00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (186 - 196) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 186 - 196

[ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور(186) ]

البيت ورحمة الله وبركاته " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " إن في الله (عزوجل) عزاء ن كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا لما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فان المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم(1).

عنه: عن سلمة، عن محمد بن عيسى الارمني، عن الحسين بن علوان، عن عبدالله بن الوليد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاهم آت فوقف بباب البيت فسلم عليهم ثم قال: السلام عليكم يا آل محمد " كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " في الله خلف من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودرك لما فات فبالله فثقوا وعليه فتوكلوا وبنصره لكم عند المصيبة فارضوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولم يروا أحدا فقال بعض من في البيت: هذا ملك من السماء بعثه الله (عزوجل) إليكم ليعزيكم، وقال بعضهم: هذا الخضر (عليه السلام) جاء‌كم يعزيكم بنبيكم (صلى الله عليه وآله)(2).

لتبلون: أي والله لتختبرون.

___________________________________

(1) الكافي: ج 3 ص 221 باب التعزي ح 6.

(2) الكافي: ج 3 ص 222 باب التعزي ح 8. (*)

[310]

في أمولكم: بتكليف الانفاق، وما يصيبها من الآفات.

وأنفسكم: بالجهاد والقتل والاسر والجراح وما يرد عليها من المخاوف والامراض والمتاعب.

وفي عيون الاخبار في باب ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الاغنياء، لان الله تعالى كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى كما قال (عزوجل): " لتبلون في أموالكم " بإخراج الزكاة " وفي أنفسكم " بتوطين الانفس على الصبر(1).

والتسمعن من الذين أوتوا الكتب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا: من هجاء الرسول، والطعن في الدين، وإغراء الكفرة على المسلمين.

أخبرهم بذلك قبل وقوعها، ليوطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال، ويستعدوا للقائها، حتى لا يرهقهم نزولها.

وفي تفسيرات فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني الحسين بن الحكم معنعنا عن ابن عباس (رضي الله عنه) في يوم احد في قوله: " ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا أذى كثيرا " نزلت في رسول الله خاصة(2).

وإن تصبروا: على ذلك.

وتتقوا: مخالفة أمرالله.

فإن ذالك: يعني الصبر والتقوى.

من عزم الامور: معزومات الامور التي يجب العزم عليها.

أو مما عزم الله عليه، أي أمر به وبالغ فيه والعزم في الاصل ثبات الرأي على الشئ نحو إمضائه.

وفي تفسير العياشي: عن أبي خالد الكابلي قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): لوددت أنه اذن لي فكلمت الناس ثلاثا، ثم صنع الله بي ما أحب، قال

___________________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 89 باب 33 في ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل، ح 1.

(2) تفسير فرات الكوفي: ص 19. (*)

[311]

[ وإذ أخذ الله ميثق الذين أوتوا الكتب لتبيننه، للناس ولا تكتمونه فنبذوه ورآء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون(187) ]

بيده على صدره، ثم قال: ولكنها عزمة من الله أن نصبر، ثم تلا هذه الآية: " والتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور " وأقبل يرفع يده ويضعها على صدره(1).

وإذ أخذ الله: أي اذكر وقت أخذه.

ميثق الذين أوتوا الكتب: يريد به العلماء.

لتبيننه، للناس ولا تكتمونه: حكاية لمخاطبتهم.

وقرأ ابن كثير وأبوعمرو وعاصم في رواية ابن عياش، بالياء، لانهم غيب.

واللام جواب القسم الذي ناب عنه قوله: " أخذ الله ميثاق الذين " والضمير للكتاب.

والمراد بيان مافيه من نعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فنبذوه: أي الميثاق.

ورآء ظهورهم: فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه.

والنبذ وراء الظهر، مثل في ترك الاعتداد، وعدم الالتفات.

ونقيضه جعله نصب عينيه، وإلقاؤه بين عينيه.

واشتروا به: وأخذوا بدله. ثمنا قليلا. من حطام الدنيا وأغراضها.

فبئس ما يشترون: ما يختارون لانفسهم.

في تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 210 ح 171. (*)

[312]

في قوله: " وإذ أخذ الله " أن ذلك في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اذا خرج ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " يقول: نبذوا عهد الله وراء ظهورهم " واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون "(1).

