00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة البقرة 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير القمي ج 1   ||   تأليف : علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله)

(30)

سورة البقرة

سورة البقرة وهى مائتان وست وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم (آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) قال ابوالحسن علي بن ابراهيم حدثنى ابي عن يحيى بن ابن عمران عن يونس عن سعدان بن مسلم عن ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال الكتاب علي (عليه السلام) لا شك فيه هدى للمتقين قال بيان لشيعتنا قوله (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) قال مما علمناهم ينبئون ومما علمناهم من القرآن يتلون وقال الم هو حرف من حروف اسم الله الاعظم المتقطع في القرآن الذي خوطب به النبي (صلى الله عليه وآله) والامام فاذا دعا به اجيب والهداية في كتاب الله على وجوه اربعة فمنها ما هو للبيان للذين يؤمنون بالغيب قال يصدقون بالبعث والنشور والوعد والوعيد والايمان في كتاب الله على اربعة اوجه فمنه اقرار باللسان قد سماه الله ايمانا ومنه تصديق بالقلب ومنه الاداء ومنه التأييد.

(الاول) الايمان الذي هو اقرار باللسان وقد سماه الله تبارك وتعالى ايمانا ونادى اهله به لقوله (يا ايها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات او انفروا جميعا وان منكم لمن ليبطئن فان اصابتكم مصيبة قال قد انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا ولئن اصابكم فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة ياليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما (1) قال الصادق (عليه السلام) لو ان هذه الكلمة قالها اهل المشرق واهل المغرب لكانوا بها خارجين من الايمان ولكن قد سماهم الله مؤمنين

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 70 (*)

 

 

===============

(31)

باقرارهم وقوله " يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " فقد سماهم الله مؤمنين ـ تفسير القمى مجلد: 1 من ص 31 سطر 1 الى ص 40 سطر 22 باقرارهم وقوله " يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " فقد سماهم الله مؤمنين باقرارهم ثم قال لهم صدقوا.

(الثاني) الايمان الذي هو التصديق بالقلب فقوله " الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة (1) " يعني صدقوا وقوله " وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " اي لا نصدقك وقوله " يا ايها الذين آمنوا آمنوا " اي ياايها الذين اقروا صدقوا فالايمان الحق هو التصديق وللتصديق شروط لا يتم التصديق الا بها وقوله " ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون (2) " فمن اقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق.

(الثالث) الايمان الذي هو الاداء فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة قال اصحاب رسول الله يا رسول الله صلواتنا إلى بيت المقدس بطلت فانزل الله تبارك وتعالى " وما كان الله ليضيع ايمانكم " فسمى الصلاة ايمانا.

(الرابع) من الايمان وهو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الايمان فقال " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه (3) " والدليل على ذلك قوله (صلى الله عليه وآله) " لا يزني الزانى وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن يفارقه روح الايمان ما دام على بطنها فاذا

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) يونس 64

(2) البقرة 177

(3) المجادلة 22 (*)

 

===============

(32)

قام عاد اليه " قيل وما الذي يفارقه قال " الذي يدعه (يرعد ط) في قلبه " ثم قال (عليه السلام) " ما من قلب إلا وله اذنان على احدهما ملك مرشد وعلى الآخر شيطان مغتر (1) هذا يأمره وهذا يزجره " ومن الايمان ما قد ذكره الله في القرآن (خبيث وطيب ط) حيث قال " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ومنهم من يكون مؤمنا مصدقا ولكنه يلبس ايمانه بظلم وهو قوله " الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون " فمن كان مؤمنا ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها فقد لبس ايمانه بظلم فلا ينفعه الايمان حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس ايمانه حتى يخلص لله فهذه وجوه الايمان في كتاب الله.

قوله (والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك) قال بما انزل من القرآن اليك وما انزل على الانبياء قبلك من الكتب.

قوله (ان الذين كفروا سواء عليهم ءانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون) فان حدثني ابي عن بكر بن صالح عن ابي عمر الزبيدي (الزبيري ط) عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود وهو على وجهين جحود بعلم وجحود بغير علم فاما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكاه الله عنهم في قوله (وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون) وقوله " ان الذين كفروا سواء عليهم أانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون " فهؤلآء كفروا وجحدوا بغير علم واما الذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فهؤلآء كفروا وجحدوا بعلم قال وحدثني ابي عن ابن ابى عمير عن حماد عن حريز عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال هذه

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اغتره اي طلب غفلته ج ـ ز (*)

 

 

===============

(33)

الآية نزلت في اليهود والنصارى بقول الله تبارك وتعالى " الذين آتيناهم الكتاب ـ يعني التورية والانجيل ـ يعرفونه ـ يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ كما يعرفون ابناءهم (1) " لان الله عزوجل قد انزل عليهم في التورية والزبور والانجيل صفة محمد (صلى الله عليه وآله) وصفة اصحابه ومبعثه وهجرته وهو قوله " محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله رضوانا؟ سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الانجيل (2) " هذه صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واصحابه في التورية والانجيل فلما بعثه الله عرفه اهل الكتاب كما قال جل جلاله " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجئ النبي ايها العرب هذا اوان نبي يخرج بمكة ويكون هجرته بالمدينة وهو آخر الانبياء وافضلهم، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة ويجتزي بالكسرة والتميرات ويركت الحمار عرية (3) وهو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر وليقتلنكم الله به يا مشعر العرب قتل عاد، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " ومنه كفر البراءة وهو قوله " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " اي يتبرأ بعضكم من بعض، ومنه كفر الشرك لما امر الله وهو قوله " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر " اي ترك الحج وهو مستطيع فقد كفر، ومنه كفر النعم وهو قوله " ليبلونئ اشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر " ـ اي ومن لم يشكر ـ نعمة الله فقد كفر فهذه وجوه الكفر في كتاب الله.

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 146

(2) الفتح 29

(3) أي بلا سرج (*)

 

 

===============

(34)

قوله (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين) فانها نزلت في قوم منافقين اظهروا لرسول الله الاسلام وكانوا اذا رأوا الكفار قالوا " انا معكم " واذا لقوا المؤمنين قالوا نحن مؤمنون وكانوا يقولون للكفار " انا معكم انما نحن مستهزؤن " فرد الله عليهم " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " والاستهزاء من الله هو العذاب " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " اي يدعهم.

قوله (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) والضلالة هنا الحيرة والهدى هو البيان واختاروا الحيرة والضلالة على الهدى وعلى البيان فضرب الله فيهم مثلا فقال (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) قوله (صم بكم عمي) والصم الذي لا يسمع والبكم الذي يولد من امه اعمى والعمى الذي يكون بصيرا ثم يعمى قوله (او كصيب من السماء) اي كمطر من السماء وهو مثل الكفار قوله (يخطف ابصارهم) اي يعمي قوله (ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) اى في شك، قوله (فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم ـ يعني الذين عبدوهم واطاعوهم ـ من دون الله إن كنتم صادقين) قوله (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) قال يؤتون من فاكهة واحدة على الوان متشابهة قوله (ولهم فيها ازواج مطهرة) اي لا يحضن ولا يحدثن.

واما قوله " ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثل يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) فانه قال الصادق (عليه السلام) ان هذا القول من الله عزوجل رد على من زعم ان الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم فقال الله عزوجل ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها قال وحدثنى ابى عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس

 

===============

(35)

عن ابي عبدالله (عليه السلام) ان هذا المثل ضربه الله لامير المؤمنين (عليه السلام) فالبعوضة امير المؤمنين (عليه السلام) وما فوقها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والدليل على ذلك قوله " فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم " يعنى امير المؤمنين كما اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الميثاق عليهم له " واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " فرد الله عليهم فقال " وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ـ في علي ـ ويقطعون ما امر الله به ان يوصل " يعني من صلة امير المؤمنين (عليه السلام) والائمة (عليهم السلام) " ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون " قوله " وكيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم) اي نطفة ميتة وعلقة واجرى فيكم الروح فاحياكم (ثم يميتكم ـ بعد ـ ثم يحييكم) في القيامة (ثم اليه ترجعون) والحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة،  فمن الحياة ابتداء خلق الانسان في قوله " فاذا سويته ونفخت فيه من روحي " فهي الروح المخلوق خلقه الله واجرى في الانسان " فقعوا له ساجدين ".

والوجه الثاني من الحياة يعني به انبات الارض وهو قوله يحيى الارض بعد موتها والارض الميتة التي لا نبات لها فاحياؤها بنباتها.

ووجه آخر من الحياة وهو دخول الجنة وهو قوله " استجيبوا لله ولرسوله اذا دعاكم لما يحييكم " يعني الخلود في الجنة والدليل على ذلك قوله " وان الدار الآخرة لهي الحيوان ".

واما قوله (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سئل عما ندب الله الخلق اليه ادخل فيه الضلالة؟ قال نعم والكافرون دخلوا فيه لان الله تبارك وتعالى امر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في امره الملائكة وابليس فان ابليس كان من الملائكة في السماء يعبد الله وكانت

 

===============

(36)

الملائكة تظن انه منهم ولم يكن منهم فلما امر الله الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام) اخرج ما كان في قلب ابليس من الحسد فعلم الملائكة عند ذلك ان ابليس لم يكن مثلهم فقيل له (عليه السلام) فكيف وقع الامر على ابليس وانما امر الله الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال كان ابليس منهم بالولاء (1) ولم يكن من جنس الملائكة وذلك ان الله خلق خلقا قبل آدم وكان ابليس منهم حاكما في الارض فعتوا وافسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم واسروا ابليس ورفعوه إلى السماء وكان مع الملائكة يعبد الله إلى ان خلق الله تبارك وتعالى آدم (عليه السلام).

فحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن (ابى ط) مقدام عن ثابت الحذاء عن جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر محمد بن على بن الحسين عن ابيه عن آبائه (عليهم السلام) عن امير المؤمنين (عليه السلام) قال ان الله تبارك وتعالى اراد ان يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة وكان من شأنه خلق آدم كشط (2) عن اطباق السموات قال للملائكة انظروا إلى اهل الارض من خلقى من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الارض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسنوا على اهل الارض ولم يملكوا غضبهم قالوا ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه فيك قال فلما سمع ذلك من الملائكة قال (اني جاعل في الارض خليفة) يكون حجة لي في الارض على خلقي فقالت الملائكة سبحانك (اتجعل فيها من يفسد فيها)

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) يعني انه كان يحب الملائكة

(2) اي كشف (*)

 

 

===============

(37)

كما افسد بنو الجان ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجان ويتحاسدون ويتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منا فانا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونسبح بحمدك ونقدس لك قال عزوجل (اني اعلم ما لا تعلمون) اني اريد ان اخلق خلقا بيدي واجعل من ذريته انبياء ومرسلين وعبادا صالحين ائمة مهتدين واجعلهم خلفاء على خلقي في ارضي ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي وأجعلهم لي حجة عليهم وابيد النساس من ارضي واطهرها منهم وانقل مردة الجن العصاة من بريتي وخلقي وخيرتي واسكنهم في الهواء في اقطار الارض فلا يجاورون نسل خلقي وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم واسكنتهم مساكن العصاة اوردتهم مواردهم ولا آبالي قال فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت (لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم) قال فباعدهم الله من العرش مسيرة خمس مأة عام، قال فلاذوا بالعرش واشاروا بالاصابع فنظر الرب عزوجل اليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فانه لي رضى فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون ابدا فوضع الله البيت المعمور توبة لاهل السماء ووضع الكعبة توبة لاهل الارض فقال الله تبارك وتعالى " اني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قال وكان ذلك من الله تعالى في آدم قبل ان يخلقه واحتجاجا منه عليهم (قال) فاغترف ربنا عزوجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال لها منك اخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والائمة المهتدين والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا ابالي ولا اسأل عما

 

===============

(38)

أفعل وهم يسألون، ثم اغترف غرفة اخرى من الماء المالح الاجاج (1) فصلصلها في كفه فجمدت ثم قال لها منك اخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة واشياعهم ولا ابالي ولا اسأل عما افعل وهم يسألون قال وشرطه في ذلك البداء (2) ولم يشترط في اصحاب اليمين ثم اخلط

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يقال ان هذا الخبر مؤيد للمجبرة الذين يقولون بعدم اختيار العباد، لانه يقال انه الله تعالى عالم بسريرة العباد قبل خلقهم وخبير بمصيرهم إلى الحسن او القبح بدون ان يكون لهذا العلم دخل في افعالهم لان العلم بالشئ لا يكون مؤثرا فيه، بل المؤثر في الافعال ارادة الفاعل، فلما علم الله سبحانه وتعالى ان فريقا من العباد يفعلون الخير والحسنات، وآخرين يرتكبون الفواحش والمنكرات جعل في طينة الاولين الماء العذب، انعاما عليهم واكراما لهم ليكون اوفق لهم في مقام الطاعة واسهل في الانقياد، وليس هذا على حد الالجاء ولا سببا لما صدر عنهم من الاعمال الحسنة بل انه من الموفقات ـ وكذلك جعل في طينة الاشرار الماء المالح الاجاج تخفيضا وتحقيرا لهم وليس فيه الزام والجاء على فعل القبيح بل هو تابع لارادتهم كما ذكر ويؤيد ما ذكرنا قوله عليه السلام " وشرطه في ذلك البداء " فاندفع من هذا ما يرد على الاخبار الواردة من هذا القبيل كاخبار الطينة، واخبار السعادة والشقاوة في بطون الامهات ـ

(2) قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في زهر الربيع في معنى البداء انه " تكثرت الاحاديث من الفريقين في البداء " مثل " ما عظم الله بمثل البداء " وقوله " ما بعث الله نبيا حتى يقر له بالبداء " اي يقر له بقضاء مجدد في كل يوم بحسب مصالح العباد لم يكن ظاهرا عندهم، وكان الاقرار عليهم بذلك للرد على اليهود حيث زعموا انه تعالى فرغ من الامر، يقولون انه تعالى عالم في الازل بمقتضيات الاشياء فقدر كل شئ على مقتضى علمه. (بقية الحاشية على الصفحة الآتية) (*)

 

 

===============

(39)

المائتين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ثم امر الله

ـــــــــــــــــــــــــ

= وقال شيخنا الطوسي رحمه الله في العدة: واما البداء فحقيقته في اللغة الظهور، كما يقال " بدا لنا سور المدينة، وقد يستعمل في العلم بالشئ بعد ان لم يكن حاصلا، فاذا اضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز اطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز، فالاول هو ما افاد النسخ بعينه ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا يحمل جميع ما ورد عن الصادق عليه السلام من الاخبار المتضمنة لاضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد ان لم يكن، ويكون وجه اطلاق ذلك عليه تعالى التشبيه هو انه اذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين مالم يكن ظاهرا ويحصل لهم العلم به بعد ان لم يكن حاصلا واطلق على ذلك لفظ " البداء ".

