منهم على وجه تكون طاعة بلا خلاف، لان الصلاة طريقها الشرع فمن لايعترف بالشرع لايصح أن يوقعها طاعة، وليس كذلك الانفاق، لان العقل دال على حسنه غير انهم وإن علموا ذلك لايقع منهم كذلك على ما بيناه.

___________________________________

(1) سورة 2 البقرة آية 275

[238]

وقوله " ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى " اي يقومون اليها على وجه الكسل وذلك ذم لهم بانهم يصلون الصلاة على غير الوجه الذي امروا به، من النفاق الذي يبعث على الكسل عنها دون الايمان الذي يبعث على النشاط لها.

وقوله " ولا ينفقون إلا وهم كارهون " اخبار منه تعالى بأنهم لاينفقون ما ينفقونه لكونه طاعة بل ينفقونه كارهين لذلك وذلك يقوي ما قلناه.

قوله تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون(55)

آية.

هذا نهي للنبي صلى الله عليه واله والمراد به المؤمنون والمعنى: لا يروق ناظر كم ايها المؤمنون ظاهر حسنها يعني اموال المنافقين والكفار واولادهم تستحسنونه بالطبع البشري. وانما قلنا ذلك. لان النبي صلى الله عليه واله مع زهده لايجوز ان يعجب بها اعجاب مشته لها.

وقوله " إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا " وقيل في معنى ذلك وجوه: احدها - قال ابن عباس وقتادة والفراء: ان فيه التقديم والتأخير والتقدير فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم في الحياة الدنيا انما يريد الله ليعذبهم بها في الاخرة، فيكون الظرف على هذا متعلقا بأموالهم وأولادهم، ومثله قوله تعالى " فالقه اليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون "(1) وتقديره فالقه اليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم.

الثاني - قال ابن زيد: معناه انما يريد الله ليعذبهم بحفظها والمصائب فيها مع حرمان النفقة بها.

___________________________________

(1) سورة 27 النمل آية 28

[239]

والثالث - قال الجبائي: تقديره انما يريد الله ليعذبهم في الحياة الدنيا عند تمكن المؤمنين من اخذها وغنمها فيتحسرون عليها ويكون ذلك جزاء على كفرهم نعم الله تعالى بها.

والرابع - قال البلخي والزجاج: ان معناه فلا تعجبك اموالهم، فانها وبال عليهم، لان الله يعذبهم بها اي بما يكلفهم من انفاقها في الوجوه التي امرهم بها فتزهق انفسهم لشدة ذلك عليهم لانفاقهم، وهم مع هذا كله كافرون وعاقبتهم النار فيكون قوله " وهم كافرون " اخبارا عن سوء احوالهم وقلة نفع المال والولد لهم ولايكون عطفا على ما مضى.

والخامس - أن يكون المعنى أن مفارقتها وتركها والخروج عنها بالموت صعب عليهم شديد، لانهم يفارقون النعم ولايدرون إلى ماذا يصيرون بعد الموت فيكون حينئذ عذابا عليهم. بمعنى ان مفارقتها غم وعذاب.

ومعنى " وتزهق انفسهم " اي تهلك وتذهب بالموت يقال: زهق بضاعة فلان اي ذهبت اجمع.

السادس - قال الحسن: اخبر الله تعالى عن عاقبتهم انهم يموتون على النفاق.

وقال: ليعذبهم بزكاتها وانفاقها في سبيل الله، وهو قول البلخي ايضا والزجاج مع اعتقادهم ان ذلك ليس بقربة، فيكون ذلك عذابا أليما.

واللام في قوله " ليعذبهم " يحتمل ان يكون بمعنى (أن) والتقدير إنما يريد الله أن يعذبهم.

والزهق الخروج بصعوبة.

وأصله الهلاك، ومنه قوله " قل جاء " الحق وزهق الباطل "(1) وكل هالك زاهق، زهق يزهق زهوقا.

والزاهق من الدواب السمين الشديد السمن، لانه هالك يثقل بدنه في السير والكر والفر.

وزهق فلان بين ايدي القوم إذا زهق سابقا لهم حتى يهلك منهم.

والاعجاب السرور بما يعجب منه تقول: اعجبني حديثه اي سرني بظرف حديثه.

وليس في الاية ما يدل على ان الله تعالى اراد الكفر على ما يقوله المجبرة، لان قوله " وهم كافرون " في موضع الحال كقولك اريد ان تذمه وهو كافر واريد ان تضربه وهو عاص وأنت لاتريد كفره ولاعصيانه بل تريد ذمه في حال

___________________________________

(1) سورة 17 الاسرى آية 81

[240]

كفره وعصيانه، وتقديره الاية إنما يريد الله عذابهم وازهاق انفسهم اي اهلاكها في حال كونهم كافرين، كما يقول القائل للطبيب: اختلف الي كل يوم وأنا مريض، وهو لايريد المرض، ويقول لغلامه: اختلف الي وأنا محبوس، ولايريد حبس نفسه.

قوله تعالى: ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون(56)

آية.

اخبر الله تعالى عن هؤلاء المنافقين انهم يقسمون بالله انهم لمنكم يعني من المؤمنين وعلى دينهم الذي يدينون به. ثم قال الله تعالى مكذبا لهم " وما هم منكم " اي ليسوا مؤمنين مثلكم ولا مطيعين لله في اتباع دينه كما انتم كذلك، ولكنهم قوم يفرقون اخبار منه تعالى ان هؤلاء المنافقين يفرقون من اظهار الكفر لئلا يقتلوا والفرق انزعاج النفس بتوقع الضرر. وأصله من مفارقة الامن إلى حال الانزعاج.

