00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الاعراف من آية 182 ـ آخر السورة من ( 311 ـ 350 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الخامس)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

[311]

الآيتان

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَـتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ(182)وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ(183)

التّفسير

الإِستدراج!...

تعقيباً على البحث السابق الذي عالجته الآيات المتقدمة ـ والذي يبيّن حال أهل النّار، تبيّن هاتان الآيتان واحدةً من سنن الله في شأن كثير من عباده المجرمين المعاندين، وهي ما عبّر عنها القرآن «بعذاب الإستدراج».

والإِستدراج جاء في موطنين من القرآن: أحدهما في الآيتين محل البحث، والآخر في الآية (44) من سورة القلم، وكلا الموطنين يتعلقان بمكذّبي آيات الله ومنكر بها.

وكما يقول أهل اللغة، فإنّ للإِستدراج معنيين:

أحدهما: أخذ الشيء تدريجاً، لأنّ أصل الإِستدراج مشتق من (الدرجة) فكما أنّ الإِنسان ينزل من أعلى العمارة إلى أسفلها بالسلالم درجةً درجة، أو يصعد من الأسفل إلى الأعلى درجةً درجة ومرحلة مرحلة، فقد سمي هذا الأمر

[312]

استدراجاً.

والمعنى الثّاني للإِستدراج هو، اللّف والطّي، كطي السّجل أو «الطومار» ولفّه. وهذان المعنيان أوردهما الراغب في مفرداته، إلاّ أنّ التأمل بدقّة في المعنيين يكشف أنّهما يرجعان إلى مفهوم كلي جامع واحد: وهو العمل التدريجي.

وبعد أن عرفنا معنى الإِستدراج نعود إلى تفسير الآية محل البحث.

يقول سبحانه في الآية الأُولى: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون).

أي سنعذبهم بالإِستدراج شيئاً فشيئاً، ونطوي حياتهم.

والآية الثّانية تؤكّد الموضوع ذاته، وتشير بأنّ الله لا يتعجل بالعذاب عليهم، بل يمهلهم لعلهم يحذرون ويتعظون، فإذا لم ينتبهوا من نومتهم ابتلوا بعذاب الله; فتقول الآية (واُملي لهم).

لأنّ الإِستعجال يتذرع به من يخاف الفوت، والله قوي ولا يفلت من قبضته أحد (إنّ كيدي متين).

و «المتين» معناه القوي المحكم الشديد، وأصله مأخوذ من المتن، وهو العضلة المحكمة التي تقع في جانب الكتف (في الظهر).

و«الكيد» والمكر متساويان في المعنى، وكما ذكرنا في ذيل الآية (54) من سورة آل عمران، أنّ المكر يعني في أصل اللغة الإِحتيال ومنع الآخر من الوصول إلى قصده.

ويستفاد من الآية ـ آنفة الذكر وآيات أُخرى وبعض الأحاديث الشريفة الواردة ـ في شأن الإِستدراج، أو العذاب الإِستدراجي، أنّ الله لا يتعجل بالعذاب على الطغاة والعاصين المتجرئين وفقاً لسنته في عباده، بل يفتح عليهم أبواب النعم. فكلّما ازدادوا طغياناً زادهم نعماً.

وهذا الأمر لا يخلو من إحدى حالتين، فإمّا أن تكون هذه النعم مدعاة للتنبيه

[313]

والإيقاظ فتكون الهداية الإِلهية في هذه الحال عملية.

أو أنّ هذه النعم تزيدهم غروراً وجهلا، فعندئذ يكون عقاب الله لهم في آخر مرحلة أوجع، لأنّهم حين يغرقون في نعم الله وملذاتهم ويبطرون، فإنّ الله سبحانه يسلب عندئذ هذه النعم منهم، ويطوي سجل حياتهم، فيكون هذا العقاب صارماً وشديداً جدّاً...

وهذا المعنى بجميع خصوصياته لا يحمله لفظ الإستدراج وحده، بل يستفاد هذا المعنى يفيدِ (من حيث لا يعلمون) أيضاً.

وعلى كل حال، فهذه الآية تنذر جميع المجرمين والمذنبين بأنّ تأخير الجزاء من قبل الله لا يعني صحة أعمالهم أو طهارتهم، ولا عجزاً وضعفاً من الله، وأن لا يحسبوا أنّ النعم التي غرقوا فيها هي دليل على قربهم من الله، فما أقرب من أن تكون هذه النعم والإنتصارات مقدمة لعقاب الإستدراج. فالله سبحانه يغشيّهم بالنعم ويمهلهم ويرفعهم عالياً، إلاّ أنّه يكبسهم على الأرض فجأة حتى لا يبقى منهم أثر، ويطوي بذلك وجودهم وتأريخ حياتهم كله.

يقول الإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة أنّه «من وسّع عليه في ذات يده فلم يَرَ ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً»(1).

كما جاء عنه(عليه السلام) في روضة الكافي أنّه قال: «ثمّ إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إلى أن قال ـ يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالساً حتى يخرج من الدين، ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، ومن ولاية إلى ولاية ملك، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون»(2).

_____________________________

1 ـ تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 106.

2 ـ المصدر السابق.

[314]

ويقول الإمام الصادق(عليه السلام): «كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه، وكم من مستدرج يستر الله عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه»(1).

وجاء عنه(عليه السلام) في تفسير الآية المشار إليها آنفاً أنّه قال: «هو العبد يذنب الذنب فتجدد له النعمة معه، تلهيه تلك النعمة عن الإستغفار عن ذلك الذنب»(2).

وورد عنه(عليه السلام) في كتاب الكافي أيضاً: «إنّ الله إذا أراد بعبد خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنقمة ويذكره الإِستغفار، وإذا أراد بعبد شرّاً فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة لينسيه الإِستغفار، ويتمادى بها، وهو قوله عزّوجل: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون)بالنعم عند المعاصي»(3).

* * *

_____________________________

1 ـ تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 106.

2 ـ المصدر السابق.

3 ـ تفسير البرهان، ج 2، ص 53.

[315]

الآيات

أَو لَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمِ مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(184)أَوَ لَمْ يَنظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَـوتِ وَالاَْرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيء وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَىِّ حَدِيثِ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَـنِهِمْ يَعْمَهُونَ(186)

سبب النّزول

روى المفسّرون أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حين كان بمكّة، صعد ذات ليلة على جبل الصفا ودعا الناس إلى توحيد الله، وخاصّة قبائل قريش، وحذرهم من عذاب الله، وقال: «إِنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا، لا إله إلاّ الله تفلحوا» فقال المشركون: إنّ صاحبهم قد جُنّ، بات ليلا يصوت حتى الصباح، فنزلت الآيات وألجمتهم وردت قولهم.

ورغم أنّ الآية لها شأن خاص، إلاّ أنّها في الوقت ذاته لمّا كانت تدعو إلى معرفة النّبي وهدف الخلق والتهيؤ للعالم الآخر، ففيها إرتباط وثيق بالمواضيع التي سبق بيانها في شأن أهل الجنّة وأهل النّار.

[316]

التّفسير

التُهم والأباطيل:

في الآية الأُولى من الآيات ـ محل البحث ـ يردُّ الله سبحانه على كلام المشركين الذي لا أساس له بزعمهم أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد جُنّ، فيقول سبحانه: (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنّة).(1)

وهذا التعبير يشير إلى أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن شخصاً مجهولا بينهم، وتعبيرهم بـ «الصاحب» يعني المحب والمسامر والصديق وما إلى ذلك. وكان النّبي معهم أكثر من أربعين عاماً يرون ذَهابه وإيابه وتفكيره وتدبيره دائماً وآثار النبوغ كانت باديةً عليه، فمثل هذا الإِنسان الذي كان يُعدّ من أبرز الوجوه والعقلاء قبل الدعوة إلى الله، كيف تلصق به مثل هذه التهمة بهذه السرعة؟! أمّا كان الأفضل أن  يتفكروا ـ  بدلا من إلصاق التهم به ـ أن يكون صادقاً في دعواه وهو مرسل من قبل الله سبحانه؟! كما عقب القرآن الكريم وبيّن ذلك بعد قوله أو لم يتفكروا؟ فقال: (إن هو إلاّ نذير مبين...)...