وفي مجمع البيان: عن علي (عليه السلام) قال: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا(2).

وفي كتاب الاحتجاج: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: وقد ذكر أعداء رسول الله (صلى الله عيه وآله وسلم) الملحدين في آيات الله، ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ولم يقط منه حرف، لا ألف ولا لام، فلما وقفوا على ما بينه من أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه، قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا، ولذلك قال: " فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم مما لا يعلمون تأويله، إلى جمعه وتأويله وتعظيمه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فضرخ مناديهم: من كان عنده شئ من القرآن، فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله، فألفه على اختيارهم، وتركوا منه ما قدروا

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 128 عند تفسيره لآية 187 من سورة آل عمران، ولفظ الحديث هكذا (وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " واذ أخذ الله ميثاق الذين او توا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " وذلك أن الله أخذ ميثاق الذين او توا الكتاب في محمد لتبيننه للناس إذا خرج ولا تكتمونه " فنبذوه وراء ظهورهم " يقول: بنذوا عهد الله وراء ظهورهم " واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ").

(2) مجمع البيان: ج 2 ص 552 عند بيان المعنى لآية 187 من سورة آل عمران، وتمام الحديث (وروى الثعلبي في تفسيره: بإسناده إلى الحسن بن عمارة قال: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه، فقلت: إن رأيت أن تحدثني؟ فقال: أو ما علمت أني تركت الحديث ! فقلت: إما أن تحدثني وإما أن احدثك؟ فقال: حدثني، فقلت: حدثني الحكم بن عيينة، عن نجم الجزار قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: ما أخذ الله عليه أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال: فحدثني أربعين حديثا. (*)

[313]

[ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم(188) ولله ملك السموت والارض والله على كل شئ قدير(189) ]

أنه لهم، وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهرتناكره وتنافره(1)، وانكشف لاهل الاستبصار إغوائهم وافترائهم(2).

لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا: يعجبون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق، أو من الطاعات والحسنات.

والخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ضم الباء جعل الخطاب له وللمؤمنين. والمفعول الاول " الذين يفرحون ".

وقرأ ابن كثير وأبوعمرو وابن عامر بالياء وفتح الباء فيه، وضم الباء في الآتي، على أن " الذين " فاعل ومفعولاه محذوف، يدل عليهما مفعولا مؤكدة، وهو " يحسبنهم " الثاني، أو المفعول الاول محذوف والثاني تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الاول(3).

___________________________________

(1) قد ملا أصحاب الكلام وأرباب التفاسير من العامة والخاصة بالوجوه العقلية والنقلية، الدفاتر والدساتير على عدم تحريف القرآن بالزيادة والنقصان، وعدم صحة أمثال هذه الروايات، أو تأويلها، بما لا مزيد عليه.

وإن شئت الاختصار فراجع مقدمة تفسير مجمع البيان: ج 1 ص 15 الفن الخامس، وإن رمت أكثر من ذلك فعليك ب‍ " البيان في تفسير القرآن " لآية الله العظمى الخوئى دام ظله: ص 197 صيانة القرآن من التحريف.

وغيرهما من التفاسير للعامة والخاصة.

(2) كتاب الاحتجاج: ج 1 ص 257، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة، تحتاج إلى التأويل على أنها تقتضي التناقض والاختلاف فيه، س 12.

(3) لتوضيح ما أورده المؤلف (رحمه الله) ننقل ما أورده (البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لهذه الآية قال: وقرأ ابن كثير وأبوعمرو بالياء وفتح الباء في الاول وضمها في الثاني، على أن " الذين " فاعل، ومفعولا " لا يحسبن " محذوفان، يدل عليهما مفعولا مؤكدة، وكأنه قيل: " ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا فلا يحسبن أنفسهم بمفازة " أو المفعول الاول محذوف وقوله: " فلا تحسبنهم " تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الاول.

[314]

ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا: من الوفاء بالميثاق وإظهار الحق والاخبار بالصدق، أو كل خير.

فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب: فائزين بفوز ونجاة منه.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه يقول: ببعيد من العذاب(1).

وهو حاصل المعنى.

ولهم عذاب أليم: بكفرهم وتدليسهم.

