00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة النحل من أول السورة ـ آخر السورة  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الاول)   ||   تأليف : المولى محمد محسن الفيض الكاشاني

[ 641 ]

سورة النحل

[ مكية، وهي مائة وثمان وعشرون آية ] 1 بسم الله الرحمن الرحيم * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) *. القمي: نزلت لما سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينزل عليهما العذاب 2. وورد " إذا أخبر الله أن شيئا كائن، فكأنه قد كان " 3. * (سبحنه وتعلى عما يشركون) *. قيل: وكانوا يقولون: إن صح ما تقوله فالاصنام تشفع لنا وتخلصنا منه، فنزلت يعني: تبرأ وجل أن يكون له شريك، فيدفع ما أراد بهم 4. * (ينزل الملئكة بالروح) *: بما تحيا به القلوب الميتة بالجهل. قال: " بالكتاب والنبوة " 5. وفي رواية: " جبرئيل الذي نزل على الانبياء، والروح يكون معهم ومع الاوصياء لا يفارقهم، ويفقههم ويسددهم من عند الله " 6. * (من أمره) *: من ملكوته

___________________________

1 - مابين المعقوفتين من " ب ".

 2 - القمي 1: 382.

 3 - العياشي 2: 254، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه: " إن الله إذا أخبر... ".

 4 - البيضاوي 3: 175.

 5 - القمي 1: 382، عن أبي جعفر عليه السلام.

 6 - بصائر الدرجات: 463، الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام، مع تفاوت يسير في العبارة. (*)

 

[ 642 ]

* (على من يشآء من عباده أن أنذروا) * بأن أعملوا، من أنذرت بكذا، إذا أعلمته. * (أنه لاإله إلا أنا فاتقون) *. * (خلق السموت والارض بالحق تعلى عما يشركون) *. * (خلق الانسن من نطفة فإذا هو خصيم مبين) *. * (والانعم) *: الازواج الثمانية * (خلقها لكم فيها دف ء) *. القمي: ماتستدفؤون به، مما يتخذ من صوفها ووبرها * (ومنفع) *: نسلها ودرها وظهورها، وإثارة الارض ومايعوض بها * (ومنها تأكلون) *. * (ولكم فيها جمال) *: زينة * (حين تريحون) *: تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي * (وحين تسرحون) *: تخرجونها بالغداة إلى المرعى، فإن الافنية تتزين بها في الوقتين، ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها. وتقديم إلا راحة، لان الجمال فيها أظهر، فإنها تقبل ملاء البطون، حافلة الضروع 2، ثم تأوي إلى الحظائر 3 حاضرة 4 لاهلها. * (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بلغية) * إن لم تكن، فضلا عن أن تحملوها على ظهوركم إليه * (إلا بشق الانفس) *: إلا بكلفة مشقة * (إن ربكم لرءوف رحيم) *. * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالا تعلمون) *. القمي: من العجائب التي خلقها الله في البر والبحر 5. * (وعلى الله قصد السبيل) *: هداية الطريق المستقيم، الموصل إلى الحق * (ومنها

___________________________

1 - القمي 1: 382.

 2 - ضرع حافل، أي: ممتلئ لبنا. الصحاح 4: 1671، (جفل).

 3 - الحظيرة: الموضع الذي يحاط عليه، لتأوي إليه الماشية، فيقيها البرد والريح. راجع: الصحاح 2: 634، ومصباح المنير 1: 173، ولسان العرب: 4: 203 (حظر).

 4 - في " ألف ": " خاضرة ". شاب أخضر وفلان أخضر أي: كثير الخير. أساس البلاغة: 166 (خضر).

 5 - القمي 1: 382. (*)

 

[ 643 ]

جائر) *: حائد 1 عن القصد * (ولو شآء لهدكم أجمعين) * إلى القصد. * (هو الذى أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون) *: ترعون مواشيكم. * (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعنب ومن كل الثمرت إن في ذلك لاية لقوم يتفكرون) *. * (وسخر لكم اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرت بأمره) * بأن هيأها لمنافعكم * (إن في ذلك لايت لقوم يعقلون) *. جمع الايات هنا، وذكر العقل من دون الفكر، لان في الاثار العلوية أنواعا من الدلالة الظاهرة للعقلاء على عظمة الله. * (وما ذرأ لكم) *: وسخر لكم ما خلق لكم * (في الارض) * من حيوان ونبات ومعدن * (مختلفا ألونه) * أي: أصنافه، فإنها تتخالف باللون غالبا * (إن في ذلك لاية لقوم يذكرون) *. * (وهو الذى سخر البحر) *: ذلله بحيث تتمكنون من الانتفاع به، بالركوب والاصطياد والغوص * (لتأكلوا منه لحما طريا) * هو السمك * (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) * كاللؤلؤ والمرجان * (وترى الفلك) *: السفن * (مواخر فيه) *: جواري فيه تشقه بحيازيمها 2، من المخر وهو شق الماء وقيل: صوت جري الفلك 3. * (ولتبتغوا من فضله) *: من سعة رزقه بركوبها للتجارة * (ولعلكم تشكرون) *: تعرفون نعمة الله، فتقومون بحقها. * (وألقى في الارض روسى) *: جبالا ثوابت * (أن تميد بكم) *: كراهة أن تميل بكم وتضطرب. ورد: " إن الله جعل الائمة أركان الارض أن تميد بأهلها " 4. * (وأنهرا وسبلا

___________________________

1 - حاد عن الشئ: تنحى وبعد. مصباح المنير 1: 194 (حاد).

 2 - الحيزوم: وسط الصدر. الصحاح 5: 1899 (حزم).

 3 - الكشاف 2: 404، عن الفراء.

 4 - الكافي 1: 196، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام، و 198، ذيل الحديث: 3، عن أبي جعفر عليه السلام. مع تفاوت. (*)

 

[ 644 ]

لعلكم تهتدون) * إلى مقاصدكم. * (وعلمت) * هي معالم الطرق مما يستدل به المارة: من جبل ومنهل 1 وغير ذلك * (وبالنجم هم يهتدون) * بالليل في البراري والبحار. قال: " هو الجدي لانه نجم لا يزول، وعليه بناء القبلة، وبه يهتدي أهل البر والبحر " 2. وورد في أخبار كثيرة: " نحن العلامات، والنجم رسول الله " 3. * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * يعني الاصنام * (أفلا تذكرون) * فتعرفوا فساد ذلك. * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) *: لاتضبطوا عددها، فضلا أن تطيقوا القيام بشكرها. * (إن الله لغفور) *: يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكرها * (رحيم) *: لا يقطعها لتفريطكم فيه، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها. * (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون) * من عقائدكم وأعمالكم، وهو وعيد. * (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) *. * (أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) * هم أوعبدتهم. * (إلهكم إله وحد فالذين لا يؤمنون بالاخرة) * قال: " يعني الرجعة " 4. * (قلوبهم منكرة) *. قال: " يعني كافرة " 5. * (وهم مستكبرون) *. * (لاجرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) *. * (وإذا قيل لهم ماذآ أنزل ربكم قالوا أسطير الاولين) *: أحاديثهم وأباطيلهم. قال: " يعني سجع أهل الجاهلية في جاهليتهم " 6.

___________________________

1 - المنهل: المشرب، والشرب، والموضع الذي فيه المشرب. القاموس المحيط 4: 63 (نهل).

