00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (166 - 176) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 166 - 176

[ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملئكة يشهدون وكفى بالله شهيدا(166) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضللا بعيدا(167) إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا(168) ]

القرون(1) ومضت الدهور، ونسلت الاباء، وخلفت الابناء، إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله)(2). وكان الله عزيزا: لا يغلب فيما يريده.

حكيما: فيما دبر من أمر النبوة، وخص كل نبي بنوع من الوحي والاعجاز.

لكن الله يشهد بمآ أنزل إليك: استدراك عن مفهوم ما قبله، فكأنه لما تعنتوا عليه بسؤال كتاب ينزل عليهم من السماء، واحتج عليهم " إنا أو حينا إليك " قال: إنهم لا يشهدون ولكن الله يشهد، أو إنهم أنكروه ولكن الله يبينه ويقرره بما أنزل إليك من القرآن المعجز الدال على نبوتك.

نقل: أنه لما نزل " إنا أو حينا إليك " قالوا: ما نشهد لك، فنزلت.

أنزله بعلمه: متلبسا بعلمه الخاص به، وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كل بيلغ بحال، أو من استعد للنبوة واستأهل نزول الكتاب عليه، أو بعلمه الذي يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم.

والجار والمجرور على الاولين حال عن الفاعل، وعلى الثالث حال عن الفعول،

___________________________________

(1) نسلت، بالبناء للمجهول، ولدت، وبالبناء للفاعل، مضت متتابعة.

(2) نهج البلاغة ط بيروت: ص 43 ومن خطبة له (عليه السلام) يذكر فيها ابتداء خلق السماء والارض وخلق آدم. (*)

[691]

[ إلا طريق جهنم خلدين فيهآ أبدا وكان ذلك على الله يسيرا(169) يأيها الناس قد جآئكم الرسول بالحق من ربكم فامنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن الله ما في السموت والارض وكان الله عليما حكيما(170) ]

والجملة كالتفسير لما قبلها. والملئكة يشهدون: أيضا بنبوتك.

وكفى بالله شهيدا: وإن لم يشهد غيره، أو كفى بما أقام من الحجج على صحة نبوتك عن إشهاد بغيره.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنما انزلت " لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا "(1). إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضللا بعيدا: لانهم جمعوا بين الضلال والاضلال، ولان المضل يكون اعرق في الظلال وأبعد من الانقلاع عنه.

إن الذين كفروا وظلموا: جمعوا بينهما، والظلم أعم من الظلم عليه وعلى غيره إذا اجتمع مع الكفر.

لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خلدين فيهآ أبدا: حال مقدرة.

وكان ذلك على الله يسيرا: لا يصعب عليه.

في تفسير علي بن إبراهيم: وقرأ أبوعبدالله (عليه السلام) " إن الذين كفروا

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 3 في تفسيره لآية 166 من سورة النساء. (*)

[692]

وظلموا " (آل محمد حقهم) الآية(1).

وفي اصول الكافي: أحمد بن مهران، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية هكذا " إن الذين كفروا - وظلموا آل محمد حقهم - لم يكن الله " الآية(2). وفي تفسير العياشي مثله(3).

يأيها الناس قد جآء‌كم الرسول بالحق من ربكم: قيل: لما قرر أمر النبوة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها، وأوعد من أنكرها، خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالاجابة، والوعيد على الرد(4).

فامنوا خيرا لكم: أي إيمانا خيرا لكم، أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم عليه.

وقيل: تقديره يكن الايمان خيرا لكم، ومنعه البصريون، لان (كان) لا يحذف مع اسمه إلا فيما لابد منه، ولانه يؤدي إلى حذف الشرط وجوابه(5).

وإن تكفروا فإن لله ما في السموت والارض: فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم، ونبه على غناه بقوله " ولله مافي السماوات والارض " وهو ما اشتملتا عليه وما تركبتا منه.

وكان الله عليما: بأحوالهم. حكيما: فيما دبر لهم.

وفي اصول الكافي في تتمة الخبر الاول(6).

وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام) " قد جاء كم الرسول بالحق - في ولاية علي - فآمنوا خيرا لكم وأن تكفروا " - بولاية علي - الآية(7).

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 6 في تفسيره لآية 169 من سورة النساء.

(2) الكافي: ج 1 ص 424 كتاب الحجة باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 59 وفيه (إن الذين ظلموا - آل محمد حقهم - لم يكن الله الآية).

(3 و 7) تفسير العياشي: ج 1 ص 285 قطعة من ح 307.

(4 و 5) قال البيضاوي: ج 1 ص 257 في تفسيره لآية 170 من سورة النساء.

(6) الكافي: ج 1 ص 424 كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ذيل ح 59. (*)

[693]

[ يأهل الكتب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقهآ إلى مريم وروح منه فئامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله وحد سبحنه أن يكون له ولد له ما في السموت وما في الارض وكفى بالله وكيلا(171) لن يستنكف المسيح أن يكون عبدالله ولا الملئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا(172) ]

يأهل الكتب لا تغلوا في دينكم: قيل: الخطاب للفريقين، غلت اليهود في حط عيسى حتى رموه بأنه ولد لغير رشده، والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلها. وقيل: للنصارى خاصة، وهو أوفق بقوله(1).

ولا تقولوا على الله إلا الحق: يعنى تنزيهه عن الشريك والصاحبة والولد.

إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقهآ إلى مريم: أوصلها إليها وحصلها فيها.

في مجمع البيان: وعيسى (عليه السلام) ممسوح البدن من الادناس والآثام كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: ثم قال: وصور ابن مريم في الرجل دون الصلب وإن

___________________________________

(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 257 في تفسيره لآية 171 من سورة النساء.

(2) مجمع البيان: ج 3 ص 144 في بيان لغة (المسيح) في آية 171 من سورة النساء. (*)

[694]

كان مخلوقا في أصلاب الانبياء (عليهم السلام)(1).

وروح منه: ذو روح صدر عنه لا بتوسط ما يجري مجرى الاصل والمادة.

وقيل: سمي روحا، لانه كان يحيى الاموات والقلوب(2).

وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة، عن حمران قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله: " وروح منه " قال: هي روح مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى(3).

وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى أبي جعفر الاصم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الروح التي في آدم والتي في عيسى ما هما؟ قال: روحان مخلوقان، اختارهما واصطفاهما روح آدم وروح عيسى (عليهما السلام)(4).

فئامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلثة: أي الآلهة ثلاثة، الله والمسيح وامه، ويشهد له قوله: " أء‌نت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله "(5).

أو " الله " ثلاثة، إن صح أنهم يقولون: الله ثلاثة أقانيم(6)، الاب والابن وروح القدس: ويريدون بالاب الذات، وبالابن العلم، وبروح القدس الحياة. انتهوا: عن التثليث.

خيرا لكم: اقصدوا خيرا لكم، وهو التوحيد.

إنما الله إله وحد: أي واحد بالذات لا تعدد فيه بوجه ما.

سبحنه أن يكون له ولد: سبحه تسبيحا من أن يكون له ولد، كيف والولد لابد أن يكون مماثلا للوالد، تعالى الله عن أن يكون له مماثل ومعادل.

له ما في السموت وما في الارض: ملكا وخلقا، لا يماثله شئ من ذلك

___________________________________

(1) لم نعثر عليه في تفسير القمي ونقلناه عن تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 577 ح 687.

(2) نقله البيضاوي: ج 1 ص 258 في تفسيره لآية 171 من سورة النساء.

(3) الكافي: ج 1 ص 133 كتاب التوحيد، باب الروح 2.

(4) كتاب التوحيد: ص 172 باب 27 معنى قوله (عزوجل): ونفخت فيه من روحي، ح 4.

(5) المائدة: 116.

(6) الاقانيم: الاصول واحدها اقنوم، قال الجوهري: واحسبها رومية (لسان العرب: ج 12 ص 496). (*)

[695]

فيتخذه ولدا.