قيل: إنه (عليه السلام) سأل اليهود عن شئ مما في التوراة؟ فأخبروه بخلاف ما كان فيه، واروه أنهم قد صدقوا وفرحوا بما فعلوا، فنزلت(2).

وقيل: نزلت في قوم تخلفوا عن الغزو، ثم اعتذروا بأنهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا به(3).

وقيل: نزلت في المنافقين، فإنهم يفرحون بمنافقتهم ويستحمدون إلى المسلمين بإيمان لم يفعلوه على الحقيقة(4).

والصواب أن الآية نزلت فيما رواه أبوالجارود، عن الباقر (عليه السلام) وجرت في غيرهم.

ولله ملك السماوات والارض: فهو يملك أمرهم.

والله على كل شئ قدير: فيقدر على عقابهم.

وقيل: هو رد لقولهم: " إن الله فقير ".

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129 عند تفسيره لآية 189 من سورة آل عمران.

(2 و 3 و 4) نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لآية 189 من سورة آل عمران. (*)

[315]

[ إن في خلق السموت والارض واختلااف اليل والنهار لايات لاولى الالباب(190) ]

إن في خلق السموت والارض والختلف اليل والنهار لايت لاولى الالبب: لدلائل واضحة على وجود الصانع، ووحدته، وكمال علمه وقدرته، لذوي العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحسن والوهم.

وفي مجمع البيان: وقد اشتهرت الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه لما نزلت هذه الآية قال: ويل لمن لاكها بين فكيه، ولم يتأمل ما فيها(1).

قيل: ولعل الاقتصار على الثلاثة في الآية، لان مناط الاستدلال التغير، وهذه متعرضة لجملة أنواعه، فإنه إما أن يكون في ذات الشئ كتغير الليل والنهار، أو جزئه كتغير العناصر بتبدل صورها، أوالخارج عنه كتبدل الافلاك بتبدل أو ضاعها(2).

وفي تهذيب الاحكام: محمد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: وذكر صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) قال: كان يوتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثم ينام ماشاء الله فاذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران: " ان في خلق السماوات والارض " الآية، ثم يستن ويتطهر ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراء‌ة ركوعه، وسجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال متى يرفع رأسه، ويسجد حتى

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 2 ص 554 عند نقله لفضل الآيات في قوله: (فضلها).

(2) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لآية 191 من سورة آل عمران.

[316]

[ الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموت والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار(191) ]

يقال متى يرفع رأسه ثم يعود إلى فراشه فينام ماشاء‌الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات فيقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المجلس فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ثم يعود إلى فراشه فينام ماشاء‌الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة(1).

الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم: أي يذكرونه على جميع الاحوال، قائمين وقاعدين ومضطجعين.

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أكثر ذكر الله (عزوجل) أحبه الله(2)(3).

وفي كتاب معاني الاخبار: خطبة لعلي (عليه السلام) يذكر فيها نعم الله، يقول فيها: وأنا الذاكر يقول الله (عزوجل): " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم "(4).

___________________________________

(1) التهذيب: ج 2 ص 334 ح 233.

(2) الكافي: ج 2 ص 499 كتاب الدعاء، باب ذكر الله (عزوجل) كثيرا، ح 3 وتمام الحديث (ومن ذكر الله كثيرا، كتبت له براء‌تان: براء‌ة من النار وبراء‌ة من النفاق).

(3) وكان المراد بقوله (ذكر الله كثيرا) أما ذكره أولا، وإنما هو تفنن في العبارة.

أوالمراد بأحد هما المداومة وبالآخر الاكثار ولو مرة، وقيل: المراد بالاول التكرار والاستمرار من الثاني، وبالثاني موافقة القلب مع اللسان (مرآة العقول: ج 12 ص 134).

(4) معاني الاخبار: ص 59 باب معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة (عليهم (*)السلام) ح 9 س 11.

[317]

أي يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم.

وفي الكافي: علي، عن أبيه، محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزوجل)، الآية قال: الصحيح يصلي قائما وقعودا، المريض يصلي جالسا، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا(1).

و في أمالي شيخ الطائفة: بإسناده إلى الباقر (عليه السلام) قال: لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله قائما كان أو جالسا أو مضطجعا، إن الله تعالى يقول: " الذين " الآية(2).

