00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة النساء 

القسم : أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية   ||   الكتاب : مراجعات قرآنية ( اسئلة شبهات وردود)   ||   تأليف : السيد رياض الحكيم

سورة النساء

 

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)) (1). 

س 168 ـ كيف ينسجم قولـه ((خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)) مع ما هو معلوم من أنّ البشر مخلوقون من آدم وحوّاء كليهما، كما قال تعالى: ((وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء))؟

ج ـ بما انّ حوّاء خُلقت من آدم ـ كما أشارت إليه الآية ـ فصح أن يكون آدم مبدأ خلق الناس جميعاًَ، بمن فيهم حواء، ومنهما بثّ ذرّيتهما من الذكور والإناث.

 

((وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)) (2). 

س 169ـ كيف ينسجم قولـه: ((وَآتُواْ الْيَتَامَى)) مع النصوص واتفاق الفقهاء على أنّ اليتيم لا يُعطى أمواله وإنما تكون تحت سلطة وليه؟

ج ـ إما أن يكون ذلك كناية عن النفقة عليهم من أموالهم، أو أنّ المقصود منه اليتيم العرفي الذي ينطبق على البالغ، ولذلك كانت قريش تسمي النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ بعد نبوّته ـ يتيم أبي طالب، فيكون المعنى: انَ اليتيم إذا بلغ يعطى أمواله، ولا يجوز استبدال الجيّد منها بالرديء من أموالكم.

 

((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ))(3). 

س 170 ـ ما هو الارتباط بين قولـه: ((وَإِنْ خِفْتُمْ... ))وقولـه: ((فَانكِحُواْ...))؟

 ج ـ ذكر بعض المفسّرين أنّها نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليّها فيرغب في مالها وجمالها فيتقدم للزواج منها من دون أداء حقها مما يناسبها من المهر، فاُمروا أن يتجنبّوا ذلك، ويتزوجوا غيرها من النساء ضمن العدد المسموح به شرعاً ((مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)) (1).

 

((وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)) (5). 

س 171 ـ ما هو المعني بقولـه: ((أَمْوَالَكُمُ))؟

ج ـ هناك رأيان للمفسرين:

الأول: انّ الآية الكريمة ترشد الناس إلى تجنّب تسليط السفهاء على الأموال، لأنهم يتلفونها بسوء تصرفهم، وإذا شاؤوا الإنعام عليهم فليطعموهم ويكسوهم ويتعاملوا معهم بالمعروف بدلاً من إعطائهم المال.

الثاني: انّ المقصود من المال أموال السفهاء أنفسهم، أي لا تسلطّوهم على أموالهم التي جعل الله ولايتها لكم، لأنهم يتلفونها، بل يتولى وليّهم الإنفاق عليهم وكسوتهم منها. وإنما أضيفت الأموال للمخاطبين باعتبارهم أولياء عليها، والإضافة تصح لأدنى علاقة بين المضاف والمضاف إليه.

 

((...وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ...)) (6). 

س 172 ـ كيف يجوز للفقير الأكل من مال اليتيم كما توحي به الآية؟

ج ـ المقصود من يتولى شؤون اليتيم ورعايته حيث يستحق شرعاً أجرة على ذلك كما يستحق قيمة ما يصرفه على اليتيم، فالآية الكريمة تحبّذ للغني أن يستعفف من أخذ أُجرته من مال اليتيم ـ رغم استحقاقه شرعاً ـ أما الفقير حيث يشقّ عليه تحمّل تكاليف رعاية اليتيم فمن حقّه أن يأخذ من أموال اليتيم بمقدار استحقاقه فحسب ((فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ))، وفي الحديث عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمّن تولّى مال اليتيم ما له أن يأكل منه؟ فقال: ((ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم، فليأكل بقدر ذلك)) (2).

 

((... مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ...)) (12). 

س 173 ـ كيف يقول ((يُوصَى بِهَآ)) مع أنّ الميت يوصي ولا يوصى؟

ج ـ نائب الفاعل ليس ضميراً يعود إلى الميت ـ كما تُوهِّم في السؤال ـ بل هو نفس الجار والمجرور(بها) كما تقول: يُرمى بالكرة، والمعنى: أن التقسيم على الورثة من بعد أن تُطبَّق الوصية ـ الموصى بها ـ ويُوفّى الدَّين، ولو بعزل ما يساويهما من تركة الميّت. 

 

((وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) (14). 

س 174 ـ كيف يُثبِت الخلود في النار للعاصي مع أنّ كثيراً من العاصين غير مخلّدين؟

ج ـ لعلّ المنظور في الآية الجاحدون الذين يواجهون أوامر الله ورسوله وتشريعه بالتحدي والاستخفاف، فانّهم يستحقّون الخلود في النار.

 

((وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)) (16). 

س 175 ـ من هذان اللذان تتحدّث عنهما الآية؟

ج ـ كل زانٍ وزانية يمارسان الفاحشة، أُمر المسلمون بإيذائهما إلى أن يتوبا فيُعرَض أي يُتوقَّف عن إيذائهما. وقيل: وقد نسخت بتشريع حدّ الزنا.

 

((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ...)) (17). 

س 176 ـ كيف تكون التوبة على الله مع أنها من فعل العبد؟

ج ـ التوبة بمعنى الرجوع، وكما تنسب للعبد تنسب لله تعالى، لأنه إذا رجع العبد وأناب إلى ربّه يرجع الله إليه أي ينقطع اعراضه عنه، ولذلك نسبت لله تعالى في كثير من الآيات حتى صار التّواب من أسمائه الحسنى. ومعنى الآية أنّ التوبة التي التزمها الله سبحانه على نفسه إنما هي للذين يعملون الذنب بجهالة ثم يتوبون من قريب. فهؤلاء الذين يستحقون رحمته التي كتبها على نفسه، كما قال سبحانه: ((كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة)).