وكفى بالله وكيلا: تنبيه على غناه عن الولد، فإن الحاجة إلى الولد ليكون وكيلا لابيه، والله سبحانه قائم بحفظ الاشياء كاف في ذلك مستغن عمن يخلفه أو يعينه.

لن يستنكف المسيح: لن يأنف، من نكفت الدمع، إذا نحيته باصبعك كيلا يرى أثره على وجهك.

أن يكون عبدالله: من أن يكون عبدا له، فإن عبوديته شرف يتباهى به، وإنما المذلة والاستنكاف في عبودية غيره.

في مجمع البيان: روي أن وقد نجران قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمد لم تعيب صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى، قال: وأي شئ أقول فيه؟ قالوا: إنه عبدالله ورسوله فنزلت الآية(1).

ولا الملئكة المقربون: عطف على المسيح، أي ولن يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيدالله.

في كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي تختم باليمين تكن من المقربين، قال: يا رسول الله وما المقربون؟ قال: جبرائيل وميكائيل(2).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكيا عن جبرئيل (عليه السلام): أن بين الله وبين خلقه تسعين ألف حجاب، وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل، وبيننا وبينه أربعة حجب، حجاب من نور، وحجاب

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 3 ص 146 في شأن نزول آية 172 من سورة النساء.

(2) علل الشرائع: ج 1 ص 152 باب 127 علة تختم أميرالمؤمنين (عليه السلام) في يمينه، ح 3 وتمام الحديث (قال: بما اتختم يا رسول الله؟ قال: بالعقيق الاحمر، فإنه أقر لله (عزوجل) بالوحدانية ولي بالنبوة ولك يا علي بالوصية ولولدك بالامامة ولمحبيك بالجنة ولشيعة ولدك بالفردوس). (*)

[696]

من ظلمه، وحجاب من الغمام، وحجاب من الماء(1).

واحتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الانبياء، وقال: مساقة لرد النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية، وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه.

وجوابه أن الآية للرد على عبدة المسيح والملائكة، فلا يتجه ذلك، وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار آخر دون التكبير(2)، كقولك: أصبح الامير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس(3).

وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل، وفيه يقول (عليه السلام): لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثم قيل: ادن يا محمد فقلت: أتقدم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟ قال: نعم، إن الله (عزوجل) فضل أنبياء المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلك أنت خاصة، فدنوت وصليت بأهل السماء الرابعة(4).

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل، وفيه قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن علي هو أفضل أم ملائكة الله المقربون؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعلي وقبولها لولايتهما، أنه لا أحد من محبي علي (عليه السلام) قد نظف

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 10 س 2 في تفسيره لآية 1 من سورد بني إسرائيل.

(2) قوله: (باعتبار التكثير دون التكبير) الاول بالثاء المثلثة، والثاني بالباء الموحدة، يعني أن المبالغة تحصل في المعطوف باعتبار الكثرة دون الكبر والعظمة، يعني: لن يستنكف المسيح وهو شخص واحد ولا الاشخاص الكثيرة التي هم الملائكة المقربون (من حاشية الكازروني على تفسير البيضاوي).

(3) الاحتجاج والجواب من البيضاوي: ج 1 ص 258 في تفسيره لآية 172 من سورة النساء.

(4) علل الشرائع: ج 1 ص 6، باب 7 العلة التي من أجلها صارت الانبياء والرسل والحجج (صلوات الله عليهم) أفضل من الملائكة س 8 والحديث منقول عن أميرالمؤمنين (عليه السلام)، ولفظه: (وأنه لما عرج لي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ثم قال إلخ). (*)

[697]

قلبه من قذر (الغش والدغل ونجاسات الذنوب)(1) إلا كان أطهر وأفضل من الملائكة(2).

وفي كتاب كمال الدين وتمام العمة: بإسناده إلى المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما اسري بي إلى السماء أوحى إلي ربي (رجل جلاله)، فقال: يا محمد إني اطلعت على الارض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا، وشققت لك من اسمي اسما، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك، وشققت له اسما من اسمائي، فأنا العلي الاعلى وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوري ثم عرضت ولا يتهم على الملائكة، فمن قلبها كان عندي من المقربين،(3) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أمالي الصدوق (رحمه الله): بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل يذكر فيه فاطمة (عليها السلام)، وفيه: فإنها تقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين وينادونها بمانادت به الملائكة مريم(4).

ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر: يترفع عنها، والاستكبار دون الاستنكاف، وإنما يستعمل حيث لا استحقاق، بخلاف التكبر فإنه قد يكون باستحقاق، كما هو في الله سبحانه.

فسيحشرهم إليه جميعا: المستنكف والمستكبر، والمقر بالعبودية، فيجازيهم على حسب أحوالهم.

___________________________________

(1) في النسخة أ: النشر والذعل والفعل ونجاسته الدنيوية.

(2) الاحتجاج: ج 1 ص 62 ذكر ما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاحتجاج على المنافقين في طريق تبوك وغير ذلك من كيدهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على العقبة بالليل س 2.

(3) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 252، باب 23 نص الله (تبارك وتعالى) على القائم (عليه السلام) وانه الثاني عشر من الائمة (عليهم السلام) قطعة من ح 2.

(4) أمالي الصدوق (رحمه الله): ص 394، المجلس الثالث والسبعون قطعة من ح 18. (*)

[698]

[ فأما الذين ء‌امنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم ويزيدهم - من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا(173) يأيها الناس قد جآء‌كم برهن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا(174) فأما الذين ء‌امنوا بالله واعتصموا به فسيد خلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صرطا مستقيما(175) ]

فأما الذين ء‌امنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا: تفصيل للمجازاة المدلول عليها من فحوى الكلام، وكأنه قال: فسيحشرهم إليه جميعا يوم يحشر العباد للمجازاة، أو لمجازاة المستنكف والمستكبر، فإن إثابة مقابليهم، والاحسان إليهم تعذيب لهم بالغم والحسرة.

يأيها الناس قد جآء‌كم برهن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا: قيل: المراد بالبرهان المعجزات، وبالنور القرآن، أي جاء كم دلائل العقل، وشواهد النقل، ولم يبق لكم عذر ولا علة(1).

وقيل: البرهان رسول الله، والنور القرآن(2).

وفي مجمع البيان: عن أبي عبدالله (عليه السلام)، النور ولاية علي (عليه السلام)(3).

___________________________________

(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 174 من سورة النساء.

(2) الدر المنثور: ج 2 ص 249 في تفسيره لآية 174 من سورة النساء نقلا عن سفيان الثوري.

(3) مجمع البيان: ج 3 ص 147 في تفسيره لآية 174. (*)

[699]

[ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكللة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثهآ إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونسآء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم(176) ]

فأما الذين ء‌امنوا بالله واعتصموا به فسيد خلهم في رحمة منه: ثواب مستحق. وفضل: وإحسان زائد عليه.

ويهديهم إليه: إلى الله، أو الموعود من الرحمة والفضل.

صرطا مستقيما: قد مر تحقيق معنى الصراط في سورة الفاتحة.

وفي تفسير العياشي: عن عبدالله بن سليمان قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام) قوله: " فد جاء كم برهان " الآية قال: البرهان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والنور علي (عليه السلام) قال: قلت له " صراطا مستقيما " قال: الصراط المستقيم علي (عليه السلام)(1).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: النور إمامة أميرالمؤمنين، والاعتصام التمسك بولايته، وولاية الائمة بعده(2).

يستفتونك: اي في الكلالة حذف لدلالة الجواب عليه.

نقل أن جابر بن عبدالله كان مريضا، فعاوده رسول الله (صلى الله عليه وآله

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 285 ح 308.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 12 في تفسيره لآية 175 من سورة النساء. (*)

[700]

وسلم) فقال: يا رسول الله إن لي كلالة، فكيف أصنع في مالي؟، فنزلت(1).

وروي في مجمع البيان ما يقرب من ذلك(2).

قل الله يفتيكم في الكللة: معنى تفسيرها في أوائل السورة.