ويتفكرون في خلق السموت والارض: استدلالا واعتبارا، وهو أفضل العبادات.

في الكافي: عن الصادق (عليه السلام): أفضل العبادة إدمان التفكر في الله(3).

___________________________________

(1) الكافي: ج 3 ص 411 كتاب الصلاة، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 11.

(2) الامالي للشيخ الطوسي: ج 1 ص 76 .

(3) قوله: (أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته) أفضلية العبادة باعتبار عظمة قدرها، وكثرة منافعها وآثارها، وشرافة لوازمها وأسرارها.

ولا ريب في أن إدمان التفكر في الله، وفي قدرته أعظم العبادات قدرا، وأشرفها أثرا وأفخمها رتبة وأرفعها منزلة، ولذلك وقع الامر به في آيات متكاثرة، وروايات متضافرة، وله آثار شريفة، ولوازم منيفة، كلها عبادات عظيمة، كمعرفة الرب وعطمته، وعلمه وقدرته، واحتقار الدنيا وزهراتها، ومعرفة الجنة ودرجاتها، ومعرفة النار ودركاتها، والانقطاع عن غير الحق، وتفريغ القلب له، وبالجملة إدمان التفكر عبادة وأصل لجميع العبادات، فهو أفضلها.

وليس المراد التكفر في حقيقة ذاته، وحقيقة قدرته، وسائر صفاته، إذ معرفتها خارجة عن قدرة البشر، ولا يصل إليه العقل والتكفر، وكان التكفر فيها مؤديا إلى الضلال المبين، والالحاد في الدين، بل المراد به التفكر في وضع صنع الله وآثار قدرته، فإن التفكر فيها وفي عظمتها يدل على عظمة الصانع الحق وكمال قدرته.

ومما يدل على ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه).

وما رواه حسين بن المياح عن أبيه قال: سمع أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: (من نظر في الله كيف وهو هلك).

وبالجملة التفكر على قسمين: تفكر في الحق وتفكر في الخلق، والعبد ممنوع من الاول ومندوب إلى الثاني، قال تعالى: " ويتفكرون في خلق السماوات والارض " (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 170).

[318]

وفي قدرته(1)(2).

وعنه (عليه السلام) قال: كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) يقول: نبه بالتفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق الله ربك(3)(4).

___________________________________

(1) الحديث الثالث مرسل كالصحيح، فإنه يقال: مراسيل البزنطي في حكم المسانيد.

والادمان، الادامة، وقوله (عليه السلام): (وفي قدرته) كأنه عطف تفسير لقوله: (في الله) فإن التفكر في ذات الله وكنه صفاته ممنوع كما مر في الاخبار في كتاب التوحيد، لانه يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل.

فالمراد بالتفكر في الله، النظر إلى أفعاله وعجائب صنعه، وبدائع أمره في خلقه، فإنها تدل على جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه، وتدل على كمال علمه وحكمته، وعلى نفاذ ميشته وقدرته، وإخاطته بالاشياء.

وأنه سبحانه لكمال علمه وحكمته لم يخلق هذا الخلق عبثا من غير تكليف ومعرفة وثواب وعقاب، فإنه لو لم تكن نشأة اخرى باقية غير هذه النشأة الفانية المحفوفة بأنواع المكاره والآلام لكان خلقها عبثا، كما قال تعالى: " أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وإنكم إلينا لا ترجعون " وهذا تفكر اولي الالباب كما قال تعالى: " إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار " وقال سبحانه: " ومن آياته - ومن آياته " في مواضع كثيرة، فتلك الآيات هي مجاري التفكر في الله وفي قدرته لاولي النهى، لا ذاته تعالى، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما قال: تفكروا في آلاء الله، فإنكم لن تقدروا قدره (مرآة العقول: ج 7 ص 341).

(2) الكافي: ج 2 ص 55، كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 3.

(3 و 4) التنبيه، الايقاظ عن النوم وعن الغفلة، وفي القاموس: النبه بالضم الفطنة والقيام من النوم، وأنبهه ونبهه فتنبه وانتبه، وهذا منبهة على كذا يشعر به، ولفلان مشعر بقدره ومعل له، وما نبه له كفرح ما فطن، والاسم النبه بالضم، ونبه باسمه تنبيها نوه، انتهى.