 2 - العياشي 2: 256، الحديث: 12، عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 3 - الكافي 1: 207، الحديث: 3، والعياشي 2: 256، الحديث: 10، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، والقمي 1: 383، ومجمع البيان 5 - 6: 354، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 و 5 - القمي 1: 383، والعياشي 2: 257، ذيل الحديث: 14، عن أبي جعفر عليه السلام.

 6 - العياشي 2: 257، الحديث: 18، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 645 ]

* (ليحملوا أوزارهم) * أي: قالوا ذلك، ليضلوا الناس، ويحملوا أوزار ضلالتهم * (كاملة يوم القيمة) * قال: " ليستكملوا الكفر ليوم القيامة " 1. * (ومن أوزار الذين يضلونهم) * وبعض أوزار من أضلوهم. قال: " يعني كفر الذين يتولونهم " 2. * (بغير علم) *. يعني يضلون من لا يعلم أنهم ضلال. وإنما لم يعذر الجاهل لان عليه أن يبحث وينظر بعقله، حتى يميز بين المحق والمبطل. ورد: " أيما داع 3 إلى ضلالة فاتبع عليه، فإن عليه مثل أوزار من تبعه، من غير أن ينقص من أوزارهم " 4. * (ألا ساء ما يزرون) *. * (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنينهم من القواعد) *: من الاساطين التي بنوا عليها * (فخر عليهم السقف من فوقهم وأتهم العذاب من حيث لا يشعرون) *. هذا تمثيل لاستيصالهم بمكرهم. والمعنى أنهم سووا منصوبات ليمكروا الله بها، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات، كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالاساطين، فأتى البنيان من جهة الاساطين، بأن ضعضعت 5 فسقط عليهم السقف وهلكوا. وفي المثل: من حفر لاخيه جبا، وقع فيه منكبا. قال: " فإتيانه بنيانهم من القواعد: إرسال العذاب " 6. وفي قراءتهم عليهم السلام: " فأتى الله بيتهم " 7. قال: " يعني بيت مكرهم ". وفي رواية: " كان بيت غدر، يجتمعون فيه إذا أرادوا الشر " 9. وفي أخرى: " أي: ماتوا

___________________________

1 و 2 - العياشي 2: 257، الحديث: 16 و 18، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - في المصدر: " أيما داع دعا ".

 4 - مجمع البيان 5 - 6: 356، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 5 - ضعضعه، أي: هدمه حتى الارض، الصحاح 3: 1250 (ضعع).

 6 - التوحيد: 266، الباب: 36، ذيل الحديث الطويل: 5، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وفيه: " إرسال العذاب عليهم ".

 7 - العياشي 2: 258، الحديث: 20 و 21، وجوامع الجامع 2: 284، عن أبي عبد الله عليه السلام، ومجمع البيان 5 - 6: 356، عن أهل بيت عليهم السلام.

 8 - العياشي 2: 258، الحديث: 20، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 9 - المصدر، الحديث: 23، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 646 ]

فالقاهم الله في النار. قال: وهو مثل لاعداء آل محمد 1 عليه وعليهم السلام. * (ثم يوم القيمة يخزيهم) *: يذلهم * (ويقول أين شركاءي الذين كنتم تشقون فيهم) *: تعادون المؤمنين وتخاصمونم في شأنهم * (قال الذين أوتوا العلم إن الخزى اليوم والسوء على الكفرين) *. * (الذين تتوفهم الملئكة) *: ملائكة العذاب * (ظالمي أنفسهم) * بأن عرضوها للعذاب المخلد. * (فألقوا السلم) *: فسالموا وأخبتوا 2 حين عاينوا الموت * (ما كنا نعمل من سوء) *. جحدوا ما عملوا * (بلى) * رد عليهم أولوا العلم * (إن الله عليم بما كنتم تعملون) * * (فادخلوا أبوب جهنم) * كل صنف بابها المعد * (خلدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) *. * (وقيل للذين اتقوا ماذآ أنزل ربكم قالوا خيرا) * أطبقوا الجواب على السؤال معترفين بالانزال، بخلاف الجاحدين إذ قالوا: " أساطير الاولين " 3. * (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) *: مكافاة في الدنيا * (ولدار الاخرة خير ولنعم دار المتقين) *. جنت عدن يدخلونها تجرى من تحتها الانهر لهم فيها مايشآءون كذلك يجزى الله المتقين) *. ورد: " عليكم بتقوى الله، فإنها تجمع الخير ولاخير غيرها، ويدرك بها من الخير مالا يدرك بغيرها من خير الدنيا والاخرة. قال الله تعالى: " وقيل للذين اتقوا " وتلا هذه الاية " 4. وفي رواية " ولنعم دار المتقين ": الدنيا " 5. * (الذين تتوفهم الملئكة) *: ملائكة الرحمة * (طيبين) * ببشارتهم إياهم بالجنة

___________________________

1 - القمي 1: 384، عن أبي جعفر عليه السلام.

 2 - أخبت: خشع وتواضع. القاموس المحيط 1: 152 (خبت).

 3 - الاية: 24، من هذه السورة.

 4 - الامالي (للشيخ الطوسي) 1: 25، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وفيه: " من خير الدنيا وخير الاخرة ".

 5 - العياشي 2: 258، الحديث: 24، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 647 ]

* (يقولون سلم عليكم) *: سلامة لكم من كل سوء * (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) *. * (هل ينظرون) *: هل ينتظر 1 الذين لا يؤمنون بالاخرة * (إلا أن تأتيهم الملئكة) *: ملائكة العذاب لقبض أرواحهم * (أويأتى أمر ربك) * القمي: من العذاب والموت وخروج القائم عليه السلام 2. * (كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله) * بتدميرهم * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) *. * (فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) *: وأحاط بهم جزاؤه. القمي: من العذاب في الرجعة 3. * (وقال الذين أشركوا لو شآء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا ءاباؤنا ولاحرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلغ المبين) *. * (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبو الطغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عقبة المكذبين) *. * (إن تحرص على هدهم فإن الله لا يهدى من يضل ومالهم من نصرين) *. * (وأقسموا بالله جهد أيمنهم لا يبعث الله من يموت بلى) * يبعثهم * (وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *. * (ليبين لهم) * أي: يبعثهم ليبين لهم * (الذى يختلفون فيه) * وهو الحق * (وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كذبين) *. قال: " ما تقول في هذه الاية ؟ فقيل: إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله لا يبعث الموتى، فقال: تبا لمن قال هذا، سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى ؟ ثم قال: لو قد قام قائمنا، بعث الله قوما من شيعتنا قبائع 4 سيوفهم على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا،

___________________________

1 - في " ب ": " هل ينتظرون ".

 2 و 3 - القمي 1: 385.

 4 - في الكافي: " قباع ". قبيعة السيف ونحوه: ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد، يقال: ما أحسن قبائع سيوفهم. أقرب الموارد 3: 560 (قبع). (*)

 

[ 648 ]

فيقولون: بعث فلان وفلان 1 من قبورهم، وهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوما من عدونا، فيقولون يا معشر الشيعة ما أكذبكم ! هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب، لا والله ما عاش هؤلاء، ولا يعيشون إلى يوم القيامة. فحكى الله قولهم " 2. وفي معناه أخبار أخر 3. * (إنما قولنا لشئ ءإذآ أردنه أن نقول له كن فيكون) *. بيان لامكان البعث في عالم القدرة. * (والذين هاجروا في الله) *: في حقه ولو جهه * (من بعد ما ظلموا) *. قيل: هم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرون، ظلمهم قريش، فهاجر بعضهم إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، أو المحبوسون المعذبون بمكة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه 4. * (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) *: مباءة 5 حسنة، وهي المدينة حيث آواهم الانصار ونصروهم، أونبوئة حسنة. وفي قراءتهم عليهم السلام: " لنثوئنهم " 6 بالثاء المثلثة، يعني لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلمهم، وعلى العرب قاطبة، وعلى أهل المشرق والمغرب 7. * (ولاجر الاخرة أكبر) * مما تعجل لهم في الدنيا * (لو كانوا يعلمون) *. * (الذين صبروا) * على أذى الكفار ومفارقة الوطن * (وعلى ربهم يتوكلون) *. * (وما ارسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) *. قيل: رد لقولهم: الله أعظم من أن يرسل إلينا بشرا مثلنا 8. وقد سبق بيان الحكمة فيه في سورة الانعام 9 عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

___________________________

1 - في الكافي: " بعث فلان وفلان وفلان ".