قوله تعالى: لو يجدون ملجئاً أو مغارات أو مدخلا لولّوا إليه وهم يجمحون(57)

آية.

قرأ يعقوب " أو مدخلا " بفتح الميم وتخفيف الدال وسكونها.

وقرأ شاذ " مدخلا " بضم الميم وسكون الدال.

اخبر الله تعالى عن هؤلاء المنافقين انهم لو وجدوا ملجأ.

ومعناه لو ادركوا مطلوبهم، يقال: وجدت الضالة وجدانا ووجدت على الرجل وجدا وموجدة.

والملجأ الموضع الذي يتحصن فيه ومثله المعقل والموئل، والمعتصم والمنتصر.

[241]

وقال ابن عباس: معناه هاهنا حرزا.

وقال مجاهد: أي حصنا، ومثله يستعمل في الناصر والمساعد.

وقوله " أو مغارات " اي لو وجدوا مغارات، وهي جمع مغارة وهي المداخل الساتر من دخل فيه.

وقال ابن عباس: معناه المغارات والغيران والغار الثقب الواسع في الجبل، ومنه غارت العين من الماء إذا غابت في الارض، وغارت عينه إذا دخلت في رأسه.

والمدخل المسلك الذي يتدسس بالدخول فيه وهو مفتعل من الدخول كالمتلج من الولوج. وأصله متدخل.

وقال ابن عباس وأبوجعفر عليه السلام والفراء: المدخل الاسراب في الارض.

وقوله " لولوا اليه وهم يجمحون " فالجماح مضي الماء مسرعا على وجهه لايرده شئ عنه.

وقال الزجاج: فرس جموع، وهو الذي إذا حمل لم يرده اللجام.

وقيل: هو المشئ بين المشيين قال مهلهل:

لقد جمحت جماحا في دمائهم *** حتى رأيت ذوي أجسامهم جمدوا

وقال الزجاج: معنى (مدخلا) اي لو وجدوا قوما يدخلون في جملتهم أو قوما يدخلونهم في جملتهم يعتصمون بهم لفعلوا.

قوله تعالى: ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون(58)

آية.

قرأ يعقوب " يلمزك " بضم الميم. الباقون بكسرها، وهما لغتان، وهذه الاية فيها اخبار أن من جملة المنافقين الذين ذكرهم من يلمزك يا محمد صلى الله عليه واله في الصدقات اي يعيبك.

وفي قول الحسن.

واللمز العيب على وجه المساترة، والهمز العيب - بكسر العين وغمزها - في قول الزجاج - تقول: لمزه يلمزه ويلمزه - بالكسر والضم - وهي صفتهم قال الشاعر:

[242]

إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة *** وان تغببت كنت الهامز اللمزه(1)

وقال رؤبة:

قالت بين عنقي وجمزي *** في ظل عصري باطلي ولمزي(2)

وقال ابوعبيدة: يلزمك معناه يعيبك.

وقال قتادة: معناه يطعن عليك.

والهمز الغيبة.

ومنه قوله " هماز مشاء بنميم "(3).

وقيل لاعرابي: أتهمز الفأزة؟ قال: الهر يهمزها، فأوقع الهمز على الاكل، والهمز كاللمز، ومنه قوله " أيحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا "(4) والصدقات جمع صدقة وهي العطية للفقير على وجه البر والصلة، والصدقة الواجبة في الاموال حرام على رسول الله وأهل بيته كأنهم جعلوا في تقدير الاغنياء، فأما البر على وجه التطوع فهو مباح لهم.

وقوله " فان أعطوا منها رضوا " يعني من الصدقات رضوا بذلك وحمدوك عليه وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " يعني إذا لم يعطوا ما طلبوه من الصدقات سخطوا وغضبوا. والصدقة محرمة على من كان غنيا.

واختلفوا في حد الغني، فقال قوم: هو من ملك نصابا من المال.

وقال آخرون: هو من كانت له مادة تكفيه، ملك النصاب أو لم يملك، والذي كان يلمز النبي صلى الله عليه اله في الصدقات بلتعة بن حاطب، وكان يقول: إنما يعطي محمد الصدقات من يشاء فربما أعطاه النبي صلى الله عليه واله فيرضى وربما منعه فسخط، فتلكم فيه، فنزلت الاية فيه.

___________________________________

(1) قائله زياد الاعجم مجاز القرآن 1 / 263 واللسان " همز " ومقاييس اللغة 6 / 66 وتفسير الطبري 14 / 301 وفيه اختلاف كثير في الرواية.

(2) ديوانه: 64 وتفسير الطبري 14 / 300.

(3) سورة 68 القلم آية 11.

(4) سورة 49 الحجرات آية 12

[243]

قوله تعالى: ولو أنهم رضوا ما آتيهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون(59)

آية.

اخبر الله تعالى في هذه الاية ان هؤلاء المنافقين الذين طلبوا منك الصدقات وعابوك بها لو رضوا بما اعطاهم الله ورسوله " وقالوا " مع ذلك " حسبنا الله " اي كفانا الله وانه سيعطينا الله من فضله وانعامه ويعطينا رسوله مثل ذلك وقالوا " انا إلى الله راغبون " والجواب محذوف والتقدير لكان خيرا لهم وأعود عليهم وحذف الجواب في مثل هذا ابلغ لانه لتأكيد الخبر به استغنى عن ذكره.

الآية: 60 - 79

قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم(60)

آية.

اخبر الله تعالى في هذه الاية انه ليست الصدقات التي هي زكاة الاموال إلا للفقراء والمساكين ومن ذكرهم في الاية. واختلفوا في الفرق بين الفقير والمسكين، فقال ابن عباس والحسن وجابر وابن زيد والزهري ومجاهد: الفقير المتعفف الذي لايسأل، والمسكين الذي يسأل، ذهبوا إلى أنه مشتق من المسكنة بالمسألة.

