00989338131045
 
 
 
 
 
 

 محاولات عمر وقريش لحل مشكلة الملعونين على لسان النبي ! 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : تدوين القرآن   ||   تأليف : الشيخ علي الكوراني

محاولات عمر وقريش لحل مشكلة الملعونين على لسان النبي !

 بعد وفاة النبي(ص) قام محبوا قريش والمنافقين بأعمال مبتكرة لمعالجة مشكلة الملعونين على لسان النبي ، تتلخص في الأعمال السبعة التالية :

العمل الأول : وضعوا أحاديث مفادها أن النبي(ص) قد اعترف بخطئه في لعن الذين لعنهم ودعا عليهم ، لأنه بشر ! فدفع كفارة خطئة بأن دعا الله تعالى أن يجعل لعنته على من لعنه أو سبه أو آذاه ( صلاة وقربة ، زكاة وأجراً ، زكاة ورحمة ، كفارة له يوم القيامة ، صلاة وزكاة وقربة تقربه بها يوم القيامة ، مغفرة وعافية وكذا وكذا .. بركة ورحمة ومغفرة وصلاة ، فإنهم أهلي وأنا لهم ناصح ) على حد تعبير الروايات !

فقد روى البخاري في صحيحه ج 7 ص 157 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة اليك يوم القيامة ) . وروى مسلم في صحيحه ج 8 ص 26 عن أبي هريرة أيضاً ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه ، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ) .

وروى مسلم سبع روايات أخرى من هذا النوع . وروت ذلك أغلب مصادر إخواننا مثل : مسند أحمد ج2 ص390 وص488 وص496 وج3 ص 384 وج 5 ص437 وص439 وج 6 ص 45 وسنن الدارمي ج 2 ص 314 وسنن البيهقي ج7 ص60 وكنز العمال ج 3 ص 609 .. في عشرات الروايات التي تصور النبي(ص) جالساً على كرسي الإعتراف بأنه سَبَّابٌ لَعَّانٌ فَحَّاش ، مؤذٍ للناس يضربهم بالسوط ويهينهم ! ولذا فهو يعلن توبته ويدعو لمن ظلمهم وأساء إليهم من الفراعنة والأبالسة ، بهذا الخير الطويل العريض !!

وقد حيَّرت هذا الروايات بعض الفقهاء مثل البيهقي .. لأن لعن الذين لعنهم النبي(ص) مادام بأمر الله تعالى فهو طاعة وليس معصية ، لأن الطرد من رحمة الله تعالى إنما هو جزاء من الله ورسوله تابع لقوانين عادلة يتحمل مسؤوليتها الملعون نفسه ، فلا يحتاج لعنه الى توبة .. كما لا يجوز الدعاء له بالخير والبركة والرحمة ..

وقد نصت بعض روايات اللعن والدعاء على أن النبي(ص) قال والله ما أنا قلته ولكن الله قاله كما في مسند أحمد ج 4 ص 48 وص 57 وص 420 وص 424 ومجمع الزوائد ج 10 ص 46 وكنز العمال ج 12 ص 68 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 82 .

أما إذا كان اللعن بسبب غضب وخطأ بشري كما تقول الروايات ، فهو معصية كبيرة توجب خروج صاحبها عن العدالة ، بل تجعله هو ملعوناً ! فقد نصت على ذلك روايات رواها إخواننا السنة أيضاً .. منها أن لعن المؤمن كقتله ، ومنها إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها نظرت فإن وجدت مسلكاً في الذي وجهت إليه ، وإلا عادت الى الذي خرجت منه . وقد عقدت بعض مصادر الحديث عندهم باباً لروايات النهي عن اللعن وتحريمه ، كما في كنز العمال ج 3 ص 614 و 616 وغيره .

ولكن البيهقي استطاع أن يجد حلاً يحفظ كرامة نبيه كما حفظت هذه الروايات كرامة الملعونين ! قال في سننه ج 7 ص 60 ( باب ما يستدل به على أنه جعل سبه للمسلمين رحمة وفي ذلك كالدليل على أنه له مباح ) انتهى ! يعني أن اعتراف النبي بأنه لعن أناساً بغير حق ، أو دعا عليهم بغير حق ، أمر ثابت ، ولا يمكن انسجامه مع عصمة النبي(ص) إلا بالقول بأن الله قد أحل لنبيه هذه المحرمات .. وأطلق لسان نبيه ويده في أعراض المسلمين !! وبقيت على أمته حراماً !!