وفي الآية التّالية ـ استكمالا للموضوع آنف الذكر ـ دعاهم القرآن إلى النظر في عالم الملكوت، عالم السموات والأرض، إذ تقول الآية: (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء).

ليعلموا أنّ هذا العالم الواسع، عالم الخلق، عالم السموات والأرض، بنظامه الدقيق المحيّر المذهل لم يخلق عبثاً، وإنّما هناك هدف وراء خلقه. ودعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الحقيقة، هي من أجل ذلك الهدف، وهو تكامل الإنسان وتربيته وارتقاؤه.

و«الملكوت» في الأصل مأخوذ من «الملك» ويعني الحكومة والمالكية،

_____________________________

1 ـ «الجنّة» كما يذهب إليه أصحاب اللغة معناها الجنون، ومعناها في الأصل: الحائل والمانع فكأنما يُلقى على العقل حائل عند الجنون.

[317]

والواو والتاء المزيدتان المردفتان به هما للتأكيد والمبالغة. ويُطلق هذا الإِستعمال على حكومة الله المطلقة التي لا حدّ لها ولا نهاية..

فالنظر إلى عالم الملكوت ونظامه الكبير الواسع المملوك لله سبحانه يقوّي الإِيمان بالله والإِيمان بالحق، كما أنّه يكشف عن وجود هدف مهم في هذا العالم الكبير المنتظم أيضاً. وفي الحالين يدعو الإِنسان إلى البحث عن ممثل الله ورَسول رحمته الذي يستطيع أن يطبق الهدف من الخلق في الأرض.

ثمّ تقول الآية معقبة ... لتنّبههم من نومة الغافلين (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون).

أي: أوّلا: ليس الأمر كما يتصورون، فأعمارهم لا تخلد والفرص تمر مرّ السحاب، ولا يدري أحد أهو باق إلى غد أم لا؟! فمع هذه الحال ليس من العقل التسويف وتأجيل عمل اليوم إلى غد.

ثانياً: إذ لم يكونوا ليؤمنوا بهذا القرآن العظيم الذي فيه ما فيه من الدلائل الواضحة والبراهين اللائحة الهادية إلى الإيمان بالله، فأي كتاب ينتظرونه خير من القرآن ليؤمنوا به؟ وهل يمكن أن يؤمنوا بكلام آخر ودعوة أُخرى غير هذه؟!

وكما نلاحظ فإنّ الآيات محل البحث تُوصد جميع سبل الفرار بوجه المشركين، فمن ناحية تدعوهم إلى أن يتفكروا في شخصيّة النّبي وعقله وسابق أعماله فيهم لئلا يتملّصوا من دعوته باتهامهم إيّاه بالجنون.

ومن ناحية أُخرى تدعوهم إلى أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض، والهدف من خلقهما، وأنّهما لم يخلقا عبثاً.

ومن ناحية ثالثة تقول: (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) لئلا يسوّفوا قائلين اليوم وغداً وبعد غد الخ...

ومن ناحية رابعة تقول: إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن فإنّهم لن يؤمنوا بأي حديث آخر وأي كتاب آخر، إذ ليس فوق القرآن كتاب أبداً...

[318]

وأخيراً فإنّ الآية التالية، وهي آخر آية من الآيات محل البحث، تختتم الكلام بالقول (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون).

وكما ذكرنا مراراً فإن مثل هذه التعابير لا تشمل جميع الكفار والمجرمين، بل تختص بأُولئك الذين يقفون بوجه الحقائق معاندين ألدّاء، حتى كأنّما على أبصارهم غشاوة وفي سمعهم صمم وعلى قلوبهم طبع، فلا يجدون إلاّ أسدالا من الظلمات تحجب طريقهم. وكل ذلك هو نتيجة أعمالهم أنفسهم، وهو المقصود بالإضلال الإِلهي (من يضلل الله).

* * *

[319]

الآية

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى لاَ يُجَلِّيَها لِوَقْتَهآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِى السَّمَواتِ وَالاَْرْضِ لاَتَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغَتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنْ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(187)

سبب النّزول

أيّان يومُ القيامة؟!

وفقاً لمّا ورد في بعض الرّوايات(1) فإنّ قريشاً أرسلت عدّة أنفار إلى نجران ليسألوا اليهود الساكنين فيها ـ إضافة إلى المسيحيين هناك ـ مسائل ملتوية ثمّ يلقوها على النّبي عند رجوعهم إليه، ظنّاً منهم أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) سيعجز عن إجابتهم، ومن جملة هذه الأسئلة كان هذا السؤال: متى تقوم الساعة؟! فلما سألوا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ذلك السؤال نزلت الآية محل البحث وأفحمتهم!(2)

* * *

_____________________________

1 ـ تفسير البرهان، ج2، ص 54.

2 ـ يرى بعض المفسّرين كالمرحوم الطبرسي أن سبب النّزول هو في جماعة من اليهود الذين جاءوا النّبي وسألوه عن يوم القيامة، إلاّ أنّه لمّا كانت السورة نازلة في مكّة، ولم يكن بين النّبي واليهود فيها خصام وجدال، فهذا الموضوع مستبعد جدّاً.

[320]

التّفسير

مع أنّ هذه الآية ذات سبب خاص في النّزول ـ كما ذكروا ـ إلاّ أنّها في الوقت ذاته لها علاقة وثيقة بالآيات المتقدمة أيضاً، لأنّه قد وردت الإشارة إلى يوم القيامة ولزوم الإستعداد لمثل ذلك اليوم في الآيات السابقة. وبالطبع فإنّ موضوعاً كهذا يستدعي السؤال عن موعده وقيامه، ويستثير كثيراً من الناس أن يسألوه: أيّان يوم القيامة؟ لهذا فإنّ القرآن يقول: (يسألونك عن الساعة أيّان مرساها)؟!

وبالرغم من أنّ «الساعة» تعني زمان نهاية الدنيا، إلاّ أنّها في الغالب ـ أو دائماً كما ذهب البعض ـ تأتي بمعنى القيامة في القرآن الكريم، وخاصّة من بعض القرائن التي تكتنف الآية ـ محل البحث ـ إذ تؤكّد هذا الموضوع كجملة: متى تقوم الساعة؟ الواردة في شأن نزول الآية:

وكلمة «أيّان» تساوي «متى» وهما للسّؤال عن الزمان، والمرسى مصدر ميمي من الإِرساء، وهما بمعنى واحد، وهو ثبات الشيء أو وقوعه، لذلك يطلق على الحبل وصف «الراسي» فيقال: جبال راسيات، فبناءً على ذلك فإنّ «أيّان مرساها» تعني: في أي وقت تقع القيامة وتكون ثابتةً؟!

ثمّ تضيف الآية مخاطبة النّبي أن يردهم بصراحة قائلة: (قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو).

إلاّ أنّ الآية تذكر علامتين مجملتين، فتقول أوّلا: (ثقلت في السموات والأرض).

أية حادثة يمكن أن تكون أثقل من هذه، إذ تضطرب لهولها جميع الأجرام السماوية «قبيل القيامة» فتخمد الشمس ويُظلم القمر وتندثر النجوم، ويتكون من بقاياها عالم جديد بثوب آخر!(1)

_____________________________

1 ـ قال بعض المفسّرين أنّ المراد من هذه الجملة هو أن معرفة القيامة أو علمها ثقيل على أهل الأرض والسماوات، إلاّ أنّ الحقّ هو التّفسير المذكور آنفاً «في المتن» لأنّ القول بحذف كلمتي العلم والأهل خلاف ظاهر الآية.

[321]

ثمّ إنّ قيام الساعة يكون على حين غرّة، وبدون مقدمات تدريجية، بل على شكل مفاجيء وانقلاب سريع.

ثمّ تقول الآية مرّة أُخرى: (يسألونك كأنّك حفىّ عنها)(1).