 2 - الكافي 8: 51، ذيل الحديث: 14، والعياشي 2: 259، الحديث: 26، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - العياشي 2: 259، الحديث: 28، والقمي 1: 385، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - البيضاوي 3: 181، والكشاف 2: 410.

 5 - المباءة: المنزل. والباءة هو الموضع الذي تبوء إليه الابل، ثم جعل عبارة عن المنزل. القاموس المحيط 1: 9، والمصباح المنير 1: 84 (باء).

 6 - مجمع البيان 5 - 6: 361، والكشاف 2: 410، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 7 - في " ألف ": " على أهل الشرق والغرب ".

 8 - البيضاوي 3: 182.

 9 - ذيل الاية: 9. (*)

 

[ 649 ]

ولعله أشير إلى ذلك بقوله: " فسئلوا أهل الذكر " يعني وجه الحكمة فيه. * (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم تعلمون) *. قال: " رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذكر، وأهل بيته المسؤولون، وهم أهل الذكر " 1. " قال الله تعالى: " قد أنزل الله إليكم ذكرا. رسولا يتلو عليكم آيات الله ". فالذكر رسول الله، ونحن أهله " 2. وفي رواية: " الذكر القرآن، وأهله آل محمد، أمر الله بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال. وسمى الله القرآن ذكرا، فقال: " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " 3. وفي أخرى: " قيل له: إن من عندنا يزعمون أهل الذكر اليهود والنصارى، فقال: إذا يدعونكم إلى دينهم " 4. [ أقول: هذه الاخبار لا تلائم أن يكون " وما أرسلنا " ردا لقول المشركين، إلا أن يكون " فاسئلوا " كلاما مستأنفا، أو يكون المسؤول عنه بيان الحكمة فيه ] 5. * (بالبينت والزبر) * أي: أرسلنا هم بالمعجزات والكتب، كأنه جواب قائل: بم أرسلوا ؟ * (وأنزلنا إليك الذكر) *. سمي القرآن ذكرا، لانه موعظة وتنبيه * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * مما أمروا به ونهوا عنه * (ولعلهم يتفكرون) *: وإرادة أن يتأملوا فيه، فيتنبهوا للحقايق والمعارف.

___________________________

1 - الكافي 1: 211، الحديث: 4، عن أبي عبد الله عليه السلام. وراجع: العياشي 2: 260، الحديث: 32، والقمي 2: 68، ذيل الاية: 7 من سورة الانبياء، عن أبي جعفر عليه السلام، وعيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 239، الباب: 23، ذيل الحديث الطويل: 1.

 2 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 239، الباب: 23، ذيل الحديث الطويل: 1. والاية في سورة الطلاق (65): 10 - 11.

 3 - بصائر الدرجات: 41، الباب: 19، والكافي 1: 295، ذيل الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - العياشي 2: 260، الحديث: 32، عن أبي جعفر عليه السلام، مع اختلاف يسير.

 5 - مابين المعقوفتين من " ب ". (*)

 

[ 650 ]

* (أفأمن الذين مكروا السيات أن يخسف الله بهم الارض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) *. * (أو يأخذههم في تقلبهم) * إذا جاؤوا وذهبوا في متاجرهم وأعمالهم * (فماهم بمعجزين) *. * (أو يأخذهم على تخوف) * القمي: على تيقظ 1. وورد: " هم أعداء الله، وهم يمسخون ويقذفون ويسيحون 2 في الارض " 3. * (فإن ربكم لرءوف رحيم) * حيث 4 لايعاجلهم بالعقوبة. * (أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤا ظلله عن اليمين والشمائل سجدا لله) *: مستسلمين له منقادين * (وهم دخرون) *: صاغرون لافعال الله فيها. القمي: تحويل كل ظل خلقه الله، هو سجود الله 5. قيل: ويجوز أن يكون المراد بقوله " وهم داخرون " أن الاجرام أنفسها أيضا داخرة صاغرة منقادة لله سبحانه فيما يفعل فيها، ولما كان الدخور من صفات العقلاء جمع بالواو والنون 6. * (ولله يسجد مافى السموت وما في الارض من دابة) *. الدبيب هو الحركة الجسمانية، سواء كانت في أرض أو سماء. * (والملئكة) * ممن لامكان له * (وهم لا يستكبرون) * عن عبادته. * (يخافون ربهم من فوقهم) *: يخافونه وهو فوقهم بالقهر: " وهو القاهر فوق عباده " 7. * (ويفعلون ما يؤمرون) *. قال: " إن لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة،

___________________________

1 - القمي 1: 386.

 2 - في " ألف " و " ج ": " يسخرون ".

 3 - العياشي 2: 261، الحديث: 35، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - في " ألف ": " يعني ".

 5 - القمي 1: 386.

 6 - الكشاف 2: 412، والبيضاوي 3: 182.

 7 - الانعام (6): 18 و 16. (*)

 

[ 651 ]

ترعد فرائصهم 1 من مخافة الله، لا تقطر دموعهم 2 قطرة إلا صار ملكا، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا: ما عبدناك حق عبادتك " 3. وقد سبق في سورة الرعد، كلام في معنى سجود كل شئ. قال بعض أهل المعرفة: إن في أمثال هذه الايات دلالة على أن العالم كله في مقام الشهود والعبادة، إلا كل مخلوق له قوة التفكر، وليس إلا النفوس الانسانية والحيوانية خاصة، من حيث أعيان أنفسهم لامن حيث هياكلهم، فإن هياكلهم، كساير العالم في التسبيح له والسجود، فأعضاء البدن كلها مسبحة ناطقة، ألا تراها تشهد على النفوس المسخرة لها يوم القيامة من الجلود والايدي والارجل والالسنة والبصر وجميع القوى، فالحكم لله العلي الكبير 5. * (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله وحد) *. أكد العدد في الموضعين دلالة على العناية به. * (فإيى فارهبون) * كانه قيل: وأنا هو فإياي فارهبون لاغير. * (وله مافى السموت والارض وله الدين) *: الطاعة * (واصبا)، قال: " واجبا " 6. * (أفغير الله تتقون) *. * (وما بكم من نعمة فمن الله) *. قال: " من لم يعلم أن الله عليه نعمة إلا في مطعم أو ملبس، فقد قصر عمله ودنا عذابه " 7. * (ثم إذا مسكم الضر فإليه تجرون) * فما تتضرعون إلا إليه، والجؤار: رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.

___________________________

1 - الفريصة: لحمة عند نغض الكتف، في وسط الجنب، عند منبض القلب، وهما فريصتان ترتعدان عند الفزع. وقال أبو عبيد: الفريصة: المضغة القليلة، تكون في الجنب، ترعد من الدابة إذا فزعت. وقال أيضا: هي اللحمة التي بين الجنب والكتب، التي لا تزال ترعد من دابة. وقيل: جمعها: فريص وفرائص. لسان العرب 7: 64 (فرص).

