00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الإسراء 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير شبر   ||   تأليف : العلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

سورة الإسراء

 (17) سورة الإسراء مائة وإحدى عشر آيات (111) مكية

وقيل إلا وإن كادوا ليفتنونك الثمان آيات.

بسم الله الرحمن الرحيم

(سبحان الذي أسرى بعبده) محمد (ليلا) ظرف للإسراء وفائدته مع أن الإسراء لا يكون إلا بالليل - تقليل مدة الإسراء وأنه أسري به في بعض الليل مسيرة أربعين ليلة (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) بيت المقدس لبعد ما بينهما (الذي باركنا حوله) في الدين والدنيا يجعله مقر الأنبياء ومهبط الوحي وحفه بالأشجار والأنهار وفيه التفات (لنريه من ءاياتنا) العجيبة في السموات والأرض وما بينهما (إنه هو السميع البصير).

(وءاتينا موسى الكتاب) التوراة (وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا) أن مفسرة أو زائدة (من دوني وكيلا) تكلون إليه أمركم.

(ذرية من حملنا مع نوح) إذ الناس كلهم منه (إنه كان عبدا شكورا) كثير الشكر .

(وقضينا) أوحينا (إلى بني إسرائيل في الكتاب) التوراة (لتفسدن في الأرض مرتين) أولهما قتل شعيا وثانيهما قتل زكريا ويحيى (ولتعلن علوا كبيرا) بالاستكبار عن طاعة الله وظلم الناس .

(فإذا جاء وعد أوليهما) وعد عقاب أولى المرتين (بعثنا عليكم عبادا لنا) بختنصر وجالوت أي خليناهم وإياكم (أولي بأس) بطش في الحرب (شديد فجاسوا) ترددوا يطلبونكم (خلال الديار) وسطها فقتلوا كباركم وسبوا صغاركم وأحرقوا التوراة وخربوا المسجد (وكان وعدا مفعولا) كائنا لا خلف فيه .

(ثم رددنا لكم الكرة) الدولة (عليهم) على المبعوثين بتسخير بعض ملك الفرس لكم فردكم إلى الشام واستولى على أتباع بختنصر أو بتسليط داود على جالوت فقتله (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) عددا .

(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) لأن ثوابه لها

[280]

(وإن أسأتم فلها) العقوبة وذكر اللام ازدواجا وروي فلها رب يغفر (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم) أي بعثناهم ليجعلوا وجوهكم ظاهرة فيها آثار المساءة (وليدخلوا المسجد) بيت المقدس فيخربوه (كما دخلوه أول مرة وليتبروا) ليهلكوا (ما علوا) ما غلبوا عليه أو مدة علوهم (تتبيرا) وذلك بعد أن قتلوا يحيى وبقي دمه يغلي فسلط الله عليهم الفرس فقتلوا منهم ألوفا وسبوا ذراريهم وخربوا بيت المقدس .

(عسى ربكم أن يرحمكم) بعد المرة الثانية إن تبتم (وإن عدتم) إلى الفساد (عدنا) إلى عقوبتكم وقد عادوا بتكذيب محمد فسلط عليهم بقتل قريظة وإجلاء النضير وضرب الجزية (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) سجنا ومحبسا .

(إن هذا القرآن يهدي للتي) للطريقة التي (هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا).

(وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا) هيأنا (لهم عذابا أليما).

(ويدع الإنسان بالشر) على نفسه وأهله ضجرا (دعاءه) كدعائه له (بالخير وكان الإنسان) أي جنسه (عجولا) بالدعاء بالشر لم ينتظر عاقبته .

(وجعلنا الليل والنهار ءايتين) دالتين على قدرتنا وعلمنا (فمحونا آية الليل) الآية التي هي الليل أي طمسنا نورها بالظلام (وجعلنا آية النهار) الآية التي هي النهار (مبصرة) مضيئة أو متبصرا فيها وقيل بتقدير مضاف أي جعلنا نيري الليل والنهار ءايتين ومحو القمر بجعله غير ذي شعاع ترى الأشياء به أو بالكلف الذي فيه وهو مروي روي لو لم يكن لما عرف الليل من النهار (لتبتغوا) في النهار (فضلا من ربكم) بالتصرف في وجوه معاشكم (ولتعلموا) بهما (عدد السنين والحساب) للأوقات (وكل شيء) تحتاجون إليه من أمر الدين والدنيا (فصلناه تفصيلا) بيناه تبيينا .