وتضيف الآية مخاطبة النّبي الكريم: (قل إنّما علمها عندالله ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

وربّما يسأل ـ أو يتساءل ـ بعض الناس: لِمَ كان علم الساعة خاصّاً بالله وذاته المقدسة، ولا يعلم بها حتى الأنبياء؟!

والجواب على ذلك: إن عدم معرفة الناس بوقوع يوم القيامة وزمانها «بضميمة كون القيامة لا تأتي إلاّ بغتة» ومع الإِلتفات إلى هول يوم القيامة وعظمتها، هذا الأمر يبعث على أن يتوقّع الناس وقوع يوم القيامة في أي وقت ويترقبوها باستمرار، ويكونوا على أهبة الإِستعداد والتهيؤ، لكي ينجوا من أهوالها. فعدم المعرفة هذا له أثر مثبت جلي في تربية النفوس والإِلتفات إلى المسؤولية واتقاء الذنوب.

* * *

_____________________________

1 ـ الحفي في الأصل هو من يسأل عن الشيء بتتابع وإصرار، ولما كان الإصرار في السؤال باعثاً على زيادة العلم، فقد تستعمل هذه اللفظة على العالم كما هي هنا أيضاً.

[322]

الآية

قُل لاَّ أمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعاً وَ لاَ ضَرَّاً إلاّ مَا شَآءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوم يُؤْمِنُونَ(188)

سبب النّزول

روى بعض المفسّرين «كالعلاّمة الطبرسي في مجمع البيان» أن أهل مكّة قالوا لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان لك إرتباط بالله، أفلا يطلعك الله على غلاء السلع أو زهادتها في المستقبل، لتهيء عن هذا الطريق ما فيه النفع والخير وتدفع عنك ما فيه الضرر والسوء; أو يطلعك الله على السَّنَة المُمْحِلَة «القَحط» أو العام المخصب العشب، فينتقل إلى الأَرض الخصيبة؟ فنزلت عندئذ الآية ـ محل البحث ـ وكانت جوابَ سؤالهم.

التّفسير

لا يعلم الغيب إلاّ الله:

بالرّغم من أنّ هذه الآية لها شأن خاص في نزولها، إلاّ أنّ إرتباطها بالآية

[323]

السابقة واضح، لأنّ الكلام كان في الآية السابقة على عدم علم أحد بقيام الساعة إلاّ الله، والكلام في هذه الآية على نفي علم الغيب عن العباد بصورة كلية.

ففي الجملة الأُولى من هذه الآية خطاب للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلاّ ما شاء الله).

ولا شك أنّ كل إنسان يستطيع أن ينفع نفسه، أو يدفع عنها الشر، ولكن على الرغم من هذه الحال فإنّ الآية ـ محل البحث، كما نلاحظ ـ تنفي هذه القدرة عن البشر نفياً مطلقاً. وذلك لأنّ الإنسان في أعماله ليس له قوّة من نفسه، بل القوّة والقدرة والإستطاعة كلّها من الله، وهو سبحانه الذي أودع فيه كل تلك القوّة والقدرة وما شاكلهما.

وبتعبير آخر: إن مالك جميع القوى والقدرات وذو الإِختيار  المستقل ـ وبالذات ـ في عالم الوجود هو الله عزّوجلّ فحسب، والآخرون حتى الأنبياء والملائكة يكتسبون منه القدرة ويستمدون منه القوّة، وملكهم وقدرتهم هي بالغير لا بالذات...

وجملة «إلاّ ما يشاء الله» شاهد على هذا الموضوع أيضاً.

وفي كثير من آيات القرآن الأُخرى نرى نفي المالكية والنفع والضرر عن غير الله، ولذلك فقد نهت الآيات عن عبادة الأصنام وما سوى الله سبحانه ...

ونقرأ في الآيتين (3) و (4) من سورة الفرقان (واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يُخلَقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً) فكيف يملكون لغيرهم؟!

وهذه هي عقيدة المسلم، إذ لا يرى أحداً «بالذات» رازقاً ومالكاً وخالقاً وذا نفع أو ضرر إلاّ الله، ولذا فحين يتوجه المسلم إلى أحد طالباً منه شيئاً فهو يطلبه مع التفاته إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ ما عند ذلك الشخص فهو من الله (فتأمل بدقّة).

ويتّضح من هذا إنّ الذين يتذرعون بمثل هذه الآيات لنفي كل توسل بالأنبياء

[324]

والأئمّة، ويعدون ذلك شركاً، في خطأ فاضح، حيث تصوروا بأنّ التوسل بالنّبي أو الإِمام مفهومه أن نعدّ النّبي أو الإِمام مستقلا بنفسه في قبال الله ـ والعياذ بالله ـ وأنّه يملك النفع والضرر أيضاً.

ولكن من يتوسل بالنّبي أو الإِمام مع الإِعتقاد بأنّه لا يملك شيئاً من نفسه، بل يطلبه من الله، أو أنّه يستشفع به إلى الله، فهذا الإِعتقاد هو التوحيد عينه والإِخلاص ذاته. وهو ما أشار إليه القرآن في الآية محل البحث بقوله: (إلاّ ما شاء الله) أو بقوله: (إلاّ بإذنه) في الآية (من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه).

فبناءً على ذلك فإنّ فريقين من الناس على خطأ في مسألة التوسل بالنّبي والأئمّة الطاهرين...

الفريق الأوّل: من يزعم أنّ النّبي أو الإمام له قدرة وقوة مستقلة بالذات في قبال الله، فهذا الإِعتقاد شرك بالله.

والفريق الآخر: من ينفي القدرة ـ بالغير ـ عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الطاهرين(عليهم السلام)، فهذا الإِعتقاد انحراف عن مفاد آيات القرآن الصريحة.

إذن: الحق هو أن النّبي والأئمّة يشفعون للمتوسل بهم بإذن الله وأمره، ويطلبون حل معضلته من الله.

وبعد بيان هذا الموضوع تشير الآية إلى مسألة مهمّة أُخرى ردّاً على سؤال جماعة منهم فتقول: (ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير وما مسّني السوء)(1).

لأنّ الذي يعرف أسرار الغيب يستطيع أن يختار ما هو في صالحه، وأن يجتنب عمّا يضرّه.

ثمّ تحكي الآية عن مقام النّبي الواقعي ورسالته، في جملة موجزة صريحة،

_____________________________

1 ـ في الحقيقة أن هناك حذفاً في الآية تقديره «لا أعلم الغيب» والجملة التي بعدها شاهدة على ذلك.

[325]

فتقول على لسانه: (إن أنا إلاّ نذير وبشير لقوم يؤمنون).

* * *

ملاحظة

ألم يكن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم الغيب؟!

يحكم بعض السطحيين لدى قراءتهم لهذه الآية ـ وبدون الأخذ بنظر الإعتبار الآيات القرآنية الأخرى، بل حتى القرائن الموجودة في هذه الآية أيضاً ـ أنّ الآية آنفة الذكر دليل على نفي علم الغيب عن الأَنبياء نفياً مطلقاً...

مع أنّ الآية ـ محل البحث ـ تنفي علم الغيب المستقل وبالذات عن النّبي، كما أنّها تنفي القدرة على كل نفع وضرّ بصورة مستقلة. ونعرف أنّ كل إنسان يملك لنفسه وللآخرين النفع أو الضر.

فبناءً على ذلك فإنّ هذه الجملة المتقدمة شاهد واضح على أنّ الهدف ليس هو نفي مالكية النفع والضر أو نفي علم الغيب بصورة مطلقة، بل الهدف نفي الإِستقلال، وبتعبير آخر: إنّ النّبي لا يعرف شيئاً من نفسه، بل يعرف ما أطلعه الله عليه من أسرار غيبه، كما تقول الآيتان (26) و (27) من سورة الجن (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً).

وأساساً، فإنّ كمال مقام القيادة لا سيما إذا كان الهدف قيادة العالم بأسره، وفي جميع المجالات الماديّة والمعنوية، هو الاحاطة الواسعة بالكثير من المسائل الخفية عن سائر الناس، لا المعرفة بأحكام الله وقوانينه فحسب، بل المعرفة بأسرار عالم الوجود، والبناء البشري، وقسم من حوادث المستقبل والماضي، فهذا القسم من العلم يطلعه الله على رسله، وإذا لم يطلعهم عليه لم تكمل قيادتهم!...