قال وذكر سيدنا المرتضى وجها آخر في ذلك وهو: انه قال يمكن حمل ذلك على حقيقته بان يقال بد الله بمعنى انه ظهر له من الامر ما لم يكن ظاهرا له،  وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لان قبل وجود الامر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين وانما يعلم انه يأمر وينهى في المستقبل، فاما كونه آمرا وناهيا فلا يصح ان يعلمه الا اذا وجد الامر والنهي وجرى ذلك مجرى احد الوجهين المذكورين في قوله تعالى " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم " بان نحمله على ان المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لان قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا وانما يعلم كذلك بعد حصوله فكذلك القول في البداء (انتهى).

ويظهر مما افاده الشيخ رحمه الله عدم الفرق بين البداء والنسخ ولكن يمكن ان يقال في مقام الفرق بينهما ان الاول يطلق على ما يتعلق بالاصول المنوطة ـ بالاعتقاد التي لا دخل له في العمل، والثاني مخصوص بالفروع والشرائع المتعلقة باعمال المكلفين، وهذا الفرق غير خفي على كل حفي ـ (بقية الحاشية على الصفحة الآتية) (*)

 

 

===============

(40)

الملائكة الاربعة الشمال والجنوب والصبا والدبوران يجولوا على هذه السلالة من الطين

ـــــــــــــــــــــــــ

= واحسن ما يمكن التمثيل به في معنى البداء قوله تعالى " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ثم اتممناها بعشر (الاعراف 142) فواعد الله موسى لاعطاء التوارة ثلاثين ليلة، ثم غير الوعد المذكور على الظاهر باضافة عشر ليال، ولم يكن هذا التغيير لاجل سنوح مصلحة جديدة كانت خفية عنه سابقا بل المعنى ان الميعاد المقرر عند الله لم يكن إلا اربعين ليلة، لكنه بين اولا بانه ثلاثون لحكمة امتحان ايمان تابعي موسى، فمنهم من ثبت عند هذا الامتحان، ومنهم من خرج عن ربقة الايمان، وتعبد بالعجل والاوثان، وبعد ما انتهى هذا الابتلاء اتم الميعاد باضافة عشر ليال، والدليل على ان الميعاد المقرر عند الله كان اربعين ليلة لا غير قوله تعالى " واذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون. البقرة 51 " قال البلاغي " اربعين ليلة باعتبار مجموع العددين،  الوعد الاول ـ وهو ثلاثون ليلة ـ والثاني، وهو اتمامها بعشر كما في سورة الاعراف ".

فعلى هذا لا يرد على البداء من انه موجب لجهله تعالى عن عواقب الامور او موجب للتغير في علمه، او نقصانه، لان التغير في المعلوم دون العالم، وان سلم فهو اعتباري غير قادح في وجوبه كما اشار اليه بقوله " كل يوم هو في شأن.

الرحمن 29 ".

ومن هذا يظهر ايضا دفع الاشكال الوارد على الحديث المشهور عن الصادق عليه السلام في ولده اسماعيل عند وفاته، وهو قوله عليه السلام: " ما بدالله في كل شئ كما بدا له في اسماعيل " وقد بين له معان لا يسعني ذكرها فنقتصر على ما خطر في خاطري وهو انه: = (*)

 

 

===============

(41)

فأمرؤها (1) وأنشؤها ثم انزوها (2) وجزوها وفصلوها (3) واجروا فيها الطبايع الاربعة الريح والدم والمرة والبلغم فجالت الملائكة عليها وهى الشمال والجنوب والصبا والدبور واجروا فيها الطبايع الاربعة، الريح في الطبايع الاربعة من البدن من ناحية الشمال والبلغم في الطبايع الاربعة من ناحية الصبا والمرة في الطبايع الاربعة من ناحية الدبور والدم في الطبايع الاربعة من ناحية الجنوب، قال فاستفلت النسمة وكمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص، ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق، ولزمه من ناحية المرة الحب والغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب الفساد واللذات وركوب المحارم والشهوات، قال ابوجعفر وجدناه هذا في كتاب امير المؤمنين (عليه السلام)، فخلق الله آدم فبقى اربعين سنة مصورا فكان يمر به ابليس اللعين فيقول لامر ما خلقت فقال العالم (عليه السلام) فقال ابليس لئن امرني الله بالسجود لهذا لاعصينه، قال ثم نفخ فيه فلما بلغت الروح إلى دماغه عطس عطسة جلس منها فقال الحمد لله فقال الله تعالى يرحمك الله قال الصادق (عليه السلام) فسبقت له من الله الرحمة ثم قال الله تبارك وتعالى للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا له فاخرج ابليس ما كان في قلبه من

ـــــــــــــــــــــــــ

= لما كان الغرض المهم من خلقه الكون خلقة الانسان، والمهم في خلقهم بعث الانبياء، والمهم في بعثهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، والمهم في بقاء شريعته صلى الله عليه وآله امامة اثنى عشرة ائمة، فكانت النتيجة ان هذه الامامة مدار الكون، فكان الابتلاء فيها من اهم الابتلاءات، فكان ظهور البداء فيها من اعظم البدوات التي امتحن الله بها قلوب العباد ـ والله العالم ـ ج ـ ز

(1) اي هذبوها وطيبوها

(2) انز الشئ تصلب وتشدد

(3) وروى " فابدؤها وانشاؤها ثم ابرؤها وتجزوها " وما ذكرناه اوفق. ج ـ ز (*)

 

 

===============

(42)

الحسد فابى ان يسجد فقال الله عزوجل " ما منعك ألا تسجد اذ أمرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال الصادق (عليه السلام) فاول من قاس ابليس واستكبر والاستكبار هو اول معصية عصي الله بها قال فقال ابليس يارب اعفني من السجود لآدم (عليه السلام) وانا اعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل قال الله تبارك وتعالى لا حاجة لي إلى عبادتك انما اريد ان اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد فابى ان يسجد فقال الله تعالى " فاخرج منها فانك رجيم وان عليك لعنتي إلى يوم الدين " فقال ابليس يا رب كيف وانت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا ولكن إسأل من امر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فاعطيتك فاول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله قد اعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال قد سلطتك قال اجرني منهم مجرى الدم في العروق قال قد اجريتك قال ولا يلد لهم ولد الا ويلد لى اثنان قال واراهم ولا يروني واتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد اعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك في صدورهم اوطانا قال رب حسبي فقال ابليس عند ذلك " فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين " قال وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل عن زرارة عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال لما اعطى الله تبارك وتعالى ابليس ما اعطاه من القوة قال آدم يا رب سلطته على ولدي واجريته مجرى الدم في العروق واعطيته ما اعطيته فما لي ولولدي؟

فقال لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة امثالها قال يا رب زدنى قال التوبة مبسوطة إلى حين يبلغ النفس الحلقوم فقال يا رب زدنى قال اغفر ولا ابالي قال حسبي قال قلت له جعلت فداك بماذا استوجب ابليس من الله ان اعطاه ما اعطاه فقال بشئ كان منه شكره الله عليه قلت وما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في اربعة آلاف سنة.

 

===============

(43)

واما قوله (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) فانه حدثني ابى رفعه قال سئل الصادق (عليه السلام) عن جنة آدم أمن جنان الدنيا كانت ام من جنان الآخرة فقال كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما اخرج منها أبدا آدم ولم يدخلها إبليس قال اسكنه الله الجنة واتى جهالة إلى الشجرة فاخرجه لانه خلق خلقة لا تبقى الا بالامر والنهي واللباس والاكنان (1) والنكاح ولا يدرك ما ينفعه مما يضره الا بالتوقيف فجاءه ابليس فقال انكما ان اكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنة أبدا وان لم تأكلا منها اخرجكما الله من الجنة وحلف لهما انه لهما ناصح كما قال الله تعالى حكاية عنه " ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين " فقبل آدم قوله فاكلا من الشجرة فكان كما حكى الله " بدت لهما سوءاتهما " وسقط عنهما ما البسهما الله من لباس الجنة واقبلا يستتران بورق الجنة " وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين " فقالا كما حكى الله عزوجل عنهما " ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فقال الله لهما (اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين) قال إلى يوم القيامة، قوله (فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين) فهبط آدم على الصفا وانما سميت الصفا لان صفوة الله نزل عليها ونزلت حواء على المروة وانما سميت المروة لان المرأة نزلت عليها فبقي آدم اربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال يا آدم الم يخلقك الله

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الاكنان جمع كن وهو ماكن من الحر والبرد. (*)

 

 

===============

(44)

بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته قال بلى قال وأمرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ قال يا جبرئيل ان ابليس حلف لي بالله انه لي ناصح وما ظننت ان خلقا يخلقه الله ان يحلف بالله كاذبا، قال وحدثني ابى عن ابن ابى عمير عن إبن مسكان عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال ان موسى (عليه السلام) سأل ربه ان يجمع بينه وبين آدم (عليه السلام) فجمع فقال له موسى يا ابة الم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وامرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ فقال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التورية؟ قال بثلاثين الف سنة قبل ان خلق آدم قال فهو ذاك قال الصادق (عليه السلام) فحج آدم موسى (عليهما السلام).

واما قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم) فانه حدثني ابي عن ابن ابى عمير عن ابان بن عثمان عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال ان آدم (عليه السلام) بقي على الصفا اربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة وعلى خروجه من الجنة من جوار الله عزوجل فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال يا آدم مالك تبكي فقال يا جبرئيل مالي لا أبكي وقد اخرجني الله من الجنة من جواره واهبطني إلى الدنيا فقال يا آدم تب اليه قال وكيف اتوب فانزل الله عليه قبة من نور فيه موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم فامر الله جبرئيل ان يضع عليه الاعلام قال قم يا آدم فخرج به يوم التروية وامره ان يغتسل ويحرم واخرج من الجنة اول يوم من ذي القعدة فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة اخرجه جبرئيل (عليه السلام) إلى منى فبات بها فلما اصبح اخرجه إلى عرفات وقد كان علمه حين اخرجه من مكة الاحرام وعلمه التلبية فلما زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وامره ان يغتسل فلما صلى العصر اوقفه بعرفات وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه وهي " سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك انت الغفور الرحيم سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوءا

 

===============

(45)

وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك خير الغافرين سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك انت التواب الرحيم " فبقي إلى ان غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرع ويبكي إلى الله فلما غابت الشمس رده إلى المشعر فبات بها فلما اصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالى بكلمات وتاب الله ثم افضى إلى منى وامره جبرئيل ان يحلق الشعر الذي عليه فحلقه ثم رده إلى مكة فاتى به عند الجمرة الاولى فعرض له ابليس عندها فقال يا آدم اين تريد؟ فامره جبرئيل ان يرميه بسبع حصيات فرمى وان يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ثم ذهب فعرض له ابليس عند الجمرة الثانية فامره ان يرميه بسبع حصيات فرمى وكبر مع كل حصاة تكبيرة ثم ذهب فعرض له ابليس عند الجمرة الثالثة فامره ان يرميه بسبع حصيات عند كل حصاة تكبيرة فذهب ابليس لعنه الله وقال له جبرئيل انك لن تراه بعد هذا اليوم ابدا، فانطلق به إلى البيت الحرام وامره ان يطوف به سبع مرات ففعل فقال له ان الله قد قبل توبتك وحلت لك زوجتك قال فلما قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالابطح فقالوا يا آدم بر حجك اما انا قد حججنا قبلك هذا البيت بالفي عام، قال وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابى جعفر (عليه السلام) قال كان عمر آدم (عليه السلام) من يوم خلقه الله إلى يوم قبضه تسعماءة وثلاثين سنة ودفن بمكة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته من اسفل اضلاعه واسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها الا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله واخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس وما بات فيها.

واما قوله (وعلم آدم الاسماء كلها) قال اسماء الجبال والبحار والاودية والنبات والحيوان ثم قال الله عزوجل للملائكة (أنبئونى باسماء هؤلآء ان كنتم صادقين) فقالوا كما حكى الله (سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم) فقال الله (يا آدم انبئهم باسمائهم فلما ابنأهم باسمائهم) فقال الله (الم اقل لكم

 

===============

(46)

انى اعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) فجعل آدم (عليه السلام) حجة عليهم، واما قوله (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واوفوا بعهدي اوف بعهدكم واياي فارهبون) فانه حدثني ابى عن محمد بن ابى عمير عن جميل عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال له رجل جعلت فداك ان الله يقول " ادعونى استجب لكم " وانا ندعو فلا يستجاب لنا، قال لانكم لا تفون الله بعهده وان الله يقول " اوفوا بعهدي اوف بعهدكم " والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم، واما قوله (اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم) قال نزلت في القصاص والخطاب وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى كل منبر منهم خطيب مصقع يكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه، وقال الكميت في ذلك.

مصيب على الاعواد يوم ركوبها * لما قال فيها، مخطئ حين ينزل ولغيره في هذا المعنى.