والتفكر إعمال الفكر فيما يفيد العلم به قوة الايمان واليقين، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.

قال الغزالي: حقيقة التفكر طلب علم غير بديهي من مقدمات موصلة إليه، كما إذا تفكر أن الآخرة باقية، والدنيا فانية، فإنه يحصل له العلم بأن الآخرة خير من الدنيا، وهو يبعثه على العمل للآخرة، فالتفكر سبب لهذا العلم.

وهذا العلم حالة نفسانية، وهو التوجه إلى الآخرة، وهذه الحالة تقتضي العمل لها، وقس على هذا، فالتفكر موجب لتنور القلب وخروجه من الغفلة، وأصل لجميع الخيرات.

وقال المحقق الطوسي (قدس سره): التفكر سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد، وهو قريب من النظر، ولا يرتقي أحد من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير.

ومبادئه الآفاق والانفس، بأن يتفكر في أجزاء العالم وذراته، وفي الاجرام العلوية من الافلاك والكواكب وحركاتها وأو ضاعها ومقاديرها واختلافاتها ومقارناتها ومفارقاتها وتأثيراتها وتغييراتها.

وفي الاجرام السفلية وترتبيها وتفاعلها وكيفياتها ومركباتها ومعدنياتها وحيواناتها.

وفي أجزاء الانسان وأعضائه من العظام والعضلات والعصبات والعروق وغيرها مما لا يحصى كثرة.

ويستدل بها وبما فيها من المصالح والمنافع والحكم والتغير على كمال الصانع وعظمته وعلمه وقدرته وعدم ثبات ما سواه.

وبالجملة: التفكر فيما ذكرو نحوه، من حيث الخلق والحكمة والمصالح، أثره العلم بوجود الصانع وقدرته وحكمته، ومن تغيره وانقلابه وفنائه بعد وجوده، أثره الانقطاع منه والتوجه بالكلية إلى الخالق الحق.

ومن هذا القبيل التفكر في أحوال الماضين وانقطاع أيديهم عن الدنيا وما فيها ورجوعهم إلى دار الآخرة، فإنه يوجب قطع المحبة عن غير الله والانقطاع إليه بالتقوى والطاعة، ولذا أمر بهما بعد الامر بالتفكر.

ويمكن تعميم التفكر بحيث يشمل التفكر في معاني الآيات القرآنية والاخبار النبوية والآثار المروية عن الائمة (عليهم السلام) والمسائل الدينية والاحكام الشرعية، وبالجملة كلما أمر الشارع الصادع بالخوض فيه والعلم به.

قوله (عليه السلام): (وجاف عن الليل جنبك) الجفا البعد، وجاف عنه كذا، أي باعده عنه في الصحاح: جفا السرج عن ظهر الفرس واجفيته أنا، إذ رفعته عنه، كذا، أي باعده عنه.

في الصحاح: جفا السرج عن ظهر الفرس واجفيته أنا، إذا رفعته عنه، وجافاه عنه فتجا في جنبه عن الفراش، أي نبا، انتهى.

وقال سبحانه: " تتجا في جنوبهم عن المضاحع " وإسناد المجافاة إلى الليل، مجاز في الاسناد، أي جاف عن الفراش بالليل، أو فيه تقدير مضاف، أي جاف عن فراش الليل جنبك.

وعلى التقادير كناية عن القيام بالليل للعبادة وقد مر معنى التقوى، والتوصيف بالرب، للتعليل (مرآة العقول: ج 7 ص 338 - 340). الكافي: ج 2 ص 54 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 1.

[319]

وعن الرضا (عليه السلام): ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم(1)، إنما العبادة

___________________________________

(1) ليس العبادة كثرة الصلاة: أي ليست منحصرة فيها، إنما العبادة أي الكاملة (التفكر في أمر الله) بالمعاني المتقدمة.

وقد يقال: المراد بالتفكر في أمر الله طلب العلم بكيفية العمل وآدابه وشرائطه، والعبادة بدونه باطلة.

فالحاصل أن كثرة الصلاة والصوم بدون العلم بشرائطهما وكيفياتهما وأحكامهما ليست عبادة.