في الكافي: عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال: إذا ترك الرجل امه أو أباه أو ابنه أو ابنته فإذا ترك واحدا من الاربعة فليس بالذي عنى الله في كتابه: " قل الله يفتيكم في الكلاله "(3).

عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي ابن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب وعبدالله بن بكير، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا ترك الرجل أباه أو امه أو ابنه أو ابنته، إذا ترك واحدا من هؤلاء الا ربعة فليس هم الذين عنى الله " قل الله يفتيكم في الكلالة "(4). (وفي الكافي علي بن إبراهيم.)(5).

إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ماترك: ارتفع " امرؤ " بفعل يفسره الظاهر، و " ليس له ولد " صفة له، أو حال من المستكن في " هلك " والواو في " وله " يحتمل الحال والعطف.

أي اخت لاب وام، أو اخت لاب، كذا عن الصادق (عليه السلام)(6). فللاخت نصف ما ترك الميت بالفرض، والباقي يرد عليها أيضا.

وهو يرثهآ: أي المرء يرث اخته جميع مالها، إن كانت الاخت هي الميتة.

___________________________________

(1) نقله البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء.

(2) مجمع البيان: ج 3 ص 149 في سبب نزول آية 176 من سورة النساء.

(3) الكافي ج 67 ص 83 كتاب المواريث ذيل ح 1.

(4) الكافي: ج 7 ص 99 كتاب المواريث ح 1.

(5) كذا في النسخة - أ، والظاهر - والله أعلم - إما ان هذا الكلام زائد من سهو الناسخ، أو أن هناك حديث أورد بعض سنده وسهى عن إكماله.

(6) الكافي: ج 7 ص 101 كتاب المواريث باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ضمن ح 3. (*)

[701]

إن لم يكن لها ولد: ولا والد، لان الكلام في ميراث الكلالة، ولان السنة دلت على أن الاخوة لا يرثون مع الاب كما تواتر عن أهل البيت (عليهم السلام)(1).

فإن كانتا اثنتين: الضمير لمن يرث بالاخوة، وتثنيته محمولة على المعنى، وفائدة الاخبار باثنتين، والتنبيه على أن الحكم باعتبار العدد، دون الصغر والكبر وغير هما.

فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونسآء فللذكر مثل حظ الانثيين: فيه تغليب، واصله: إن كانوا إخوة وأخوات، فغلب الذكر.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا مات الرجل وله اخت، تأخذ نصف الميراث بالآية كما تأخذ البنت لو كانت، والنصف الآخر يرد عليها بالرحم، إذا لم يكن للميت وارث أقرب منها، فإن كان موضع الاخت أخ، أخذ الميراث كله بالآية، لقول الله " وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " فإن كانتا اختين أخذتا الثلثين بالآية، والثلث الباقي بالرحم " وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين " وذلك كله إذا لم يكن للميت ولد، أو أبوان أو زوجة(2).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمد بن عيسى، عن يونس، عن عمر بن اذينة، عن بكير قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) فسأله عن امرأة تركت زوجها وإخوتها لامها واختها لابيها؟ فقال: للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللاخوة من الام الثلث سهمان، وللاخت من الاب السدس سهم، فقال له الرجل: فإن فرائض زيد وفرائض العامة والقضاء على غير ذلك يا أبا جعفر يقولون: للاخت من الاب ثلاثة أسهم تصير من ستة، وتعول إلى ثمانية، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلم قالوا ذلك؟ قال: لان الله (عزوجل) يقول: " وله أخت فلها نصف ما ترك " فقال أبوجعفر: فإن كانت الاخت أخا؟ قال: فليس له إلا السدس، فقال له أبوجعفر (عليه السلام): فما لكم نقصتم الاخ إن كنتم تحتجون

___________________________________

(1) وسائل الشيعة: ج 17 ص 434 كتاب الفرائض والمواريث، الباب 1 من ابواب ميراث الابوين والاولاد، فلا حظ.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 18 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء. (*)

[702]

للاخت النصف بأن الله سمى لها النصف، فإن الله قد سم للاخ الكل، والكل أكثر من النصف، لانه قال (عزوجل): " فلها النصف " وقال للاخ " وهو يرثها " يعني جميع مالها " إن لم يكن لها ولد ".

