من مباحث أصول الفقه عند الشيعة والسنة : مسألة تعارض الأحاديث مع القرآن ، وتعارض الأحاديث فيما بينها .. وفي كلتا المسألتين يتشدد الشيعة في ترجيح القرآن أكثر من إخوانهم السنة ، فعلماء السنة مثلاً يجوزون نسخ آيات القرآن بالحديث حتى لو رواه صحابي واحد.. ولذلك صححوا موقف الخليفة أبي بكر السلبي من فاطمة الزهراء(ع) ، حيث صادر منها ( فدك ) التي نحلها إياها النبي (ص) وكانت بيدها في حياة أبيها ، ثم منعها إرثها من أبيها(ص) بدعوى أنه سمع النبي يقول ( نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ) يقصد أن ما تركه النبي يكون صدقة بيد الدولة ..
واحتجت عليه فاطمة الزهراء(ع) بالقرآن وقالت له كما روى النعماني المغربي في شرح الأخبار ج 3 ص 36 : يابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي..؟! لقد جئت شيئاً فَرِيَّا ، فقال علماء السنة إن عمل أبي بكر صحيح ، وآيات الإرث في القرآن منسوخة بالرواية التي رواها أبو بكر وحده ، ولم يروها غيره !
أما إذا تعارض الحديثان فقد وضع العلماء لذلك موازين لترجيح أحدهما على الآخر، ومن أولها عند الفريقين ترجيح الحديث الموافق لكتاب الله تعالى وترك الحديث المخالف .. إلخ .
وزاد علماء الشيعة على ذلك أنه بقطع النظر عن وجود التعارض بين الأحاديث أو عدم وجوده ، فإنه يجب عرض كل حديث على كتاب الله تعالى ، والأخذ بما وافقه إن استكمل بقية شروط القبول الأخرى ، ورد ما خالفه وإن استجمع شروط القبول الأخرى ، ورووا في ذلك روايات صحيحة عن النبي وآله(ص) .. ففي الكافي ج 1 ص 69 ( عن أبي عبدالله(ع) قال : قال رسول الله(ص) : إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه .
... عن أبي عبدالله(ع) قال : خطب النبي(ص) بمنى فقال : أيها الناس ما جاء كم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاء كم يخالف كتاب الله فلم أقله.
... عن عبدالله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبدالله(ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لانثق به؟ قال إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله(ص)، وإلا فالذي جاء كم به أولى به .
... عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبدالله(ع) يقول : كل شئ مردود الى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) .
وفي تهذيب الأحكام للطوسي ج 7 ص 275 ( ... فهذان الخبران قد وردا شاذين مخالفين لظاهر كتاب الله ، وكل حديث ورد هذا المورد فإنه لا يجوز العمل عليه ، لأنه روي عن النبي(ص) وعن الأئمة(ع) أنهم قالوا إذا جاءكم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا . وهذان الخبران مخالفان على ما ترى .. ) انتهى .
فكيف يتهم الشيعة بعدم الإعتقاد بالقرآن ، والقرآن هو المقياس الأول في مذهبهم ، وهم يخوضون معركة فكرية مع إخوانهم السنة ويكافحون من أجل تحكيم نصوص القرآن ، وقد اشتهرت عنهم إشكالاتهم على اجتهادات الخلفاء في مقابل نص القرآن والسنة ، ومازال علماء السنة الى عصرنا يسعون للإجابة على هذه الإشكالات !