وروى أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال (ليس المسكين الذي ترده الاكلة والاكلتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى فيغنيه ولايسأل الناس إلحافا) وقال قتادة: الفقير ذو الزمانة من اهل الحاجة. والمسكين من كان صحيحا محتاجا.

وقال قوم: هما بمعنى واحد إلا انه ذكر بالصفتين لتأكيد امره قال الشاعر:

انا الفقير كانت حلوبته *** وفق العيال فلم يترك له سبد(1)

___________________________________

(1) اللسان (وفق). الحلوبة: الناقة التي تحلب (وفق العيال) على قدر حاجتهم و (السبد) كناية عن القليل وأصله الوبر وهو الشعر الضعيف.

[244]

ويسمى المحتاج فقيرا تشبيهابأن الحاجة كأنها قد كسرت فقار ظهره يقال: فقر الرجل فقرا وأفقره الله افقارا وافتقر افتقارا، وتفاقر تفاقرا.

وسمي المسكين بذلك تشبيها بأن الحاجة كأنها سكنته عن حال اهل السعة والثروة.

قال الله تعالى " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر "(1) فمن قال: المسكين أحسن حالا احتج بهذه الاية.

ومن قال هما سواء قال: السفينة كانت مشتركة بين جماعة لكل واحد منهم الشئ اليسير.

وقوله " والعاملين عليها " يعني سعاة الزكاة وجباتها، وهو قول الزهري وابن زيد وغيرهم.

وقوله " والمؤلفة قلوبهم " معناه أقوام أشراف كانوا في زمن النبي صلى الله عليه واله فكان يتألفهم على الاسلام ويستعين بهم على قتال غيرهم ويعطيهم سهما من الزكاة. وهل هو ثابت في جميع الاحوال ام في وقت دون وقت؟ فقال الحسن والشعبي: ان هذا كان خاصا على عهد رسول الله صلى الله عليه واله.

وروى جابر عن ابي جعفر محمد بن علي عليهما السلام ذلك.

واختار الجبائي انه ثابت في كل عصر الا ان من شرطه ان يكون هناك امام عدل يتألفهم على ذلك.

وقوله " وفي الرقاب " يعني المكاتبين واجاز اصحابنا ان يشترى به عبد مؤمن إذا كان في شدة ويعتق من مال الزكاة، ويكون ولاؤه لارباب الزكاة، وهو قول ابن عباس وجعفر بن مبشر.

وقوله " والغارمين " قال مجاهد وقتادة والزهري وجميع المفسرين، وهو قول ابي جعفر عليه السلام انهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا إسراف فتقضى عنهم ديونهم، و " في سبيل الله " يعني الجهاد بلا خلاف. ويدخل فيه عند أصحابنا جميع مصالح المسلمين، وهو قول ابن عمر وعطاء.

وبه قال البلخي، فانه قال: تبنى به المساجد والقناطر وغير ذلك، وهو قول جعفر بن مبشر. و " ابن السبيل " وهو المسافر

___________________________________

(1) سورة 18 الكهف آية 80.

[245]

المنقطع به فانه يعطى من الزكاة وان كان غنيا في بلده من غير ان يكون دينا عليه، وهو قول مجاهد وقتادة قال الشاعر:

انا ابن الحرب ربتني وليدا *** إلى ان شبت واكتهلت لداتي(1)

وقال بعضهم: جعل الله الزكاة لامرين: احدهما - سد خلة. والاخر - تقوية ومعونة لعز الاسلام. واستدل بذلك على ان المؤلفة قلوبهم في كل زمان. واختلفوا في مقدار ما يعطى الجابي للصدقة، فقال مجاهد والضحاك: يعطى الثمن بلا زيادة.

وقال عبدالله بن عمر بن العاص والحسن وابن زيد: هو على قدر عمالته، وهو المروي في اخبارنا.

وقال ابن عباس وحذيفة وعمر بن الخطاب وعطاء وابراهيم وسعيد بن جبير، وهو قول ابن جعفر وابي عبدالله عليهما السلام ان لقاسم الزكاة ان يضعها في اي الاصناف شاء. وكان بعض المتأخرين لا يضعها الا في سبعة أصناف لان المؤلفة قد انقرضوا. وان قسمها الانسان عن نفسه، ففي ستة لانه بطل سهم العامل، وزعم انه لايجزي في كل صنف أقل من ثلاثة. وعندنا ان سهم المؤلفة والسعاة وسهم الجهاد قد سقط اليوم، ويقسم في الخمسة الباقية كما يشاء رب المال وان وضعها في فرقة منهم جاز.

وقوله " فريضة من الله " نصب على المصدر اي فرض ذلك فريضة وكان يجوز الرفع على الابتداء ولم يقرأ به، ومعناه ان ما فرضه الله وقدره واجب عليكم.

وقوله " والله عليم حكيم " معناه عالم بمصالحكم حكيم فيما يوجبه عليكم من اخراج الصدقات وغير ذلك.

___________________________________

(1) تفسير الطبري 14 / 320

[246]

قوله تعالى: ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم(61)

آية.

قرأ نافع " أذن خير " بالتخفيف الباقون بالتثقيل. وكلهم أضاف.