 

س 177 ـ إذا كان ارتكابهم للسوء بجهالة لم يكونوا عصاةً فلم يستحقوا العقاب؟

ج ـ ذكر العلماء أن الجهالة بمعنى السفاهة، لا الجهل المطلق المقابل للعلم، فتنطبق على ارتكاب المعصية لغلبة الهوى ونحو ذلك، ولعلّ إلى هذا يشير الحديث عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: ((يعني كل ذنب عمله العبد وإن كان به عالماً فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه، وقد قال في ذلك تبارك وتعالى يحكي قول يوسف لأخوته: ((هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ)) فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله)) (3). وربما يكون المقصود تنزيل علمهم منزلة الجهل.

 

س 178 ـ كيف يصحّ تخصيص التوبة بالذين يعملون السوء بجهالة ويتوبون من قريب مع دلالة الآيات والنصوص الكثيرة على قبول التوبة الصادقة من كل أحد وفي كل وقت؟

ج ـ يبدو من ملاحظة هذه الآية والآية التي بعدها أن هذا الحصر نسبي أي في مقابل الفئتين اللتين أشارت إليهما الآية اللاحقة التي نفت التوبة والرجوع من الله إليهما، وهم الذين يتوبون توبة صورية عندما يشاهدون أمارات الموت، والكفارُ الذين لا يتوبون. فغير هؤلاء يمكن قبول توبتهم، وإنما نصّت الآية على خصوص الذين يعملون السوء بجهالة ويتوبون من قريب لأنهم أكثر الناس استحقاقاً للتوبة والمغفرة.

 

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ...)) (19). 

س 179 ـ كيف تُفرض وراثة النساء كرهاً حتى ينهى عنه؟

ج ـ يبدو أن الآية تشير إلى سُنّة من سنن الجاهلية، فانّهم كانوا إذا مات زوج المرأة جاء ابنه من غيرها أو وليّه فيضع عليها ثوبه ويرث نكاحها أي يجعل نفسه وليّاً عليها، فأبطلت الآية هذه السنة. كما نهت عن العضل أي التضييق على النساء من قِبَل أزواجهن فلا هم يعاشرونهنّ بالمعروف ولا هم يطلقونهنّ، لكي تضطر الزوجة إلى التنازل عن مهرها أو جزء منه في مقابل طلاقها.

 

((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ... وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ...)) (23). 

س 180 ـ لماذا خصّ التحريم بالربائب اللاتي في حجر زوج الأم مع أنّ زواج الربيبة التي ليست في حِجر زوج الأم محرّم أيضاً؟

ج ـ نعم التحريم يشمل كل ربيبة، وقولـه: ((فِي حُجُورِكُم)) باعتبار أن الغالب كون الربيبة في حِجر زوج الأم وفي كنفه، كما انّ بنت الزوجة إنما سميت ربيبة الزوج باعتبار الحالة الغالبة، وإن كانت في حالات نادرة لا تكون في كنف زوج أمّها. 

 

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)) (29). 

س 181 ـ كيف استثنى التجارة عن تراضٍ من حكم أكل المال بالباطل مع أنها ليست من أكل المال بالباطل؟

ج ـ هذا الاستثناء منقطع، لأنّه قد يتوهّم أن البيع والتجارة يتضمنان أكل المال بالباطل أحياناً، خاصّةً إذا كان الربح كبيراً، فجاء الاستثناء لتحليل التجارة عن تراض ورفع ذلك التوهّم.

 

س 182 ـ كيف خصّ التحليل بالتجارة مع انّ هناك أسباباً أخرى لتحليل الأموال مثل الهدية والصدقّة وغيرهما؟

ج ـ باعتبار أن التجارة هي السبب الشائع في تبادل الأموال والسّلطنة عليها، خصوصاً ان مثل الهدية والصدقة لا يتضمن معاوضة حتى يتوهّم كونها من الأكل بالباطل، فلم تكن هناك حاجة للنص عليها.

 

((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (31). 

س 183ـ إذا كان المقصود تكفير السيئة وغفرانها مع التوبة منها فهو ينطبق على الكبائر أيضاً، فيشمل ذلك من لا يجتنب الكبائر، وإذا كان من دون توبة فهو لا ينسجم مع ما هو معروف من عدم غفران المعصية الصغيرة مع الإصرار عليها وعدم التوبة منها؟

ج ـ الظاهر أن المقصود تكفير الذنوب الصغيرة التي لا يتوب منها الإنسان تسامحاً أو يتماهل في التوبة الصادقة منها من دون أن يصرّ عليها، لأنّ نفس الإصرار على الصغيرة من الكبائر ـ كما قيل ـ، فتشير الآية الكريمة هنا إلى أن من يتجنّب الكبائر يتأهل لرحمة الله يكون موعوداً بمغفرته.

 

((الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)) (37). 

س 184 ـ ما علاقة عذاب الكافرين بالذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل..؟

ج ـ هناك وجهان في تفسير الآية:

الأول: انّها نزلت في حق اليهود المعروفين بحب المال والشحة والبخل، وكذلك كتمان العلامات والآيات التي تتحدث عن أوصاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ورسالة الإسلام.

الوجه الثاني: انّ الآية تذمّ كل البخلاء الذين لا يؤدّون الفرائض المالية متظاهرين بالفقر نكراناًَ وجحوداً لفضل الله عليهم، فيكون المراد من الكافرين في الآية الجاحدين للفضل الإلهي بمواقفهم وسلوكهم، وإن كانوا مسلمين.

 

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ...)) (43). 