وغير تقي يأمر الناس بالتقى * طبيب يداوي الناس وهو عليل وقوله جل ذكره (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال الصبر الصوم (وانها لكبيرة الا على الخاشعين) يعني الصلاة وقوله (الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم اليه راجعون) قال الظن في الكتاب على وجهين فمنه ظن يقين ومنه ظن شك ففي هذا الموضع الظن يقين وانما الشك قوله تعالى " ان نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين " وقوله " وظننتم ظن السوء " واما قوله " يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين) قال لفظ العالمين عام ومعناه خاص وانما فضلهم على عالمي زمانهم باشياء خصهم بها مثل المن والسلوى والحجر الذي انفجر منه اثنتا عشرة عينا وقوله (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يوخذ منها عدل) وهو قوله (عليه السلام) والله لو ان كل ملك مقرب او نبي مرسل شفعوا في ناصب ما شفعوا وقوله " واذ نجيناكم من آل

 

===============

(47)

فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون ابناءكم ويستحيون نساءكم) وان فرعون لما بلغه ان بني اسرائيل يقولون يولد فينا رجل يكون هلاك فرعون واصحابه على يده كان يقتل اولادهم الذكور ويدع الاناث، واما قوله (واذ واعدنا موسى اربعين ليلة الآية) فان الله تبارك وتعالى اوحى إلى موسى (عليه السلام) انى انزل عليكم التورية وفيها الاحكام التي يحتاج اليها إلى اربعين يوما وهو ذو القعدة وعشرة من ذي الحجة فقال موسى (عليه السلام) لاصحابه ان الله قد وعدنى ان ينزل على التورية والالواح إلى ثلاثين يوما فامره الله ان لا يقول لهم إلى اربعين يوما فتضيق صدورهم ونكتب خبره في سورة طه وقوله (واذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم) فان موسى (عليه السلام) لما خرج إلى الميقات ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل قال لهم " يا قوم انكم ظلمتم انفسكم " فقالوا وكيف نقتل انفسنا فقال لهم موسى اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين او حديدة او سيف فاذا صعدت انا منبر بني اسرائيل فكونوا انتم متلثمين لا يعرف احد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا فاجتمعوا سبعين الف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس فلما صلى بهم موسى (عليه السلام) وصعد المنبر اقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال قل لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم فقتل عشرة آلاف وانزل الله (ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم) وقوله (واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة الآية) فهم السبعون الذين اختارهم موسى ليسعموا كلام الله فلما سمعوا الكلام قالوا لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة فبعث الله عليهم صاعقة فاحترقوا ثم احياهم الله بعد ذلك وبعثهم انبياء فهذا دليل على الرجعة في امة محمد (صلى الله عليه وآله) فانه قال (صلى الله عليه وآله) لم يكن في بني اسرائيل شئ الا وفي امتي مثله وقوله (وظللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم

 

===============

(48)

المن والسلوى الآية) فان بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى اهلكتنا وقتلتنا واخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل ولا شجر ولا ماء وكانت تجئ بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه وبالعشي يأتيهم طائر مشوي فيقع على موايدهم فاذا اكلوا وشبعوا طار وكان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاة فينفجر منه اثنتا عشرة عينا كما حكى الله فيذهب كل سبط في رحله وكانوا اثنى عشر سبطا فلما طال عليهم الامد قالوا يا موسى (لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) والفوم الحنطة فقال لهم موسى (اتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم) فقالوا " يا موسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون " فنصفت الآية في سورة البقرة وتمامها وجوابها لموسى في المائدة وقوله (وقولوا حطة) اي حط عنا ذنوبنا فبدلوا ذلك وقالوا " حنطة " وقال الله (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا ـ آل محمد حقهم (1) رجزا من السما بما كانوا يفسقون) وقوله (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين) قال الصائبون قوم لا مجوس لا يهود ولا نصارى ولا مسلمين وهم يعبدون الكواكب والنجوم وقوله (واذ اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) وتفسير هذه الكلمة كما في تفسير الامام العسكري (ع) انه قيل لهم بالانقياد لولاية الله ولولاية محمد صلى الله عليه وآله وعلي (ع) وآلهما الطيبين وانهم لما لم ينقادوا وظلموا حق الله وحق محمد صلى الله عليه وآله وآله انزل الرجز عليهم من السماء. ج ـ ز (*)

 

 

===============

(49)

خذوا ما آتيناكم بقوة) فان موسى (عليه السلام) لما رجع إلى بني إسرائيل ومعه النوربة لم يقبلوا منه فرفع الله جبل طور سينا عليهم وقال لهم موسى لئن لم تقبلوا ليقعن الجبل عليكم وليقتلنكم فنكسوا رؤسهم فقالوا نقبله.

وأما قوله (واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة الآية) قال حدثني أبى عن ابن أبى عمير عن بعض رجالهم عن أبى عبدالله (عليه السلام) قال إن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب إمرأة منهم فانعمت له (1) وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديا فلم ينعموا له فحسد إبن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ثم حمله إلى موسى (عليه السلام) فقال يا نبي الله هذا ابن عمى قد قتل قال موسى من قتله؟ قال لا أدري وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم ذلك على موسى فاجتمع اليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله؟ وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه وكان نائما وكره إبنه ان ينبهه وينغض عليه نومه فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته فلما انتبه ابوه قال له يابني ماذا صنعت في سلعتك؟ قال هى قائمة لم ابعها لان المفتاح كان تحت رأسك فكرهت ان انبهك وانغض عليك نومك قال له أبوه قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك وشكر الله لابنه ما فعل بابيه وامر بني إسرائيل ان يذبحوا تلك البقرة بعينها فلما اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى (ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة) فتعجبوا فقالوا (اتتخذنا هزوا) نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة فقال لهم موسى (اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين) فعلموا انهم قد اخطأوا فقالوا (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) أنعم له أي قال له " نعم " ج ـ ز (*)

 

 

===============

(50)

بكر) والفارض التي قد ضربها الفحل ولا تحمل والبكر التي لم يضربها الفحل (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها) اي شديدة الصفرة (تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض) اي لم تذلل (ولا تسقى الحرث) اي لا تسقى الزرع (مسلمة لاشية فيها) اي لا نقط فيها الا الصفرة (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون) هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا ابيعها الا بملء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى فاخبروه فقال لهم موسى لابد لكم من ذبحها بعينها بملء جلدها ذهبا فذبحوها ثم قالوا ما تأمرنا يا نبي الله فاوحى الله تعالى اليه قل لهم اضربوه ببعضها وقولوا من قتلك؟ فاخذوا الذنب فضربوه به وقالوا من قتلك يا فلان فقال فلان بن فلان إبن عمي الذي جاء به وهو قوله (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون).

وقوله (افتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون الآية) فانما نزلت في اليهود وقد كانوا اظهروا الاسلام وكانوا منافقين وكانوا إذا رأوا رسول الله قالوا إنا معكم وإذا رأوا اليهود قالوا انا معكم وكانوا يخبرون المسلمين بما في التورية من صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واصحابه وقالوا لهم كبراؤهم وعلماؤهم (اتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم افلا تعقلون) فرد الله عليهم فقال (أو لا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم اميون) اى من اليهود (لا يعلمون الكتاب الا اماني وان هم الا يظنون) وكان قوم منهم يحرفون التورية واحكامه ثم يدعون انه من عند الله فانزل الله فيهم (فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما

 

===============

(51)

كتب أيديهم وويل لهم مما يكسبون) وقوله (وقالوا لن تمسنا النار الا اياما معدودة) قال بنو إسرائيل لن تمسنا النار ولن نعذب الا الايام المعدودات التي عبدنا فيها العجل فرد الله عليهم فقال وقالوا لن تمسنا النار الا اياما معدودة قل يا محمد لهم (أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا تعلمون) وقوله (وقولوا للناس حسنا) نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ".

واما قوله (وإذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون الآية) وإنما نزلت في ابي ذر رحمة الله عليه وعثمان (1) بن عفان وكان سبب ذلك لما امر عثمان بنفي ابي ذر إلى الربذة دخل عليه ابوذر وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مأة الف درهم قد حملت اليه من بعض النواحي واصحابه حوله ينظرون اليه ويطمعون ان يقسمها فيهم فقال ابوذر لعثمان ما هذا المال؟ فقال عثمان مأة الف درهم حملت الي من بعض النواحي اريد اضم اليها مثلها ثم ارى فيها رأي فقال ابوذر " يا عثمان ايما اكثر مأة الف درهم او اربعة دنانير "؟ فقال عثمان بل " مأة الف درهم " قال اما تذكر انا وانت وقد دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشيا فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم (2) يرد علينا السلام فلما اصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) إن قضية عثمان وابي ذر نالت من الشياع والظهور ما لا يكاد يخفى على من له مساس بالتاريخ، فمن شاء فليراجع: مروج الذهب 1 / 438،  انساب البلاذري 5 / 53، تاريخ اليعقوبي 2 / 148، طبقات ابن سعد 4 / 168 صحيح البخاري كتاب الزكاة، عمدة القاري 4 / 291، شرح نهج البلاغة (محمد عبده) 2 / 17، كتاب ابوذر الغفاري لعبد الحميد جودة السحار ص 144.

(2) لعل هذه الواقعة كانت قبل نزول آية التحية. ج ـ ز (*)

 

 

===============

(52)

بآبائنا وامهاتنا دخلنا اليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا ثم عدنا اليك اليوم فرأيناك فرحا مستبشرا فقال نعم كان قد بقي عندي من فئ المسلمين اربعة دنانير لم اكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم واسترحت منها فنظر عثمان إلى كعب الاحبار، وقال له يا ابا اسحاق ما تقول في رجل ادى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئا؟ فقال لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ فرفع ابوذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يابن اليهودية الكافرة ما انت والنظر في احكام المسلمين قول الله اصدق من قولك حيث قال " الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " فقال عثمان " يا ابا ذر انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك " فقال " كذبت يا عثمان اخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لا يفتنونك يا ابا ذر ولا يقتلونك واما عقلي فقد بقي منه ما احفظه حديثا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك وفي قومك " فقال وما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وفي قومي؟ قال " سمعت يقول إذا بلغ آل ابي العاص ثلاثون رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دغلا وعباده خولا والفاسقين حزبا والصالحين حربا " فقال عثمان " يا معشر اصحاب محمد هل سمع احد منكم هذا من رسول الله " فقالوا لا ما سمعنا هذا من رسول الله " فقال عثمان ادع عليا فجاء امير المؤمنين (عليه السلام) فقال له عثمان: يا ابا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب " فقال امير المؤمنين مه يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول " ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء على ذى لهجة (اللهجة اللسان) اصدق من ابي ذر " فقال اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدق ابوذر وقد سمعنا هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبكى ابوذر عند ذلك فقال ويلكم كلكم قد مد عنقه

 

===============

(53)

إلى هذا المال ظنتم انى اكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نظر اليهم فقال من خيركم فقالوا من خيرنا فقال انا فقالوا انت تقول انك خيرنا قال نعم خلفت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الجبة وهو عني راض وانتم قد احدثتم احداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان يا ابا ذر اسألك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) الا ما اخبرتنى عن شئ اسألك عنه فقال ابوذر والله لو لم تسألني بحق محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ايضا لاخبرتك فقال اي البلاد احب اليك ان تكون فيها فقال مكة حرم الله وحرم رسول الله اعبدالله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لا ولا كرامة لك فسكت ابوذر فقال عثمان اي البلاد ابغض اليك ان تكون فيها قال الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فقال عثمان سر اليها فقال ابوذر قد سألتني فصدقتك وانا اسألك فاصدقني قال نعم قال اخبرنى لو بعثتني في بعث من اصحابك إلى المشركين فاسرونى فقالوا لا نفديه الا بثلث ما تملك قال كنت افديك قال فان قالوا لا نفديه الا بنصف ما تملك قال كنت افديك قال فان قالوا لا نفديه الا بكل ما تملك قال كنت افديك قال ابوذر الله اكبر قال حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما " يا ابا ذر وكيف انت إذا قيل لك اي البلاد احب اليك ان تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله ا عبدالله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فاي البلاد ابغض اليك ان تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فيقال لك سر اليها " فقلت وان هذا لكائن فقال " اي والذي نفسي بيده انه لكائن " فقلت يا رسول الله افلا اضع سيفي هذا على عاتقي فاضرب به قدما قدما قالا لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد انزل الله فيك وفي عثمان آية فقلت وما هى يا رسول الله فقال قوله تعالى " وإذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون

 

===============

(54)

دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون ثم انتم هؤلآء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ".