ورفع " ورحمة " الا أبا عمرو فانه جر (ورحمة) وكان يجوز النصب على (ورحمة) يفعل ذلك، ولم يقرأ به أحدا، قال أبوعلي: تخفيف " أذن " من أذن قياس مطرد نحو طنب وطنب، وعنق وعنق وظفر وظفر لان ذلك تخفيف وتثقيل لاتفاقهما في الوزن وفي جمع التكسير تقول: آذان وأطناب وأعناق وأظفار، فأما الاذن في الاية فانه يجوز ان يطلق على الجملة وان كان عبارة عن جارحة فيها، كما قال الخليل في الناب من الابل سميت به لمكان الناب البازل، فسميت الجملة كلها به.

ويجوز أن يكون (فعلا) من اذن ياذن اذا استمع.

ومعناه انه كثير الاستماع مثل شلل وأنف وشحح، قال ابوزيد: رجل اذن ويقن اذا كان يصدق بكل ما يسمع فكما ان (يقن) صفة كبطل كذلك (اذن) كشلل، ويقولون: اذن يأذن اذا استمع، ومنه قوله " وأذنت لربها "(1) اي استمعت، وقوله " ائذن لي "(2) اي استمع.

وفي الحديث (ما اذن الله لشئ كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن) قال الشاعر:

في سماع يأذن الشيخ له *** وحديث مثل ما ذي مشار(3)

والمعنى - في الاضافة - مستمع خير لكم وصلاح ومصغ اليه، لامستمع شر وفساد.

ومن رفع (رحمة) فالمعنى فيه أذن خير ورحمة اي مستمع خير ورحمة فجعله للرحمة لكثرة هذا المعنى فيه، كما قال " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "(4) ويجوز ان يقدر حذف المضاف من المصدر.

وأما من جر فعطفه على (خير) كأنه قال اذن خير ورحمة، وتقديره مستمع خير ورحمة. وجاز هذا كما جاز مستمع

___________________________________

(1) سورة 84 الانشقاق آية 2.

(2) سورة 9 التوبة آية 50.

(3) اللسان (اذن) نسبه إلى (عدي) والماذي المشار: العسل المصفى.

(4) سورة 21 الانبياء آية 107.

[247]

خير، لان الرحمة من الخير وإنما خص تشريفا، كما قال " اقرأ باسم ربك الذي خلق " ثم قال " خلق الانسان من علق "(1) وان كان قوله تعالى " خلق " عم الانسان وغيره.

والبعد بين الجار وما عطف عليه لا يمنع من العطف ألا ترى ان من قرأ " وقيله يارب " انما جعله عطفا على " وعنده علم الساعة "(2) وعلم قيله.

وروي ان الاعمش قرأ قل " اذن خير ورحمة " وهي قراء‌ة ابن مسعود. اخبر الله تعالى في هذه الاية ان من جمله هؤلاء - المنافقين الذين وصفهم وذكرهم - من يؤذي النبي صلى الله عليه واله والاذى هو ضرر ربما تنفر منه النفس في عاجل الامر وانهم يقولون هو اذن يعنون النبي صلى الله عليه واله.

ومعنى (اذن) انه يصغي إلى كل احد فيقبل ما يقوله - في قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك - وقيل اصله من اذن اذا استمع على ما بيناه قال عدي بن زيد:

ايها القلب تعلل بددن *** ان همي في سماع واذن(3)

وقيل السبب في ذلك: ان قوما من المنافقين تكلموا بما ارادوه، وقالوا ان بلغه اعتذرنا اليه، فانه اذن يسمع ما يقال له، فقال الله تعالى " قل " يا محمد " اذن خير لكم " لااذن شر، وليس بمعنى أفعل.

وانما معناه أذن صلاح ولو رفع خيرا لكان معناه أصلح، وهي قراء‌ة الحسن والاعشى والبرجمي.

وانما قال بعد ذلك " يؤمن بالله " لان معناه انه لايمانه بالله يعمل بالحق فيما يسمع من غيره.

وقيل يصغي إلى الوحي من قبل الله.

وقوله " ويؤمن للمؤمنين " قال ابن عباس: معناه ويصدق المؤمنين.

وقيل دخلت اللام كما دخلت في قوله " درف لكم "(4) وتقديره ردفكم، واللام مقحمة ومثله " لربهم يرهبون "(5) ومعناه يرهبون ربهم. واللام مقحمة.

___________________________________

(1) سورة 96 العلق 2.

(2) سورة 43 الزخرف آية 88، 85.

(3) اللسان (اذن) وامالي المرتضى 1 / 33 وتفسير الطبرى 14 / 325.

(4) سورة 27 النمل آية 72.

(5) سورة 7 الاعراف آية 153.

[248]

وقال قوم: دخلت اللام للفرق بين إيمان التصديق وايمان الامان.

وقوله " ورحمة للذين آمنوا منكم " يعني ان النبي صلى الله عليه واله رحمة للمؤمنين منكم وانما خص المؤمنين بالذكر وان كان رحمة للكفار أيضا من حيث انتفع المؤمنون به دون غيرهم من الكفار.

ثم قال " والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم " اي مؤلم موجع جزاء لهم على أذاهم للنبي صلى الله عليه واله.

وقال ابن اسحاق: نزلت هذه الاية في نبتل بن الحارث كان يقول: إني لانال من محمد ما شئت، ثم آتيه اعتذر اليه وأحلف له فيقبل، فجاء جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقال: انه يجلس اليك رجل ادلم ثائر شعر الرأس اسفع الخدين احمر العينين كأنهما قدر ان من صفر كبده اغلظ من كبد الجمل ينقل حديثك إلى المنافقين فاحذره وكان ذلك صفة نبتل بن الحارث من منافقي الانصار، فقال رسول الله صلى الله عليه واله من اختار أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث، ذكره ابن اسحاق.

قوله تعالى: يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين(62)

آية.