س 185 ـ ألا تقتضي هذه الآية جواز شرب الخمر لمن لا يؤثّر فيه السكر ولا يفقد وعيه بذلك؟

ج ـ حرمة شرب الخمر بشكل مطلق دلّ عليه قولـه تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) وكذلك النصوص المتواترة، وأما هذه الآية فكانت خطوة أولى باتجاه تحريم الخمر ـ كما قيل ـ حيث تضمنت النهي عن الصلاة في حالة السكر فقط، وقد أفتى الفقهاء بصحّة صلاة من شرب الخمر ولم يسكر أو من صلّى بعد أن أفاق من سكره، لعدم النهي عن صلاته رغم عصيانه بشرب الخمر.

 ولو فرضنا أنهما من العام والخاص فلا تنافي بينهما، لأن العام والخاص إنما يتنافيان إذا كان أحدهما إيجابياً والآخر سلبياً، مثل قولنا: يجب الحج على كل مسلم، فانه ينافي ما دلّ على عدم وجوب الحج على المسلم غير المستطيع، فلابدّ من التنازل عن عموم ذلك العام وتخصيص وجوب الحج بالمستطيع.

أما إذا لم يختلفا في الإيجاب والسلب فلا منافاة بينهما، مثل قولنا تحرم إهانة الأب، فانه لا ينافي حرمة إهانة كل مسلم، ولا يستلزم تخصيص من تحرم إهانته بالأب. وكذلك بالنسبة للخمر فالآية الدالة على حرمة الخمر في حالة معينة لا تنافي الآية الدالة حرمته مطلقاً.

 

((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء...)) (48). 

س 186 ـ كيف لا يغفر الله الشرك مع أن جلّ الصحابة كانوا مشركين قبل إسلامهم، وقد أجمع المسلمون على قبول توبة المرتد؟

ج ـ الآية تتحدث عمّن يموت مشركاً، فانّ الله تعالى لا يغفر له، بينما المسلم الذي يموت من دون توبة من معاصيه الأخرى فربّما يغفر الله له ذنوبه، رحمةً به أو لشفاعة من يشفَّع فيه. ولا ترتبط هذه الآية بمن كان مشركاً ثم يتوب من شركه، فانها تقبل إذا كانت صادقة، كما دلت عليه آيات أخرى, وكذلك النصوص الدالة على قبول التوبة الصادقة مطلقاً حتى بالنسبة لمن كان مشركاً. 

 

س 187ـ ألا تدل الآية على إمكانية غفران الكفر برسالة الإسلام لمن لم يكن مشركاً، مثل بعض أهل الكتاب؟

ج ـ الآية الكريمة علقّت غفران المعاصي ـ سوى الشرك ـ على مشيئة الله، من دون تحديد المعاصي التي تتعلق بها المشيئة، ومن خلال الآيات والأدلة الأخرى علمنا أنّ الجاحد للإسلام لا تتعلق المشيئة الإلهية بمغفرة ذنبه هذا.

 

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) (59).  

س 188 ـ الا يدل الامر بطاعة اولي الأمر ـ إلى جانب طاعة الله والرسول ـ و عدم الامر بالرد إليهم عند التنازع على عدم شمول (اولي الامر) للأئمة واختصاصه بقادة السرايا؟

ج ـ كلا فان شمول(اولي الأمر) للأئمة مما اتفق عليه المسلمون وفهموه من الآية الكريمة وكانوا يستشهدون بها على ذلك جيلاً بعد جيل وإن اختلفوا في تحديد أشخاص اولي الأمر، وقد اكدّت النصوص الواردة عن أهل البيت(عليه السلام) على ذلك.

ولا ينافي ذلك عدم تنصيص الآية الكريمة على الرجوع إليهم عند التنازع، لأنه بناءً على الرأي القائل أن المقصود من(اولي الامر) خصوص الأئمة فقد يكون المقصود من التزاع هو الاختلاف بين المسلمين بشأن (اولي الامر) كالتنازع في تحديد الإمام الذي يخلف النبيَّ على اُمته أو في سعة ولايته ونحو ذلك ـ كما قد يؤيده دخول الفاء في قولـه ((فإن تنازعتم)) الذي يوحي بتفرع هذا التنازع على الامر المتقدم بالطاعة ـ وفي هذه الحالة يكون المرجع في ذلك هو الله تعالى والرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)بما بينّه للامة من تحديد الإمام بشخصه ومواصفاته ومساحة ولايته.

وأما بناءً على الرأي القائل أن(اولي الأمر) أعم من الأئمة وقادة السرايا فنقول: إن طاعة الله تعالى من خلال تطبيق تشريعاته، كما ان طاعة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) تشمل صنفين.. الأول: ما يبلّغه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) للأمة من تشريع.

الثاني: ما يصدره ـ بحكم ولايته على الامة ـ من الأوامر والنواهي.

وأما اولو الأمر فمن كانت ولايتهم خاصة كقادة السرايا الذين كان يرسلهم النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) فتنحصر طاعتهم بحدود ولايتهم على قيادة السرية وإدارة المعركة ونحوها، وليست لهم مرجعية عند اختلاف المسلمين وتنازعهم، وقد يتفق أن يختلف جنودهم معهم في الرأي حول ما يعتقدون عدم ولايتهم فيه، فيحصل النزاع بين القائد وبعض جنده، فأمرت الآية الكريمة بالرجوع في ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليميّز الصواب من الخطأ، ولا معنى لأن تكون المرجعية لقائد السرية الذي هو طرف في النزاع، ويُشكّ في وجوب طاعته في ذلك.