وأقول: يحتمل أن يحتمل أن يكون المعنى، أن كثرة الصلاة والصوم بدون التفكر في معرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة أئمة الهدى (عليهم السلام) كما يصنعه المخالفون، غير مقبولة وموجبة للبعد عن الحق (مرآة العقول: ج 7 ص 342).

[320]

التفكر في أمر الله (عزوجل)(1).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): تفكر ساعة خير من قيام ليلة(2).

وفي رواية: من عبادة سنة. وفي اخرى: ستين سنة(4).

وإنما اختلف، لاختلاف مراتب التفكر، ودرجات المتفكرين، وأنواع المتفكر فيه.

وفي عيون الاخبار: في باب ماجاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار في التوحيد، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): لما نظرت إلى جسدي فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه، وجرا المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانيا، فأقررت به.

مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغيره ذلك من الايات العجيبات المتقنات، علمت أن لهذا مقدرا ومنشأ(5).

___________________________________

(1) الكافي: ج 2 ص 55 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 4.

(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 409 قال: وأخرج أبوالشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

وفي الكافي: ج 2 ص 54 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 2 ولفظ الحديث: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن ابان، عن الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عما يروي الناس: يروي الناس: إن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟ قال: يمر بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوك أين بانوك، ومالك لا تتكلمين.

(3) تفسير العياشي: ج 2 ص 208 ح 24.

(4) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 410 قال: وأخرج أبوالشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فكرة ساعة خير من عبادة سنين.

(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 132 باب 11 ماجاء عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) من الاخبار في التوحيد، في مناظرة الزنديق مع الرضا (عليه السلام)، قطعة من ح 28. (*)

[321]

[ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته و ماللظلمين من أنصار(192) ]

ربنا ما خلقت هذا بطلا: على إرادة القول، أي يتفكرون قائلين ذلك.

والمشار إليه ب‍ " هذا " المتفكر فيه، أو الخلق على أنه اريد به المخلوق من السماوات والارض، أو إليهما، لانهما في معنى المخلوق.

والمعنى ما خلقته عبثا ضائعا من غير حكمة، بل خلقته لحكم عظيمة.

سبحنك: تنزيها لك عن العبث وخلق الباطل، وهو اعتراض.

فقنا عذاب النار: للاخلال بالنظر فيه، والقيام بما يقتضيه.

وفائدة الفاء هي الدلالة على أن علمهم بما لاجله خلقت السماوات والارض، حملهم على الاستعاذة.

وفي مجمع البيان: روى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن محمد بن الحنفية، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا قام من الليل تسوك، ثم ينظر إلى السماء، ثم يقول: " ان في خلق السماوات والارض " إلى قوله: " فقنا عذاب النار "(1).

ربنآ إنك من تدخل النار فقد أخزيته: غاية الاخزاء، ونظيره قولهم (من أدرك مرعلى الضمان فقد أدرك)(2).

والمراد تهويل المستعاذ منه، تنبيها على شدة خوفهم، وطلبهم الوقاية منه.

وما للظلمين من أنصار: أراد بهم المدخلين. ووضع المظهر موضع المضمر.

للدلالة على أن ظلمهم سبب لادخالهم النار(3).

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 553.

(2) قال العلامة الكازروني في حاشية على تفسير (البيضاوي): (الضمان اسم جبل فيه مرعى عظيم).

(3) من قوله: (على إرادة القول) إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 198. (*)

[322]

[ ربنآ إننا سمعنا مناديا ينادى للايمن أن وتوا الكتب فئامنا ربنا فاغفرلنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار(193) ]

وفي تفسير العياشي: عن يونس بن ظبيان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله الله: " وما للظالمين من انصار " قال: مالهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم(1).

ومعناه (مالهم) أي للظالمين من أئمة يسمون الائمة بأسماء الانصار، أي يعدونهم أنصارهم، أي أئمة الجور، وأئمة الجور لا يمكن لهم الشفاعة.

فالحاصل: أن الظالم، وهو الذي تدخله النار، وهو تارك الولاية، ليس له مخلص من النار، لان أئمتهم، أئمة الجور يستحيل منهم الشفاعة والنصرة. أما الشفاعة، فلانهم ليسوا أهلا لها.

و أما النصرة، فلان المخزي هوالله سبحانه.