اخبر الله تعالى أن هؤلاء المنافقين يقسمون بالله أنهم على دينكم وأن الذي بلغكم عنهم باطل " ليرضوكم " ومعناه يريدون بذلك رضاكم لتحمدوهم عليه.

ثم قال تعالى " والله ورسوله أحق أن يرضوه " أي الله ورسوله أولى بأن يطلبوا مرضاتهما " ان كانوا مؤمنين " مصدقين بالله مقرين بنبوة نبيه، والفرق بين الاحق والاصلح ان الاحق قد يكون موضعه غير الفعل كقولك: زيد أحق بالمال، والاصلح لا يقع هذا الموقع لانه من صفات الفعل وتقول: الله أحق أن يطاع ولا تقول اصلح، وقيل في رد ضمير الواحد في قوله " والله ورسوله أحق أن يرضوه " قولان:

[249]

احدهما أنه لما كان رضى رسول الله رضى الله ترك ذكره، لانه دال عليه والتقدير والله احق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه كما قال الشاعر:

نحن بما عندك وانت بما *** عندك ارض والرأي مختلف(1)

والثاني - أنه لايذكر على طريق المجمل مع غيره تعظيما له بافراد الذكر المعظم بما لايجوز إلا له، ولذلك قال النبي صلى الله عليه واله لمن سمعه يقول: من أطاع الله ورسول هدى (ومن يعصمه فقد غوى) وانما أراد ما قلناه.

قوله تعالى: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم(63)

آية.

يقول الله تعالى على وجه التهديد والتقريع والتوبيخ لهؤلاء المنافقين " ألم يعلموا " أي أو ما علموا " انه من يحادد الله " اي يتجاوز حدود الله التي أمر المكلفين ان لا يتجاوزوها، فالمحادة مجاوزة الحد بالمشاقة ومثله المباعدة. والمعنى مصيرهم في حد غير حد أولياء الله. فالمخالفة والمحادة والمجانبة والمعاداة نظائر في اللغة.

وانما قال: لمن لايعلم " ألم يعلموا " لاحد أمرين: أحدهما - على وجه الاستبطاء لهم والتخلف عن علمه. والاخر - انه يجب ان تعلموا الان هذه الاخبار.

وقال الجبائي: معناه ألم يخبرهم النبي صلى الله عليه واله بذلك.

وقوله " فان لم نار جهنم خالدا فيها " يحتمل أن يكون على التكرير، لان الاولى للتأكيد مع طول الكلام، وتقديره فله نار جهنم أو فان له نار جهنم.

قال الزجاج: ولو قرئ (فان) بكسر الهمزة على وجه الاستئناف كان جائزا، غير أنه لم يقرأ به احد.

وقوله " ذلك الخزي العظيم " معناه ذلك الذي ذكرناه من أن له نار جهنم هو الخزي يعني الهوان بما يستحى من مثله.

___________________________________

(1) انظر 1 / 172. و 5 / 211

[250]

تقول: خزي خزيا اذا انقمع للهوان فأخزاه إخزاء وخزيا.

قوله تعالى: يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون(64)

آية.

قيل في معنى يحذر المنافقون قولان: احدهما - قال الحسن ومجاهد واختاره الجبائي: ان معناه الخبر عنهم بأنهم كانوا يحذرون ان تنزل فيهم آية يفتضحون بها لانهم كانوا شاكين، حتى قال بعضهم: لوددت ان اضرب كل واحد منكم مئة ولاينزل فيكم قرآن، ذكره ابوجعفر وقال: نزلت في رجل يقال له مخشى بن الحمير الاشجعي. الثاني - قال الزجاج: انه تهديد ومعناه ليحذروا، وحسن ذلك لان موضوع الكلام على التهديد.

والحذر اعداد ما يتقي الضرر، ومثله الخوف والفزع تقول: حذرت حذرا وتحذر تحذرا وحاذره محاذرة وحذارا وحذره تحذيرا.

والمنافق الذي يظهر من الايمان خلاف ما يبطنه من الكفر واشتق ذلك من نافقاء اليربوع لانه يخفي بابا ويظهر بابا ليكون إذا أتي من احدهما خرج من الاخر.

وقوله " تنبئهم بما في قلوبهم " أي تخبرهم، غير أن (تنبئهم) يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بمنزلة أعلمت.

وقوله " قل استهزؤا " أمر للنبي صلى الله عليه واله أن يقول لهؤلاء المنافقين (استهزؤا) اي اطلبوا الهزء. والهزء إظهار شئ وابطان خلافه للتهزئ به، وهو بصورة الامر والمراد به التهديد.

وقوله " ان الله مخرج ما تحذرون " إخبار من الله تعالى أن الذي تخافون من ظهوره فان الله يظهره بأن يبين لنبيه صلى الله عليه واله باطن حالهم ونفاقهم.

[251]

قوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن(65)

آية.

خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله فأقسم، لان اللام لام القسم بأنك يا محمد صلى الله عليه واله إن سألت هؤلاء المنافقين عما تكلموا به " ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب " قال الحسن وقتادة: هؤلاء قالوا في غزاة تبوك: أيرجو هذا الرجل ان يفتح قصور الشام وحصونها - هيهات هيهات - فأطلع الله نبيه صلى الله عليه واله على ما قالوه، فلما سألهم النبي عن ذلك على وجه التأنيب لهم والتقبيح لفعلهم: لم طعنتم في الدين بالباطل والزور؟ فأجابوا بما لا عذر فيه بل هو وبال عليهم: بأنا كنا نخوض ونلعب.

والخوض دخول القدم فيما كان مائعا من الماء أو الطين هذا في الاصل ثم كثر حتى صار في كل دخول منه أذى وتلويث.