 أما ولاة الأمر الذين ولايتهم عامة ـ وهم الأوصياء على الأمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ فانّ ولايتهم ووجوب طاعتهم امتداد لولاية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ووجوب طاعته، فلا معنى لأن يكونوا طرفاً في النزاع والخلاف، بل تكون لهم المرجعية لحلّ النزاع الذي قد يحدث بين وكلائهم أو ولاتهم وبعض المؤمنين، بنفس دليل الرجوع للرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم).

وهكذا اتضح أن عدم الأمر بالرجوع إلى(اولي الأمر) عند التنازع بسبب عدم مرجعية بعضهم ـ وهم قادة السرايا ونحوهم ـ لا يمنع من شمول(اولي الأمر) للأئمة، ولايضرّ بمرجعيّتهم لحل الخلاف والتنازع بين المسلمين ما دامت ولايتهم عامة تشكل امتداداً لولاية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم). والله اعلم.

 

س 189 ـ ما معنى أن يكون الردّ إلى الله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أحسن تأويلاً؟

ج ـ التأويل: النتيجة التي يؤول إليها الشيء، ومن الواضح أن الردّ إلى الله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) خير وأحسن مآلاً وعاقبةً.

 

((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)) (64). 

س 190ـ ما دام الخطاب في الآية للرسول لماذا لم يقل ((واستغفرتَ لهم))؟

ج ـ لعلّ ذلك لتأكيد أن مرجعية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهمية استغفاره لهم باعتباره رسول الله، لا لخصوصية شخصه، كما قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ)) فان طاعته باعتبار رسالته عن الله، خصوصاً أن المعنيّ في الآية المعاندون الذين تحاكموا إلى الطاغوت بدلاً من الرسول، فكان المناسب تجنّب التحدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بصفته الشخصية، وإنما بوصف كونه رسولاً، ليكون محفزّاً لهم بترك عنادهم.

 

((فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ...)) (74). 

س 191ـ كيف يقول ((الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ)) المفهوم منه إمساكهم بالحياة الدنيا وتركهم الآخرة كما يمسك المشتري ما يشتريه في مقابل الثمن الذي يعطيه، بينما المجاهدون يفعلون عكس ذلك فيتركون الدنيا للآخرة؟

ج ـ كلا، لأن الشراء هنا بمعنى البيع، كما نصَّ عليه علماء اللغة والمفسّرون، وقد استعمل الشراء في هذا المعنى كثيراً في القرآن الكريم مثل قولـه تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ)) وقولـه تعالى: ((وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ)). أي باعوا يوسف (عليه السلام) بثمن بخس زهداً فيه.

 

((وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا)) (78 ـ 79).  

س 192 ـ كيف ينسجم قولـه: ((وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ))مع قولـه فيما بعد: ((وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ))؟

ج ـ لتوضيح عدم المناقضة بين الآيتين نشـير إلى أن الحدث الواحد إذا كان يستند لعدة عوامل يصح نسبة ذلك الحدث إلى كل واحد من هذه العوامل ـ وتسمى فلسفياً أجزاء العلّة التامة ـ فكما يمكن نسبة الإحراق إلى النار يمكن نسبته إلى إهمال الخادم، وكذلك تصح نسبته إلى الله سبحانه لأنه قضى ذلك وقدّره، أما إذا استند الحدث إلى عامل واحد فلا ينسب إلاّ إليه.

ومن هذا المنطلق نلاحظ أن الحسنة قد نُسبت في الآيتين إلى الله تعالى لأنّه يبتدئ بالنِعَم والإحسان، بل إن تمكين الإنسان من فعل الخير نعمة وإحسان الهي إليه، بينما نسبت الآية الثانية السيئة والإخفاق الذي يصيب الإنسان إلى نفسه (4) ـ بالرغم من كونها بتقدير الله وقضائه ـ باعتباره سهيماً في ذلك وبسبب خطئه أو سوء تصرفه واختياره كما ينسب إحراق البيت إلى إهمال الخادم مع أنه بقضاء وقدَر الهي.

أما الآية الأولى فانّما تضمّنت توبيخ اليهود أو المنافقين لأنهم عندما رأوا الشدائد والمصاعب التي واجهت مجتمع المدينة بعد هجرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ وأظنها مصاعب الجهاد وافرازاته ـ فبدلاً من نسبتها إلى الله سبحانه لأنّه قدّرذلك أو فرضه عليهم ـ لمصالح معيّنة أو عقوبة بالنسبة لبعض الجماعات ـ أو على الأقل نسبتها إلى الناس بسبب كفرهم وعنادهم لله ولرسوله، نسبوها ـ ظلماً وبهتاناً ـ إلى شخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) بهدف التطيّر والطعن فيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضمن أساليبهم الخبيثة لإبعاد الناس عن الرسول اقتداءً بأسلافهم فيما حكاه الله عنهم بقولـه: ((فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَه)). وكذلك قوم صالح حيث اعتبروا صالحاً شؤماً عليهم: ((قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ)). فكان من الطبيعي أن يواجهوا التوبيخ الإلهي على موقفهم وبهتانهم: ((فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)).

 

((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)) (82). 

س 193 ـ كيف يفرض عدم الاختلاف ميزة قرآنية مع أنّ هناك كتباً آخرى خالية من الاختلاف؟

ج ـ هدف الآية الكريمة إثبات انتساب القرآن لله وعدم كونه من إنشاء (محمد) لأنه لو كان جهداً بشرياً لبرز فيه اختلاف كثير. وتظهر أهمية عدم اختلاف القرآن وتميّزه من خلال ملاحظة ما يلي:

أ ـ تشعّب المواضيع والعلوم التي تضمّنها القرآن، حيث يشتمل على منظومة عقائدية ومجموعة كبيرة من التشريعات والحِكَم والإرشادات والقصص التاريخية وبعض المظاهر الكونية والمفاهيم الأخرى.