لقد قدم البيهقي حلاً للجانب الفقهي من المسألة .. ولكن لم يقدم هو ولا غيره حلاً لمحذورها الأخلاقي ، الذي يدعي أن النبي(ص) قد ارتكب مثل هذا السلوك السئ ، الذي لا يليق بشخص عادي من أسرة عادية مؤدبة !! بل ولم يقدم حلاً للمحذور الأخلاقي بالنسبة الى الله سبحانه وتعالى الذي أحل لنبيه هذا السلوك !!

ولكن إخواننا السنة يجدون أنفسهم مضطرين الى نسبة هذا النقص الأخلاقي الى النبي (ص) ! لأنه الضريبة الوحيدة لتبرئة من يحبونهم من الملعونين على لسانه !

والعمل الثاني : من أعمال معالجة اللعن ، أحاديث أكثر جرأة على مقام النبي(ص) لأنها تصرح بأن النبي قد أخطأ وأساء الأدب في لعنه من لعن ! فبعث الله تعالى إليه جبرئيل فوبخه وقال له : إن الله يقول لك إني لم أبعثك سبَّاباً ! بل بعثتك رحمة للعالمين ، والقرشيون قومك وأهلك أولى بالرحمة الإلهية، فلماذا تسبهم وتلعنهم ؟! وعلمه دعاء عاماً يقوله في قنوته ليس فيه ما يمس قريش ! وكان ذلك الدعاء ( سورتي ) الخلع والحفد العمريتين !!

فـ ( السورتان ) عند أصحابهما نسخة إلهية بدل دعاء اللعن والسب غير المناسب الذي كان يتلوه النبي(ص) في قنوت صلاته .. وعند الباحث نسخة موضوعة لمصلحة زعماء قريش والمنافقين بدل الدعاء عليهم ولعنهم !

قال البيهقي في سننه ج 2 ص 210 ( .. عن خالد بن أبي عمران قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر ( يعني قريش ) إذ جاءه جبرئيل فأومأ اليه أن اسكت فسكت ، فقال : يا محمد إن الله لم يبعثك سَبَّاباً ولا لَعَّاناً ! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . ثم علمه هذا القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك . اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك بالكافرين ملحق ) ثم قال البيهقي (هذا مرسل وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحاً موصولاً .

... عن عبيد بن عمير أنه عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال : اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم ألعن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين .

بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك .

بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ولك نسعي ونحفد ونخشى عذابك الجد ونرجو رحمتك ، إن عذابك بالكافرين ملحق . رواه أبو سعيد بن عبدالرحمن ابن أبزى عن أبيه عن عمر فخالف هذا في بعضه .

... عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه قال صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعي ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق . اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع من يكفرك كذا قال قبل الركوع . وهو إن كان اسناداً صحيحاً فمن روى عن عمر قنوته بعد الركوع أكثر ... ) انتهى !

العمل الثالث : أحاديث تفسير قوله تعالى ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ـ آل عمران ـ 128

فإنك تجد العجب في تفسير إخواننا السنة لهذه الآية .. فالروايات فيها من كل حدب وصوب في رد أفكار النبي وآلامه من طغاة قريش وتخطئته في دعائه عليهم ولعنه إياهم ! وكأن أصحاب هذه الروايات وجدوا بغيتهم من القرآن ضد النبي(ص) لمصلحة مشركي قريش ومنافقيها .. قال الترمذي في ج 4 ص 295 ( ... عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية، قال فنزلت ليس لك من الأمر شئ ، أو يتوب عليهم فتاب عليهم فأسلموا وحسن إسلامهم !! هذا حديث حسن غريب يستغرب من حديث عمر بن حمزة عن سالم ، وكذا رواه الزهري عن سالم عن أبيه .

... عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر فأنزل الله تبارك وتعالى ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فهداهم الله للإسلام ! هذا حديث حسن غريب صحيح يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع عن ابن عمر . ورواه يحيى بن أيوب عن ابن عجلان ) انتهى .