وبتعبير آخر: إنّ احاديث الأنبياء والرسل وسيرتهم ستكون محدودة بظروف

[326]

عصرهم ومحيطهم، لكن عندما يكونون عارفين بهذا القسم من أسرار الغيب فسيقومون ببناء حضارة على مستوى الأجيال القادمة، فتكون مناهجهم صالحة لمختلف الظروف والمتغيّرات...

* * *

[327]

الآيات

هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّـهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفَاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَـلِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّـكِرينَ(189) فَلَمَّآ ءَاتَيهُمَا صَـلِحاً جَعَلا لَهُ، شُرِكَآءِ فِيمَآ ءَاتَهُمَا فَتَعَـلى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـمِتُونَ(193)

التّفسير

جحدُ نعمة عظمى:

في هذه الآيات إشارة إلى جانب آخر من حالات المشركين وأُسلوب تفكيرهم، والردّ على تصوّراتهم الخاطئة. لما كانت الآية السابقة تجعل جميع الوان النفع والضرّ وعلم الغيب منحصراً بالله، وكانت في الحقيقة إشارة إلى توحيد

[328]

أفعال الله. فالآيات محل البحث تعدّ مكملةً لها لأنّ هذه الآيات تشير إلى توحيد أفعال الله أيضاً.

تقول الآية الأُولى من هذه الآيات (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) فجعل الحياة والسكن جنباً إلى جنب (فلمّا تغشاها حملت حملا خفيفاً فمرّت به)(1).

وبمرور الأيّام والليالي ثقل الحمل (فلما أثقلت) كان كل من الزوجين ينتظر الطفل، ويتمنّى أن يهبه الله ولداً صالحاً، فلذلك (دعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين) وعندما استجاب الله دعاءهما، ورزقهما الولد الصالح أشركا بالله(فلما أتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما أتاهما فتعالى الله عمّا يشركون).

الجواب على سؤال مهم!

هناك بين المفسّرين كلام في المراد من الزوجين اللذين تكلمت عنهما الآيتان الأوليان من الآيات محل البحث...

هل أنّ المراد من «النفس الواحدة» وزوجها آدم وحواء؟ مع أنّ آدم من الأنبياء وحواء امرأة مؤمنة كريمة، فكيف ينحرفان عن مسير التوحيد ويسلكان مسير الشرك؟!

وإذا كان المراد من النفس الواحدة غير آدم وتشمل الآية جميع أفراد البشر، فكيفَ ينسجم التعبير إذاً وقوله تعالى (خلقكم من نفس واحدة)؟!

ثمّ بعد هذا ما المراد من الشرك، وأي عمل أو تفكير قام به الزوجان فجعلا لله شركاء؟!

وفي الجواب على مثل هذه الأسئلة نقول:

_____________________________

1 ـ تغشاها فعل يليه ضمير التأنيث وهو غشي، ومعناه غطّى، وهذه الجملة كناية لطيفة عن المقاربة الجنسية والمضاجعة.

[329]

يوجد طريقان لتفسير الآيتين هاتين «وما بعدهما»، ولعل جميع ما قاله المفسّرون على اختلاف آرائهم يرجع إلى هذين الطريقين...

الأوّل: إنّ المراد من نفس «واحدة». هو الواحد الشخصي كما ورد هذا المعنى في آيات أُخرى من القرآن أيضاً، ومنها أوّل آية من سورة النساء.

والتعبير بالنفس الواحدة ـ أساساً ـ جاء في خمسة مواطن في القرآن المجيد، واحدة منها في الآية ـ محل البحث ـ والأربعة الأُخرى هي في سورة النساء (الآية الأُولى) وسورة الأنعام، الآية (98)، وسورة لقمان، الآية (28)، وسورة الزمر، الآية (6)، وبعض هذه الآيات لا علاقة لها ببحثنا هذا، وبعضها يُشبه الآية محل البحث. فبناءً على ذلك فالآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى آدم وزوجه حوّاء فحسب!

وعلى هذا فالمراد بالشرك ليس هو عبادة غيرالله أو الإِعتقاد بأُلوهية غيره، بل لعل المراد شي آخر من قبيل ميل الإِنسان لطفله، الميل الذي ربّما يجعله غافلا عن الله أحياناً.

والتّفسير الثاني: هو أنّ المراد من النفس الواحدة هو الواحد النوعي، أي أن الله خلقكم جميعاً من نوع واحد كما خلق أزواجكم من جنسكم أيضاً.

وبذلك فإنّ الآيتين وما بعدهما من الآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى نوع الناس، فهم يدعون الله وينتظرون الوالد الصالح في كمال الإِخلاص لله والإِنقطاع إليه، كمن يحدق بهم الخطر فيلتجؤوا إلى اللّه، ويعاهدون اللّه على شكره بعد حلّ معضلاتهم. ولكن عندما يرزقهم الله الولد الصالح، أو يحلّ مشاكلهم ينسون جميع عهودهم فإنّ كان الولد جميلا قالوا: إنّه اكتسب جماله من أبيه أو أُمّه، وهذا هو قانون الوراثة. وتارةً يقولون: إنّ غذاؤه والظروف الصحية تسببت في نموّه وسلامته. وتارةً يعتقدون بتأثير الأصنام ويقولون: إنّ ولدنا كان من بركة الأصنام وعطائها! وأمثال هذا الكلام...

[330]

وهكذا يهملون التأثير الرّباني بشكل عام، ويرون العلّة الأصلية هي العوامل الطبيعية أو المعبودات الخرافية(1).

والقرائن في الآيات ـ محل البحث ـ تدل على أن التّفسير الثّاني أكثر انسجاماً وأكثر تفهماً لغرض الآية، لأنّه:

أوّلا: إن تعبيرات الآي تحكي عن حال زوجين كانا يعيشان في مجتمع ما من قبل، ورأيا الأبناء الصالحين وغيرالصالحين فيه، ولهذا طلبا من الله وسألاه أن يرزقهما الولد الصالح. ولو كانت الآيات تتكلم على آدم وحواء فهو خلاف الواقع، لأنّه لم يكن يومئذ ولد صالح وغير صالح حتى يسألا الله الولد الصالح.

ثانياً: الضمائر الواردة في آخر الآية الثّانية والآيات التي تليها، كلها ضمائر «جمع» ويستفاد من هذا أنّ المراد من ضمير التثنية هو إشارة إلى الفريقين لا إلى الشخصين.

ثالثاً: أنّ الآيات التي تلت الآيتين الأوّليين تكشف عن أنّ المقصود بالشرك هو عبادة الأصنام، لا محبّة الأولاد والغفلة عن الله، وهذا الأمر لا ينسجم والنّبي آدم وزوجه!

فبملاحظة هذه القرائن يتّضح أنّ الآيات ـ محل البحث ـ تتكلم عن نوع الإنسان وزوجه ليس إلاّ.

وكما ذكرنا في الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل أن خلق زوج الإِنسان من الإِنسان ليس معناه أن جزءاً من بدنه انفصل عنه وتبدل إلى زوج له يسكن إليه «كما ورد في رواية إسرائيلية أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر!».

بل المراد أن زوج الإنسان من نوعه وجنسه، كما نقرأ في الآية (21) من سورة مريم قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها).

_____________________________

1 ـ يرى بعض المفسّرين أن بداية الآية يتعلق بآدم وحواء، وذيل الآية تتعلق بأبناء آدم وحواء، وهذا تكلّف، لأنّه يحتاج إلى حذف وتقدير، وهو لا ينسجم وظاهر الآية.

[331]

رواية مجعولة:

جاء في بعض المصادر الحديثية لأهل السنّة، وبعض كتب الحديث الشيعية غير المعتبرة، في تفسير الآيات محل البحث، حديث لا ينسجم مع العقائد الإِسلامية، ولا يليق بشأن الأنبياء أبداً. وهذا الحديث كما جاء في مسند أحمد هو: أنّ سمرة بن جندب روى عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لمّا ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال: سَميّه: عبدَ الحارث، فعاش وكان ذلك من وحي الشّيطان وأمره(1) «الحارث اسم من أسماء الشيطان».