ب ـ عدم تصنيفه لدى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضمن كتاب وبمنهجية محدّدة بحيث يتيسّر رجوعه إليه لتجنّب الوقوع في التناقض والاختلاف.

ج ـ نزول كثير من الآيات أو أكثرها من دون تهيئة مسبقة وإنما تبعاً لأحداث طارئة أو في سفر أو حرب أو نحو ذلك، مما لا يسمح بالتمعن ومراجعة ما نزل منه سابقاً لتفادي التناقض في مضمونه.

د ـ تكرر التحدث فيه عن كثير من المواضيع التي تناولتها الآيات السابقة، وخلال فترات زمنية متباعدة ـ أكثر من عشرين عامّاً ـ مما يجعله معرّضاًَ للاضطراب والتناقض لو كان نتاجاً بشرياًَ.

هـ ـ صدوره من غير متعلّم أو غير متخصّص ـ على الأقل ـ رغم ما تضمنّه من العلوم والمعارف المتنوّعة والعميقة، كما أشار إليه قولـه تعالى: ((وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)).

و ـ عدم التذبذب في مستواه الفني والبلاغي، وعدم تطوّر أسلوبه رغم نزوله خلال عشرين عاماً أو أكثر(5).

 

((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً))(83). 

س 194 ـ لماذا ينكر عليهم إذاعة ذلك مع أنه لم يُشر إلى كونهم مأمورين بإخفائه؟

ج ـ يبدو أن الآية تشير إلى سذاجة هؤلاء وعدم وعيهم حيث كانوا يتداولون الإشاعات التي يبثها الأعداء وينشرونها بين الناس، وكذلك يشيعون ما لا تسمح الظروف بنشره من أحداث تواجه المسلمين، بدلاً من مراجعة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) أو من يعتمدهم (صلى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك والتقيّد بتوجيهاته باعتباره القائد العارف بالأمور والصالح العام للمسلمين.

 

س 195 ـ كيف يصح قولـه ((إِلاَّ قَلِيلاً))الذي يدل على أن عدم اتباع هؤلاء القليل للشيطان لم يكن بفضل الله ورحمته؟

ج ـ كلا، لأن فضل الله الذي تشير إليه الآية هو الفضل الإلهي الإضافي الذي شمل حال الأغلبية التي ضعفت أمام إرهاصات المرجفين، ولذلك قال ((فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ))، ومن الطبيعي أن يختص هذا الفضل بغير أولئك القليل الذين هم ثابتون أساساً وان كان استقامة تلك القلة بفضل الله أيضاً ـ لأن هداية كل شخص بفضله تعالى وتوفيقه ـ لكنه فضل الهي آخر خاص بهم استحقوه لتميزهم غير الذي تشير إليه الآية. 

 

((... وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا... فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ...))(92). 

س 196ـ هل العداوة مع عشيرة القتيل وقومه تسقط الدية عن أهل القاتل كما تشير إليه الآية حيث اكتفت بتحرير الرقبة؟

ج ـ المقصود من القتيل هنا المسلمُ الذي قومه كفار حرّبيون، فانّهم أعداء المسلمين، وفي الحديث عن مسعدة بن صدقة قال: ((سئل جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قول الله... ((فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ)) قال: ((وإن كان من أهل الشرك الذين ليس لهم في الصلح، وهو مؤمن فتحرير رقبة{مؤمنة}فيما بينه وبين الله، وليس عليه الدية..)) (6).

أي لا يدفع قاتله ديته إلى ذويه وهم كفار حربيون، بل يكفيه عتق رقبة بسبب قتل الخطأ.

 

((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا))(93). 

س 197ـ كيف ينسجم مدلول الآية مع ما يقال من عدم خلود أهل الكبائر من المؤمنين؟

ج ـ الآية دلّت على استحقاق القاتل المتعمّد للخلود في النار، وهو لا يمنع من قبول شفاعة الشافعين فيه وأن تناله الرحمة الإلهية، كما لا يمنع من غفران الله ذنبه إذا تاب توبةً صادقةً.

 

((لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا))(95 ـ 96). 

س 198 ـ القاعدون عن الجهاد غير أولي الضرر عصاة بقعودهم عن الجهاد فكيف يقول: ((وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى))؟

ج ـ الجهاد واجب كفائي بمعنى انه إذا تصدى له العدد الكافي لإدارة الحرب والنصر يسقط وجوبه عن الباقين ولا يكونون من العصاة، فالتفضيل في الآية للمبادرين إلى الجهاد ـ الذين تكتفي بهم ساحات الجهاد ـ على هؤلاء القاعدين لا على القاعدين الذين تحتاج إليهم ساحة الجهاد ويتخلفون عنها، فان هؤلاء عصاة موعودون بالعقاب الإلهي لا الحسنى.

 

س 199 ـ كيف فضل الله المجاهدين درجةًً مرّة ودرجاتٍ أخرى؟

ج ـ ليس المقصود درجة واحدة، وإنمّا الدرجة بمعنى المنزلة أي إنهم أعلى منزلةً من القاعدين، كما في قولـه تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ)) وبعد ذلك أوضح الله سبحانه أنّ الفارق بين المنزلتين كبير، وأنّ المجاهدين أفضل بمراتب من القاعدين.

 

((إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)) (98 ـ 99). 

س 200 ـ إذا كان هؤلاء المستضعفون من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون الخروج من مكة فلا يكون تركهم الهجرة ذنباً حتى يغفره الله لهم؟

ج ـ يبدو أن هؤلاء لم يكونوا عاجزين تماماً عن الهجرة، وإنما تواجههم صعوبات شتى أو يخشون الضرر والإيذاء مثل العباس بن عبد المطلب ـ كما في بعض الروايات ـ، وذلك قد لا يكون عذراً شرعياً لبعضهم في ترك الهجرة، خاصة أنّه لم يثبت ـ تاريخياً ـ أن المشركين كانوا يقتلون أولئك المستضعفين، وإنما يحبسونهم ويضيقون عليهم، كما روي عما لاقاه عبد الله بن سهيل بن عمرو وغيره بسبب الإسلام من الحبس والمضايقات من أهاليهم في مكة، فكان بعضهم يفضل البقاء في مكة ـ رغم المضايقات ـ على الهجرة والتغرب.

