00989338131045
 
 
 
 
 
 

 الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على الخطأ واللحن والتغيير 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : سلامة القرآن من التحريف   ||   تأليف : مركز الرسالة

الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على الخطأ واللحن والتغيير

الاَُولى: روي عن عثمان أنّه قال: «إنّ في المصحف لحناً، وستقيّمه العرب بألسنتها. فقيل له: ألا تغيره ؟ فقال: دعوه، فإنّه لا يحلّ حراماً، ولايحرّم حلالاً» (2).

حمل ابن أشتة اللحن الوارد في الحديث على الخطأ في اختيار ماهو أولى من الاَحرف السبعة، وعلى أشياء خالف لفظُها رَسْمَها، وهذا الحمل غير مستقيمٍ، والاَولى منه هو ترك الرواية وتكذيبها وإنكارها، كما فعل الداني والرازي والنيسابوري وابن الاَنباري والآلوسي والسخاوي والخازن والباقلاني وجماعة آخرين (3)، حيثُ صرّحوا أنّ هذه الرواية لايصحّ بها دليل ولا تقوم بمثلها حجّة؛ لاَنّ إسنادها ضعيف، وفيه اضطراب وانقطاع وتخليط، ولاَنّ المصحف منقولٌ بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يمكن ثبوت اللحن فيه، ثمّ إنّ مابين الدفّتين هو كلام الله بإجماع المسلمين، ولا يجوز أن يكون كلام الله لحناً وغلطاً، وقد ذهب عامّة الصحابة وسائر علماء الاَُمّة من بعدهم إلى أنّه لفظ صحيح ليس فيه أدنى خطأ من كاتبٍ ولا من غيره، واستدلّوا أيضاً على إنكار هذه الرواية

____________

(1) الفرقان: 157.

(2) الاتقان 2: 320، 321.

(3) تاريخ القرآن الكردي: 65، التفسير الكبير 11: 105، تفسير النيسابوري 6: 23 المطبوع في هامش تفسير الطبري، تفسير الخازن 1: 422.


الصفحة 76
بقولهم: إنّ عثمان جعل للناس إماماً، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيّمه العرب بألسنتها، أو يؤخّر شيئاً فاسداً ليصلحه غيره ؟! وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيّموا ذلك ـ وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة على ذلك ـ فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم ! ثمّ إنّ عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل كتب عدة مصاحف، فلم تأتِ المصاحف مختلفة قطّ، إلاّ فيما هو من وجوه القراءات والتلاوة دون الرسم، وليس ذلك باللحن» (1).

والذي يهوّن الخطب في هذه الرواية ومثيلاتها الآتية أنّها برواية عكرمة مولى ابن عبّاس، وكان من أعلام الضلال ودعاة السوء، وكان يرى رأي الخوارج، ويُضرب به المثل في الكذب والافتراء، حتى قدح به الاَكابر وكذّبوه، أمثال ابن عمر ومجاهد وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد، وحرّم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم (2).

الثانية: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: (حَتّى تَسْتَأنِسُوا وتُسلّموا). (النور24:27) قال: «إنّما هو (حتّى تستأذنوا)، وأنّ الاَوّل خطأٌ من الكاتب»(3)، والمراد بالاستئناس هنا الاستعلام، أي حتى تستعلموا من في البيت، فهذه الرواية مكذوبةٌ على ابن عباس ولا تصحّ عنه؛ لاَنّ مصاحف الاِسلام كلّها قد ثبت فيها (حتى تَسْتَأنِسُوا) وصحّ الاِجماع فيها

____________

(1) روح المعاني 6: 13.

(2) أُنظر وفيات الاعيان 1: 319، ميزان الاعتدال 3: 93، المغني في الضعفاء 2: 84، الضعفاء الكبير 3: 373، طبقات ابن سعد 5: 287، تهذيب الكمال 7: 263.

(3) الاتقان 2: 327، لباب التأويل 3: 324، فتح الباري 11: 7.


الصفحة 77
منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الآن، فلا يعوّل على مثل هذه الرواية، قال الرازي: «إعلم أنّ هذا القول من ابن عبّاس فيه نظر؛ لاَنّه يقتضي الطعن في القرآن الذي نُقِل بالتواتر، ويقتضي صحّة القرآن الذي لم يُنْقَل بالتواتر، وفَتح هذين البابين يطرق الشكّ في كلِّ القرآن، وإنّه باطل» (1).

وقال أبو حيان: «من روى عن ابن عبّاس أنّ قوله تعالى: (حَتّى تَسْتَأنِسوا) خطأ أو وهمٌ من الكاتب، وأنّه قرأ (حتى تَسْتَأذِنُوا) فهو كافرٌ في الاِسلام، مُلْحِدٌ في الدين، وابن عباس بريءٌ من هذا القول (2).

الثالثة: روى عروة بن الزبير عن عائشة: أنّه سألها عن قوله تعالى: ( لكن الراسخون في العلم)(النساء4: 62): ثمّ قال (والمقيمين )، وفي المائدة: (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)، و (المائدة5: 69) ( إنّ هذان لساحران) (طه20: 63) فقالت يابن أُختي، هذا عمل الكُتّاب، أخطأوا في الكتاب (3).