وجاء في بعض الرّوايات الوارد فيها هذا المضمون ذاته أن آدم رضي بهذا الأمر!!

وسواءً أكان راوي هذه الرواية سمرة بن جندب ـ الكذاب المشهور ـ أم غيره أمثال كعب الأحبار أو وهب بن منبه اللذين كانا من علماء اليهود ثمّ أسلما، ويعتقد بعضهم أنّهما أدخلا في الثقافة الإِسلامية خرافات التوراة وبني إسرائيل. ومهما يكن الأمر فالرواية بنفسها خير دليل على فسادها وبطلائها، لأنّ آدم الذي هو خليفة الله «في أرضه» ونبيّه الكبير، وكان يعلم الأسماء، بالرغم من كونه بترك الأُولى هبط إلى الأرض، إلاّ أنّه لم يكن إنساناً يختار سبيل الشرك ويسمّي ولده عبد الشيطان، فهذا الأمر يصدق في مشرك جاهل فحسب لا في آدم...

والأعجب من ذلك أنّ الحدى أنف الذكر يتضمن معجزة للشيطان أو كرامةً له، إذ بتسميته الولد باسمه عاش الولد خلافاً للأبناء الآخرين. وإنّه لمدعاة للأسف الشديد أن ينساق كثير من المفسّرين تحت وطأة هذا الحديث المختلق وأضرابه، فيجعلون مثل هذه الأباطيل تفسيراً للآي. وعلى كل حال، فإنّ مثل هذا الكلام لما

_____________________________

1 ـ مسند بن حنبل، وفقاً لما وراه تفسير المنار، ج 9، ص 522.

[332]

كان مخالفاً للقرآن، ومخالفاً للعقل أيضاً، فينبغي أن ينبذ في سلة المهملات.

وتعقيباً على هذا الأمر يردّ القرآن ـ بأُسلوب بيّن متين ـ عقيدة المشركين وأفكارهم مرة أُخرى، فيقول: (أيُشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يُخلقون).

وليس هذا فحسب، فهم ضعاف (ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون).

والأوثان والأصنام في حالة لو ناديتموها لما استجابت لكم (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم).

فمن كان بهذه المنزلة وبهذا المستوى أنّى له بهداية الآخرين!

ويحتمل بعض المفسّرين احتمالا آخر في تفسير الآية، وهو أنّ الضمير «هم» يرجع إلى المشركين لا إلى الأصنام، أي أنّهم إلى درجة من الإِصرار والعناد بحيث لا يسمعونكم ولا يذعنون لكم ولا يسلمون.

كما ويحتمل أنّ المراد هو أنّكم لو طلبتم منهم الهداية، فلن يتحقق دعاؤكم وطلبكم على كل حال (سواء عليكم ادعوتموهم أو أنتم صامتون).

وطبقاً للإِحتمال الثّاني يكون معنى الجملة على النحو التالي: سواء عليكم أطلبتم من الأصنام شيئاً، أو لم تطلبوا ففي الحالين لا أثر لها، لأنّ لا تقدر على أداء أي شيء أو التأثير في شيء.

يقول الفخر الرازي في تفسيره: إذا المشركين إذا ابتلوا بمشكلة تضرعوا إلى الأصنام ودعوها، وإذا لم يُصبهم أذى أو سوء كانوا يسكتون عنها، فالقرآن يخاطبهم بالقول (سواءٌ عليكم ادعوتموهم أم أنتم صامتون).

* * *

[333]

الآيتان

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَـدِقِينَ (193) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْد يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَآءَكُمْ ثمّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195)

التّفسير

هاتان الآيتان ـ محل البحث ـ تواصلان الكلام على التوحيد ومكافحة الشرك، وتكملان ما عالجته الآيات السابقة، فتعدّان كل شرك في العبادة عملا سفيها و بعيداً عن المنطق والعقل!

والتدفيق في مضمون هاتين الآيتين يكشف أنّهما تبطلان منطق المشركين بأربعة أدلة، والسرّ في كون القرآن يعالج إبطال الشرك باستدلالات مختلفة، وكل حين يأتي ببرهان مبين، لأن الشرك ألدُّ أعداء الإِيمان، وأكبر عدوّ لسعادة الفرد والمجتمع.

ولما كانت للشرك جذور مختلفة وأفانين متعددة في أفكار البشر، فإنّ القرآن

[334]

يستغل كل فرصة لقطع جذوره الخبيثة... وأفانينه التي تهدد المجتمع الإِنساني.

فتقول الآية الأُولى من هاتين الآيتين: (إنّ الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم).

فبناءً على ذلك لا معنى لأن يسجد الإِنسان لشىء مثله، وأن يمدّ يد الضراعة والحاجة إليه، وأن يجعل مقدّراته ومصيره تحت يده!

وبتعبير آخر: إنّ مفهوم هذه الآية هو أنّكم ـ أيّها المشركون ـ لو أنعمتم النظر لرأيتم معبودائكم ذات أجسام و أسيرة المكان والزمان، وتحكمها قوانين الطبيعة، وهي محدودة من حيث الحياة و العمر والإِمكانات الأُخرى. وخلاصة الأمر: ليس لها امتياز عليكم، وإنّما جعلتم لها امتيازاً عليكم بتصوراتكم وتخيلاتكم!

ثمّ إنّ كلمة «عباد» جمع «عبد» ويطلق هذا اللفظ على الموجود الحي، مع أن الآية استعملته في الأصنام، فكانت لذلك تفاسير متعددة...

التّفسير الأوّل: أنّه من المحتمل أن تشير الآية إلى المعبودين من جنس الإِنسان أو المخلوقات الأُخرى، كالمسيح إذ عبده النصارى، والملائكة إذ عبدتها جماعة من المشركين العرب.

والتّفسير الثاني: أنّ الآية تنزلت وحكت ما توهمه المشركين في الأصنام بأنّ لها القدرة، فكانوا يكلمونها ويتضرعون إليها، فالآية ـ محل البحث ـ تخاطبهم بأنّه على فرض أنّ للأصنام عقلا و شعوراً، فهي لا تعدو أن تكون عباداً أمثالكم.

التّفسير الثّالث: أنّ العبد في اللغة يطلق أحياناً على الموجود الذي يرزح تحت نيز الآخر ويخضع له، حتى لو لم يكن له عقل وشعور، ومن هذا القبيل أنّ العرب يطلقون على الطريق المطرّق بالذهاب والإياب أنّه «معبّد».

ثمّ تضيف الآية: أنّكم لو تزعمون بأنّ لهم عقلا وشعوراً (فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين).

وهذا هو الدليل الثّاني على إبطال منطق المشركين، وهو كون الأصنام لا

[335]

تستطيع أن تعمل شيئاً، وهي ساكتة عاجزة عن الإِجابة والردّ ...

وفي البيان الثّالث تبرهن الآية على أنّ الأصنام أضعف حتى من عبادها المشركين، فتساءل مستنكرةً: (ألهم أرجل يمشون بها أو لهم أيد يبطشون(1) بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها).

وهكذا فإنّ الأصنام من الضعة بمكان حتى أنّها بحاجة إلى من يدافع عنها ويحامي عنها، فليس لها أعين تبصر بها، ولا آذان تسمع بها، ولا أرجل تمشي بها، ولا أي إحساس آخر. وأخيراً فإنّ الآية تبيّن ضمن تعبير هو في حكم الدليل الرّابع مخاطبة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قائلةً: (قل ادعوا شركاءكم ثمّ كيدون فلا تنظرون).

أي إذا كنت كاذباً، وأنّ الأصنام مقربات عندالله، وقد تجرأتُ عليها فلِمَ لا تعضبُ عليّ؟ وليس لها ولا لكم ولمكائدكم أي تأثير علي. فبناءً على ذلك فاعلموا أنّ هذه الأصنام موجودات غير مؤثرة، وإنّما تصوراتكم هي التي أضْفَتْ عليها ذلك التوهّم!.