أما البخاري فقد عقد للآية أربعة أبواب ! روى فيها كلها أن الله تعالى رد دعاء نبيه على المشركين والمنافقين أو لعنه لهم، ولم يسم البخاري الملعونين في أكثرها حفظاً على ( كرامتهم ) ! قال في ج 5 ص 35 :

( باب ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . قال حميد وثابت عن أنس : شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟ فنزلت : ليس لك من الأمر شئ .

... عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله عزوجل : ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون ) .

وقال في ص 171 :

( باب ليس لك من الأمر شئ ... سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون . رواه اسحق بن راشد عن الزهري ) .

ثم أورد البخاري رواية أخرى تجعل فلاناً وفلاناً الملعونين أحياء من قبائل العرب وليسوا قادة من قريش !! قال :

... عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف ، يجهر بذلك . وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله : ليس لك من الأمر شئ ... الآية ) .

وقال في ج 8 ص 155 :

( باب قول الله تعالى ليس لك من الأمر شئ . ... عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا ولك الحمد في الأخيرة ، ثم قال : اللهم العن فلاناً وفلاناً . فأنزل الله عزوجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) انتهى .

والمرة الوحيدة التي سمى فيها البخاري بعض الملعونين رواية رواها عن ابن أبي سفيان! ومن الطبيعي أن يحذف منها اسم أبيه !! قال في ج 5 ص 35:

( وعن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت سالم بن عبدالله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحرث بن هشام فنزلت : ليس لك من الأمر شئ الى قوله فإنهم ظالمون ! ) .

وأورد في ج 7 ص 164 روايات يوهم تسلسلها أن الآية نزلت رداً على دعاء النبي على أبي جهل ، مع أن أبا جهل قتل في بدر والآية نزلت على أقل تقدير بعد بدر بسنة ! قال البخاري :

( باب الدعاء على المشركين . وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف وقال اللهم عليك بأبي جهل . وقال ابن عمر دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة اللهم العن فلاناً وفلاناً حتى أنزل الله عزوجل ليس لك من الأمر شئ ! ..

... عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت اللهم أنج عياش بن ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين . اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف ) انتهى .

والنتيجة من روايات البخاري فقط أن الآية نزلت عدة مرات .. من أجل أشخاص أو فئات متعددين .. وفي أوقات متفاوتة !! أما إذا جمعنا أسباب نزولها عند البخاري وغيره ، فقد تبلغ عشرين مناسبة متناقضة في الزمان والمكان والأشخاص الملعونين !! راجع سنن النسائي ج 2 ص 203 ومسند أحمد ج 2 ص 93 و 104 و 118 و 147 و 255 وسنن الدارمي ج 1 ص 374 وسنن البيهقي ج 2 ص 197 وكنز العمال ج 2 ص 379 والدر المنثور ج2 ص 70 .

ولكن مسلماً كان أقل تشدداً من البخاري فقد روى أن نهي الله لرسوله عن لعن قريش تأخر عدة سنوات .. وأن الآية نزلت بعد غزوة بئر معونة وشهادة قراء القرآن .. قال في ج 2 ص 134 :

... سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف انهما سمعا أباهريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين . اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف . اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله . ثم بلغنا انه ترك ذلك لما أنزل ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .

ثم برأ مسلم ذمته فقال وأروي رواية أخرى ليس فيها ذكر نزول الآية .. قال :

... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الى قوله واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر ما بعده !!

... عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في الصلاة شهراً إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة ابن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف . قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد ، فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم ؟ قال فقيل وما تراهم قد قدموا ؟!

ثم برأ مسلم ذمته مرة أخرى فقال : ... عن أبي سلمة أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد : اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ، ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي الى قوله كسني يوسف ولم يذكر ما بعده !!

ثم روى مسلم رواية تنفى أن النبي ترك لعن الكفار من صلاته الى آخر حياته ! فقال :

( ... حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ) انتهى .

العمل الرابع : الفتوى بالجنة للمنافقين !

عندما تقرأ القرآن تجد فراعنة قريش والمنافقين وجوداً بارزاً خطيراً بشخصياتهم ومواقفهم وخططهم ضد النبي(ص) ودعوته ودولته وأمته ..