 2 - في المصدر: " لا تقطر من دموعهم ".

 3 - مجمع البيان 5 - 6: 365، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 4 - ذيل الاية: 15.

 5 - أسرار الايات (لصدر المتألهين) *: 81 - 82، ولطائف الارشارات (للامام القشيري) 2: 300.

 6 - العياشي 2: 262، الحديث: 37، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - القمي 1: 381، والامالي (للشيخ الطوسي) 2: 105، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (*)

 

[ 652 ]

* (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) *. * (ليكفروا بماء اتينهم) * من نعمة الكشف عنهم، كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة وإنكار كونها من الله. * (فتمتعوا فسوف تعلمون) *. تهديد ووعيد. * (ويجعلون لما لا يعلمون) *: لالهتهم التي لاعلم لها، أولا علم لهم بها * (نصيبا مما رزقنهم) * من الزروع والانعام. القمي: كانت العرب يجعلون للاصنام نصيبا في زرعهم وإبلهم وغنمهم، فرد الله عليهم 1. * (تالله لتسئلن عما كنتم تفترون) * من أنها آلهة وأنها أهل للتقرب إليها. * (ويجعلون لله البنت) *. القمي: قالت قريش الملائكة هم بنات الله 2. * (سبحنه) *. تنزيه له من قولهم أوتعجب منه. * (ولهم مايشتهون) * يعني البنين. * (وإذا بشر أحدهم بالانثى) *: أخبر بولادتها * (ظل) *: صار * (وجهه مسودا) * من الكآبة 3 والحياء من الناس * (وهم كظيم) *: مملو من الغيظ. * (يتورى من القوم) *: يستخفي منهم * (من سوء مابشر به أيمسكه) * محدثا نفسه متفكرا في أن يتركه * (على هون) *: ذل * (أم يدسه في التراب) *: يخفيه فيه * (ألا ساء ما يحكمون) * حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد، ماهذا محله عندهم. * (للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء) *: صفة السوء وهي الحاجة إلى الولد، والاستظهار بالذكور، وكراهة الاناث، ووأدهن، خشية الاملاق والعار. * (ولله المثل الاعلى) * وهي صفات الالهية والغنى عن الصاحبة والولد، والنزاهة عن صفات المخلوقين * (وهو العزيز الحكيم) *: المتفرد بكمال القدرة والحكمة. * (ولم يؤاخذ الله الناس بظلمهم) *: بكفرهم ومعاصيهم * (ما ترك عليها) *: على

___________________________

1 - القمي 1: 388. في " ب ": " فرد الله إليهم ".

 2 - المصدر، وفيه: " ان الملائكة ".

 3 - كئب يكأب - من باب: تعب كآبة وكابا وكأبة: حزن أشد الحزن. المصباح المنير 2: 237 (كئب).

 4 - وأدابنته: دفنها في القبر وهي حية. الصحاح 2: 546 (وأد). (*)

 

[ 653 ]

الارض * (من دابة) * بشؤم ظلمهم، أو من دابة ظالمة * (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لايستخرون ساعة ولا يستقدمون) *. * (ويجعلون لله ما يكرهون) *: ما يكرهونه لانفسهم من البنات، وأراذل الاموال والشركاء في الرياسة، والاستخفاف بالرسل * (وتصف ألسنتهم الكذب) * مع ذلك. والقمي يقول: ألسنتهم الكاذبة 1. * (أن لهم الحسنى) * أي: عند الله، كقول قائلهم: " ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " 2. * (لاجرم أن لهم النار) *. رد لكلامهم وإثبات لضده * (وأنهم مفرطون) *: مقدمون إلى النار معجلون. القمي: معذبون 3. * (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطن أعملهم) * فأصروا على قبائحها، وكفروا بالمرسلين * (فهو وليهم اليوم) *: قرينهم أوناصرهم. يعني: لا ناصر لهم * (ولهم عذاب أليم) *. * (وما انزلنا عليك الكتب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه) * من المبدأ والمعاد، والحلال والحرام * (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) *. * (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الارض بعد موتها إن في ذلك لاية لقوم يسمعون) * بسمع باطنهم وقلبهم، ويختص ب‍ " من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " 4. * (وإن لكم في الانعم لعبرة نسقيكم مما في بطونه) *. تذكير الضمير هاهنا باعتبار اللفظ، وتأنيثه في المؤمنين باعتبار المعنى، لكونه اسم جمع. * (من بين فرث ودم لبنا) * يكتنفانه * (خالصا) *: صافيا لايستصحبه لون الدم ولا رائحة الفرث، ولا يشوبانه شيئا

___________________________

1 - القمي 1: 386.

 2 - فصلت (41): 50.

 3 - القمي 1: 386.

 4 - ق (50): 37. (*)

 

[ 654 ]

* (سائغا للشربين) *: سهل المرور في حلقهم. ورد: " ليس أحد بعض بشرب اللبن، لان الله عزوجل يقول: " لبنا خالصا سائغا للشاربين " " 1. * (ومن ثمرت النخيل والاعنب تتخذون منه سكرا) *. قيل: خمرا 2. والقمي: الخل 3. وورد: " نزلت قبل آية التحريم فنسخت بها " 4. أقول: وفيه دلالة على أن المراد به الخمر، وقد جاء بالمعنيين جميعا. وعلى إرادة الخمر لا يستلزم حلها في وقت، لجواز أن يكون عتابا ومنة قبل بيان تحريمها. ومعنى النسخ نسخ السكوت عن التحريم. وفي مقابلتها بالرزق الحسن، تنبيه على قبحها. * (ورزقا حسنا) * كالتمر والزبيب والدبس * (إن في ذلك لاية لقوم يعلقون) *. * (وأوحى ربك إلى النخل) * قال: " وحي إلهام " 5. أقول: يعني ألهمها وقذف في قلوبها، فإن في صنعتها الانيقة ولطفها في تدبير أمرها ودقيق نظرها، شواهد بينة على أن الله سبحانه أودعها علما بذلك. * (أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) *: يعرش الناس من كرم أو سقف. * (ثم كلى من كل الثمرت) *: من كل ثمرة تشتهيها، حلوها ومرها * (فاسلكي سبل ربك) *: الطرق التي ألهمك في عمل العسل * (ذللا) *: مذللة، ذللها وسهلها لك، أو أنت منقادة لما أمرت به * (يخرج من بطونها شراب) * يعني العسل فإنه مما يشرب * (مختلف ألونه) *: أبيض وأصفر وأحمر وأسود * (فيه شفاء للناس) *. قال: " لعق

___________________________

1 - الكافي 6: 336، الحديث: 5، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - مجمع البيان 5 - 6: 370، والكشاف 2: 417، والبيضاوي 3: 185.

 3 - القمي 1: 387.

 4 - العياشي 2: 263، ذيل الحديث: 40، عن أبي عبد الله عليه السلام. وآية التحريم في سورة المائدة (5): 90.