* * *

_____________________________

1 ـ يبطشون فعل مشتق من «البطش» على زنة «العرش» ومعناه الإِستيلاء بالشدّة والصولة والقدرة!...

[336]

الآيات

إِنَّ وَلِىَّ اللهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَـبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّـلِحِينَ(196)وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلىَ الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَيهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (198)

التّفسير

المعبودات التي لا قيمة لها:

تعقيباً على الآية المتقدمة التي كانت تخاطب المشركين بالقول (على لسان النّبي): (ادعُوا شركاءكم ثمّ كيدونِ فلا تُنظرونِ) منبهة إياهم أنّهم لا يستطيعون أن يصيبوا النّبي بأدنى ضرر، فإنّ الآية الأُولى ـ من الآيات ـ محل البحث ـ تذكر الدليل على ذلك فتقول: (إنّ وليَّ الله الذي نزل الكتاب).

وليس وليي وحدي فحسب، بل هو ولي جميع الصالحين (وهو يتولى الصالحين).

ثمّ يؤكّد القرآن بالآية التّالية على بطلان عبادة الأوثان مرّة أُخرى فيقول: (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون).

[337]

بل أبعد من ذلك (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا) وبالرغم من العيون المصنوعة لهم التي يخيل إلى الرائي أنّها تنظر: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون).

وكما أشرنا سابقاً أيضاً، فالآية ـ محل البحث ـ يحتمل أن تشير إلى الأصنام كما يحتمل أن تشير إلى المشركين. ففي الصورة الأُولى مفهومها ـ كما قدمنا بيانه ـ أمّا في الصورة الثّانية فيكون مفهومها: أنّه لو دعا المسلمون هؤلاء المشركين المعاندين إلى طريق التوحيد الصحيح ما قبلوا ذلك منهم، وهم ينظرون إليك ويرون دلائل الصدق والحق فيك، إلاّ أنّهم لا يبصرون الحقائق!

ومضمون الآيتين الأخيرتين ورد في الآيات السابقة أيضاً، وهذا التكرار إنّما هو لمزيد التأكيد على مكافحة الشرك وقلع جذوره التي نفذت في أفكار المشركين وأرواحهم عن طريق التلقين والتقرير المتكرر.

* * *

[338]

الآيات

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزِغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَـنِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَـئِفٌ مِّنَ الشَّيْطَنِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُّبْصِرُونَ (206) وَإِخْوَنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَىِّ ثمّ لاَ يُقْصِرُونَ(202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِأيَة قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَىَّ مِن رَّبِّى هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(203)

التّفسير

وَساوِسُ الشّيطان:

في هذه الآيات يبيّن القرآن شروط التبليغ وقيادة الناس وإمامتهم بأُسلوب أخّاذ رائق وجيز، وهي في الوقت ذاته تتناسب والآيات المتقدمة التي كانت تشير إلى مسألة تبليغ المشركين أيضاً.

ففي الآية الأُولى ـ من الآيات محل البحث ـ إشارة إلى ثلاث من وظائف القادة والمبلغين، فتوجه الخطاب للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فتقولُ في البدايةُ (خذ العفوَ).

[339]

العفو: قد يأتي بمعنى الزيادة في الشيء أحياناً، كما قد يأتي بمعنى الحدّ الوسط، كما يأتي بمعنى قبول العذر والصفح عن المخطئين والمسيئين، وتأتي أحياناً بمعنى استسهال الأُمور.

والقرائن الموجودة في الآية تدلّ على أنّ الآية محل البحث لا علاقة لها بالمسائل المالية وأخذ المقدار الإِضافي من أموال الناس، كما ذهب إليه بعض المفسّرين. بل مفهومها المناسب هو استسهال الأُمور، والصفح، واختيار الحدّ الوسط(1).

ومن البديهي أنّه لو كان القائد أو المبلغ شخصاً فظاً صعباً، فإنّه سيفقد نفوذه في قلوب الناس ويتفرقون عنه، كما قال القرآن الكريم: (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك)(2).

ثمّ تعقيب الآية بذكر الوظيفة الثّانية للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتأمره بأن يرشد الناس إلى حميد الأفعال التي يرتضيها العقل ويدعو إليها الله عزّوجل قائلةً: (وأمر بالمعروف).

وهي تشير إلى أنّ ترك الشدّة لا يعني المجاملة، بل هو أن يقول القائد أو المبلغ الحق، ويدعو الناس إلى الحق ولا يخفي شيئاً.

أمّا الوظيفة الثّالثة للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فهي أن يتحمل الجاهلين، فتقول: (وأعرض عن الجاهلين).

فالقادة والمبلغون يواجهون في مسيرهم أفراداً متعصّبين جهلة يعانون من انحطاط فكري وثقافي وغير متخلقين بالأخلاق الكريمة، فيرشقونهم بالتهم، ويُسيؤون الظن بهم ويحاربونهم.

فطريق معالجة هذه المعضلة لا يكون بمواجهة المشركين بالمثل، بل الطريق

_____________________________

1 ـ لمزيد من التوضيح يراجع الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل في هذا الصدد.

2 ـ آل عمران، 159.

[340]

السليم هو التحمل والجلد وعدم الإكثرات بمثل هذه الأُمور. والتجربة خير دليل على أنّ هذا الأُسلوب هو الأُسلوب الأمثل لمعالجة الجهلة، وإطفاء النائرة، والقضاء على الحسد والتعصب، وما إلى ذلك.

وفي الآية التّالية دستور آخر، وهو في الحقيقة يمثل الوظيفة الرّابعة التي ينبغي على القادة والمبلغين أن يتحملوها، وهي أن لا يدعوا سبيلا للشيطان إليهم، سواء كان متمثلا بالمال أم الجاه أم المقام وما إلى ذلك، وأن يردعوا الشياطين أو المتشيطنين ووساوسهم، لئلا ينحرفوا عن أهدافهم.

فالقرآن يقول: (وأمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه سميع عليم)(1).

أجمع آية أخلاقية...:

روي عن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «لا آية في القرآن أجمع في «المسائل» الأخلاقية من هذه الآية»(2) «أي الآية الأُولى من الآيات محل البحث».

قال بعض الحكماء في تفسير هذا الحديث: إنّ أُصول الفضائل الأخلاقية وفقاً لأُصول القوي الإِنسانية «العقل» و«الغضب» و«الشّهوة» تتلخص في ثلاثة أقسام:

1 ـ الفضائل العقلية: وتدعى بالحكمة، وتتلخص بقوله تعالى: (وامر بالعرف).

2 ـ والفضائل النّفسية في مواجهة الطغيان والشهوة، وتدعى بالعفة، وتتلخص بـ «خذ العفو».

3 ـ والتسلط على القوة الغضبية، وتدعى بالشجاعة، وتتلخص في قوله تعالى (وأعرض عن الجاهلين).

_____________________________

1 ـ ينزغ مأخوذ من مادة «النزغ» على زنة «النزع» ومعناه الدخول في الأمر لإِفساده أو الإِثارة ضده!...

2 ـ مجمع البيان، ذيل الآية.

[341]

وسواء كان الحديث الشريف يدلّ على ما فسّره المفسّرون وأشرنا إليه آنفاً، أو كما عبرنا عنه بشروط القائد أو المبلغ، فهو يبيّن هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه الآية القصيرة الوجيزة تتضمّن منهجاً جامعاً واسعاً كليّاً في المجالات الأخلاقية والإِجتماعية، بحيث يمكننا أن نجد فيها جميع المناهج الإِيجابية البناءة والفضائل الإِنسانية. وكما يقول بعض المفسّرين: إنّ إعجاز القرآن بالنسبة إلى الإِيجاز في المبنى، والسعة في المعنى، يتجلى في الآية محل البحث تماماً.

وينبغي الإِلتفات إلى أنّ الآية وإن كانت تخاطب النّبي نفسه إلاّ أنّها تشمل جميع الأُمّة والمبلغين والقادة.