واللعب فعل ما فيه سقوط المنزلة لتحصيل اللذة من غير مراعاة الحكمة كفعل الصبي، وقالوا: ملاعب الاسنة اي انه لشجاعته يقدم على الاسنة كفعل الصبي الذي لايفكر في عاقبة امره.

فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله: " قل " لهم " أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن " قال ابوعلي: ذكر الاستهزاء هاهنا مجاز، لانه جعل الهزء بالمؤمنين وبآيات الله هزء‌ا بالله.

والهزء ايهام امر على خلاف ما هو به استصغارا لصاحبه.

قوله تعالى: لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين(66)

آية.

قرأ عاصم " ان نعف " بنون مفتوحة وضم الفاء " نعذب " بالنون وكسر الذال " طائفة " بالنصب.

[252]

الباقون بضم الياء في (يعف تعذب طائفة) بضم التاء ورفع طائفة.

من قرأ بالنون فلقوله " ثم عفونا عنكم "(1).

ومن قرأ بالتاء فالمعنى ذاك بعينه.

وأما " تعذب " فمن قرأ بالتاء، فلان الفعل في اللفظ مسند إلى مؤنث.

قوله تعالى: " لاتعتذروا " صورته صورة النهي والمراد به التهديد. والمراد ان الله تعالى امر نبيه صلى الله عليه واله أن يقول لهؤلاء المنافقين الذين يحلفون بأنهم ما قالوه إلا لعبا وخوضا على وجه النهزئ بآيات الله " لاتعتذروا " بالمعاذير الكاذبة فانكم بما فعلتموه " قد كفرتم " بعد أن كنتم مظهرين الايمان الذي يحكم لمن اظهره بأنه مؤمن، ولايجوز ان يكونوا مؤمنين على الحقيقة مستحقين للثواب ثم يرتدون، لما قلناه في غير موضع: ان المؤمن لايجوز عندنا أن يكفر لانه كان يؤدي إلى اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم، لبطلان التحابط. والاجماع يمنع من ذلك. والاعتذار اظهار مايقتضي العذر، والعذر مايسقط الذم عن الجناية.

وقوله " إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة " اخبار منه تعالى أن ان عفا عن قوم منهم إذا تابوا يعذب طائفة أخرى لم يتوبوا. والعفو رفع التبعة عما وقع من المعصية وترك العقوبة عليها. ومثله الصفح والغفران.

وقوله " بانهم كانوا مجرمين " معناه انه انما يعذب الطائفة التي يعذبها لكونها مجرمة مذنبة مرتكبة لما يستحق به العقاب. والاجرام الانقطاع عن الحق إلى الباطل.

واصله الصرم تقول: جرم الثمر يجرمه جرما وجراما إذا صرمه.

والجرم مصرم الحق بالباطل وتجرمت السنة اذا تصرمت قال لبيد:

دمن تجرم بعد عهد انيسها *** حجج خلون حلالها وحرامها(2)

قال الزجاج والفراء: نزلت الاية في ثلاثة نفر فهرئ إثنان وضحك واحد

___________________________________

(1) سورة 2 البقرة آية 52.

(2) اللسان " جرم "

[253]

قال ابن اسحاق: كان الذي عفا عنه مخشى بن حصين الاشجعي حليف بني سلمة لانه انكر منهم بعض ما سمع فجعلت طائفة للواحد ويراد بها نفس طائفة. وأما في اللغة فيقال للجماعة طائفة، لانهم يطيفون بالشئ.

وقوله تعالى " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "(1) يجوز أن يراد به واحد على ما فسرناه.

قوله تعالى: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون(67)

آية.

أخبر الله تعالى بأن المنافقين الذين يظهرون الايمان ويسرون الكفر بعضهم من بعض. والمعنى إن بعضهم يضاف إلى بعض بالاجتماع على النفاق، كما يقول القائل لغيره: أنت مني وأنا منك والمعنى إن أمرنا واحد لاينفصل.

وقيل: بعضهم من بعض فيما يلحقهم من مقت الله وعذابه أي منازلهم متساوية في ذلك.

ثم أخبر أن هؤلاء المنافقين يأمرون غيرهم بالمنكر الذي نهى الله عنه وتوعد عليه من الكفر بالله ونبيه وجحد آياته " وينهون عن المعروف " يعني الافعال الحسنة التي أمر الله بها وحث عليها، وانهم يقبضون ايديهم اي يمسكون أموالهم عن انفاقها عن طاعة الله ومرضاته وهو قول قتادة، وقال الحسن ومجاهد: أراد إمساكها عن الانفاق في سبيل الله.

وقال الجبائي: أراد به إمساك الايدي عن الجهاد في سبيله الله.

وقوله " نسوا الله فنسيهم " معناه تركوا امر الله يعني صار بمنزلة المنسي بالسهو عنه فجازاهم الله بأن صيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه ورحمته، وذكر ذلك لازدواج الكلام.

وقال قتادة: اي نسوا من الخير ولم ينسوا من الشر.

___________________________________

(1) سورة 24 النور آية 2

[254]

ثم اخبر تعالى فقال " إن المنافقين " الذين يخادعون المؤمنين باظهار الايمان مع ابطانهم الكفر " هم الفاسقون " الخارجون عن الايمان بالله وبرسوله وعن طاعاته.

قوله تعالى: وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم(68)

آية.

اخبر الله تعالى بأنه " وعد المنافقين والمنافقات " الذين يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر " نار جهنم " يعاقبون فيها أبد الابدين وكذلك الكفار الذين يتولونهم، وهم على ظاهر الكفر.