 

((وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا))(101). 

س 201 ـ ما هو الارتباط بين فتنة الكافرين وقصر الصلاة؟

ج ـ الفتنة هنا بمعنى القتل ونحوه، والآية تشير إلى صلاة الخوف، وقصر ركعاتها بسبب الخطر الذي يواجه المصلّين، وقد فصّل الفقهاء أحكام صلاة الخوف في الكتب الفقهية. كما تشير الآية اللاحقة إلى كيفية الصلاة جماعة في مواجهة الأعداء في ساحة الجهاد. مما يكشف عن مدى أهمّية الصلاة والمحافظة عليها وعلى آدابها ومستحباتها، إلاّ أنّ من المؤسف أن نرى إهمال كثير من المسلمين لرعايتها بل ولأدائها متجاهلين أنها عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدّت رُدّ ما سواها.

 

((فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا))(103). 

س 202ـ هل يجب على المجاهد بعد أداء الصلاة ذكر الله كما قال: ((فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ))؟

ج ـ كلا، ولكنّه إشارة ـ فيما يبدو ـ إلى أهمية ذكر الله والمداومة عليه حين الجهاد، لما له من تأثير في النصر الإلهي، ولأنّه يساهم في شدّة عزيمة المجاهدين وتذكيرهم بالله تعالى، فالآيـة نظير قولـه تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)).

 

س 203ـ هل يجب على المجاهد إعادة الصلاة الاضطرارية التي صلاها في ساحة الجهاد بعد انتهاء المعارك كما يُوحي به قولـه تعالى: ((فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ))؟

ج ـ كلا، وإنما هذه الفقرة إشارة إلى أن الصلاة الاضطرارية الفاقدة لبعض الأجزاء أو الشروط إنما تصحّ في ساحات الجهاد حيث يواجه المجاهدون خطر الأعداء، أما بعد الاطمئنان وانتهاء المعارك فيجب إتيان الصلوات الآتية تامة الأجزاء والشروط، كما يوحي بذلك قولـه: ((فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ)). فانّ إقامة الصلاة إتيانها تامة الأجزاء والشروط.

 

((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا))(105، 106، 107).  

س 204ـ ألا تدلّ هذه الآيات على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد ارتكب ذنباً بدفاعه عن الخائنين، ولذلك نهاه الله تعالى عن المخاصمة والجدال دفاعاً عنهم وأمَره بالاستغفار؟

ج ـ هذه الآيات وما بعدها توحي أنّ بعض المنافقين أو نحوهم حاول الدفاع عن نفسه أو عن بعض المعتدين أو المذنبين وإتهام بعض الأبرياء أمام

الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) ملفقاً حججاً كاذبة لإثبات ادعائه الباطل، محاولاً أن يكسب موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى جانبه بعد أن خدع غيره بذلك ـ كما يشير إليه قولـه تعالى ـ فيما بعد ـ: ((هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) ـ إلاّ أن الله سبحانه أرشد رسوله إلى الحقيقة، كما يشير إليه قولـه تعالى ـ فيما بعد ـ: ((وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ...))(7) وهكذا يتضح من مجموع هذه الآيات أنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ بفضل الله ورحمته ـ لم يقف إلى جانب المعتدين.

وأما الاستغفار فهو لا يعني صدور المعصية، لأنه يستعمل كثيراً ـ في القرآن وغيره ـ في حالات مخالفة الأَولى وكلّ ما لا يناسب شأن الشخص أو عند عدم إصابة الحق، فربّما يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد مال إلى التصديق ببراءة هؤلاء الخائنين، فأرشده الله إلى الحقيقة بفضله ورحمته. فيكون الاستغفار على مجّرد الميل النفسي المذكور وإن لم يكن معصية، لأن مقامه (صلى الله عليه وآله وسلّم) يتطلب منه الاستغفار على ذلك ، كما ورد أنّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين.

 

((وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا))(110). 

س 205 ـ ما فائدة قولـه: ((أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ)) مع أنّه من السوء أيضاً؟

ج ـ لعـلّ المراد من السـوء معناه العـرفي مثـل الاعتداء والسـرقة والخيـانة ـ وهو المورد الذي نزلت فيه هذه الآيات ـ و(ظلم النفس) كلّ معصية يفعلها الإنسان، لأنّه يكون ظالماً لنفسه في عصيانه، فالآية تشير إلى أن باب التوبة والمغفرة مفتوح أمام هؤلاء المعتدين والخائنين ـ مورد نزول الآيات ـ بل مفتوح أمام كلّ من يظلم نفسه أي كل العصاة.

 

((وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا))(112). 

س 206ـ ما الفرق بين الإثم والخطيئة؟

ج ـ لعلّ لفظ الخطيئة ـ باعتباره على صيغة المبالغة ((فعيل)) إشارة للذنوب الكبيرة، والإثم إشارة إلى للذنوب الأخرى. والله العالم.

 

((إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا))(117). 

س 207 ـ كيف يقول: ((إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا))مع أن بعضهم لم يكن يعبد الإناث مثل: (هُبَل)؟

ج ـ قيل في تفسير ذلك عدة آراء:

الأول: أنّ المقصود من الإناث الأموات، لأن العرب تصف الضعيف بالأنوثة(8).