فما قاله البيضاوي: من أنه لا يلزم من نفي النصرة، نفي الشفاعة، لان النصرة دفع بقهر، جهل منه، ارتكبه لاحتياط الاستمداد منه بشفاعة أئمته.

ربنآ إننا سمعنا مناديا ينادى للايمن: أو قع الفعل على المسمع، لا المسموع، لدلالة وصفه عليه.

وفيه مبالغة ليس في إيقاعه على نفس المسموع.

وفي تنكير المنادى وإطلاقه، ثم تقييده بالوصف، تعظيم لشأنه، والمراد به الرسول، وقيل القرآن(2).

وفي تهذيب الاحكام: في الدعاء بعد صلاة يوم الغدير، المسند إلى الصادق

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 211 ح 175.

(2) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 199 عند تفسيره لآية 193 من سورة آل عمران. (*)

[323]

[ ربنا وء‌اتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيمة إنك لا تخلف الميعاد(194) ]

(عليه السلام): وليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين، أن تقول: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا إلى قوله: إنك لا تخلف الميعاد، إلى أن قال: ربنا إننا سمعنا بالنداء وصدقنا المنادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ نادى بنداء عنك بالذي أمرته به أن يبلغ ما أنزلت إليه من ولاية ولي أمرك(1).

فعلى هذا معنى: أن‌ء‌امنوا بربكم: آمنوا به فيما نادا كم له رسوله، وهو الايمان بوصي رسوله.

فئامنا ربنا: أي آمنا بالله ورسوله ووصي رسوله.

فاغفرلنا ذنوبنا: كبائرنا، فإنها ذات تبعات وأذناب.

وكفر عنا سيئاتنا: صغائرنا، فإنها مستقبحة، ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر.

وتوفنا مع الابرار: مخصوصين بصحبتهم، معدودين في زمرتهم.

والابرار جمع بر، أو بار، كأرباب وأصحاب.

ربنا وء‌اتنا ما وعد تنا على رسلك: أي على تصديق رسلك، من الثواب.

أو على ألسنة رسلك، أو منزلا على رسلك، أو محمولا عليهم.

ولا تخزنا يوم القيمة: بأن تعصمنا عما يقتضيه.

إنك لا تخلف الميعاد: بإثابة المؤمن وإجابة الداعي.

وتكرير " ربنا " للمبالغة في الابتهال، والدلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها.

___________________________________

(1) التهذيب: ج 3 ص 144 باب 7 صلاة الغدير، ح 1 س 9. (*)

[324]

[ فاستجاب لهم ربهم أنى لآ أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديرهم وأو ذوا في سبيلى وقتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئائهم ولادخلنهم جنات تجرى من تحتها ولانهر ثوابا من عندالله والله عنده حسن الثواب(195) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد(196) ]

فاستجاب لهم ربهم: أي طلبتهم، وهو أخص من الاجابة، لجواز أن يكون الاجابة بالرد، وتعدى بنفسه وباللام.

أنى لآ أضيع عمل عامل منكم: بأني لا اضيع. وقرئ بالكسر، على إرادة القول.

من ذكر أو أنثى: بيان عامل.

بعضكم من بعض: لان الذكر من الانثى، والانثى من الذكر، أو لانهما من أصل واحد، أو لفرط الاتصال والاتحاد، أو للاجتماع، أو للاجتماع، أو الاتفاق في الدين.

وهي جملة معترضة، بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال.

وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى محمد بن يعقوب النهشلي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل (عليهم السلام)، عن الله (جل جلاله) أنه قال: أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق بقدرتي، فاخترت منهم من شئت من أنبيائي، واخترت من جميعهم محمدا حبيبا وخليلا وصفيا، وبعثته رسولا إلى خلقي، واصطفيت له عليا

[325]

فجعلته له أخا ووصيا ووزيرا ومؤديا عنه من بعده إلى خلقي وخليفتي إلى عبادي - إلى قوله جل ثناؤه - وحجتي في السماوات والارضين على جميع من فيهن من خلقي لا أقبل عمل عامل منهم إلا بالاقرار بولايته مع نبوة أحمد رسولي(1).

فالذين هاجروا: الاوطان والعشائر للدين.

وأخرجوا من ديرهم وأو ذوافى سبيلى: بسبب إيمانهم بالله ومن أجله.