واما قوله (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) احبوا العجل حتى عبدوه ثم قالوا نحن اولياء الله فقال الله عزوجل ان كنتم اولياء الله كما تقولون (فتمنوا الموت ان كنتم صادقين) لان في التورية مكتوب ان اولياء الله يتمنون الموت ولا يرهبونه وقوله (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزل على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) فانما نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ان لنا في الملائكة اصدقاء واعداء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صديقكم ومن عدوكم؟ فقالوا جبرئيل عدونا لانه يأتي بالعذاب ولو كان الذي ينزل عليك القرآن ميكائيل لآمنا بك فان ميكائيل صديقنا وجبريل ملك الفضاضة والعذاب وميكائيل ملك الرحمة فانزل الله (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين) وقوله (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه إلى قوله ـ كانوا يعلمون) فانه حدثنى ابي عن ابن ابي عمير عن ابان بن عثمان عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) قال ان سليمان بن داود امر الجن والانس فبنوا له بيتا من قوارير قال فبينما هو متكئ على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون

 

===============

(55)

وينظرون اليه إذا حانت منه التفاتة فاذا هو برجل معه في القبة، ففزع منه وقال من انت؟ قال انا الذي لا اقبل الرشى ولا اهاب الملوك، انا ملك الموت، فقبضه وهو متكئ على عصاه فمكثوا سنة يبنون وينظرون اليه ويدانون له ويعملون حتى بعث الله الارضة فاكلت منساته وهى العصا فلما خر تبينت الانس ان لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب المهين فالجن تشكر الارضة بما عملت بعصا سليمان، قال فلا تكاد تراها في مكان الا وجد عندها ماء وطين فلما هلك سليمان وضع ابليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره " هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخاير كنوز العلم من اراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا " ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان سليمان (عليه السلام) يغلبنا الا بهذا وقال المؤمنون بل هو عبدالله ونبيه فقال الله جل ذكره " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " إلى قوله (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من احد الا باذن الله) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن محمد بن قيس عن ابي جعفر (عليه السلام) قال سأله عطاء ونحن بمكة عن هاروت وماروت فقال ابوجعفر ان الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الارض في كل يوم وليلة يحفظون اوساط اهل الارض من ولد آدم والجن ويكتبون اعمالهم ويعرجون بها إلى السماء قال فضج اهل السماء من معاصي اهل الارض فتوامروا (1) فيما بينهم مما يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله تبارك وتعالى وجرءتهم عليه ونزهوا الله مما يقول فيه خلقه ويصفون، فقال طائفة من الملائكة " يا ربنا ما تغضب

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اي تشاوروا وتكلموا فيما بينهم. ج ـ ز (*)

 

 

===============

(56)

مما يعمل خلقك في ارضك ومما يصفون فيك الكذب ويقولون الزور ويرتكبون المعاصي وقد نهيتهم عنها ثم انت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك " قال ابوجعفر (عليه السلام) فاحب الله ان يرى الملائكة القدرة ونافذ امره في جميع خلقه ويعرف الملائكة ما من به عليهم ومما عدله عنهم من صنع خلقه وما طبعهم عليه من الطاعة وعصمهم من الذنوب، قال فاوحى الله إلى الملائكة ان انتخبوا منكم ملكين حتى اهبطهما إلى الارض ثم اجعل فيهما من طبايع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والامل مثل ما جعلته في ولد آدم ثم اختبرهما في الطاعة لي، فندبوا إلى ذلك هاروت وماروت وكانا من اشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستيثار غضب الله عليهم، قال فاوحى الله اليهما ان اهبطا إلى الارض فقد جعلت فيكما من طبايع الطعام والشراب والشهوة والحرص والامل مثل ما جعلته في ولد آدم، قال ثم اوحى الله اليهما انظرا ان لا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس التي حرم الله ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم اهبطهما إلى الارض في صورة البشر ولباسهم فهبطا ناحية بابل فوقع لهما بناء مشرق فاقبلا نحوه فاذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزينة عطرة مقبلة مسفرة نحوهما، قال فلما نظرا اليها وناطقاها وتأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموقع الشهوة التي جعلت فيهما فرجعا اليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسهما فقالت لهما ان لي دينا ادين به وليس اقدر في ديني على ان اجيبكما إلى ما تريدان إلا ان تدخلا في ديني الذي ادين به فقالا لها وما دينك؟ قالت لي آله من عبده وسجد له كان لي السبيل إلى ان اجيبه إلى كل ما سألني، فقالا لها وما الهك قالت الهي هذا الصنم قال فنظر احدهما إلى صاحبه فقال هاتان خصلتان مما نهانا عنهما الشرك والزنا لانا ان سجدنا لهذا الصنم وعبدناه اشركنا بالله وانما نشرك بالله لنصل إلى الزنا وهو ذا نحن نطلب الزنا وليس نخطأ الا بالشرك فائتمرا بينهما

 

===============

(57)

فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما، فقالا لها فانا نجيبك ما سألت، فقالت فدونكما فاشربا هذا الخمر فانه قربان لكما عنده به تصلان إلى ما تريدان، فائتمرا بينهما فقالا هذه ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر وانما ندخل في شرب الخمر والشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما، فقالا ما اعظم البلية بك قد أجبناك إلى ما سألت، قالت فدونكما فاشربا من هذا الخمر واعبدا هذا الصنم واسجدا له، فشربا الخمر وعبدا الصنم ثم راوداها من نفسها فلما تهيأت لهما وتهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل، فلما رءاهما ورأياه ذعرا منه فقال لهما انكما لامرءان ذعران فدخلتما بهذه المرأة العطرة الحسناء، انكما لرجلا سوء وخرج عنهما فقالت لهما لا والهي لا تصلان الآن الي وقد اطلع هذا الرجل على حالكما وعرف مكانكما ويخرج الآن ويخبر بخبركما ولكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل ان يفضحكما ويفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما وانتما مطمئنان آمنان، قال فقاما إلى الرجل فادركاه فقتلاه ثم رجعا اليها فلم يرياها وبدت لهما سوءاتهما ونزع عنهما رياشهما واسقط في ايديهما، قال فاوحى الله اليهما انما اهبطتكما إلى الارض مع خلقي ساعة من النهار فعصيتماني باربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها فلم تراقباني

فلم تستحيا مني وقد كنتما اشد من نقم على اهل الارض للمعاصي واستسجز اسفى وغضبى عليهم، ولما جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمني اياكما من المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما، اختارا عذاب الدنيا او عذاب الآخرة، فقال احدهما لصاحبه نتمتع من شهواتها في الدنيا اذ صرنا اليها إلى ان نصير إلى عذاب الآخرة، فقال الآخر ان عذاب الدنيا له مدة وانقطاع وعذاب الآخرة قائم لا انقضاء له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع الفاني قال فاختارا عذاب الدنيا وكانا يعلمان الناس السحر في ارض بابل ثم لما

 

===============

(58)

علما الناس السحر رفعا من الارض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة (1).

واما قوله (يا ايها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) اي لا تقولوا تخليطا (2) وقولوا افهمنا وقوله (ما ننسخ من آية او ننسها نات بخير منها او مثلها) فقوله ننسها اي نتركها ونترك حكمها فسمى الترك بالنسيان في هذه الآية وقوله " او مثلها " فهي زيادة انما نزل " نات بخير مثلها " واما قوله (ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) فانما نزلت في قريش حين منعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخول مكة وقوله (ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخفى ان هذه الرواية وان كان ظاهرها مما ينكره العقل والنقل لكونه قادحا في قداسة الملائكة الذين لا يعصون الله طرفة عين لانهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول، وانه قد ورد في الباب اخبار رادة لها كالخبر المروي في تفسير الامام العسكري عليه السلام، الا ان التأمل الدقيق يعطي عدم منافاتها للعقل ـ لان عصيان الملائكة مستحيل مع كونهم كذلك ـ اما بعد ان اعطاهما الله تعالى ما للبشر من القوى الشهوية والاحساسات النفسانية ـ كما يظهر من الرواية ـ فظاهره صيرورتهما بشرا او مثل البشر في فقدان العصمة وامكان المعصية، واشكال الفلاسفة بعدم امكان انقلاب الماهيات مدفوع، بعموم قدرة الله تعالى،  والمعاجز الصادرة عن المعصومين عليهم السلام شاهدة على ذلك ـ لكنه قد ورد في تفسير الامام العسكري عليه السلام ما يرد هذا الخبر فحينئذ يؤخذ بالاوضح متنا والاوثق سندا ويعمل بالمرجحات كما هو المناط في باب اختلاف الروايتين ولما لم يكن ثمة ثمرة عملية لم نطل الكلام في تنقيح المقام ج ـ ز.

(2) خلط في الكلام اي هذى. (*)

 

 

===============

(59)

وجه الله) فانها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر واما الفرايض فقوله " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " يعني الفرايض لا تصليها الا إلى القبلة واما قوله (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال إني جاعلك للناس اماما) قال هو ما ابتلاه الله (1) مما اراه في نومه بذبح ولده فاتمها ابراهيم (عليه السلام) وعزم عليها وسلم فلما عزم وعمل بما امره الله قال الله تعالى " إني جاعلك للناس اماما " قال ابراهيم ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم انزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة اشياء خمسة في الرأس وخمسة في البدن فاما التي في الرأس فاخذ الشارب، واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الاظفار والغسل من الجنابة والطهور بالماء فهذه خمسة في البدن وهو الحنفية الطهارة التي جاء بها ابراهيم فلم تنسخ إلى يوم القيامة وهو قوله " واتبع ملة ابراهيم حنيفا " واما قوله (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا) فالمثابة العود اليه وقوله (طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) قال الصادق (عليه السلام) يعني نحى عن المشركين وقال لما بنى ابراهيم البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما تلقى من ايدي المشركين وانفاسهم فاوحى الله اليها قرى كعبة فاني ابعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون وقوله (وارزق اهله من الثمرات من آمن

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي تفسير الامام العسكري عليه السلام مرويا عن الصادق عليه السلام ان المراد من تلك الكلمات، الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه فتاب عليه وهي انه قال " يارب اسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين الا تبت علي " ـ قيل له يابن رسول الله فما يعني بقوله " فاتمهن "؟ قال " يعني فاتمهن إلى القائم عليه السلام (الرواية) ج ـ ز. (*)

 

 

===============

(60)

منهم بالله واليوم الآخر) فانه دعا ابراهيم ربه ان يرزق من آمن به فقال الله يا ابراهيم ومن كفر ايضا ارزقه (فامتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) واما قوله (واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل الآية) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن هشام عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال ان ابراهيم (عليه السلام) كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر اسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لانه لم يكن له منها ولد كانت تؤذي ابراهيم في هاجر وتغمه فشكى ابراهيم ذلك إلى الله عزوجل فاوحى الله اليه انما مثل المرأة مثل الضلع العوجا ان تركتها استمتعتها وان اقمتها كسرتها ثم امره ان يخرج اسماعيل وامه (فقال يا رب إلى اي مكان؟ قال إلى حرمي وامني واول بقعة خلقتها من الارض وهي مكة فانزل الله عليه جبرائيل بالبراق (1) فحمل هاجر واسماعيل وكان ابراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع الا قال يا جبرئيل إلى ههنا إلى ههنا فيقول لا امض، امض حتى اتى مكة فوضعه في موضع البيت وقد كان ابراهيم (عليه السلام) عاهد سارة ان لا ينزل حتى يرجع اليها، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجرة فالقت هاجر على ذلك الشجر كساءا وكان معها فاستظلوا تحته فلما سرحهم ابراهيم ووضعهم واراد الانصراف منهم إلى سارة قالت له هاجر يا ابراهيم لم تدعنا في موضع ليس فيه انيس ولا ماء ولا زرع فقال ابراهيم الله الذي امرني ان اضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهم فلما بلغ كداء وهو جبل بذى طوى التفت اليهم ابراهيم فقال (رب اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) لم تكن العبارة بين القوسين في نسخة تفسير القمي الموجودة عندي انما نقلتها على ما حكاها عنه البحراني في البرهان ج ـ ز. (*)

 

 

===============

(61)

من الثمرات لعلهم يشكرون) ثم مضى وبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش اسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في مضوع المسعى ونادت هل في الوادي من انيس، فغاب عنها اسماعيل فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت انه ماء فنزلت في بطن الوادى وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها اسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها اسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى اسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله فعادت حتى جمعت حوله رملا فانه كان سائلا فزمته بما جعلته حوله فلذلك سميت " زمزم " وكانت جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء فنظرت جرهم إلى تعكف الطير على ذلك المكان فاتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي في ذلك الموضع قد استظلوا بشجرة وقد ظهر الماء لهما فقالوا لهاجر من انت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ فقالت انا ام ولد ابراهيم خليل الرحمن وهذا ابنه امره الله ان ينزلنا هيهنا فقالوا لها ايها المباركة أفتاذني لنا ان نكون بالقرب منكما؟ فقالت حتى ياتى ابراهيم فلما زارهم ابراهيم (عليه السلام) يوم الثالث فقالت هاجر يا خليل الله ان هيهنا قوما من جرهم يسألونك ان تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا افتأذن لهم في ذلك فقال ابراهيم نعم فاذنت فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فآنست هاجر واسماعيل بهم فلما زارهم ابراهيم في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بهم سرورا شديدا فلما ترعرع اسماعيل (عليه السلام) وكانت جرهم قد وهبوا لاسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين فكانت هاجر واسماعيل يعيشان بها.

فلما بلغ اسماعيل مبلغ الرجال امر الله ابراهيم (عليه السلام) ان يبني البيت فقال يا رب في اي بقعه قال في البقعة التي انزلت على آدم القبة فاضاء لها الحرم فلم تزل القبة التي انزلها الله على آدم قائمة حتى كان ايام الطوفان ايام نوح (عليه السلام)

 

===============

(62)

فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا الا موضع البيت فسميت البيت العتيق لانه اعتق من الغرق فلما امر الله عزوجل ابراهيم (عليه السلام) ان يبني البيت ولم يدر في اي مكان يبنيه فبعث الله جبرئيل (عليه السلام) فخط له موضع البيت فانزل الله عليه القواعد من الجنة وكان الحجر الذي انزل الله على آدم اشد بياضا من الثلج فلما لمسته ايدي الكفار اسود، فبنى ابراهيم البيت ونقل اسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة ازرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه ابراهيم (عليه السلام) ووضعه في موضعه الذي هو فيه الاول وجعل له بابين باب إلى المشرق وباب إلى المغرب والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم القى عليه الشجر والاذخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها وكانوا يكنون تحته.

فلما بناه وفرغ منه حج ابراهيم (عليه السلام) واسماعيل ونزل عليهما جبرئيل (عليه السلام) يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال يا إبراهيم قم فارتو من الماء لانه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم أخرجه إلى منى فبات بها ففعل به ما فعل بآدم (عليه السلام) فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت " رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر " قال من ثمرات القلوب اي حببهم إلى الناس لينتابوا (1) اليهم ويعودوا اليهم.