الثاني: ان المراد بها الأوثان وكانوا يسمونها باسم الإناث، قال الحسن: لم يكن حيّ من أحياء العرب إلاّ ولهم صنم يعبدونه، ويسمّونه أُنثى بني فلان(9).

أقول: ولعلّ الآية جاءت من باب التغليب، لأن اكثر آلهتهم بأسماء الإناث.

 

س 208 ـ كيف ينسجم قولـه: ((وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا)). مع قولـه: (( إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا))؟

ج ـ بما انّ عبادة الأصنام ـ التي يسمونها في الغالب تسمية الإناث ـ بإيحاء وإغراء من الشيطان، فتكون دعوتهم هذه دعوةً للشيطان، في مقابل دعوة الرحمن.

 

((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا))(124). 

س 209ـ كيف خصّ هؤلاء بأنهم(( وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)) ، مع أنّ ذلك لا يـختص بهم فكل إنسان مؤمن أو كافر لا يظلم يوم القيامة نقيراً؟

ج ـ يمكن أن يكون قولـه: ((وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)) راجعاً لمن يعمل الصالحات ولمن يعمل سوءاً المذكورين في الآية السابقة.

ولو فرضنا رجوعَه لخصوص الصالحين فهو للإشارة إلى أنهم لا يُحرمون من ثوابهم شيئاً ـ على اختلاف مراتبهم ـ وهو لا يعني ثبوت الظلم في حق غيرهم، خصوصاً انّ الآية السابقة التي تحدثت عمن يعمل السوء أشارت إلى أنهم يجازَوْن بما يستحقّه عملهم ((مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)).

 

((وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ...))(127). 

س 210 ـ ما هو الذي كتب لهنّ ومُتعن منه؟

ج ـ هناك عدة آراء للمفسر ين:

(منها): أنّ أهل الجاهلية كانوا لا يورّثون الأولاد حتى يكبروا ولا يورّثون النساء، وكانوا يقولون: لا نورّث إلاّ من قاتل ودَفع عن الحريم، فنزلت الآية تنهى عن ذلك.

(ومنها): انّ بعض الصحابة كانت عنده بنت عم عمياء دميمة وقد ورثت عن أبيها مالاً، فكان يرغب عن نكاحها ولا يزوجّها لغيره خشية أن يذهب زوجها بمالها، فسأل النبيَّ عن ذلك فنزلت الآية تنهى عن حبسها ومنعها من التزويج(10). 

 

((وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا))(128). 

س 211 ـ ما فائدة قولـه ((صُلْحًا)) مع أنه مفهوم من خلال قولـه ((أَن يُصْلِحَا))؟

ج ـ بما انّ الآية ترتبط بتنازل الزوجة التي يروم زوجها طلاقها عن بعض حقوقها، بهدف صلاح ذات بينهما، لأنّ الصلح خير من انفصالهما، فكان من المناسب التأكيد على أن هذا الاتفاق يفترض أن يكون برضاهما على أساس المصالحة بينهما من دون فرض على أحدهما، لذلك أكدّه بقولـه: ((صُلْحًا)).

 

س 212 ـ ما معنى قولـه: ((وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ))؟

ج ـ إشارة ـ فيما يبدو ـ إلى الطبيعة الإنسانية في حرصها ورغبتها في الاقتناء، وعدم ميلها للبذل والعطاء.

 

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ...))(136). 

س 213 ـ ما معنى أمر المؤمنين بالإيمان بالله والكتب السماوية؟

ج ـ هناك عدّة آراء في تفسير هذه الآية:

الرأي الأول: أنه خطاب لأهل الكتاب بأن يؤمنوا بكلّ ذلك ولا يقتصروا على الإيمان ببعضها.

الرأي الثاني: أنه خطاب للمنافقين الذين يؤمنون بألسنتهم أن يؤمنوا عن عقيدة.

الرأي الثالث: أنه خطاب للمؤمنين أن يستمروا في إيمانهم ويثبتوا عليه، كما قيل في تفسير قولـه تعالى: ((اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)) ـ من سورة الفاتحة ـ انه بمعنى الدعاء باستمرار الهداية إلى الصراط المستقيم.

لكن الذي يبدو من الآية انّ الخطاب فيها للمؤمنين بهدف التأكيد أن الإيمان بهذه الأمور كلٌّ لا يتجزأ، فلا يقبل الإيمان ببعضها، لأنه ناقص. وفي ذلك تعريض بأهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض نظير قولـه تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)) (11).

 

 

((الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً))(141). 

س 214 ـ كيف يقول المنافقون للكافرين ((أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ))مع أنهم لم يسيطروا على الكافرين؟

ج ـ ليس الاستحواذ هنا بمعنى الغلبة، بل بمعنى طلب المحافظة، لأن حاذ، بمعنى حافَظ، قال ابن منظور: وفي حديث الصلاة: فمن فرّغ لها قلبه وحاذ عليها فهو مؤمن أي حافظ عليها(12). فالمنافقون يذكّرون الكافرين بموقفهم في المحافظة عليهم، من خلال نفاقهم وكيدهم للمؤمنين.

 

س 215ـ كيف يقول: ((وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً))مع أن الغلبة قد تكون للكافرين أحياناًَ منذ صدر الإسلام إلى عصرنا الحاضر؟

 ج ـ يبدو أنّ المقصود ليس هو الغلبة العسكرية، لأنّ صدر الآية يشير إلى غلبة الكافرين أحياناً، وإنما هو الولاية في التشريع أو الغلبة في الحجة والبرهان أو انّ المقصود بها الفوز في الآخرة.

 

((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقولـهمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً * وَبِكُفْرِهِمْ وَقولـهمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا))(155- 156). 