 5 - القمي 1: 387، والعياشي 2: 263، الحديث: 41، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه " قال: إلهام ". (*)

 

[ 655 ]

العسل شفاء من كل داء، ثم تلا هذه الاية " 1. وفي رواية ما معناه: " النحل: الائمة، والجبال: العرب، والشجر: العجم، ومما يعرشون: الموالي، والشراب المختلف ألوانه: العلم الذي يخرج منهم " 2. * (إن في ذلك لاية لقوم يتفكرون) *. * (والله خلقكم ثم يتوفكم) * بآجال مختلفة * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) *: أخسه وأحقره، يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل. قال: " هو خمس وسبعون سنة " 3. وفي رواية " المائة ". وفي أخرى: " أن يكون عقله عقل ابن سبع سنين " 5. * (لكى لا يعلم بعد علم شيئا) *. القمي: إذا كبر لا يعلم ما علمه قبل ذلك 6. وفي حديث الارواح ذكر هذه الاية، ثم قال: " فينتقص 7 منه جميع الارواح، وليس بالذي يخرج من دين الله، لان الفاعل به رده إلى أرذل عمره، فهو لايعرف للصلاة وقتا، ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار، ولاالقيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان من روح الايمان، وليس يضره شيئا 8 ". * (إن الله عليم) * بما ينبغي ويليق بكم من مقادير الاعمار * (قدير) * على أن يعمركم بذلك. * (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) * فمنكم غني ومنكم فقير، ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق غيرهم، ومنكم مماليك على خلاف ذلك. * (فما الذين فضلوا

___________________________

1 - الكافي 6: 332، الحديث: 2، والخصال 2، 623، ذيل الحديث: 10، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام.

 2 - القمي 1: 387، عن أبي عبد الله عليه السلام. وانظر العياشي 2: 263 - 264، الحديث: 43 و 44.

 3 - مجمع البيان 5 - 6: 372، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أمير المؤمنين عليه السلام، وفي الكشاف 2: 418، والدر المنثور 5: 146، عن علي عليه السلام.

 4 - القمي 2: 78، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، والخصال 2: 546، ذيل الحديث: 25، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - الخصال 2: 546، ذيل الحديث: 25، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 6 - القمي 1: 387.

 7 - في المرجع: " فهذا ينتقص " وفي " ب ": " فينقص ".

 8 - الكافي 2: 383، ذيل الحديث: 16، عن أمير المؤمنين عليه السلام. (*)

 

[ 656 ]

برآدى رزقهم) *: بمعطي رزقهم * (على ما ملكت أيمنهم) *: على مماليكهم * (فهم فيه سوآء) *. قيل: معناه أن الموالي والمماليك، الله رازقهم جميعا، فهم في رزقه سواء 1، فلا يحسب الموالي أنهم يرزقون المماليك من عندهم، وإنما هو رزق الله، أجراه إليهم على أيديهم 2. وقيل: معناه: فلم يرد الموالي فضل مارزقوه على مماليكم، حتى يتساووا في المطعم والملبس 3. وقيل غير ذلك 4. والقمي: لا يجوز للرجل أن يخص نفسه بشئ من المأكول دون عياله 5. * (أفبنعمة الله يجحدون) *. * (والله جعل لكم من أنفسكم أزوجا) * من جنسكم لتأنسوا بها، ولتكون أولادكم مثلكم * (وجعل لكم من أزوجكم بنين وحفدة) *. قال: " الحفدة بنو البنت، ونحن حفدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 6. وفي رواية: " هم أختان 7 الرجل على بناته " 8. وأصل الحافد: المسرع في الخدمة والطاعة. * (ورزقكم من الطيبت) *: من اللذائذ، أي: بعضها * (أفبالبطل يؤمنون) *. قيل: هو ما يعتقدون من منفعة الاصنام وشفاعتها 9. * (وبنعمت الله هم يكفرون) * حيث يضيفونها إلى الاصنام، أويحرمون ما أحل الله، وقيل: يريد بنعمة الله رسول الله والقرآن والاسلام 10. * (ويعبدون من دون ال له مالا يملك رزقا من السموت) * من مطر * (والارض شيئا) * من نبات * (ولا يستطيعون) * أن يملكوه، أولا استطاعة لهم.

___________________________

1 - في " ألف ": " فهم فيه سواء ".

 2 - الكشاف 2: 419، وجوامع الجامع 2: 298.

 3 - جوامع الجامع 2: 298.

 4 - مجمع البيان 5 - 6: 299، والكشاف 2: 419، والبيضاوي 3: 187.

 5 - القمي 1: 387.

 6 - العياشي 2: 264، الحديث: 46، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - الختن - بالتحريك -: كل من كان من قبل المرأة، مثل الاب والاخ، وهم الاختان، هكذا عند العرب وأما عند العامة فختن الرجل: زوج ابنته. الصحاح 5: 2107 (ختن).

 8 - مجمع البيان 5 - 6: 373، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 9 - الكشاف 2: 419.

 10 - جوامع الجامع 2: 299. (*)

 

[ 657 ]

* (فلا تضربوا لله الامثال) *: تشركون به أوتقيسونه على شئ. قيل: كانوا يقولون: إن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته 1. * (إن الله يعلم) * كنه الاشياء، وضرب الامثال * (وأنتم لا تعلمون) *. * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقنه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون) *. قيل: معناه إذا لم يستويا هذان مع تشاركهما في الجنسية والمخلوقية، فكيف يستوي الاصنام التي هي أعجز المخلوقات والغني القادر على كل شئ ؟ ويجوز أن يكون تمثيلا للكافر المخذول والمؤمن الموفق، أو الجاهل والعالم المعلم 2. * (الحمد لله) * لا يستحقه غيره فضلا عن العبادة، لان النعم كلها منه * (بل أكثرهم لا يعلمون) * فيضيفون النعم إلى غيره ويشركون به. * (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم) *: ولد أخرس لا يفهم ولا يفهم * (لا يقدر على شئ) * من الصنائع والتدابير لنقصان عقله * (وهو كل) *: ثقل وعيال * (على موله) *: على من يلي أمره ويعوله * (أينما يوجهه) *: حيثما يرسله مولاه في أمر * (لايأت بخير) *: بنجح وكفاية مهم * (هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل) * ومن كان سليم الحواس نفاعا كافيا ذا رشد وديانة، فهو يأمر الناس بالعدل والخير * (وهو على صرط مستقيم) *: وهو في نفسه على دين قويم وسيرة صالحة. وهذا المثل، مثل سابقه في الاحتمالات 3. القمي: الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين والائمة صلوات الله عليهم 4. * (ولله غيب السموت والارض) *: ما غاب منهما * (ومآأمر الساعة) * في سرعته

___________________________

1 و 2 - البيضاوي 3: 187.

 3 - قيل في معنى هذا المثل أيضا قولان: أحدهما: أنه مثل ضربه الله تعالى فيمن يؤمل الخير من جهته، ومن لا يؤمل منه، وأصل الخير كله من الله تعالى. فكيف يستوي بينه وبين شئ سواه في العبادة. والاخر: أنه مثل للكافر والمؤمن، فالابكم الكافر، والذي يأمر بالعدل المؤمن " عن ابن عباس ". وقيل: إن الابكم أبي بن خلف، ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن مظعون " عن عطاء ". وقيل: إن الابكم هاشم بن عمر بن الحارث القرشي، وكان قليل الخير، يعادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " عن مقاتل ". مجمع البيان 5 - 6: 375.