فلذلك أفردهم بالذكر ليعلم أن الفريقين معا يتناولهم الوعيد وتقول: وعدته بالشر وعيدا ووعدته بالخير وعدا وأوعدته إيعادا وتوعدته توعدا في الشر لابالخير، وواعدته مواعدة، وتواعدوا تواعدا وقوله " هي حسبهم " يعني نار جهنم والعقاب فيها كافيهم، ولعنهم الله يعني أبعدهم الله من جنته وخيره " ولهم " مع ذلك " عذاب مقيم " ومعناه دائم لايزول وقيل معنى " هي حسبهم " أي هي كفاية ذنوبهم، ووفاء لجزاء عملهم.

واللعن الابعاد من الرحمة عقابا على المعصية، ولذلك لايقال لعن البهيمة كما لايدعا لها بالعفو.

قوله تعالى: كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والاخرة وأولئك هم الخاسرون(69)

آية.

[255]

الكاف في قوله " كالذين " في موضع نصب، والتقدير احذروا أن يحل بكم من العذاب والعقوبة كالذين. ويحتمل أن يكون المراد وعدكم الله على الكفر كما وعد الذين من قبلكم، فشبه المنافقين في عدولهم عن أمر الله للاستمتاع بلذات الدنيا بمن قبلكم مع أن عاقبة امر الفريقين يؤل إلى العقاب مع أن الاولين كانوا أشد من هؤلاء قوة في ابدانهم وأطول اعمارا واكثر اموالا وأشد تمكينا فلم يقدروا ان يدفعوا عن نفوسهم ماحل بهم من عقاب الله.

وقوله " فاستمتعوا بخلاقهم " فالاستمتاع هو طلب المتعة وهي فعل ما فيه اللذة من المآكل والمشارب والمناكح. ومعناه انهم تمتعوا بنصيبهم من الخير العاجل وباعوا بذلك الخير الاجل فهلكوا بشر استبدال، كما تمتعتم ايها المنافقون بخلاقكم اي بنصيبكم والخلاق النصيب سواء كان عاجلا او آجلا.

وقوله " وخضتم كالذي خاضوا " خطاب للمنافقين بأن قيل لهم خضتم في الباطل والكذب على الله كالذين تابعوهم على ذلك من المنافقين وغيرهم من الكفار " حبطت اعمالهم " لانهم كانوا أو قعوها على خلاف ما أمرهم الله به فلم يستحقوا عليها ثوابا بل استحقوا عليها العقاب، فلذلك كانوا خاسرين أنفسهم ومهلكين لها بفعل المعاصي المؤدي إلى الهلاك وروي عن ابن عباس انه قال في هذه الاية: ما أشبه الليلة بالبارحة كذلك من قبلكم هؤلاء بنوا اسرائيل لشبهنا بهم لا أعلم إلا انه قال (والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم حجر ضب لدخلتموه) ومثله روي عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وعن ابي سعيد الخدري مثله.

[256]

قوله تعالى: ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون(70)

آية

في الكوفي والبصري وآيتان في المدنيين آخر الاولى " وثمود " قوله " ألم " صورته صورة الاستفهام، والمراد به التقرير والتحذير. وإنما حسن في الاستفهام أن يخرج إلى معنى التقرير لان الاحتجاج بما يلزمهم الاقرار به فقال الله تعالى مخاطبا لنبيه: ألم يأت هؤلاء المنافقين الذين وصفهم خبر من كان قبلهم من قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم وأصحاب مدين، على وجه الاحتجاج عليهم فيتعظوا، لان الامم الماضية والقرون السالفة إذا كان الله تعالى إنما أهلكها ودمرها لتكذيبهم رسلها كان تذلك واجبا في كل أمة يساوونهم في هذه العلة، فأقل احوالهم ألا يأمنوا أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك.

قال الرماني: والحكمة تقتضي إذا تساوى جماعة في استحقاق العقاب ان لايجوز العفو عن بعضهم دون بعض مع تساويهم في الاحوال. وانما يجوز العدول من قوم إلى قوم في الواحد منا للحاجة وهذا يتم على قول من يقول بالاصلح، ومن لايقول بذلك يقول: هو متفضل بذلك وله ان يتفضل على من يشاء ولا يلزم ان يفعل ذلك بكل مكلف.

وقوله " والمؤتفكات " قال الحسن وقتادة: هى ثلاث قريات لقوم لوط ولذلك جمعها بالالف والتاء.

وقال في موضع آخر " والمؤتفكة أهوى "(1) فجاء به على طريق الجنس.

قال الزجاج: معناه ائتفكت بأهلها انقلبت. ومدين ابن ابراهيم اسم له.

وقوله " اتتهم رسلهم بالبينات " معناه جاء‌ت هؤلاء المذكورين الرسل من عند الله معها حجج ودلالات على صدقها فكذبوا بها فأهلكهم الله، وحذف لدلالة الكلام عليه.

ثم قال " فما كان الله ليظلمهم " اي لم يكن الله ظالما لهم بهذا الاهلاك " ولكن كانوا انفسهم يظلمون " بأن فعلوا من الكفر والمعاصي ما استحقوا به الهلاك.

___________________________________

(1) سورة 53 النجم آية 53

[257]

وقيل ان الله تعالى اهلك قوم نوح بالغرق.

واهلك عادا بالريح الصرصر العاتية.

وأهلك ثمود بالرجفة والصاعقة.

وأهلك قوم ابراهيم بالتشتيت وسلب الملك والنعمة.

وأهلك اصحاب مدين بعذاب يوم الظلة.

وأهلك قوم لوط بانقلاب الارض، كل ذلك عدل منه على من ظلم نفسه وعصى الله واستحق عقابه.

قوله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم(71)

آية.