فلا تعطون الذي جعل الذي الله له الجميع في بعض فرائضكم شيئا، وتعطون الذي جعل الله له النصف تاما؟ فقال له الرجل: أصلحك الله فكيف تعطى الاخت النصف ولا يعطى الذكر لوكانت هي ذكرا شيئا؟ فقال: تقولون في ام وزوج وإخوة لام واخت لاب، يعطون الزوج النصف، والام السدس، والاخوة من الاخت من الاب النصف ثلاثة، فيجعلونها من تسعة، وهي من ستة فترتفع إلى تسعة قال: وكذلك تقولون: قال: فإن كانت الاخت ذكرا أخا لاب، قال: ليس له شئ، فقال الرجل لابي جعفر (عليه السلام) فما تقول أنت جعلت فداك؟ فقال: ليس للاخوة من الاب والام، ولا الاخوة من الام، ولا الاخوة من الاب مع (الام)(1) شئ.

قال عمر بن اذينة: وسمعته من محمد بن مسلم يرويه مثل ماذكر من بكير، المعنى سواء لست أحفظه بحروفه وتفصيله إلا معناه، قال: فذكرت ذلك لزرارة، فقال صدقا هو والله الحق(2).

محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأله رجل عن اختين وزوج؟ فقال: النصف والنصف فقال الرجل: النصف والنصف، أليس الله قد سمى المال فقال: " وهو يرثها إن لم يكن لها ولد "(3).

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن (عبدالله)(4) بن المغيرة، عن موسى بن بكر قال: قلت لزرارة: إن بكيرا حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام): إن الاخوة للاب والاخوات للاب والام يزادون وينقصون، لانهن لا يكن

___________________________________

(1) في النسخة - أ -: الاب .

(2) الكافي: ج 7 ص 102 كتاب المواريث باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ح 4.

(3) الكافي: ج 7 ص 103 كتاب المواريث، باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ص 103 ح 6.

(4) في النسخة - أ -: (عبيدالله). (*)

[703]

أكثر نصيبا من الاخوة والاخوات للاب والام لو كانوا مكانهن، لان الله (عزوجل) يقول: " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " يقول: يرثه جميع ما لها إن لم يكن لها ولد، فأعطوا من سمى الله له النصف كملا، وعمدوا فأعطوا الذي سمى الله له المال كله أقل من النصف، والمرأة لا تكون أبدا أكثر نصيبا من الرجل لو كان مكانها، قال: فقال زرارة: وهذا قائم عند أصحانا لا يختلفون فيه(1).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن اذينة، عن بكير بن أعين، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، وذكر حديثا طويلا يقول (عليه السلام) في آخرة: وفي آخر سورة النساء " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت " يعني اختا لام وأب أو اختا لاب " فلها نصف ما ترك.

وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، وإن كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين " فهم الذين يزادون (وينقصون)(2)(3).

يبين الله لكم أن تضلوا: أي يبين لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم وطبائعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه، أو يبين لكم الحق والصواب كراهة أن تضلوا.

وقال الكوفيون: لئلا تضلوا، فحذف " لا "(4).

والله بكل شئ عليم: فهو عالم بمصالح العباد في المحيى والممات.

قيل: هى آخر آية نزلت في الاحكام(5).

___________________________________

(1) الكافي: ج 7 ص 104 كتاب المواريث، باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ح 7.

(2) في النسخة أ: وينفقون.

(3) الكافي: ج 7 ص 101 كتاب المواريث، باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد قطعة من ح 3.

(4) تقديره، كراهة أن تضلوا، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو مفعول له، وقيل: تقديره، لئلا تضلوا فحذف (اللام ولا) من الكلام، لان فيما أبقى دليلا على ما ألقى والوجه الاول أوجه الوجهين (البيان لابن الانباري: ص 281).

(5) قال البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء. (*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21333415

  • التاريخ : 28/03/2024 - 11:29

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net