 4 - القمي 1: 387. (*)

 

[ 658 ]

وسهولته * (إلا كلمح البصر) *: كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها * (أو هو أقرب) * لانه يقع دفعة * (إن الله على كل شئ قدير) * فيقدرعلى أن يحيى الخلايق دفعة، كما قدر أن أحياهم متدرجا. * (والله أخرجكم من بطون أمهتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصر والافدة لعلكم تشكرون) *: كي تعرفوا ما أنعم الله عليكم، طورا بعد طور، فتشكروه. * (ألم يروا إلى الطير مسخرت في جو السماء ما يمسكهن إلا الله) * فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها، ولا علاقة فوقها ولادعامة تحتها تمسكها * (إن في ذلك لايت لقوم يؤمنون) *. * (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) * موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم * (وجعل لكم من جلود الانعم بيوتا) * يعني الخيم والمضارب المتخذة من الادم 1 والوبر والصوف والشعر * (تستخفونها) *: تجدونها خفيفة، يخف عليكم حملها ونقلها ووضعها وضربها * (يوم ظعنكم) * ترحالكم وسفركم * (ويوم إقامتكم) *: نزولكم وحضركم * (ومن أصوافها) * يعني ماللضأن * (وأوبارها) * يعني ماللابل * (وأشعارهآ) * يعني ماللمعز * (أثثا) *: ما يلبس ويفرش * (ومتعا) *: ما ينتفع به * (إلى حين) *. * (والله جعل لكم مما خلق) * من الشجر والجبل والابنية وغيرها * (ظللا) * تتقون به حر الشمس * (وجعل لكم من الجبال أكننا) *: مواضع تسكنون بها، من الغيران والبيوت المنحوتة فيها. * (وجعل لكم سربيل) *: ثيابا من القطن والكتان والصوف وغيرها * (تقيكم الحر) *. اكتفى بذكر أحد الضدين لدلالته على الاخر، ولان وقاية الحر كانت عندهم أهم * (وسربيل تقيكم بأسكم) * يعني الدروع والجواشن. والسر بال يعم كل ما يلبس * (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) * أي: تنظرون في نعمه الفاشية، فتؤمنون به وتنقادون لحكمه.

___________________________

1 - أدم - بفتحتين وضمتين -: الجلد المدبوغ. المصباح المنير 1: 14 (أدم). (*)

 

[ 659 ]

* (فإن تولوا فإنما عليك البلغ المبين) *. * (يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكفرون) *. قال: " نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده، وبنا فاز من فاز " 1. وفي رواية: قال: " يعني ولاية علي " 2. * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) * يشهد لهم وعليهم، بالايمان والكفر. قال: " لكل زمان وأمة إمام، يبعث كل أمة مع إمامها " 3. * (ثم لا يؤذن للذين كفروا) * في الاعتذار، إذ لا عذر لهم، فدل بترك الاذن على أن لاحجة لهم ولاعذر * (ولاهم يستعتبون) *: يسترضون. أي: لا يقال لهم: أرضوا ربكم، من العتبى وهو الرضا. * (وإذا رءا الذين ظلموا العذاب) * ثقل عليهم * (فلا يخفف عنهم ولاهم ينظرون) *: يمهلون. * (وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم) * من الاصنام والشياطين * (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك) *: نعبدهم أونطيعهم * (فألقوا إليهم القول إنكم لكذبون) * يعني كذبهم الذين عبدوهم بإنطاق الله إياهم في أنهم شركاء الله، وأنهم عبدوهم حقيقة، وإنما عبدوا أهواءهم، كقوله " كلا سيكفرون بعبادتهم " 4. * (وألقوا) *: وألقى الذين ظلموا * (إلى الله يومئذ السلم) *: الاستسلام لامره وحكمه بعد الاباء والاستكبار في الدنيا * (وضل عنهم) *: وضاع عنهم وبطل * (ما كانوا يفترون) * من أن لله 5 شركاء، وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم. * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) * بالمنع عن الاسلام والحمل على الكفر.

___________________________

1 - القمي 1: 388، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - الكافي 1: 427، ذيل الحديث: 77، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام.

 3 - مجمع البيان 5 - 6: 378، والقمي 1: 388، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - مريم (19): 82.

 5 - في " ألف ": " من دون الله ". (*)

 

[ 660 ]

القمي: كفروا بعد النبي وصدوا عن الوصي 1. * (زدنهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * الناس بصدهم. * (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء) *. سبق تفسيره في سورتي البقرة والنساء 2. * (ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شئ) *: بيانا بليغا. قال: " حتى والله ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد، حتى لايستطيع عبد يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن، إلا أنزله 3 الله فيه " 4. * (وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) *. * (إن الله يأمر بالعدل والاحسن) *. قال: " العدل: الانصاف، والاحسان: التفضل " 5. * (وإيتآئ ذى القربى) *: وإعطاء الا رقاب ما يحتاجون إليه * (وينهى عن الفحشاء) *: ما جاوز حدود الله * (والمنكر) *: ما ينكره العقول * (والبغى) *: التطاول 6 على الناس بغير حق. وورد: في تأويله: " العدل: الشهادتان " 7. وفي رواية: " العدل: محمد، والاحسان: علي، وإيتاء ذي القربى: مودة الائمة وإيتاؤهم " 8. " والثلاثة المنهي عنها: الاول والثاني والثالث " 9. * (يعظكم لعلكم تذكرون) *. ورد: " جماع التقوى في هذه الاية " 10. * (وأفوا بعهد الله إذا عهدتم ولا تنقضوا الايمن بعد توكيدها وقد جعلتم الله

___________________________

1 - القمي 1: 388، وفيه " وصدوا عن أمير المؤمنين عليه السلام ".

 2 - البقرة (2) ذيل الاية: 143، والنساء (4) ذيل الاية: 41.

 3 - في " ألف ": " أنزل ".

 4 - الكافي 1: 59، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - معاني الاخبار: 257، الحديث: 1، والعياشي 2: 267، الحديث: 61، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 6 - تطاول عليه: اعتدى عليه. الرائد 1: 408 (طول).

 7 - القمي 1: 388.

 8 - العياشي 2: 267، الحديث: 59، و 268، الحديث: 63، عن أبي جعفر عليه السلام.

 9 - المصدر، الحديث: 62، عن أبي جعفر عليه السلام. وراجع: القمي 1: 388، والعياشي 2: 268، الحديث: 60، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 10 - روضة الواعظين: 437، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (*)

 

[ 661 ]

عليكم كفيلا) *: شاهدا ورقيبا * (إن الله يعلم ما تفعلون) *. * (ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة) *: من بعد إحكام وفتل * (أنكثا) * لا جمع نكث بالكسر، وهو ماينكث فتله. قال: " التي نقضت غزلها، امرأة من بني تيم بن مرة، يقال لها: ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لوي بن غالب، كانت حمقاء تغزل الشعر، فإذا غزلته نقضته، ثم عاذت فغزلته. فقال الله " كالتي نقضت غزلها " الاية. قال: إن الله تبارك وتعالى أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد، فضر لهم مثلا 1 ". * (تتخذون أيمنكم دخلا بينكم) *: دغلا وخيانة ومكرا وخديعة، وذلك لانهم كانوا حين عهدهم يضمرون الخيانة، والناس يسكنون إلى عهدهم. والدخل أن يكون الباطن خلاف الظاهر، وأصله أن يدخل الشئ ما لم يكن منه. * (أن تكون أمة هي أربى من أمة) * يعني لا تنقصوا العهد بسبب أن يكون جماعة - وهي كفرة قريش - أزيد عددا وأوفر مالا من أمة، يعني جماعة المؤمنين. * (إنما يبلوكم الله به) *: إنما يختبركم بكونهم أربى، لينظر أتوفون بعهد الله، أم تغترون بكثرة قريش وقوتهم وثروتهم، وقلة المؤمنين وضعفهم وفقرهم. * (وليبينن لكم يوم القيمة ما كنتم فيه تختلفون) *. وعيد وتحذير من مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. * (ولو شآء الله لجعلكم أمة وحدة) *: مسلمة مؤمنة * (ولكن يضل من يشآء) * بالخذلان * (ويهدى من يشآء) * بالتوفيق * (ولتسئلن عما كنتم تعملون) *. * (ولا تتخذوا أيمنكم دخلا بينكم) *. تصريح بالنهي عنه بعد التضمين، تأكيدا مبالغة في قبح المنهي عنه * (فتزل قدم) * عن محجة الاسلام * (بعد ثبوتها) * عليها، أي: فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى * (وتذوقوا السوء) * في الدنيا * (بما صددتم عن سبيل الله) *: بصدودكم أوصدكم غيركم. * (ولكم عذاب عظيم) * في الاخرة.