أمّا قوله تعالى: (و المقيمين) فانّه على العطف يكون (والمقيمون) كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار، والذي في المصاحف وقراءة أُبيّ والجمهور (والمقيمين) قال سيبويه: «نُصِب على المدح، أي وأعني المقيمين» وذكر له شواهد وأمثلة من كلام العرب (4).

قال الآلوسي: «ولا يُلْتَفَت إلى من زعم أنّ هذا من لحن القرآن، وأنّ

____________

(1) التفسير الكبير 23: 196.

(2) البحر المحيط 6: 445.

(3) الاتقان 2: 320.

(4) الكتاب 1: 288 ـ 291.


الصفحة 78
الصواب (والمقيمون) بالواو.. إذ لا كلام في نقل النظم متواتراً، فلا يجوز اللحن فيه أصلاً» (1).

وأمّا قوله تعالى: (والصابئون)بالرفع فهو معطوفٌ على محلّ اسم إنّ.

قال الفراء: «ويجوز ذلك إذا كان الاسم ممّا لم يتبيّن فيه الاِعراب، كالمضمر والموصول، ومنه قول الشاعر:

فمن يكُ أمسى بالمدينة رحله * فإنّي وقيارٌ بها لغريبَ

برفع (قيار) عطفاً على محلّ ياء المتكلّم» (2)وقد أجاز الكوفيون والبصريون الرفع في الآية واستدلّوا بنظائر من كلام العرب.

وقال صاحب المنار: «قد تجرأ بعض أعداء الاِسلام على دعوى وجود الغلط النحوي في القرآن، وعدّ رفع (الصابئين) هنا من هذا الغلط، وهذا جمعٌ بين السخف والجهل، وإنّما جاءت هذه الجرأة من الظاهر المتبادر من قواعد النحو، مع جهل أو تجاهل أنّ النحو استنبط من اللغة، ولم تستنبط اللغة منه» (3).

وأمّا قوله تعالى: (إنّ هَذانِ لَسَاحِرانِ) فإنّ القراءة التي عليها جمهور المسلمين هي تخفيف إن المكسورة الهمزة، فتكون مخففةٌ من الثقيلة غير عاملةٍ، ورفع (هذان).

____________

(1) روح المعاني 6: 13.

(2) معاني القرآن 1: 310، مجمع البيان 3: 346، صيانة القرآن من التحريف: 183.

(3) تفسير المنار 6: 478.


الصفحة 79
قال الزمخشري: «إنّ هذان لساحران على قولك: إنّ زيد لمنطلق، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة» (1)، وعليه فلا إشكال في هذه الآية، ولا لحن من الكُتّاب !

قال الرازي: «لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن، فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر، وإلى القدح في كلِّ القرآن، وإنّه باطل» (2).

الرابعة: روي أنّ الحجاج بن يوسف غيّر في المصحف اثني عشر موضعاً، منها:

1 ـ كانت في سورة البقرة2: 59 (لم يَتَسَنَّ) فغيّرها (لم يَتَسَنَّه) بالهاء.

2 ـ وكانت في سورة المائدة 4: 48(شريعةً ومنهاجاً) فغيّرها (شِرعةً ومنهاجاً).

3 ـ وكانت في سورة يونس 10: 22(هو الذي ينشركم) فغيّرها (هو الذي يسيّركم) (3).

وهذه الاَمثلة، وسواها منقولةٌ من (مصاحف السجستاني) برواية عباد ابن صهيب (4)، وعباد متروك الحديث لدى أئمّة الحديث والجرح

____________

(1) الكشاف 3: 72.

(2) التفسير الكبير 22: 75.

(3) الفرقان: 50.

(4) المصاحف: 49.


الصفحة 80
والتعديل، ومغموزٌ فيه بالكذب والاختلاق (1).

قال السيد الخوئي: «هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والاَطفال، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الاِسلامية، فكيف يغير ماهو أساس الدين وقوام الشريعة ؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الاِسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها ؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه، ولا ناقد في نقده مع مافيه من الاَهمية، وكثرة الدواعي إلى نقله ؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته ؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله» (2)، وقد بيّنا في أدلّة نفي التحريف أنّ خلفاء الصدر الاَول لم يجرأوا على حذف حرفٍ منه، وقد بلغ من دقّة وتحرّي المسلمين أن يهدّدوا برفع السيف في وجه من يُقدِم على ذلك، فكيف يتمكّن الحجّاج بعد اشتهار القرآن وتعدّد نسخه وحفّاظه أن يغيّر اثني عشر موضعاً من كتاب الله على مرأى ومسمع جمهور المسلمين ومصاحفهم ؟!

____________

(1) أُنظر المغني 2: 326 | 3037.

(2) البيان في تفسير القرآن: 219.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21404479

  • التاريخ : 20/04/2024 - 06:59

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net