لكن عندما تقرأ السيرة والحديث في مصادر إخواننا السنة تجد الصورة تخف .. وتصغر .. وتخفى ملامحها .. وأحياناً تغيب كلياً .. فتحتاج الى بحث وتنقيب لتعرف من هذا الشخص أو الجماعة الذين نزلت فيهم هذه الآية أو الآيات الكاسحة .. ! ومن هؤلاء الجهنميون الخبثاء الذين حذر الله تعالى منهم واعتبرهم مجرمين على مستوى الأمم والشعوب .. ؟! لقد اختفوا وغابوا ، كما غاب قنوت النبي بالدعاء عليهم ولعنهم !

قد يقال إن النبي(ص) كان يعرفهم أو يعرف أكثرهم بما علمه الله تعالى ، فكانوا في عصره معروفين مميزين .. أما بعد وفاته وانقطاع الوحي فقد صار أمرهم الى الله تعالى ..

ولكن لو سلمنا ذلك ، فإنا نسأل عن أولئك الذين كانوا مكشوفين في زمن النبي(ص) ، أين صاروا ، ولماذا اختفوا .. ؟! وأين غاب أبطال الكفر والنفاق في تاريخ البعثة والمرحلة المكية والمدنية وأحداث نزول القرآن .. ؟! ونسأل عن أسماء الذين كان يدعو عليهم النبي(ص) في صلاته طوال نبوته تقريباً ، وعن الذين ضاق بهم صدره الرحب ، ولم يسعهم حلم الله العظيم ، فكشفهم النبي وسماهم في المسجد واحداً واحداً وطرد بعضهم من مسجده .. وقال لآخرين منهم في أنفسهم قولاً بليغاً ؟ لقد اختفى أكثر تاريخ مشركي قريش ومنافقيها من المصادر .. ولعله لولا آيات القرآن القارعة الهادرة لكان اختفى كل تاريخهم .. !

إنها ظاهرة ذات دلالة على وجود موقف مقصود مدروس في التغطية على تاريخ القرشيين أعداء الله ورسوله بالأمس ، والمنافقين اليوم .. لأنهم جميعاً صاروا من شخصيات مجتمع المدينة ، عاصمة الدولة الإسلامية الكبرى !!

فقد صدر قرار قبول المنافقين واعتبارهم مسلمين من أهل الجنة ، وكتبوا تحته توقيع النبي(ص) ، فظهرت الروايات التي تشهد بذلك !

ومن أجل عيون مشركي قريش ومنافقيها صدرت الفتاوي باستحقاق منافقي المدينة من غير قريش لدخول الجنة !!

روى أحمد في مسنده ج 3 ص 135 قصة مالك بن الدخشم الذي كان رأس المنافقين بعد ابن أبي سلول فقال ( فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم ، فجعلوا يذكرون ما يلقون من المنافقين فأسندوا أعظم ذلك الى مالك بن دخشم ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ فقال قائل بلى وما هو من قلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فلن تطعمه النار أو قال لن يدخل النار ) ونحوه في ج 5 ص 449 !!

أما في ج 4 ص 44 فاكتفت الرواية بشهادة التوحيد فقط دون النبوة! قال ( ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتى صيروا أمرهم الى رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم وقالوا : من حاله ومن حاله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما أكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ فلما كان في الثالثة قالوا إنه ليقوله ، قال : والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأكله النار أبداً ! قالوا فما فرحوا بشئ قط كفرحهم بما قال ! ) انتهى !

إذن يكفي لضمان الجنة أن يشهد الشخص بالتوحيد ، ولا يضره أن يكون كافراً بالنبي(ص) ، أو منافقاً يكيد للإسلام ورسوله وأمته !

وقد احتاط البخاري وغيره قليلاً في ضمان الجنة للمنافق ، فاشترطوا أن يشهد شهادة التوحيد يريد بها وجه الله تعالى ! ثم لا مانع بعد ذلك أن يكفر برسول الله ويقصد بأعماله وجه الشيطان ! فقد روى في صحيحه رواية ابن الدخشم وغيره في ج2 ص56 وج6 ص 202 وفيهما أن النبي(ص) قال ( فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) ورواه أحمد نحوه في مسنده ج 4 ص 44 !