___________________________

1 - القمي 1: 389، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 662 ]

قال: " نزلت هذه الايات 1 في ولاية علي والبيعة له، حين أمروا بالتسليم عليه بإمره المؤمنين " 2. * (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون) *. * (ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) *. * (من عمل صلحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن لنحيينه حيوة طيبة) *: يعيش عيشا طيبا. قال: " هي 3 القناعة والرضا بما قسم الله " 4. * (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) *. * (فإذا قرأت القرءان) *: إذا أردت قراءته * (فاستعذ بالله من الشيطن الرجيم) *: فاسأل الله أن يعيذك من وساوسه، لئلا يوسوسك في القراءة. قال: " تقول: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " 5. قال: " الرجيم أخبث الشياطين " 6. * (إنه ليس له سلطن على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون) *. قال: " يسلط والله من المؤمن على بدنه، ولا يسلط على دينه " 7. وفي رواية: " ليس له أن يزيلهم عن الولاية، فأما الذنوب وأشباه ذلك، فإنه ينال منهم كما ينال من غيرهم " 8. * (إنما سلطنه على الذين يتولونه) *: يحبونه ويطيعونه * (والذين هم به مشركون) *. قال: يسلط على أبدانهم وعلى أديانهم " 9.

___________________________

1 - في " ب " والمصدر: " هذه الاية ".

 2 - جوامع الجامع 2: 306، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي الكافي 1: 292، الحديث: 1، ما يقرب منه.

 3 - في المصدر: " إنها ".

 4 - مجمع البيان 5 - 6: 384، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 5 - العياشي 2: 270، الحديث: 67، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 6 - المصدر، الحديث: 67 - 68، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - الكافي 8: 288، الحديث: 433، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي العياشي 2: 269، الحديث: 66، ما يقرب منه.

 8 - العياشي 2: 270، الحديث: 69، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي القمي 1: 390، مع اختلاف يسير.

 9 - الكافي 8: 288، الحديث: 433، والعياشي 2: 269، الحديث: 66، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 663 ]

* (وإذا بدلنا ءاية مكان ءاية) * بالنسخ * (والله أعلم بما ينزل) * من المصالح، فلعل ما يكون مصلحة في وقت يكون مفسدة في آخر، وهو اعتراض. * (قالوا إنما أنت مفتر) *: متقول 1 على الله تأمر بشئ، ثم يبدو لك، فتنهى عنه. * (بل أكثرهم لا يعلمون) * حكمة الاحكام. * (قل نزله له روح القدس) *. قال: " هو جبرئيل والقدس الطاهر " 2. * (من ربك بالحق ليثبت الذين ءامنوا) * بما يرون في الناسخ من الصلاح الحكمة. قال: " هم آل محمد " 3. * (وهدى وبشرى للمسلمين) * المنقادين لحكمه. * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه) *: يضيفون إليه التعليم، ويميلون قولهم عن الاستقامة إليه * (أعجمى) * غير بين. القمي: هو لسان أبي فكيهة مولى ابن الحضرمي، كان أعجمي اللسان، وكان قد اتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمن به، وكان من أهل الكتاب، فقالت قريش: هذا والله يعلم ومحمدا، علمه بلسانه 4. * (وهذا لسان عربي مبين) *: ذو بيان وفصاحة. * (إن الذين لا يؤمنون بايت الله) *: لا يصدقون 5 أنها من عند الله * (لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم) *. * (إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بايت الله) *. رد لقولهم: " إنما أنت مفتر " * (وأولئك هم الكذبون) *. * (من كفر بالله من بعد إيمنه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمن) *. نزلت في عمار بن ياسر حين أخذته كفار مكة فعذبوه، حتى أعطاهم بلسانه ما أرادوا، " وقلبه مطمئن بالايمان " " فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندها: يا عمار إن عادوا فعد، فقد أنزل الله عذرك،

___________________________

1 - تقول قولا: ابتدعه كذبا. القاموس المحيط 4: 43 (قول).

 2 و 3 - القمي 1: 390، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - القمي 1: 390، وفيه: " هذا والله يعلم محمدا بلسانه ".

 5 - في " ألف ": " لا يصدقون بها ". (*)

 

[ 664 ]

وأمرك أن تعود إن عادوا " كذا ورد 1. * (ولكن من شرح بالكفر صدرا) *: اعتقده وطاب به نفسا. القمي: هو عبد الله بن أبي سرح 2، وكان عاملا لعثمان بمصر. 3 * (فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) *. * (ذلك بأنهم استحبوا) *: آثروا * (الحيوة الدنيا على الاخرة وأن الله لا يهدى القوم الكفرين) *. * (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصرهم وأولئك هم الغفلون) *. * (لاجرم أنهم في الاخرة هم الخسرون) *. * (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا) * عذبوا في الله وأكرهوا على الكفر، فأعطوا بعض ما أريد منهم، ليسلموا من شرهم، كعمار * (ثم جهدوا وصبروا) * على الجهاد، وما أصابهم من المشاق، و " ثم " لتباعد حال هؤلاء من حال أولئك * (إن ربك من بعدها لغفور رحيم) *. خبر " إن " الاولى والثانية جميعا واحد، ونظير تكرير إن ربك هاهنا في القرآن كثير 4. * (يوم تأتى كل نفس تجدل عن نفسها) * أي: ذاتها، تحتج عنها وتعتذر لها وتسعى في خلاصها لا يهمها شأن غيرها * (وتوفى كل نفس ما عملت) *: جزاء ما عملت * (وهم لا يظلمون) *. * (وضرب الله مثلا) * لكل من أنعم الله عليه، فأبطرته النعمة فكفر بها، فأنزل الله به النقمة * (قرية كانت ءامنة مطمئنة) * لا يزعج 5 أهلها خوف * (يأتيها رزقها رغدا) *: واسعا * (من كل مكان) *: من نواحيها * (فكفرت بأنعم الله فأذقها الله لباس الجوع والخوف بما

___________________________

1 - الكافي 2: 219، الحديث: 10، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي الكشاف 2: 430، والبيضاوي 3: 192 ما يقرب منه.

 2 - تقدمت ترجمته في سورة النساء، ذيل الاية: 137.

 3 - القمي 1: 391.

 4 - الانعام (6): 54، والنحل (16): 119.