واما قوله (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) فانه يعني من ولد اسماعيل (عليه السلام) فلذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " انا دعوة ابي ابراهيم (عليه السلام) " وقوله (فانما هم في شقاق) يعني في كفر، قوله (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) يعني به الاسلام.

الجزء (2) وقوله (سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فان هذه الآية متقدمة على قوله " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) انتابهم انتيابا اى اتاهم مرة بعد اخرى قاموس (*)

 

 

===============

(63)

قبلة ترضيها " لانه نزل اولا " قد نرى تقلب وجهك في السماء " ثم نزل " سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " وذلك إن اليهود كانوا يعيرون برسول الله ويقولون أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم من ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر في آفاق السماء ينتظر بأمر الله تبارك وتعالى في ذلك، فلما أصبح وحضرت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى بهم الظهر ركعتين، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فأخذ بعضديه فحوله إلى الكعبة، فانزل الله عليه " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام " فصلى ركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود والسفهاء ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وتحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة ثلاثة عشر سنة إلى البيت المقدس وبعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى البيت المقدس سبعة اشهر، ثم حول الله عزوجل القبلة إلى البيت الحرام ثم قال الله عزوجل (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) يعني ولا الذين ظلموا منهم " وإلا " في موضع " ولا " وليست هي استثناء، واما قوله (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) يعنى أئمة وسطا اي عدلا وواسطة بين الرسول والناس والدليل على ان هذا مخاطبة للائمة (عليهم السلام) قوله في سورة الحج " ليكون الرسول شهيدا عليكم " يا معشر الائمة " وتكونوا ـ انتم ـ شهداء على الناس " وانما نزلت " وكذلك جعلناكم أئمة وسطا (1) ".

وقوله (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) وقد فصلنا القول في مثل هذه الكلمات في مقدمتنا، فعلى القارئ الكريم مراجعتها ج ـ ز (*)

 

 

===============

(64)

عليه ان يطوف بهما) فان قريشا كانت وضعت اصنامهم بين الصفا والمروة وكانوا يتمسحون بها اذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان في غزاة الحديبية وصده عن البيت وشرطوا له ان يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة ايام ثم يخرج عنها فلما كان عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة وقال لقريش ارفعوا اصنامكم من بين الصفا والمروة حتى أسعى، فرفعوها فسعى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الصفا والمروة وقد رفعت الاصنام، وبقي رجل من الطواف ردت قريش الاصنام بين الصفا والمروة فجاء الرجل الذي لم يسع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال قد ردت قريش الاصنام بين الصفا والمروة ولم اسع فانزل الله عزوجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما " والاصنام فيهما وقوله (اولئك يلعنهم الله وبلعنهم اللاعنون) قال كل من قد لعنه الله من الجن والانس يلعنهم، قوله (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) فانما البهايم اذا زجرها صاحبها فانها تسمع الصوت ولا تدري ما يريد وكذلك الكفار اذا قرأت عليهم وعرضت عليهم الايمان لا يعلمون مثل البهايم وقوله (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) فالباغي من يخرج في غير طاعة الله، والعادي الذي يعتدي على الناس ويقطع الطريق وقوله (فما اصبرهم على النار) يعني ما اجراهم، وقوله (ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر) فهي شروط الايمان الذي هو التصديق، قوله (والصابرين في البأساء والضراء) قال في الجوع والعطش والخوف والمرض (وحين الباس) قال عند القتل، وقوله (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد

 

===============

(65)

والانثى بالانثى) فهي ناسخة لقوله النفس بالنفس (1) وقوله (ولكم في القصاص حياة يا اولى الالباب) قال يعني لولا القصاص لقتل بعضكم بعضا وقوله (كتب عليكم إذا حضر احدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) فانما هي منسوخة بقوله " يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين " وقوله (فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) يعني بذلك بعد الوصية ثم رخص فقال (فمن خاف من موص جنفا او إثما فاصلح بينهم فلا إثم عليه) قال الصادق (عليه السلام) اذا اوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي ان يغير وصيته يوصيها، بل يمضيها على ما اوصى، الا ان يوصي بغير ما امر الله فيعصي في الوصية ويظلم فالموصى اليه جائز له ان يرده إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض ورثته ويحرم بعضا فالوصي جايز له ان يرده إلى الحق وهو قوله " جنفا او إثما " فالجنف الميل إلى بعض ورثته دون بعض والاثم ان يأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي ان لا يعمل بشئ من ذلك.

وقوله (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم تتقون) فانه قال اول ما فرض الله الصوم لم يفرضه في شهر رمضان على الانبياء، ولم يفرضه على الامم، فلما بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) خصه بفضل شهر رمضان هو وامته، وكان الصوم قبل ان ينزل شهر رمضان يصوم الناس اياما ثم نزل (شهر رمضان الذي

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص (المائدة 45) ولعل المراد من النسخ في المقام ان الآية " النفس بالنفس " تدل على حتمية القصاص والآية " الحر بالحر " تدل على رخصته بقوله: فمن عفي له من اخيه... الخ " ج ـ ز. (*)

 

 

===============

(66)

انزل فيه القرآن) قال وسئل الصادق (عليه السلام) عن شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن كيف كان، وانما انزل القرآن في طول عشرين سنة؟ فقال انه نزل جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم نزل من البيت المعمور إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في طول عشرين سنة وقوله (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه ان يقضي ويتصدق عن كل يوم بمد من الطعام، وقوله (احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفى عنكم) فانه حدثني ابي رفعه قال قال الصادق (عليه السلام) كان النكاح والاكل محرمان في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الافطار وكان النكاح حراما في اليل والنهار في شهر رمضان، وكان رجل من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له خوات بن جبير الانصاري اخو عبدالله بن جبير الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكله بفم الشعب يوم احد في خمسين من الرماة ففارقه اصحابه وبقي في اثنى عشر رجلا فقتل على باب الشعب، وكان اخوه هذا خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخندق فجاء إلى اهله حين امسى فقال عندكم طعام؟ فقالوا لا، نم حتى نصنع لك طعاما فابطئت اهله بالطعام فنام قبل ان يفطر فلما انتبه قال لاهله قد حرم الله علي الاكل في هذه الليلة فلما اصبح حضر حفر الخندق فاغمي عليه، فرآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرق له،

وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فانزل الله عزوجل " احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن واتبغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل " واحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والاكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله " حتى يتبين لكم الخيط

 

===============

(67)

الابيض من الخيط الاسود من الفجر " قال هو بياض النهار من سواد الليل وقوله (وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فانه حدثني ابي عن القسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال قلت لابي عبدالله (عليه السلام) اشغل نفسي بالدعاء لاخواني ولاهل الولاية فما ترى في ذلك؟ فقال إن الله تبارك وتعالى يستجيب دعاء غائب لغائب ومن دعا للمؤمنين والمؤمنات ولاهل مودتنا رد الله عليه من آدم إلى ان تقوم الساعة لكل مؤمن حسنة ثم قال ان الله فرض الصلوات في افضل الساعات، عليكم بالدعاء في إدبار الصلاة ثم دعا لي ولمن حضره، وقوله (ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم) قال العالم (عليه السلام) قد علم الله انه يكون حكاما يحكمون بغير الحق فنهى ان يتحاكم اليهم فانهم لا يحكمون بالحق فتبطل الاموال.

وقوله (ويسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فان المواقيت منها معروفة مشهورة في اوقات معروفة، ومنها مبهمة فاما المواقيت المعروفة المشهورة فاربعة، والاشهر الحرم التي ذكرها الله في قوله " منها اربعة حرم " والاثنا عشر شهرا التي خلقها الله تعرف بالهلال، اولها المحرم وآخرها ذو الحجة، والاربعة الحرم رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم متصلة،  حرم الله فيها القتال، ويضاعف فيها الذنوب وكذلك الحسنات، واشهر السياحة معروفة وهي عشرون من شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر (ون ط) من شهر ربيع الآخر، وهي التي احل الله فيها قتال المشركين في قوله " فسيحوا في الارض اربعة اشهر " واشهر الحج معروفة، وهي شوال وذوالقعدة وذوالحجة وانما صارت اشهر الحج لانه من اعتمر في هذه الاشهر في شوال او في ذي القعدة او في ذي الحجة ونوى ان يقيم بمكة حتى يحج فقد تمتع بالعمرة إلى الحج،

 

===============

(68)

ومن اعتمر في غير هذه الاشهر ثم نوى ان يقيم إلى الحج او لم ينو فليس هو ممن تمتع بالعمرة إلى الحج لانه لم يدخل مكة في اشهر الحج فسمي هذه اشهر الحج فقال الله تبارك وتعالى " الحج اشهر معلومات " وشهر رمضان معروف، واما المواقيت المبهمة التي اذا حدث الامر وجب فيها انتظار تلك الاشهر فعدة النساء في الطلاق، والمتوفي عنها زوجها، فاذا طلقها زوجها فان كانت تحيض تمتد الاقراء التي قال الله عزوجل، وان كانت لا تحيض تعتد بثلاثة اشهر بيض لادم فيها،  وعدة المتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا، وعدة المطلقه الحبلى ان تضع ما في بطنها، وعدة الايلاء اربعة اشهر، وكذلك في الديون إلى الاجل الذي يكون بينهم وشهرين متتابعين في الظهار. ط وصيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطأ وعشرة ايام للصوم في الحج لمن لم يجد الهدي، وصيام ثلاثة ايام في كفارة اليمين واجب، فهذه المواقيت المعروفة والمبهمة التي ذكرها الله عزوجل في كتابه " يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج ".

واما قوله (ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها) قال نزلت في امير المؤمنين (عليه السلام) لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) " انا مدينة العلم وعلي (عليه السلام) بابها ولا تدخلوا المدينة الا من بابها ".

وقوله (واتموا الحج والعمرة لله فان احصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا او به اذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك) فانه اذا عقد الرجل الاحرام بالتمتع بالعمرة إلى الحج واحرم ثم اصابته غلة في طريقه قبل ان يبلغ إلى مكة ولا يستطيع ان يمضي، فانه يقيم في مكانه الذي حوصر فيه ويبعث من عنده هديا ان كان غنيا فبدنة وان كان بين ذلك فبقرة وان كان فقيرا فشاة، لابد منها ولا يزال مقيما على احرامه، وان كان في رأسه وجع او قروح حلق شعره واحل ولبس ثيابه ويفدي فلما ان يصوم ستة ايام او يتصدق على عشرة مساكين او نسك وهو الدم يعني ذبح شاة، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ان يشترط عند الاحرام فيقول

 

===============

(69)

" اللهم اني اريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك فان عاقني عائق او حبسني حابس فحلني حيث حبستني بقدرتك التي قدرت علي " ثم يلبي من الميقات الذي وقته رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيلبي ويقول " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك حجة (بحجة ط) بعمرة تمامها وبلاغها عليك " فاذا دخل مكة ونظر إلى ابيات مكة قطع التلبية وطاف بالبيت سبعة اشواط، وصلى عند مقام ابراهيم ركعتين وسعى بين الصفا والمروة سبعة اشواط ثم يحل ويتمتع بالثياب والنساء والطيب ويقيم على الحج إلى يوم التروية فاذا كان يوم التروية احرم عند زوال الشمس من عند المقام بالحج ثم خرج ملبيا إلى منى فلا يزال ملبيا إلى يوم عرفة عند زوال الشمس، فاذا زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية ويقف بعرفات في الدعاء والتكبير والتهليل والتحميد، فاذا غابت الشمس رجع إلى المزدلفة فبات بها فاذا اصبح قام بالمشعر الحرام ودعا وهلل الله وسبحه وكبره ثم ازدلف منها إلى منى ورمى الجمار وذبح وحلق، ان كان غنيا فعليه بدنة وان كان بين ذلك فعليه بقرة وان كان فقيرا فعليه شاة، فمن لم يجد ذلك فعليه ان يصوم ثلاثة ايام بمكة فاذا رجع إلى منزله صام سبعة ايام فتقوم هذه الايام العشرة مقام الهدي الذي كان عليه وهو قوله (فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) وذلك لمن ليس هو مقيم بمكة ولا من اهل مكة، اما اهل مكة ومن كان حول مكة على ثمانية واربعين ميلا فليست لهم متعة وانما يفردون الحج لقوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) واما قوله (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فالرفث الجماع، والفسوق الكذب، والجدال الخصومة، وهي قول " لا والله وبلى والله " وقوله (فاذكروا الله كذكركم آبائكم او أشد ذكرا) قال

 

===============

(70)

كانت العرب اذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم فيقولون لا وابيك لا وابي وأمر الله ان يقولوا لا والله وبلى والله وقوله (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وماله في الآخرة من خلاق) فانه حدثني ابي عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سأل رجل من ابي عبدالله (عليه السلام) بعد منصرفه من الموقف فقال اترى يجيب الله هذا الخلق كله؟ فقال ابوعبدالله (عليه السلام) ما وقف بهذا الموقف أحد من الناس مؤمن ولا كافر الا غفر الله له،  إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل، مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر واعتقه من النار وذلك قوله " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ومؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وقيل له احسن فيما بقي فذلك قوله " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى (1) الكبائر واما العامة فانهم يقولون فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الصيد، افترى ان الله تبارك وتعالى حرم الصيد بعد ما احله لقوله " وإذا حللتم فاصطادوا " وفي تفسير العامة معناه فاذا حللتم فاتقوا الصيد،  وكافر (2) وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا غفر الله له من ذنبه ما تقدم ان تاب من الشرك وان لم يتب وافاه الله اجره في الدنيا ولم يحرمه ثواب هذا

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اي تعجل في الذهاب إلى وطنه ـ عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال ان العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجا لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته الا كتب له بها حسنة ومحي عنه سيئة، ورفع له بها درجة فاذا وقف بعرفات فلو كانت له ذنوب عدد الثرى رجع كما ولدته امه فقال له استأنف العمل يقول الله " فمن تعجل في يومين فلا اتم عليه " (الآية) البرهان.