أما مسلم فلم يستعمل الإحتياط هنا بل روى في صحيحه ج 1 ص 122 كيفية نجاة المنافقين يوم القيامة ودخولهم الجنة ، يوم ( يتجسد ! ) الله سبحانه وتعالى و ( يضحك ! ) للمؤمنين والمنافقين ويمشي أمامهم .. الخ ! قال مسلم ( أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود فقال ... فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون ؟ فيقولون : ننظر ربنا . فيقول أنا ربكم ، فيقولون حتى ننظر إليك ، فيتجلى لهم يضحك ! قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً ، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور المنافقين ، ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك . ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه ، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها ) انتهى .

ومع أن هذه الأحاديث شملت المنافقين من أهل المدينة ، لكن المقصود بها بالأساس مشركوا قريش ومنافقوها .. فقد أكد الخليفة عمر أن الظالم من قريش مغفور له ويدخل الجنة ! روى الذهبي في ميزان الإعتدال ج 3 ص 355 ( عن أبي عثمان النهدي ، سمعت عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ! ) وهو يقصد بذلك قريشاً .

وقال السيوطي في الدر المنثور ج5 ص251 ( وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب انه كان إذا نزع بهذه الآية ( ثم أورثنا الكتاب ... ) قال: ألا أن سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له !!

وأخرج العقيلي وابن لال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، وقرأ عمر فمنهم ظالم لنفسه ... الآية ) انتهى .

وما أدري كيف يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين آية واحدة من آيات المنافقين في القرآن مثل قوله تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ؟!

بل كيف يمكن الجمع بينها وبين ما روته نفس هذه المصادر ، كالأحاديث الصحيحة التي رواها الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 108 ( وعن عبدالله يعني ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن كان فيه خصلة ففيه خصلة من النفاق : إذا حدث كذب ، وإذا أوتمن خان ، وإذا وعد أخلف . رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .

وعن ابن مسعود قال : اعتبروا المنافقين بثلاث ، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر . فأنزل الله عزوجل تصديق ذلك في كتابه ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ... الى آخر الآية . رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ) انتهى .

والذي رواه الترمذي في سننه ج 5 ص 298 ( عن أبي سعيد الخدري قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب . هذا حديث غريب . وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي ، وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد ) .

وأحاديث الحاكم الصحيحة في المستدرك ج 3 ص 129 ( عن أبي ذر رضي الله عنه قال ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) .

وفي ص 138 ( عن علي بن أبي طلحة قال حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج ، فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي ، فقال عليَّ به ، فأتي به فقال : أنت الساب لعلي ؟ فقال ما فعلت . فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة لتجده قائماً على حوض رسول الله(ص) يذود عنه رايات المنافقين ، بيده عصاً من عوسج . حدثنيها الصادق المصدوق(ص) ، وقد خاب من افترى . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) انتهى .

العمل الخامس : إعطاء مناصب هامة في الدولة الإسلامية للمنافقين !

وأول من فتح هذا الباب وأعطى مناصب الدولة للمنافقين هو الخليفة عمر .. وكان يبرر ذلك تبريراً عصرياً فيقول إن مسألة الدين أمر بين الإنسان وربه.. والمنافق إثمه عليه! فقد روى في كنز العمال ج 4 ص 614 ( عن عمر قال : نستعين بقوة المنافق ، وإثمه عليه! ) وفي ج5 ص771 (عن الحسن أن حذيفة قال لعمر: إنك تستعين بالرجل الفاجر فقال عمر : إني لاستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفائه ـ أبو عبيد ) انتهى .

هذا مع أنه روي عن الخليفة قوله (من استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله ) كنز العمال ج 5 ص 761 .

وقد برر البيهقي إعطاء المناصب للمنافقين بأنهم منافقون لينون ، فقال في سننه ج9 ص 36 ( عن عبدالملك بن عبيد قال قال عمر رضي الله عنه : نستعين بقوة المنافقين وإثمهم عليهم . وهذا منقطع فإن صح فإنما ورد في منافقين لم يعرفوا بالتخذيل والارجاف ، والله أعلم ) !

ولكن محاولة البيهقي للتخفيف لا تنفع مع ما رواه البخاري ، في صحيحه ج 8 ص100 من أن المنافقين في زمن الخليفة عمر كانوا ـ بسبب بسط أيديهم وقحين متجاهرين ـ وأن حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي(ص) أطلق صيحة التحذير من خطرهم فقال ( إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون !! ) انتهى .




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22385282

  • التاريخ : 14/03/2025 - 20:53

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net