كما ينبغي الإِلتفات إلى أنّ الآيات محل البحث ليس فيها ما يخالف مقام العصمة أيضاً، لأنّ الأنبياء والمعصومين ينبغي أن يستعيذوا بالله من وساوس الشيطان، كما أنّ أيّ أحد لا يستغني عن لطف الله ورعايته والإِستعاذة به من وساوس الشياطين، حتى المعصومين.

وجاء في بعض الرّوايات أنّه لما نزلت الآية (خذ العفو...) سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جبرئيل عن ذلك فقال جبرئيل: لا أدري، حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال: «يا محمّد، إنّ الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك(1)».

وجاء في حديث آخر أنّه لما نزلت آية (خذ العفو وامر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين) قال النّبي: كيف يا ربّ والغضب؟ فنزل قوله (وأمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه سميع عليم)(2).

وينبغي الإِشارة إلى أنّ الآية الثّانية هنا جاءت في سورة فصلت الآية (36) بتفاوت يسير بين الآيتين، إذ ورد التعبير مكان قوله تعالى:(إنّه سميع عليم)(إنّه

_____________________________

1 ـ مجمع البيان، ذيل الآية محل البحث.

2 ـ روى ذلك صاحب المنار قائلا: رُوي عن جدنا الإِمام الصادق رضي الله عنه في ج 9، ص 538.

[342]

هو السّميع العليم).

وفي الآية التّالية بيان للإِنتصار على وساوس الشيطان بهذا النحو (إنّ الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). أي يتذكرون ما أنعم الله عليهم، ويفكرون في سوء عاقبة الذنب وعذاب الاخرة فيتّضح لهم بذلك طريق الحق.

والطّائف: هو الذي يطوف ويدور حول الشيء، فكأن وساوس الشيطان تدور حول فكر الإنسان وروحه كالطائف حول الشيء ليجد منفذاً إليه، فإذا تذكر الإِنسان في مثل هذه الحالة ربّه، واستعاذ من وساوس الشيطان وعاقبة أمره، أبعدها عنه. وإلاّ أذعن لها وانقاد وراء الشيطان.

وأساساً فإنّ كل إنسان في أية مرحلة من الإِيمان، أو أي عمر كان، يُبتلى بوساوس الشياطين. وربّما أحس أحياناً أن في داخله قوة مهيمنة تدفعه نحو الذنب وتدعوه إليه، ولا شك أن مثل هذه الحالة من الوساوس في مرحلة الشباب أكثر منها في أية مرحلة أُخرى، ولا سيما إذا كانت البيئة أو المحيط كما هو في العصر الحاضر من التحلّل والحريّة، لا الحرية بمعناها الحقيقي، بل بما يذهب إليه الحمقى «من الإنسلاخ من كل قيد والتزام أخلاقي أو اجتماعي أو ديني» فتزداد الوساوس الشيطانية عندالشباب.

وطريق النجاة الوحيد من هذا التلوّث والتحلل في مثل هذه الظروف، هو تقوية رصيد التقوى أولا، كما أشارت إليه الآية (إن الذين اتقوا...) ثمّ المراقبة والتوجه نحو النفس، والإِلتجاء إلى الله وتذكر ألطافه ونعمه وعقابه الصارم للمذنب..

وهناك إشارات كثيرة في الرّوايات الإِسلاميّة إلى أثر ذكر الله العميق في معالجة الوساوس الشيطانية. حتى أن الكثير من المؤمنين والعلماء وذوي المنزلة كانوا يحسون بالخطر عند مواجهة وساوس الشيطان، وكانوا يحاربونها

[343]

«بالمراقبة» المذكورة في كتب علم الأخلاق بالتفصيل.

والوساوس الشيطانية مثلها مثل الجراثيم الضارة التي تبحث عن البنية الضعيفة لتنفذ فيها. إلاّ أنّ الأجسام القوية تطرد هذه الجرائم فلا تؤثر فيها.

وجملة (إذا هم مبصرون) إشارة إلى حقيقةِ أن الوساوس الشيطانية تلقي حجاباً على البصيرة «الباطنية» للإِنسان، حتى أنّه لا يعرف العدوّ من الصديق، ولا الخير من الشر. إلاّ أن ذكر الله يكشف الحجب ويزيد الإِنسان بصيرة وهدى، ويمنحه القدرة على معرفة الحقائق والواقعيات، المعرفة التي تخلّصه من مخالب الوساوس الشيطانية.

وملخص القول: أننا لاحظنا في الآية السابقة كيف ينجو المتقون من نزغ الشيطان ووسوسته بذكر الله، إلاّ أن الآثمين إخوة الشياطين يبتلون بمزيد الوساوس فلا ينسلخون عنها، كما تعبّر الآية التالية عن ذلك قائلة: (وإخوانهم يمدّونهم في الغي ثمّ لا يقصرون).

«الإخوان» كناية عن الشياطين، والضمير «هم» يعود على المشركين والآثمين، كما نقرأ هذا المصطلح في الآية (27) من سورة الإِسراء (إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين).

و «يمدونهم» فعل مأخوذ من الإِمداد ومعناه الإِعانة والإِدامة، أي أنّهم يسوقونهم في هذا الطريق دائماً.

وجملة (ثمّ لا يقصرون) تعني أنّ الشياطين لا يألون جهداً في إضلال المشركين والآثمين.

ثمّ تذكر الآية التّالية حال جماعة من المشركين والمذنبين البعيدين عن المنطق، فتقول: إنّهم يكذبونك ـ يا رسول الله ـ عندما تتلو عليهم آيات القرآن، ولكن عندما لا تأتيهم بآية، أو يتأخر الوحي يتساءلون عن سبب ذلك: (وإذا لم

[344]

تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها)(1) ولكن قل لهم انني لا اعمل ولا أقول إلاّ بما يوحى الله اليّ (قل إنّما اتبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربّكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون).

ويتّضح من هذه الآية ـ ضمناً ـ أنّ جميع أقوال النّبي وأفعاليه مصدرها وحي السماء، ومن قال بغير ذلك فهو بعيد عن القرآن.

* * *

_____________________________

1 ـ الإجتباء مأخوذ من الجباية، وأصلها جمع الماء في الحوض ونحوه، ولذلك يسمّي حوض الماء بـ «الجابية، وجمع الخراج يسمّى جباية أيضاً. ثمّ توسعوا في الإِستعمال فأطلقوا على جمع الأشياء وانتخابها واختيار ما يراد منها اجتباءً. فجملة «لولا اجتبيتها» تعني لولا اخترتها.

[345]

الآيات

وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالاَْصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّن الْغَـفِلِينَ (205)إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ(206)

التّفسير

وإذا قُرىء القرآن فاستمعوا وانصتوا:

لقد بدأت هذه السورة (سورة الأعراف) ببيان عظمة القرآن، وتنتهي  بالآيات ـ محل البحث ـ التي تتكلم عن القرآن أيضاً.

وبالرغم من أنّ المفسّرين ذكروا أسباباً لنزول الآية الأُولى ـ من هذه الآيات محل البحث ـ منها مثلا ما روي عن ابن عباس وجماعة آخرين، أنّ المسلمين في باديء أمرهم كانوا يتكلمون في الصلاة، وربّما ورد شخص (جديد) أثناء الصلاة فيسأل المصلين وهم مشغولون بصلاتهم: كم ركعة صليتم؟ فيجيبونه: كذا ركعة. فنزلت الآية ومنعتهم أو نهتهم عن ذلك.

[346]

كما نقل الزّهري سبباً آخر لنزول الآية، وهو أنّه لما كان النّبي يقرأ القرآن، كان شاب من الأنصار يقرأ معه القرآن بصورت مرتفع، فالآية نزلت ونهت عن ذلك.

وأيّاً كان شأن نزول هذه الآية، فهي تقول: (وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم ترحمون).

والفعل «انصتوا» مأخوذ من مادة «الإنصات» ومعناه: السكوت المشفوع بالإصغاء والإِستماع.