(2) عطف على قوله " مؤمن غفر الله له ". ج ز. (*)

 

 

===============

(71)

الموقف وهو قوله " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " وقوله (واذكروا الله في ايام معدودات) قال ايام التشريق الثلاثة، والايام المعلومات العشرة من ذي الحجة، وقوله (ويهلك الحرث والنسل) قال الحرث في هذا الموضع الدين، والنسل الناس، ونزلت في فلان ويقال في معاوية وقوله (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) قال ذلك امير المؤمنين (عليه السلام) ومعنى يشرى نفسه اي يبذل وقوله (ادخلوا في السلم كافة) قال في ولاية امير المؤمنين (عليه السلام) وقوله (كان الناس أمة واحدة) قال قبل نوح على مذهب واحد، فاختلفوا (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) وقوله (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) نزلت بالمدينة ونسخت آية " كفوا ايديكم " التي نزلت بمكة.

واما قوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل) فانه كان سبب نزولها انه لما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة تتعرض لغير قريش، حتى بعث عبدالله ابن جحش في نفر من اصحابه إلى نخلة، وهي بستان بني عامر ليأخذوا عير قريش حين اقبلت من الطائف عليها الزبيب والادم والطعام، فوافوها وقد نزلت العير وفيهم عمر بن عبدالله الحضرمي وكان حليفا لعتبة بن ربيعة، فلما نظر الحضرمي إلى عبدالله بن جحش واصحابه فزعوا وتهيؤا للحرب وقالوا هؤلاء اصحاب محمد، فأمر عبدالله بن جحش اصحابه ان ينزلوا ويحلقوا رؤسهم، فنزلوا فحلقوا رؤسهم فقال ابن الحضرمي هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم باس، فلما

 

===============

(72)

اطمأنوا ووضعوا السلاح حمل عليهم عبدالله بن جحش فقتل ابن الحضرمي وافلت اصحابه واخذوا العير بما فيها وساقوها إلى المدينة وكان ذلك في اول يوم من رجب من اشهر الحرم، فعزلوا العير وما كان عليها ولم ينالوا منها شيئا، فكتبت قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنك استحللت الشهر الحرام وسفكت فيه الدم واخذت المال وكثر القول في هذا، وجاء اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا يا رسول الله ايحل القتل في الشهر الحرام فانزل الله " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير.. الخ " قال القتال في الشهر الحرام عظيم ولكن الذي فعلت قريش بك يا محمد (صلى الله عليه وآله) من الصد عن المسجد الحرام والكفر بالله وإخراجك منها هو اكبر عند الله والفتنة يعني الكفر بالله اكبر من القتل ثم انزلت " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (1) وقوله (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال لا إقتار ولا إسراف (2) وقوله (يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فاخوانكم) فانه حدثني ابي عن صفوان عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه لما انزلت " ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في إخراجهم، فانزل الله تعالى " ويسألونك عن اليتامى.. الخ " وقال الصادق (عليه السلام) لا بأس ان تخلط طعامك بطعام اليتيم فان الصغير يوشك أن يأكل الكبير معه واما الكسوة وغيره فيحسب على كل رأس صغير وكبير كما يحتاج اليه، واما قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) والحال انها قبل " يسألونك عن الشهر الحرام.. الخ "

(2) انما ترك المؤلف تفسير آية: يسئلونك عن الخمر والميسر، لانه سيأتى في ذيل قوله تعالى: انما الخمر والميسر الخ في سورة المائدة ص 180 فراجع ـ ج ـ ز (*)

 

 

===============

(73)

ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) فقوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " منسوخ بقوله " والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم " وقوله " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " على حاله لم ينسخ وقوله (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) يعني النساء لا تأتوهن في الفرج حتى يغتسلن (فاذا تطهرن) اي اغتسلن (فاتوهن من حيث امركم الله) وقوله (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم انى شئتم) اي متى شئتم وتأولت العامة في قوله " انى شئتم " اي حيث شئتم في القبل والدبر، وقال الصادق (عليه السلام) " انى شئتم " اي متى شئتم في الفرج والدليل على قوله في الفرج قوله تعالى " نساؤكم حرث لكم " فالحرث الزرع في الفرج في موضع الولد، وقال الصادق (عليه السلام) من اتى امرأته في الفرج في اول ايام حيضها فعليه ان يتصدق بدينار وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون جلدة، وان اتاها في آخر ايام حيضها فعليه ان يتصدق بنصف دينار ويضرب اثني عشر جلدة ونصف (1) وقوله (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) قال هو قول الرجل في كل حالة لا والله وبلى والله واما قوله (للذين يولون من نسائهم تربص اربعة اشهر فان فاءوا فان الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) فانه حدثني ابي عن صفوان إبن مسكان عن ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال الايلاء هو ان يحلف الرجل على امرأته ألا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر، فان رفعته إلى الامام انظره اربعة اشهر ثم يقول له بعد ذلك اما ان ترجع إلى المناكحة واما ان تطلق والا حبستك ابدا، وروي عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه بنى حظيرة من قصب وجعل فيها رجل آلى من امرأته بعد اربعة اشهر وقال له اما

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) بان يوخذ نصف السوط باليد ويضرب به ج ز. (*)

 

 

===============

(74)

ترجع إلى المناكحة او ان تطلق والا احرقت عليك الحظيرة، وقوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قال والمطلقة تعتد ثلاثة قروء ان كانت تحيض قوله (ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ان كن يؤمن بالله واليوم الآخر) قال لا يحل للمرأة ان تكتم حملها او حيضها او طهرها وقد فرض الله على النساء ثلاثة اشياء الطهر والحيض والحبل وقوله (وللرجال عليهن درجة) قال حق الرجال على النساء افضل من حق النساء على الرجال.

وقوله (الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان) قال في الثالثة (1) وهو طلاق السنة، حدثني ابي عن اسماعيل بن مهران (مرار ط) عن يونس عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن طلاق السنة، قال هو ان يطلق الرجل المرأة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ثم يتركها حتى تعتد ثلاثة قروء فاذا مضت ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة، وحلت للازواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب ان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل فان تزوجها بمهر جديد كانت عنده بثنتين باقيتين ومضت بواحدة، فان هو طلقها واحدة على طهر بشهود ثم راجعها وواقعها ثم انتظر بها حتى اذا حاضت وطهرت طلقها طلقة اخرى بشهادة شاهدين ثم تركها حتى تمضي اقراؤها الثلاثة،  فاذا مضت اقراؤها الثلاثة قبل ان يراجعها فقد بانت منه بثنتين وقد ملكت امرها وحلت للازواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب فان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل، وان هو تزوجها تزويجا جديدا بمهر جديد كانت عنده بواحدة باقية وفد؟؟ ثنتان، فان اراد ان يطلقها طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره تركها حتى اذا حاضت وطهرت اشهد على طلاقها تطليقة واحدة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اي في التطليقة الثالثة تسرح باحسان ج ـ ز (*)

 

 

===============

(75)

فاما طلاق الرجعة، فانه يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بشهادة شاهدين ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر، فان حاضت وطهرت اشهد شاهدين على تطليقة اخرى ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر فان حاضت وطهرت اشهد شاهدين على التطليقة الثالثة كل تطليقة على طهر بمراجعة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعليها ان تعتد ثلاثة اقرء من يوم طلقها التطليقة الثالثة لدنس النكاح،  وهما يتوارثان ما دامت في العدة، فان طلقها واحدة على طهر بشهود ثم انتظر بها حتى تحيض وتطهر ثم طلقها قبل ان يراجعها لم يكن طلاقه الثاني طلاقا جائزا،  لانه طلق طالقا لانه اذا كانت المرأة مطلقة من زوجها كانت خارجة من ملكه حتى يراجعها، فاذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلق التطليقة الثالثة فاذا طلقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الرجعة من يده فان طلقها على طهر بشهود ثم راجعها وانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت وهي عنده ثم طلقها قبل ان يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا لانه طلقها التطليقة الثانية في طهر الاولى، ولا ينقض الطهر الا بمواقعة بعد الرجعة وكذلك لا تكون التطليقة الثالثة الا بمراجعة ومواقعة بعد الرجعة ثم حيض وطهر بعد الحيض ثم طلاق بشهود حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس مواقعة بشهود.

قوله (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله) فان هذه الآية نزلت في الخلع، حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن سنان عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال الخلع لا يكون الا أن تقول المرأة لزوجها لا أبر لك قسما ولاخرجن بغير اذنك ولاوطين فراشك غيرك ولا اغتسل لك من جنابة،  او تقول لا اطيع لك امرا او تطلقني، فاذا قالت ذلك فقد حل له ان يأخذ منها جميع ما اعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها فاذا تراضيا على ذلك طلقها

 

===============

(76)

على طهر بشهود ففد بانت منه بواحدة، وهو خاطب من الخطاب فان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل، فان تزوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين، وينبغي له ان يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة إن ارتجعت في شئ مما اعطيتني فانا املك ببضعك، وقال لا خلع ولا مباراة ولا تخيير الا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين، والمختلعة اذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها تحل للاول ان يتزوج بها، وقال لا رجعة للزوج على المختلعة ولا المباراة الا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما اخذ منها وقوله (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) يعني الطلاق الثالث، وقوله (فلا جناح عليهما ان يتراجعا) في الطلاق الاول والثاني.

وقوله (اذا طلقم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) قال اذا طلقها لا يجوز له ان يراجعها ان لم يردها فيضربها وهو قوله ولا تمسكوهن ضرارا اي لا تحبسوهن واما قوله (وإذا طلقم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن (1) ان ينكحن ازواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) يعني اذا رضيت المرأة بالتزويج الحلال وقوله (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) يعني اذا مات الرجل وترك ولدا رضيعا لا ينبغي للوارث ان يضر بنفقة المولود بل ينبغي له ان يحزي عليه بالمعروف (2) وقوله (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) فانه حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال لا ينبغي للرجل ان يمتنع من

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) عضل المرأة عن الزواج اي منعها.

(2) حز على كرم فلان اي زاد. ج ـ ز (*)

 

 

===============

(77)

جماع المرأة فيضاربها اذا كان لها ولد مرضع، ويقول لها لا اقربك فاني اخاف عليك الحبل فتقتلين ولدي وكذا المرأة لا يحل لها ان تمتنع عن الرجل، فتقول إني اخاف ان احبل فاقتل ولدي فهذه المضارة في الجماع على الرجل والمرأة وقوله (وعلى الوارث مثل ذلك) لا تضار المرأة التي لها ولد وقد توفى زوجها فلا يحل للوارث ان يضار ام الولد في النفقة فيضيق عليها وقوله (فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) يعني اذا اصطلحت الام والوارث فيقول خذي الولد واذهبي به حيث شئت.

وقوله (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) فهي ناسخة لقوله " والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج (1) " فقد قدمت الناسخة على المنسوخة في التأليف وقوله (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء او اكننتم في انفسكم) فهو ان يقول الرجل للمرأة في ابعدة اذا توفى عنها زوجها لا تحدثي حدثا،  ولا يصرح لها النكاح والتزويج، فنهى الله عزوجل عن ذلك والسر في النكاح وقال (ولا تواعدوهن سرا الا ان تقولوا قولا معروفا) وقال من السر ايضا ان يقول الرجل في عدة المرأة للمرأة موعدك بيت فلان وقال الاعشى في ذلك.

فلا تنكحن جارة ان سرها * عليك حرام فانكحن او تأبدا (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله) اي تعتد وتبلغ الذي في الكتاب اجله اربعة اشهر وعشرا واما قوله (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن او تفرضوا لهن فريضة) فهو ان يطلق الرجل المرأة التي قد تزوجها ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا، فعليه اذا طلقها ان يمتعها على قدر حاله

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 140 (*)

 

 

===============

(78)

كما قال الله عزوجل (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فالموسع يمتع بالامة والدراهم والثوب على قدر سعته والمقتر يمتع باخمار وما يقدر عليه، وان تزوج بها وقد سمى لها الصداق ولم يدخل بها فعليه نصف المهر قوله (الا ان يعفون او يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهو الولي والاب ولا يعفوان الا بامرها وهو قوله (وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا ان يعفون او يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وتتزوج من ساعتها ولا عدة عليها والعدة على اثنين وعشرين وجها فالمطلقة تعتد ثلاثة اقرء، والقرء هو اجتماع الدم في الرحم، والعدة الثانية اذا لم تحض فثلاثة اشهر بيض واذا كانت تحيض في الشهر الاقل او الاكثر وطلقت ثم حاضت قبل ان يأتي لها ثلاثة اشهر حيضة واحدة فلا تبين من زوجها الا بالحيض، وان مضي ثلاثة اشهر لها ولم تحض فانها تبين بالاشهر البيض، فان حاضت قبل ان يمضي لها ثلاثة اشهر فانها تبين بالدم، والمطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة فلا تبين حتى تطهر من الدم الثالث، والمطلقة الحامل لا تبين حتى تضع ما في بطنها فان طلقها اليوم ووضعت في الغد فقد بانت، والمتوفى عنها زوجها وهي الحامل تعتد بابعد الاجلين فان وضعت قبل ان يمضي لها اربعة اشهر وعشرا فلتتم اربعة اشهر وعشرا فان مضى لها اربعة اشهر وعشرا فلم تضع فعدتها ان تضع، والمطلقة وزوجها غائب عنها تعتد من يوم طلقها اذا شهد عندها شاهدان عدلان انه طلقها في يوم معروف تعتد من ذلك اليوم فان لم يشهد عندها احد ولم تعلم اي يوم طلقها تعتد من يوم يبلغها، والمنوفى عنها زوجها وهو غائب تعتد من يوم يبلغها، والتي لم يدخل بها زوجها ثم طلقها فلا عدة عليها، فان مات عنها ولم يدخل لها تعتد اربعة اشهر وعشرا.