لما ذكر الله تعالى المنافقين ووصفهم بأن بعضهم من بعض بالاتفاق والتعاضد اقتضى ان يذكر المؤمنين. ويصفهم بضد أوصافهم، فقال تعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " أي يلزم كل واحد منهم نصرة صاحبه وان يواليه وقال الرماني: العقل يدل على وجوب موالاة المؤمنين بعضهم بعضا، لانها تجري مجرى استحقاق الحمد على طاعة الله والذم على معصيته.

ولايجوز ان يرد الشرع بخلاف ذلك.

وإذا قلنا: المؤمن ولي الله معناه أنه ينصر أولياء الله وينصر دينه، والله وليه بمعنى أولى بتدبيره وتصريفه وفرض طاعته عليه.

ثم قال " يأمرون بالمعروف " يعني المؤمنين يأمرون بما اوجب الله فعله أو رغب فيه عقلا أو شرعا وهو المعروف " وينهون عن المنكر " وهو ما نهى الله تعالى عنه وزهد فيه إما عقلا أو شرعا. ويضيفون إلى ذلك إقامة الصلاة اي إتيانها بكمالها والمداومة عليها ويخرجون زكاة اموالهم حسب ما أوجبها الله عليهم، ويضعونها حيث امر الله بوضعها فيه ويطيعون

[258]

الله ورسوله اي يمتثلون امرهما ويتبعون ارادتها ورضاهما.

ثم قال " اولئك سيرحمهم الله " يعني المؤمنين الذين وصفهم ان ستنالهم في القيامة رحمته.

ثم اخبر عن نفسه فقال " ان الله عزيز حكيم " فالعزيز معناه قادر لايغلبه احد من الكفار والمنافقين، حكيم في عقاب المنافقين واثابة المؤمنين. وغير ذلك من الافعال. وإنكار المنكر يجب بلا خلاف سمعا وعليه الاجماع وكذلك الامر بالمعروف واجب، فأما العقل فلا يدل على وجوبهما أصلا. لانه لو أوجب ذلك لوجب ان يمنع الله من المنكر، لكن يجب على المكلف اظهار كراهة المنكر الذي يقوم مقام النهي عنه. وفي الاية دلالة على ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الاعيان لان الله تعالى جعل ذلك من صفات المؤمنين، ولم يخص قوما دون قوم.

قوله تعالى: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم(72)

آية.

اخبر الله تعالى بأنه كما وعد المنافقين بنار جهنم والخلود فيها كذلك " وعد الله المؤمنين " المعترفين بوحدانيته وصدق رسله وكذلك " المؤمنات جنات " يعني بساتين يجنها الشجر " تجري من تحتها الانهار " وتقديره تجري من تحت اشجارها الانهار. وقيل: أنهار الجنة أخاديد في الارض. فلذلك قال " من تحتها " وانهم فيها خالدون اي دائمون " ومساكن طيبة " معناه وعدهم مساكن طيبة.

والمسكن الموضع الذي يسكن وروى الحسن انها قصور من اللؤلؤ والياقوت الاحمر والزبرجد الاخضر مبنية بهذه الجواهر.

[259]

وقوله " في جنات عدن " فالعدن الاقامة والخلود: ومنه المعدن قال الاعشى:

وان يستضافوا إلى حكمه *** يضافوا إلى راجح قد عدن(1)

وروي أنها جنة لايسكنها إلا النبيون والشهداء والصالحون.

وقوله " ورضوان من الله اكبر " قال الرماني: الرضوان معنى يدعو إلى الحمد بالاجابة يستحق مثله بالطاعة فيما تقتضيه الحكمة.

وانما رفع (رضوان) لانه استأنفه للتعظيم كما يقول القائل: اعطيتك ووصلتك ثم يقول: وحسن رأي فيك ورضاي عنك خير من جميع ذلك.

وقوله " ذلك هو الفوز العظيم " معناه هذا النعيم الذي وصفه هو النجاح العظيم الذي لاشئ فوقه ولااعظم منه.

قوله تعالى: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأويهم جهنم وبئس المصير(73)

آية.

امر الله تعالى في هذه الاية نبيه صلى الله عليه واله أن يجاهد الكفار والمنافقين. والجهاد هو ممارسة الامر الشاق والجهاد يجب باليد واللسان والقلب، فمن امكنه الجميع وجب عليه جميعه. ومن لم يقدر باليد فباللسان فان لم يقدر فبالقلب. واختلفوا في كيفية جهاد الكفار والمنافقين.

فقال ابن عباس: جهاد الكفار بالسيف وجهاد المنافقين باللسان والوعظ والتخويف، وهو قول الجبائي.

وقال الحسن وقتادة: جهاد الكفار بالسيف وجهاد المنافقين باقامة الحدود عليهم. وكانوا اكثر من يصيب الحدود.

وقال ابن مسعود: هو بالانواع الثلاثة حسب الامكان فان لم يقدر فليكفهر في وجوههم وهو الاعم.

___________________________________

(1) ديوانه: 16 وروايته (هادن قد رزن) بدل " راجح قد عدن " وتفسير الطبري 14 / 350، واللسان " وزن " ومجاز القرآن 1 / 264

[260]

ووري في قراء‌ة اهل البيت عليهم السلام " جاهد الكفار بالمنافقين ".

وقوله " واغلظ عليهم " امر منه تعالى لنبيه ان يقوي قلبه على احلال الالم بهم واسماعهم الكلام الغليظ الشديد ولا يرق عليهم.

ثم قال " ومأواهم جهنم " اي منزلهم جهنم ومقامهم.

والمأوى منزل مقام، لامنزل ارتحال.

ومثله المثوى والمسكن وقوله " وبئس المصير " اخبار منه تعالى ان مرجع هؤلاء ومآلهم بئس المرجع والمآل.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1251
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29