 5 - زعجه كمنعه: أقلعه وقلعه من مكانه. القاموس المحيط 1: 198، والصحاح 1: 319 (زعج). (*)

 

[ 665 ]

كانوا يصنعون) *. استعار 1 الذوق لادراك أثر الضرر، واللباس لما غشيهم واشتمل عليهم من الجوع والخوف. قال: " إن أهل قرية ممن كان قبلكم، كان الله قد وسع عليهم حتى طغوا 2، فقال بعضهم لبعض: لو عمدنا 3 إلى شئ من هذا النقي فجعلناه تستنجي به، كان ألين علينا من الحجارة. قال: " فلما فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دوابا أصغر من الجراد، فلم تدع لهم شيئا خلقه الله إلا أكلته 4 من شجر أو غيره، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذى كانوا يستنجون به فأكلوه. وهي القرية التي قال الله " ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة " الاية " 5. * (ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظلمون) *. * (فكلوا مما رزقكم الله حللا طيبا واشكر نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون) *. * (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآأهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولاعاد فإن الله غفور رحيم) *. قد سبق تفسيره 6. * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب) *. مبالغة في وصف بالكذب، كأن حقيقة الكذب كانت مجهولة، وألسنتهم تصفها، وتعرفها بكلامهم. هذا كقولهم: وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر. * (هذا حلل وهذا حرام) *. القمي: هو ما كانت اليهود يقولون " ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " 7. * (لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) *.

___________________________

1 - في " ألف ": " اشعار ".

 2 - في المصدر: " كان الله قد أوسع عليهم حتى طعنوا " 3 - عمدإليه: قصده، المصباح المنير 2: 92 (عمد).

 4 - في المصدر: " شيئا خلقه الله يقدر عليه إلا أكله... ".

 5 - العياشي 2: 273، الحديث: 79، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي معناه ما في المحاسن (للبرقي) 2: 588، الباب: 17، الحديث: 88، والعياشي 2: 273، الحديث: 78، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 6 - ذيل الاية: 173 من سورة البقرة.

 7 - القمي 1: 391. والاية في سورة الانعام (6): 139. (*)

 

[ 666 ]

* (متع قليل) * أي: ما يفترون 1 لاجله منفعة قليلة تنقطع عن قريب * (ولهم عذاب أليم) * في الاخرة. ورد: " من قال للحلال هذا حرام، وللحرام هذا حلال ودان بذلك، فعندنا يكون خارجا من الايمان والاسلام إلى الكفر " 2. * (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) * أي: في سورة الانعام بقوله: " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " الاية 3. * (وما ظلمنهم) * بالتحريم * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه. * (ثم إن ربك للذين علموا السوء بجهلة) *: جاهلين غير متدبرين للعاقبة * (ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها) *: من بعد التوبة * (لغفور) * لذلك السوء * (رحيم) * يثيب على الانابة. * (إن إبرهيم كان أمة قانتا لله حنيفا) *. قال: " وذلك إنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره، فكان أمة واحدة. قال: وأما قانتا فالمطيع، وأما الحنيف فالمسلم " 4. * (ولم يك من المشركين) *. تكذيب لقريش فيما كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم. * (شاكرا لانعمه) *: لانعم الله، معترفا بها. روي: " إنه كان لا يتغذى إلا مع ضيفه " 5. * (اجتبه) *: اختاره * (وهده إلى صرط مستقيم) *. * (وءاتينه في الدنيا حسنة) * بأن حببه إلى الناس، حتى أن أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه، ورزقه أولادا طيبة، وعمرا طويلا في السعة والطاعة. * (وإنه في الاخرة لمن الصلحين) *: لمن أهل الجنة، كما سأله بقوله " وألحقني بالصالحين " 6.

___________________________

1 - في " ألف ": " ماتفترون ".

 2 - التوحيد (للصدوق): 229، الباب: 30، ذيل الحديث: 7، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - الانعام (6): 146.

 4 - القمي 1: 392، عن أبي جعفر عليه السلام.

 5 - الكشاف 2: 439، وجوامع الجامع 2: 313.

 6 - الشعراء (26): 83. (*)

 

[ 667 ]

* (ثم أوحينا إليك) * يا محمد * (أن اتبع ملة إبرهيم حنيفا وما كان من المشركين) *. قيل: في " ثم " هذه تعظيم 1 لمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلام بأن أفضل ما أوتي خليل الله من الكرامة اتباع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ملته، حيث دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين ساير النعوت التي أثنى الله عليه بها 2. ورد: " لا طريق للاكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء لانه المنهج الاوضح. قال الله عزوجل: " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا " فلو كان لدين الله تعالى مسلك أقوام من الاقتداء، لندب أنبياءه وأولياءه إليه " 3. وورد: " ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، وساير الناس منها برآء " 4. * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون) *. قد سبق قصتهم في الاعراف 5. * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) *: بالمقالة المحكمة الصحيحة، الموضحة للحق، المزيحة للشبهة، هذا للخواص. * (والموعظة الحسنة) *: الخطايات المقنعة والعبر النافعة، التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها تنفعهم فيها، وهذا للعوام. * (وجد لهم بالتى هي أحسن) *: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة، وهذا للمعاندين والجاحدين. قال: " يعني بالقرآن " 6. " وهذا كقوله سبحانه " وضرب لنا مثلا ونسى خلقه " 7 إلى آخر السورة، مجادلا به من جحد البعث بعد الموت، وبغير التي هي أحسن، أن تجادل مبطلا يورد عليك حقا ليعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة أن

___________________________

1 - في " ألف ": " لتعظيم ".

 2 - جوامع الجامع 2: 313، والكشاف 2: 434، والبيضاوي 3: 194.

 3 - مصباح الشريعة: 157، الباب: 74، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي " ألف " و " ج ": " لندب أوليائه وأنبيائه إليه ".

 4 - العياشي 1: 388، الحديث: 146، عن الحسين بن علي عليهما السلام.

 5 - الاعراف (7): 163.

 6 - الكافي 5: 13، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - يس (36): 78. (*)

 

[ 668 ]

يكون له عليك فيه حجة، لانك لا تدري كيف المخلص منه ". كذا ورد 1. قال: " والجدال بغير التي هي أحسن محرم، حرمه الله على شيعتنا " 2. * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) * أي: ليس عليك أن تهديهم ولا أن تردهم عن الضلالة، وإنما عليك البلاغ، فمن كان فيه خير كفاه البرهان أوالوعظ، ومن لاخير فيه عجزت عنه الحيل، فكأنك تضرب منه في حديد بارد. * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصبرين) *. قال: " لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صنع بحمزة بن عبد المطلب، قال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى، وأنت 3 المستعان على ما أرى، ثم قال: لئن ظفرت لامثلن وأمثلن 4، قال: فأنزل الله الاية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبر أصبر " 5. وفي رواية: " إنه لما رأى ما فعل به بكى، ثم قال: ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا المكان، لئن أمكنني الله من قريش لامثلن سبعين رجلا منهم، فنزلت، فقال: بل أصبر " 6. * (واصبر وما صبرك إلا بالله) *: إلا بتوفيقه وتثبيته * (ولا تحزن عليهم) *: على أصحابك وما فعل بهم، فإن الله نقلهم إلى دار كرامته * (ولاتك في ضيق مما يمكرون) *. * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) *.

___________________________

1 - تفسير الامام عليه السلام 528، ذيل الاية: 111، من سورة البقرة، والاحتجاج 1: 14 و 15، عن العسكري، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - تفسير الامام عليه السلام 527، والاحتجاج 1: 14، عن العسكري، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي " ب ": " حرم الله ".

 3 - في " ب " و " ج ": " وإنك ".

 4 - في المصدر: " لامثلن لامثلن ".

 5 - العياشي 2: 274، الحديث: 85، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي " ألف ": " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أصبر ".

 6 - القمي 1: 123، وفي " ألف ": " فقال: أصبر ". (*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21331989

  • التاريخ : 28/03/2024 - 10:30

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net