وقد إختلف المفسّرون في أن الإِنصات والسكوت هنا في الآية، هل هو عند قراءة القرآن في جميع الموارد؟ أم هو منحصر وقت الصلاة وعند قراءة إمام الجماعة؟ أم هو عندما يقرأ إمام الجمعة ـ في خطبة الصلاة ـ القرآن؟

كما أنّ هناك أحاديث شتى في هذا الصدد في كتب الفريقين في تفسير هذه الآية. والذي يستفاد من ظاهر الآية أن هذا الحكم عام غير مختص بحال ما ولا وقت معيّن. إلاّ أنّ الرّوايات المتعددة الواردة عن الأئمّة الطاهرين، بالإضافة إلى إجماع العلماء واتفاقهم على عدم وجوب الإستماع عند قراءة القرآن في أية حال، يُستدل من ذلك على أن هذا الحكم بصورة كليّة حكم استحبابي، أي ينبغي إن قُرىء القرآن - حيثما كان، وكيف كان ـ أن يستمع الآخرون وينصتوا احتراماً للقرآن، لأنّ القرآن ليس كتاب قراءة فحسب، بل هو كتاب فهم وإدراك، ثمّ هو كتاب عمل أيضاً.

وهذا الحكم المستحب ورد عليه التأكيد إلى درجة أنّ بعض الرّوايات عبّرت عنه بالوجوب.

إذ ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «يجب الإنصات للقرآن في الصّلاة وفي

[347]

غيرها وإذا قرىء عندك القرآن وجب عليك الإِنصات والإِستماع»(1).

حتى أنّه يستفاد من بعض الرّوايات أنّ لو كان إمام الجماعة مشغولا بالقراءة في الصلاة، وقرأ شخص آخر آية من القرآن فيستحب للإِمام السكوت حتى ينهي قراءة الآية، ثمّ يكمل الإمام قراءته. حيث ورد عن الإمام الصّادق(عليه السلام) أنّ أميرالمؤمنين عليّاً(عليه السلام) كان مشغولا بصلاة الصبح، وكان ابن الكوّا ـ ذلك المنافق الفظّ القلب ـ خلف الإمام مشغولا بالصلاة، فقرأ فجأة (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكونن من الخاسرين) وكان هدفه من قراءة الآية أن يعترض على الإمام عليّ مكنيّاً عن قبول الحكم في صفين ـ كما احتملوا ذلك ـ لكن الإمام سكت احتراماً للقرآن حتى ينتهي ابن الكوّا من قراءة الآية، ثمّ رجع الإمام إلى قراءته فأعاد ابن الكوا عمله مرّة ثانية، فسكت الإمام أيضاً، فكرر ابن الكوّا القراءة ثالثة فسكت علي(عليه السلام) أيضاً، ثمّ تلا قوله تعالى: (فاصبر إنّ وعدَ الله حق ولا يستخفنّك الذين لا يؤمنون) وهو يشير إلى أن عذاب الله وعقابه الأليم في إنتظار المنافقين وغير المؤمنين، وينبغي أن يتحمل الإِنسان أذاهم، ثمّ أن الإِمام أكمل السورة وهوى إلى الركوع(2).

ويستفاد من مجمع ما تقدّم، ولا سيما من البحث آنف الذكر، أن الإِستماع والسكوت عند قراءة آيات القرآن أمر حسن جدّاً إلاّ أنّه بشكل عام غير واجب... ولعلّ جملة (لعلّكم ترحمون) إضافة إلى الرّوايات والإجماع، تشير إلى استجباب هذا الحكم أيضاً.

والمورد الوحيد الذي يجب فيه السكوت أو يكون حكم السكوت فيه واجباً، هو في صلاة الجماعه، إذ على المأموم أن يسكت ويستمع لقراءة الإمام، حتى أنّ جمعاً من الفقهاء قالوا: إنّ هذه الآية تدل على سقوط الحمد والسورة من قبل

_____________________________

1 ـ تفسير البرهان، ج2، ص 57.

2 ـ تفسير البرهان.

[348]

المأموم «عند صلاه الجماعة».

ومن جملة الرّوايات الدالة على هذا الحكم ما روي من حديث عن الإِمام الباقر(عليه السلام) «وإذا قرىء القرآن في الفريضة خلف الإِمام فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم تُرحمون»(1).

وأمّا استعمال «لعل» في هذه الجملة، فهو ـ كما أشرنا سابقاً ـ لغرض أن تشملكم رحمة الله، فمجرّد السكوت غير كاف، بل توجد أمور أُخرى منها العمل بالآي أيضاً.

ولا بأس أن نذكر الملاحظة التي بيّنها الفقيه المعروف الفاضل المقداد السيوري في كتابه «كنز العرفان» إذ فسّر الآية تفسيراً آخر فقال: إنّ المراد من الآية هو الإِصغاء للآيات وإدراك مفاهيمها والإِذعان لإعجازها.

ولعل هذا التّفسير كان بسبب أنّ الآية السابقة كانت تتكلم عن المشركين، إذ كانوا يتذرعون بحجج واهية في شأن نزول القرآن، فالقرآن يقول لهم: (فاستمعوا وانصتوا لعلكم تعرفون الحق)(2).

وليس هناك مانع من أن نعتبر مفهوم الآية واسعاً بحيث يشمل جميع الكفار والمسلمين، فغير المسلمين عليه أن يستمع وينصت للقرآن ويفكر فيه حتى يؤمن فينال رحمة ربّه، والمسلم عليه أن يستمع ويدرك مفهوم الآي ويعمل به لينال رحمة ربّه، لأنّ القرآن كتاب إيمان وعلم وعمل للجميع، لا لطائفة خاصّة أو فريق معين.

وفي الآية التّالية إكمالا للأمر السابق يخاطب القرآن النّبي الكريم ـ وهذا الحكم كلي وعام أيضاً وإن كان الخطاب موجهاً للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كما هو الحال في سائر آيات القرآن الأُخرى وأحكامها ـ إذ يقول سبحانه في كتابه: (واذكر ربّك في

_____________________________

1 ـ تفسير البرهان، ج 2، ص 57.

2 ـ كنزالعرفان، ج 1، ص 195.

[349]

نفسك تضرّعاً وخيفة)(1).

ثمّ يضيف قائلا: (ودون الجهر من القول بالغدوّ والآصال).

[والآصال: جمع الأصيل، ومعناه قبيل المغرب أو عند الغروب[.

(ولا تكن من الغافلين).

فذكر الله في كل حال وفي كل وقت، صباحاً ومساءً، مدعاة لإِيقاظ القلوب وجلائها من الدرن، وإبعاد الغفلة عن الإِنسان. ومثله مثل مزنة الربيع، إذا نزلت أمرعت القلوب بأزهار التوجه والإِحساس بالمسؤولية والبصيرة، وكل عمل إيجابي بنّاء!...

ثمّ تختتم هذه الآية سورة الأعراف بهذه العبارة، وهي أنّكم لستم المكلّفون بذكر الله من يذكر الله ليس هو أنتم فحسب، بل (إنّ الذين عند ربّك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون).

والتعبير بـ (عند ربّك) لا يعني القرب المكاني، لأنّ الله ليس له مكان خاص، بل هو إشارة إلى القرب المقامي، أي أنّ الملائكة وغيرهم من المقربين على رغم مقامهم و منزلتهم عندالله، فهم لا يقصرون في التسبيح والذكر لله والسجود له.

والسجدة عند تلاوة هذه الآية مستحبة، إلاّ أنّ بعض أهل السنة كأصحاب أبي حنيفة وأتباعه يقولون بوجوبها.

ربّنا نور قلوبنا بنور ذكرك، ذلك النور الذي يفتح لنا طريقنا نحو الحقيقة، ونستمد منه المدد في نصرة راية الحق ومكافحة الظالمين وأن تدرك مسؤولينا ونؤدي رسالتنا ـ آمين.

* * *

_____________________________

1 ـ التضرّع مأخوذ من الضرع وهو الثدي، والفعل تضرع يطلق على من يتحلب اللبن بأصابعه، ثمّ توسع في هذا الإِستعمال فأُطلق على إظهار الخضوع والتواضع.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336434

  • التاريخ : 28/03/2024 - 22:31

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net