وقتلوا: الكفار. وقتلوا: في الجهاد. وقرأ حمزة والكسائي بالعكس(2).

والمراد: أنه لما قتل منهم قوم، قاتل الباقون، ولم يضعفوا.

وشدد ابن كثير وابن عامر " قتلوا " للتكثير.

لاكفرن عنهم سيئاتهم ولاد خلنهم جنت تجرى من تحتها الانهر ثوابا من عندالله: أي انيبهم بذلك ثوابا من عندالله، أي عظيما، فهو مصدر للنوع(3).

والله عنداه حسن الثواب: على الطاعات.

وفي أمالي شيخ الطائفة: بإسناده إلى أبي عبيدة عن أبيه، وابن أبي رافع يحكي ذهاب علي (عليه السلام) من مكة إلى المدينة ملتحقا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين هاجر من مكة إلى المدينة، وقد قارع(4) الفرسان من قريش، ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفاطمة بنت

___________________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 49 قطعة من ح 191.

(2) فالذين هاجروا، مبتدأ، وخبره (لا كفرن)، وقاتلوا وقتلوا عطف على عطف على عطف.

وقرئ: وقتلوا وقاتلوا، هده القراء‌ة تدل على أن الواو تدل على الجمع دون الترتيب، فلذلك لم يبال قدم أواخر وإلا فيستحيل أن تحون المقاتلة بعد القتل، وقد يجوز أن يراد يقتلوا البعض ويقاتلوا الباقي، وهو كثير في كلامهم (البيان في غريب إعراب القرآن لابن الانباري: ج 1 ص 237).

(3) في هامش بعض النسخ المخطوطة ما لفظه (رد على البيضاوي حيث جعله مصدرا مؤكدا مع أنه لا يحذف عامل المؤكد، منه).

(4) قرع الرجل: ضربه. يقال: قرع رأسه بالعصا، أي ضربه بها (المنجد لغة قرع). (*)

[326]

الزبير: ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان(1) فلزم بها يوم وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم ام أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويصلي ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر، فصلى (عليه السلام) بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه، فجعل وهن يصنعون ذلك منزلا بعد منزل، يعبدون الله (عزوجل) ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم " الذين يذكرون الله قياما وقعودا " الآيات قوله: " من ذكر أو انثى " الذكر علي والانثى الفواطم " بعضكم من بعض " يعني علي من فاطمة، أو قال: الفواطم وهن من علي(2).

وذكر علي بن عيسى (رحمه الله) في كشف الغمة: أن هذه الآيات نزلت في أميرالمؤمنين (صلوات الله عليه) في توجهه إلى المدينة، وذكر الحكاية كما في الامالي(3).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: ثم ذكر أميرالمؤمنين (عليه السلام) وأصحابه المؤمنين فقال: " فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم " يعني أميرالمؤمنين وسلمان وأباذر حين اخرج وعمار الذين اوذوا، إلى آخر الآية(4).

لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد: الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد امته، أو تثبيته على ما كان عليه أو لكل أحد.

___________________________________

(1) ضجنان بالتحريك ونونين، ورواه ابن دريد بسكون الجيم، وقيل: ضجنان على بريد من مكة، وهناك الغميم في أسفله مسجد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وله ذكر في المغازي، وقال الواقدي: بين ضجنان ومكة خمسة وعشرون ميلا، وهي لاسلم وهذيل وغاضرة، والضجنان حديث في حديث الاسراء حيث قالت له قريش: ما اية صدقك؟ قال: لما أقبلت راجعا حتى إذا كنت بضجنان، مررت بعير فلان فوجدت القوم ولهم إناء فيه ماء فشربت مافيه، وذكر القصة (معجم البلدان: ج 3 ص 453 باب الضاد والجيم وما يليهما).

(2) الامالي لشيخ الطائفة: ج 2 ص 85، الجزء السادس عشر س 17 باختلاف في الالفاظ.

(3) كشف الغمة في معرفة الائمة ط إيران طهران: ج 1 ص 539 حديث الغار ومبيته (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 1381.

(4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129 عند تفسيره لآية 195 من سورة آل عمران. (*)

[327]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21404663

  • التاريخ : 20/04/2024 - 08:06

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net