والعدة على الرجال ايضا ان كان له اربعة نسوة وطلق احديهن لم يحل

 

===============

(79)

له ان يتزوج حتى تعتد التي طلقها، فاذا اراد ان يتزوج اخت امرأته لم تحل له حتى يطلق امرأته وتعتد ثم يتزوج اختها، والمتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت، والمطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة تعتد حيث شاءت ولا تبيت عن بيتها، والتي للزوج عليها رجعة لا تعتد الا في بيت زوجها وتراه ويراها ما دامت في العدة، وعدة الامة اذا كانت تحت الحر شهران وخمسة ايام.

وعدة المتعة خمسة واربعون يوما، وعدة السبي استبراء الرحم، فهذه وجوه العدة.

واما المرأة التي لا تحل لزوجها ابدا فهي التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين وتتزوج زوجا غيره فيطلقها ويتزوج بها الاول الذي كان طلقها ثلاث تطليقات ثم يطلقها ايضا ثلاث تطليقات للعدة (على طهر من غير جماع بشهادة عدلين ط) فتتزوج زوجا آخر ثم يطلقها فيتزوجها الاول الذي قد طلفها ست تطليقات على طهر وتزوجت زوجين غير زوجها الاول ثم يطلقها هذا زوجها الاول ثلاث تطليقات على طهر واحد من غير جماع بشهادة عدلين، فهذه التي لا تحل لزوجها الاول ابدا لانه قد طلقها تسع تطليقات وتزوج بها تسع مرات، وتزوجت ثلاثة ازواج فلا تحل للزوج الاول ابدا، ومن طلق إمرأته من غير ان تحيض او كانت في دم الحيض او نفساء من قبل ان تطهر فطلاقه باطل.

وقوله (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن ابن سنان ابي عبدالله (عليه السلام) انه قرأ " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين " فقوله " قوموا لله قانتين " قال إقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا يشغله عنها شئ وقوله (فان خفتم فرجالا او ركبانا) فهي رخصة بعد العزيمة للخائف ان يصلي راكبا وراجلا، وصلاة الخوف على ثلاثة وجوه قال الله تبارك

 

===============

(80)

وتعالى " واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا اسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا فيصلوا معك وليأخذوا حذرهم واسلحتهم " فهذا وجه.

والوجه الثاني من صلاة الخوف فهو الذي يخاف اللصوص والسباع في السفر فانه يتوجه إلى القبلة ويفتتح الصلاة ويمر على وجه الارض الذي هو فيه فاذا فرغ من القراءة واراد ان يركع ويسجد ولي وجهه إلى القبلة ان قدر عليه وان لم يقدر عليه ركع وسجد حيث ما توجه وان كان راكبا اومأ براسه.

وصلاة المجادلة (المجاهدة ط) وهي المضاربة في الحرب اذا لم يقدر ان ينزل، يصلي ويكبر ولكل ركعة تكبيرة ويصلى وهو راكب فان امير المؤمنين (عليه السلام) صلي واصحابه خمس صلوات بصفين على ظهور الدواب لكل ركعة تكبيرة وصلى وهو راكب حيث ما توجهوا.

ومنها صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه، فوجه منها هو ان الرجل يكون في مفازة ولا يعرف القبلة يصلي إلى اربعة جوانب، والوجه الثانى، من فاتته الصلاة ولم يعرف اي صلاة هي فانه يجب ان يصلي ثلاث ركعات واربع ركعات وركعتين فان كانت المغرب فقد قضاها، وان فاتته العتمة فقد (1) قضاها وان كانت الفجر فقد قضاهاوان كانت الظهر والعصر فقد قامت الاربعة مقامها، ومن كان عليه ثوبان فاصاب احدهما بول او قذر او جنابة ولم يدر أي الثوبين اصاب القذر، فانه يصلي في هذا وفي هذا فاذا وجد الماء غسلهما جميعا.

واما قوله (الم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم) فانه كان وقع الطاعون بالشام في بعض الكور (2)

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) العتمة محركة صلوة العشاء ـ مجمع

(2) الكور كصرد جمع كورة بضم الكاف وهي بقعة تجتمع فيها المساكن ج ـ ز (*)

 

 

===============

(81)

فخرج منهم خلق كثير كما حكى الله هربا من الطاعون فصاروا إلى مفازة فماتوا في ليلة واحدة كلهم، فبقوا حتى كانت عظامهم يمر بهم المار فينحيها برجله عن الطريق ثم احياهم الله وردهم إلى منازلهم فبقوا دهرا طويلا ثم ماتوا ودفنوا.

وقوله (الم تر إلى الملاء من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ـ إلى قوله ـ والله عليم بالظالمين) قال حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) إن بني إسرائيل بعد موسى (عليه السلام) عملوا المعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن امر ربهم، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، وروي انه ارميا النبي، فسلط الله عليهم جالوت، وهو من القبط فاذلهم وقتل رجالهم واخرجهم من ديارهم واموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيهم وقالوا سل الله ان يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك والسلطان في بيت آخر لم يجمع الله لهم الملك والنبوة في بيت واحد، فمن ذلك " قالوا ابعث لنا ملكا.. الخ " وقوله (فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) فغضبوا من ذلك (وقالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) وكانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد بن يامين اخي يوسف لامه لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) وكان اعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان اعلمهم الا انه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال، فقال (لهم نبيهم إن آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) وكان التابوت الذي انزل الله على موسى فوضعته فيه امه والقته في اليم، فكان في بني إسرائيل معظما

 

===============

(82)

يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الالواح وما كان عنده من آيات النبوة واودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت وقوله " فيه سكينة من ربكم " فان التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الانسان، حدثني ابي عن الحسن بن خالد عن الرضا (عليه السلام) انه قال السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان فكان اذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فان تقدم التابوت لا يرجع رجل حتى يقتل او يغلب، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الامام.

فاوحى الله إلى نبيهم ان جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى (عليه السلام) وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب (عليه السلام) اسمه داود بن آسي، وكان آسي راعيا وكان له عشرة بنين اصغرهم داود، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي ان احضر ولدك، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فالبسه درع موسى (عليه السلام)، منهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لآسي هل خلفت من ولدك احدا؟ قال نعم اصغرهم تركته في الغنم يرعاها فبعث اليه ابنه فجاء به فلما دعي اقبل ومعه مقلاع (1) قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فاخذها في مخلاته وكان شديد البطش قويا في بدنه شجاعا، فلما جاء إلى طالوت البسه درع موسى فاستوت عليه، ففصل طالوت بالجنود

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) مقلاع كمضراب آلة يرمى بها الاحجار إلى الصيد ونحوه. (*)

 

 

===============

(83)

وقال لهم نبيهم يابني إسرائيل (ان الله مبتليكم بنهر) في هذه المفازة (1) فمن شرب منه فليس من حزب الله، ومن لم يشرب منه فانه من حزب الله الا من اغترف غرفة بيده، فلما وردوا النهر اطلق الله لهم ان يغرف كل واحد منهم غرفة بيده (فشربوا منه الا قليلا منهم) فالذين شربوا منه كانوا ستين الفا وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله، وروي عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه قال القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مأة وثلاث عشر رجلا، فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وقال الذين لم يشربوا (ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) فجاء داود (عليه السلام) حتى وقف بحذاء جالوت، وكان جالوت على للفيل وعلى رأسه التاج وفي ياقوت يلمع نوره وجنوده بين يديه، فاخذ داود من تلك الاحجار حجرا فرمى به في ميمنة جالوت، فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا واخذ حجرا آخر فرمى به في ميسرة جالوت فوقع عليهم فانهزموا ورمى جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته ووصل إلى دماغه ووقع إلى الارض ميتا فهو قوله (فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) واما قوله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا،  ولو اجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) المفازة كمغارة الفلاة لا ماء فيها، قيل ان ذلك مأخوذ من فوز اي مات لان المفازة مظنة للموت، وقيل سميت مفازة لان من خرج منها وقطعها فاز. ج ـ ز (*)

 

 

===============

(84)

يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الحج لهلكوا، وهو قول الله " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض.. الخ " الجزء (3) واما قوله (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وايدناه بروح القدس الآية) فانه جاء رجل إلى امير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل فقال ياعلي على ما تفاتل اصحاب رسول الله ومن شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله؟ فقال على آية في كتاب الله اباحت لي قتالهم، فقال وما هي؟ قال قوله تعالى " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وايدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد " فقال الرجل كفر والله القوم وقوله (يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) اي صداقة.

واما آية الكرسي فانه حدثني ابي عن الحسين بن خالد انه قره ابوالحسن الرضا (عليه السلام):

(1) الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم) قال " ما بين ايديهم " فامور الانبياء وما كان " وما خلفهم " اي ما لم يكن بعد،  قوله " الا بما شاء " اي بما يوحى اليهم (ولا يؤده حفظهما) اي لا يثقل عليه حفظ ما في السماوات وما في الارض وقوله (لا إكراه في الدين) اي لا يكره احد على دينه الا بعد ان قد تبين له الرشد من الغي (فمن يكفر بالطاغوت) وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم (فقد استمسك بالعروة الوثقى) يعني الولاية

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) ليس في ط الم ـ ج ـ ز (*)

 

 

===============

(85)

(لا انفصام لها) اي حبل لا انقطاع له يعني امير المؤمنين والائمة بعده (عليهم السلام) (الله ولي الذين آمنوا) وهم الذين اتبعوا آل محمد (عليهم السلام) (يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت) هم الظالمون آل محمد والذين اتبعوا من غصبهم (يخرجونهم من النور إلى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين) كذا نزلت، حدثني ابي عن النضر بن سويد عن موسى بن بكر عن زرارة عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قوله (وسع كرسيه السموات والارض) سألته ايما اوسع الكرسي او السموات والارض؟ قال لا بل الكرسي وسع السموات والارض وكل شئ خلق الله في الكرسي.

حدثني ابي عن اسحاق بن الهيثم عن سعد بن ظريف عن الاصبغ بن نباتة ان عليا (عليه السلام) سئل عن قول الله عزوجل " وسع كرسيه السموات والارض " قال السموات والارض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي وله اربعة املاك يحملونه باذن الله (فاما الملك الاول) ففي صورة الآدميين وهى اكرم الصور على الله وهو يدعو الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لبني آدم (والملك الثاني) في صورة الثور وهو سيد البهائم وهو يطلب إلى الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع البهائم (والملك الثالث) في صورة النسر وهو سيد الطير وهو يطلب إلى الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع الطير (والملك الرابع) في صورة الاسد وهو سيد السباع وهو يرغب إلى الله ويطلب الشفاعة والرزق لجميع السباع، ولم يكن في هذه الصور احسن من الثور ولا اشد انتصابا منه حتى اتخذ الملا من بني اسرائيل العجل الها، فلما عكفوا عليه وعبدوه من دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياءا من الله ان عبد من دون الله شيئ يشبهه وتخوف ان ينزل به العذاب، ثم قال (عليه السلام) ان الشجر لم يزل حصيدا كله حتى دعي للرحمن ولد أعز الرحمن وجل ان يكون له ولد، فكادت

 

===============

(86)

السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا (1)، فعند ذلك اقشعر الشجر وصار له شوك حذار ان ينزل به العذاب، فما بال قوم غيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعدلوا عن وصيته في حق علي والائمة (عليهم السلام) ولا يخافون ان ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الآية " الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " ثم قال نحن والله نعمة الله التي انعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز وقوله (لم تر إلى الذي حاج ابراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيى ويميت قال انا احيى واميت قال إبراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب) فانه لما القى نمرود إبراهيم (عليه السلام) في النار وجعلها الله عليه بردا وسلاما قال نمرود يا ابراهيم من ربك؟ قال ربي الذي يحيى ويميت، قال نمرود انا احيي واميت فقال له ابراهيم كيف تحيي وتميت؟ قال إلي برجلين ممن قد وجب عليهما القتل فاطلق عن واحد وقتل واحدا فاكون قد احييت وامت، فقال ابراهيم ان كنت صادقا فاحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فان ربي يأتيني بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فكان كما قال الله عزوجل " فبهت الذي كفر " اي انقطع وذلك انه علم ان الشمس اقدم منه.

واما قوله (او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انى يحيي هذه الله بعد موتها) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيي الحلبي عن هارون بن خارجة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال لما عملت بنو إسرائيل المعاصي وعتوا عن امر ربهم فاراد الله ان يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فاوحى الله تعالى إلى إرميا يا إرميا ما بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كرائم الشجر فاخلف فانبت خرنوبا؟ (2) فاخبر إرميا اخيار علماء بني اسرائيل فقالوا له راجع

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) هد البناء اى ضعضعه وهدمه

(2) الخرنوب بالضم والفتح شجرة برية ذات شوك وحمل كالتفاح لكنه بشع ق (*)

 

 

===============

(87)

ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل؟ فصام إرميا سبعا، فاوحى الله اليه ياارميا اما البلد فبيت المقدس واما ما انبت فيها فبنو إسرائيل الذين اسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبى حلفت لامتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا ولاسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم طعاما فليسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب ديارهم التي يغترون بها ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مأة سنة، فاخبر ارميا احبار بني اسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء، فصام ارميا سبعا ثم اكل اكلة فلم يوح اليه شئ ثم صام سبعا واكل اكلة ولم يوح اليه شئ ثم صام سبعا فاوحى الله اليه يا ارميا لتكفن عن هذا او لاردن وجهك في قفاك، قال ثم اوحى الله تعالى اليه قل لهم لانكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال ارميا رب اعلمني من هو حتى آتيه وآخد لنفسي واهل بيتي منه امانا قال إيت موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام اشدهم زمانا واخبثهم ولادة واضعفهم جسما وشرهم غذاءا فهو ذلك، فاتى إرميا ذلك البلد فاذا هو غلام في خان زمن (1) ملقى على مزبلة وسط الخان واذا له ام تزنى بالكسر وتفت الكسر في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذاك الغلام فيأكله، فقال ارميا ان كان في الدنيا الذي وضعه الله فهو هذا، فدنى منه فقال له ما اسمك؟ فقال بخت نصر،  فعرفه انه هو فعالجه حتى برأ ثم قال له تعرفني؟ قال لا انت رجل صالح، قال انا ارميا نبي بني إسرائيل، اخبرني الله انه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم كذا وكذا، قال فتاه في نفسه في ذاك الوقت ثم قال ارميا اكتب لي كتابا بامان منك فكتب له كتابا، وكان يخرج في الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه.