س 216 ـ ما الفائدة في إعادة قولـه: ((كُفْرِهِم))؟

ج ـ الكفر الأول جحودهم بآيات الله ودلائله على صدق أنبياء بني إسرائيل، والكفر الثاني كأنه إشارة إلى إنكارهم نبوّة عيسى (عليه السلام). وبما انّ الآيات الكريمة هنا بصدد الإشارة إلى مواقفهم السلبية المختلفة لذلك أشارت إلى كلا الكفرين. 

 

((وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا))(159). 

س 217ـ اليهود من ضمن أهل الكتاب وهم لم يؤمنوا بعيسى (عليه السلام) ولا يؤمنون به فكيف يقول: ((وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ))؟

ج ـ لعلّه إشارة إلى نزول عيسى (عليه السلام) إلى الأرض في آخر الزمان مع المهدي (عليه السلام) حيث يؤمن به كل الناس حتى اليهود، وعلى هذا الوجه يكون المقصود قبل موت عيسى (عليه السلام).

 

((فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا))(160). 

س 218ـ بما انّ الأحكام الإلهية تابعة للمصالح فكيف يحرّم عليهم الحلال مع عدم المصلحة في التحريم؟

ج ـ مقتضى المصلحة هي الحلّية بالنسبة للفعل بحدّ ذاته، لأنه من الطيّبات، لكن بملاحظة ظلمهم وصدّهم عن سبيل الله تكون المصلحة في تحريم هذه الطيّبات عليهم إمّا عقوبةً وتشديداً عليهم ليتضرّعوا إلى الله ويرتدعوا عن سلوكهم السيء أو لتهذيب نفوسهم وتربيتها على الطاعة ونبذ العصيان الذي اعتادوا عليه. 

 

((لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ))(162). 

س 219ـ كيف يعتبرهم من أهل الكتاب مع أنهم قد أسلموا وآمنوا بالقرآن الكريم؟

ج ـ هذا تعبير شائع في اللغة باعتبار حالتهم قبل الإسلام، خاصة مع قرب عهدهم بانتسابهم إلى دينهم السابق، كما تقول عمّن أسلم من اليهود: فلان مُنصف من بين اليهود.

 

((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا))(163). 

س 220ـ لماذا قال: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ))مع أنّ هؤلاء كلّهم بعد نوح فيشملهم قولـه: ((وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ))؟

ج ـ لعلّ ذلك باعتبار انّ إبراهيم (عليه السلام) جاء بالحنيفيّة، فيمثّل مرحلة جديدة ومتميزة في تاريخ الأنبياء، ولذلك تم التأكيد في الآيات والروايات على ذكر إبراهيم (عليه السلام) وآل إبراهيم.

 

 ((لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا))(166). 

س 221ـ ما الفائدة من ذكرِ شهادة الله والملائكة مع أنّ الكافرين لا يصدّقون الرسول في ادعائه؟

ج ـ الآية ليست بصدد الاحتجاج على الكافرين، وإنما هي تسلية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتذكير وتثبيت للمؤمنين، لأن الخطاب القرآني كما يستهدف محاججة الكافرين والجاحدين يستهدف تسلية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتثبيت المؤمنين أيضاً.

 

 ((إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً))(171). 

س 222ـ ما معنى أنّ عيسى بن مريم كلمة الله؟

ج ـ كأن ذلك إشارة إلى أن خلقه خلا من المقدمات الطبيعية لخلق البشر، بل من خلال إرادة الله وكلمته التي يرمز إليها القرآن بلفظة (كن). فوُصف بمنشأ وجوده، باعتباره أثرها.

 

س 223ـ على هذا يصح تسمية آدم بكلمة الله، لأنه وُلد كذلك من غير مقدمات الخلق العادية للبشر؟

ج ـ التسمية تصح لأدنى مناسبة. وإن كان هناك فرق بين آدم (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام)، لأن آدم خُلق من مادة الطين بخلاف عيسى، لذلك كان أولى بهذا الوصف ((كلمة الله)) وبسبب التصريح بخلق آدم من طين لم يتوهم أحد الوهيتّه، بينما نسبها الجاهلون لعيسى (عليه السلام).

 

س 224ـ ما معنى قولـه: ((رُوحٌ مِّنْهُ)) حتى عُرف عيسى بكونه روح الله، ألا يوحي ذلك بمسحة الألوهية فيه؟

ج ـ كلا، لأن الروح هنا الوجود الحياتي الذي منشؤه ومانحه الله تعالى، كما منحه لآدم (عليه السلام) حيث قال: ((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ)) ومع ذلك لم يتوهم الألوهية في حق آدم (عليه السلام).

 

ــــــــــــــــــ

(1) يراجع مجمع البيان:3/10.

(2) وسائل الشيعة 14/186 الباب 68 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

(3) تفسير العياشي:1/254.

(4) حيث ذهب بعض المفسرين إلى أن الخطاب في قوله تعالى: ( وما أصابك من سيئة فمن نفسك) هو الانسان بينما ذهب آخرون إلى ان المخاطب هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم). وعلى كل حال فيكون المراد من السيئة ما يسوء الانسان مثل المصاعب التي يواجهها في الحياة.

(5) لمعرفة المزيد من دلائل الإعجاز القرآني يراجع مبحث إعجاز القرآن من كتابنا: ((علوم القرآن دروس منهجية))

(6) تفسير العياشي:1/289.

(7) آل عمران: 113.

(8) يراجع التفسير الكاشف:2/439.

(9) يراجع التفسير الكبير:6/46.

(10) راجع مجمع البيان: 3/180-181.

(11) سورة النساء: 150- 151.

(12) لسان العرب: 3 / 486.

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336371

  • التاريخ : 28/03/2024 - 22:01

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net