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اي مخروبة.

(2) بخت نصر بضم الباء وتشديد الصاد اصله بوخت ومعناه ابن ونصر اسم صنم لانه كان وجد ملقى عنده فنسب اليه لانه لم يعرف له اب ق ومجمع ج. ز (*)

 

 

===============

(88)

فدعا إلى حرب بني اسرائيل فأجابوه وكان مسكنهم في بيت المقدس واقبل بخت نصر نحو بيت المقدس واجتمع اليه بشر كثير، فلما بلغ ارميا اقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الامان الذي كتب له بخت نصر فلم يصل اليه ارميا من كثرة جنوده واصحابه، فصير الامان على قصبة ورفعها، فقال من انت؟ فقال انا ارميا النبي الذي بشرتك بانك سيسلطك الله على بني اسرائيل وهذا امانك لي، قال اما انت فقد امنتك واما اهل بيتك فانى ازمى من ههنا إلى بيت المقدس فان وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا امان لهم عندي وان لم تصل فهم آمنون، واننزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال لا امان لهم عندي، فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة واذا دم يغلي وسطه كلما القي عليه التراب خرج وهو يغلي فقال ما هذا فقالوا هذا؟ دم نبي كان لله فقتله ملوك بني اسرائيل ودمه يغلي وكلما القينا عليه التراب خرج يغلي، فقال بخت نصر لاقتلن بني اسرائيل ابدا حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا (عليه السلام) وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل وكان يمر بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتق الله ايها الملك، لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر " ايها الملك اقتل هذا " فأمر ان يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى (عليه السلام) في طشت وكان الرأس يكلمه ويقول له يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا، ثم غلى الدم في طشت حتى فاض إلى الارض فخرج يغلى ولا يسكن، وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر مأة سنة، ولم يزل بخت نصر يقتلهم وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلى ولا يسكن حتى افناهم،  فقال أبقي احد في هذه البلاد؟ قالوا عجوز في موضع كذا وكذا فبعث اليها فضرب عنقها على الدم فسكن، وكانت آخر من بقي، ثم اتى بابل فبنى بها

 

===============

(89)

مدينة واقام وحفر بئرا فالقى فيها دانيال والقى معه اللبوة (1) فجعلت اللبوة تأكل من طين البئر ويشرب دانيال لبنها فلبث بذلك زمانا، فاوحى الله إلى النبي الذي كان ببيت المقدس ان اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام،  قال واين دانيال يارب؟ قال في بئر ببابل في موضع كذا وكذا قال فاتاه فاطلع في البئر فقال يادانيال، فقال لبيك صوت غريب قال إن ربك يقرؤك السلام وقد بعث اليك بالطعام والشراب فأدلاه اليه فقال دانيال " الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمدلله الذي من توكل عليه كفاه الحمدلله الذي لا ينسى من ذكره الحمدلله الذي لا بخيب من دعاه الحمدلله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره الحمدله الذي يجزي بالاحسان إحسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة الحمدلله الذي يكشف حزننا (ضرنا ط) عند كربتنا الحمدلله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا الحمدلله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا باعمالنا ".

قال فأوري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب، قال فدعا المنجمين فقال لهم ما رأيت؟ قالوا ما ندري ولكن قص علينا ما رأيت؟ فقال وانا اجري عليكم الارزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام، فأمر بهم فقتلوا، قال فقال له بعض من كان عنده، ان كان عند احد شئ فعند صاحب الجب فان اللبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام؟ قال رأيت كان رأسك من حديد ورجليك من نحاس وصدرك من ذهب، قال هكذا رأيت فما ذاك؟ قال قد ذهب ملكك وانت مقتول إلى ثلاثة ايام يقتلك رجل من ولد فارس، قال فقال له ان علي سبع مدائن، على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اللبوة انثى الاسد، ج ـ ز (*)

 

 

===============

(90)

من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب الا صاحت عليه حتى يؤخذ قال فقال له ان الامر كما قلت لك قال فبث الخيل وقال لا تلقون احدا من الخلق الا قتلتموه كائنا من كان وكان دانيال جالسا عنده، وقال لا تفارقني هذه الثلاثة ايام فان مضت قتلتك، فلما كان اليوم الثالث ممسيا اخذه الفم فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له من اهل فارس وهو لا يعلم انه من اهل فارس، فدفع اليه سيفه وقال له يا غلام لا تلقى احدا من الخلق الا وقتلته وان لقيتني انا فاقتلني،  فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.

فخرج إرميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشئ من عصير فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم قال انى يحيي هذه الله بعد موتها وقداكلهم السباع، فأماته الله مكانه وهو قول الله تبارك وتعالى " او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام ثم بعثه " اي احياه فاما رحم الله بني اسرائيل واهلك بخت نصر رد بني اسرائيل إلى الدنيا، وكان عزيز لما سلط الله بخت نصر على بني اسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها وبقي ارميا ميتا مأة سنة ثم احياه الله تعالى فاول ما احيا منه عينيه في مثل غرقئ (1) البيض فنظر فاوحى الله تعالى اليه (كم لبثت قال لبثت يوما) ثم نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال (او بعض يوم) فقال الله تعالى (بل لبثت مأة فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ـ اي لم يتغير ـ وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطرة تجمع اليه والى اللحم الذي قد اكلته السباع يتألف إلى العظام من ههنا وههنا

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) بكسر الغين بياض البيض. ج ـ ز (*)

 

 

===============

(91)

ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال (اعلم إن الله على كل شئ قدير).

واما قوله (وإذ قال إبراهيم رب ارني كيف تحيى الموتى قال او لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصر من اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي ايوب عن ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) ان ابراهيم (عليه السلام) نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأ كله سباع البر وسباع البحر ثم تحمل السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب ابراهيم (عليه السلام) " فقال رب ارني كيف تحيي الموتى.. الخ " فأخذ ابراهيم (عليه السلام) الطاؤس والديك والحمام والغراب فقال الله عزوجل " فصرهن اليك، اي قطعهن ثم اخلط لحمهن وفرقهن على عشرة جبال ثم خذ مناقيرهن وادعهن ياتينك سعيا، ففعلى ابراهيم ذلك وفرقهن على عشرة جبال ثم دعاهن فقال اجيبنني باذن الله تعالى، فكانت تجمع ويتألف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه وطارت إلى ابراهيم، فعند ذلك قال ابراهيم ان الله عزيز حكيم.

وقوله (والذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى الآية) فانه قال الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من اسدى إلى مؤمن معروفا ثم آذاه بالكلام او من عليه فقد ابطل الله صدقته ثم ضرب الله فيه مثلا فقال كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) وقال من اكثر منه واذاه لمن يتصدق عليه بطلت صدقته كما يبطل التراب الذي يكون على صفوان، والصفوان الصخرة الكبيرة التي تكون على مفازة فيجئ المطر فيغسل التراب عنها ويذهب به، فضرب الله هذا المثل لمن اصطنع معروفا ثم اتبعه بالمن والاذى " وقال الصادق (عليه السلام) ما شئ احب الي من

 

===============

(92)

رجل سلف مني اليه يد اتبعته اختها واحسنت بها له لاني رأيت منع الاواخر فقطع لسان شكر الاوائل، ثم ضرب مثل المؤمنين (مثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم كمثل جنة بربوة اصابها وابل فاتت اكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) قال " مثلهم كمثل جنة " اي بستان في موضع مرتفع " اصابها وابل " اي مطر " فآتت اكلها ضعفين " اي يتضاعف ثمرها كما يتضاعف اجر من انفق ماله " ابتغاء مرضات الله " والطل ما يقع بالليل على الشجر والنبات، وقال ابوعبدالله (عليه السلام) (والله يضاعف لمن يشاء) لمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله، قال فمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من تصدق عليه كان كما قال الله (ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب تجري من تحتها الانهار له فيها من كل الثمرات واصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت) قال الاعصار الرياح، فمن امتن على من تصدق عليه كمن كان له جنة كثيرة الثمار وهو شيخ ضعيف له اولاد صغار ضعفاء فتجئ ريح او نار فتحرق ماله كله، واما قوله (ياايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما اخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه) فانه كان سبب نزولها ان قوما كانوا اذا صرموا النخل عمدوا إلى ارذل تمورهم فيتصدقون بها، فنهاهم الله عن ذلك، فقال " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه " اي انتم لو دفع ذلك اليكم لم تأخذوه واما قوله (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) فان الشيطان يقول لا تنفق فانك تفتقر (والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) اي يغفر لكم ان انفقتم لله " وفضلا " قال يخلف عليكم، وقوله (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا) قال الخير الكثير معرفة امير المؤمنين والائمة (عليهم السلام)، وقوله (إن تبدوا الصدقات فنعما هى) قال الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية

 

===============

(93)

وبعد ذلك غير الزكاة ان دفعته سرا فهو افضل وقوله (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا) فهم الذين لا يسئلون الناس الحافا من الراضين والمتجملين في الدين الذين لا يسئلون الناس الحافا ولا يقدرون ان يضربوا في الارض فيحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف عن السؤال.

وقوله (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما اسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد احدهم ان يقوم فلا يقدر ان يقوم من عظم بطنه، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس،  وقوله (يمحق الربا ويربى الصدقات) قال قيل للصادق (عليه السلام) قد نرى الرجل يربى وماله يكثر فقال يمحق الله دينه وان كان ماله يكثر وقوله (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) فانه كان سبب نزولها انه لم انزل الله تعالى " الذين يأكلون الربا الخ " فقام خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله ربا ابي في ثقيف وقد اوصاني عند موته باخذه فانزل الله تبارك وتعالى (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله) قال من اخذ الربا وجب عليه القتل وكل من اربى وجب عليه القتل،  واخبرني ابي عن ابن ابي عمير بن جميل عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال درهم من ربا اعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام، قال ان

 

===============

(94)

للربا سبعين جزءا ايسره ان ينكح الرجل امه في بيت الله الحرام.

واما قوله (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فانه حدثني ابي عن السكوني عن مالك بن مغيرة عن حماد بن سلمة عن جذعان عن سعيد بن المسيب عن عايشة انها قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته الا برئ هذا المعسر من دينه وصار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من اموال المسلمين، قال (عليه السلام) ومن كان له على رجل مال اخده ولم ينفقه في اسراف او في معصية فعسر عليه ان يقضيه فعلى من له المال ان ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه، وان كان الامام العادل قائما فعليه ان يقتضي عنه دينه لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا او ضياعا فعلى الامام ما ضمنه الرسول، وان كان صاحب المال موسرا تصدق بماله عليه او تركه فهو خير له لقوله (وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) واما قوله (يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه) فقد روي في الخبر ان في سورة البقرة خمس مأة حكم وفي هذه الآية خمسة عشر حكما وهو قوله " يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه ويكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " ثلاثة احكام " فليكتب " اربعة احكام " وليملل الذي عليه الحق " خمسة احكام وهو اقراره إذا املا " وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ولا يخونه " ستة احكام " فان كان الذي عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو " اي لا يحسن ان يمل " فليملل وليه بالعدل " يعني ولي المال سبعة احكام " استشهدوا شهيدين من رجالكم " ثمانية احكام " فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء إن تضل احديهما فتذكر احديهما الاخرى " يعني ان تنسى احديهما فتذكر اخرى تسعة احكام " ولا ياب الشهداء إذا ما دعوا " عشرة احكام " ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا او كبيرا إلى اجله " اي لا تضجروا

 

===============

(95)

ان تكتبوه صغير السن او كبيرا احد عشر حكما " ذلكم اقسط عند الله واقوم للشهادة وادني ان لا ترتابوا " اي لا تشكوا " الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " اثنا عشر حكما " واشهدوا إذا تبايعتم " ثلاثة عشر حكما " ولا يضار كاتب ولا شهيد " اربعة عشر حكما " وان تفعلوا فانه فسوق بكم " خمسة عشر حكما " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم " وقوله (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان أمن بعضكم بعضا) اي يأخذ منه رهنا فان امنه ولم يأخذ منه رهنا " فليتق الله ربه " الذي اخذ المال وقوله " ولا تكتموا الشهادة " معطوف على قوله " واستشهدوا شهيدين من رجالكم ".

واما قوله (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبدالله (عليه السلام) ان هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) ليلة أسرى به إلى السماء، قال النبي (صلى الله عليه وآله) انتهيت إلى محل سدرة المنتهى وإذا بورقة منها تظل امة من الامم فكنت من ربي كقاب قوسين او ادنى كما حكى الله عزوجل فنادانى ربي تبارك وتعالى " آمن الرسول بما انزل اليه من ربه " فقلت انا مجيب عني وعن امتي (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير) فقال الله (لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فقلت (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وقال الله لا اؤاخذك، فقلت (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) فقال الله لا أحملك، فقلت (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين) فقال الله تعالى قد أعطيتك ذلك لك ولامتك،  فقال الصادق (عليه السلام) ما وفد إلى الله تعالى احد اكرم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث سأل لامته هذه الخصال.

 

===============

(96)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338761

  • التاريخ : 29/03/2024 - 11:44

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net