(وكل إنسان ألزمناه طائره) عمله من خير وشر (في عنقه) لزوم الطوق في عنقه (ونخرج له يوم القيامة كتابا) وهو صحيفة عمله (يلقاه منشورا) ويقال له .

(اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) محاسبأ ولقد أنصفك من جعلك حسيب نفسك .

(من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) فتلزمهم الحجة .

(وإذا أردنا أن نهلك قرية) أي أهلها بعد قيام الحجة عليهم، وإذا دنا وقت إهلاكهم (أمرنا مترفيها) متنعميها أي رؤساءها بالطاعة، وخصوا لأن غيرهم تبع لهم (ففسقوا فيها) فتمادوا في العصيان والخروج عن الظلمة (فحق عليها القول) بالوعيد بانهماكهم في المعاصي (فدمرناها تدميرا) أهلكنا أهلها وخربناها .

(وكم) كثيرا (أهلكنا من القرون) الأمم بيان لكم

[281]

(من بعد نوح) كعاد وغيرهم (وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) عالما ببواطنها وظواهرها .

(من كان يريد العاجلة) الدنيا بعمله (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) التعجيل له (ثم جعلنا له جهنم يصلاها) يدخلها (مذموما) ملولا (مدحورا) مطرودا من رحمة الله .

(ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها) حق السعي لأجلها بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه (وهو مؤمن) إذ لا نفع للعمل بدون الإيمان (فأولئك كان سعيهم مشكورا) مقبولا عند الله مثابا عليه .

(كلا) كل واحد من الفريقين (نمد) نعطي (هؤلاء وهؤلاء) بدل من كلا (من عطاء ربك) رزقه (وما كان عطاء ربك محظورا) ممنوعا في الدنيا من مؤمن ولا كافر .

(أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض) في الرزق والجاه (وللآخرة أكبر) أعظم (درجات وأكبر تفضيلا) من الدنيا .

(لا تجعل مع الله إلها ءاخر فتقعد) فتصير (مذموما) على لسان العقلاء (مخذولا) لا ناصر لك .

(وقضى ربك) أمر أمرا جزما (ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين) وأن تحسنوا (إحسانا) عظيما (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف) فلا تضجر منهما عن الصادق (عليه السلام) أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أهون منه لنهى عنه (ولا تنهرهما) لا تزجرهما بإغلاظ (وقل لهما قولا كريما) جميلا رفيقا .

(واخفض لهما جناح الذل) الإضافة البيانية أي جناحك الذليل (من الرحمة) من الرقة عليهما (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) كرحمتهما لي بتربيتهما إياي صغيرا فإني عاجز عن مكافاتهما .

(ربكم أعلم بما في نفوسكم) من بر وعقوق (إن تكونوا صالحين) طائعين له (فإنه كان للأوابين) التوابين عن تقصير صدر منهم في حق الوالدين (غفورا) لتقصيرهم أو لذنب كل تائب .

(وءات ذا القربى حقه) من صلة الرحم بالمال والنفس، وعن أهل البيت المراد به قرابة الرسول (والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) بالإنفاق في غير طاعة الله .

(إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) أتباعهم وعلى سنتهم في الإسراف (وكان الشيطان لربه كفورا) شديد الكفر فكذا متبعه المبذر .

(وإما تعرضن عنهم) عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل إذ لم تجد ما تعطيهم (ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) لطلب رزق منه تنتظره أن يأتيك فتعطيهم منه

[282]

(فقل لهم قولا ميسورا) لينا أي عدهم وعدا جميلا أو ادع لهم باليسر مثل يرزقنا الله وإياكم .

(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) لا تقبضها عن الإنفاق كل القبض (ولا تبسطها) فيه (كل البسط فتقعد) فتصير (ملوما) بالإسراف عند الله وغيره (محسورا) نادما أو منقطعا بك أو عريانا .

(إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) يوسعه ويضيقه بمشيئته بحسب المصلحة (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) عالما بسرهم وعلنهم وما يصلحهم من وسعة وتقتير .

(ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) مخافة فقر (نحن نرزقكم وإياهم إن قتلهم كان خطأ كبيرا) إثما عظيما .

(ولا تقربوا الزنى) نهى عن قربه مبالغة في النهي عنه (إنه كان فاحشة) ظاهر القبح (وساء سبيلا) وبئس طريقا .

(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) كالقود والردة وحد المحصن (ومن قتل مظلوما) بغير حق (فقد جعلنا لوليه سلطانا) تسلطا على القاتل (فلا يسرف) الولي بتجاوز الحد (في القتل) بالمثلة أو قتل غير القاتل (إنه كان منصورا) من الله بإيجاب القصاص .

(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي) بالخصلة التي (هي أحسن) لحفظه وتثميره (حتى يبلغ أشده) يصير بالغا رشيدا (وأوفوا بالعهد) إليكم من الله أي تكاليفه أو بما عاهدتموه غيره (إن العهد كان مسئولا) عنه ناكثة أو مطلوبا من العاهد أن يفي به .

(وأوفوا الكيل) أتموه (إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم) بالميزان السوي (ذلك خير وأحسن تأويلا) مآلا ومرجعا .

(ولا تقف) تتبع (ما ليس لك به علم) في العقائد والأعمال (إن السمع والبصر والفؤاد) القلب (كل أولئك) الأعضاء (كان عنه مسئولا).

(ولا تمش في الأرض مرحا) ذا مرح أي مختالا (إنك لن تخرق الأرض) تشقها بكبرك حتى تبلغ آخرهما (ولن تبلغ الجبال طولا) بتطاولك فكيف تختال وأنت بهذه المثابة .

(كل ذلك) المذكور (كان سيئه) المنهي عنه منه (عند ربك مكروها.

ذلك) المذكور (مما أوحى إليك ربك من الحكمة) الكلام المحكم الذي لا دخل فيه للفساد (ولا تجعل مع الله إلها آخر) كرر إيذانا بأن التوحيد رأس الحكمة وملاكها (فتلقى في جهنم ملوما) لنفسك أو غيرها (مدحورا) مطرودا من رحمة الله .

(أفأصفاكم) إنكار لقولهم الملائكة بنات الله أي أخصكم (ربكم بالبنين) الذين هم أشرف الأولاد

[283]

(واتخذ) لنفسه (من الملائكة إناثا) بناتا (إنكم لتقولون قولا عظيما) بنسبة الأولاد إليه ثم بتفضيل أنفسكم عليه ثم بجعل أشرف الخلق أخسهم .

(ولقد صرفنا) كررنا الدلائل والعبر (في هذا القرآن ليذكروا) يعتبروا (وما يزيدهم إلا نفورا) عن الحق نسب إليه مجازا أي ازدادوا نفورا عند زواله .

(قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذا لابتغوا) طلبوا (إلى ذي العرش سبيلا) بالمغالبة فعل الملوك بعضهم ببعض أو بالتقرب إليه .

(سبحانه) تنزيها له (وتعالى عما يقولون) بالتاء والياء (علوا كبيرا) تعاليا متباعدا عن صفات الممكنات .

(تسبح له) بالتاء والياء (السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده) ينزهه عما لا يليق بشأنه بلسان الحال والمقال (ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما) من عقوبتكم (غفورا) لمن تاب.

(وإذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) ساترا أو ذا ستر أو مستورا عن الحس .

(وجعلنا على قلوبهم أكنة) أغطية (أن يفقهوه) كراهة أن يفقهوه (وفي ءاذانهم وقرا) صمما فلا يسمعونه مثل نبو قلوبهم ومسامعهم عن قبوله وأسند إليه تعالى إيذانا بتمكنه منهم كالجبلة (وإذا ذكرت ربك في القرءان وحده) بدون ذكر آلهتهم (ولوا على أدبارهم نفورا) جمع نافر أو مصدر أي نفرة .

(نحن أعلم بما يستمعون به) بسببه من الهزء (إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى) ظرفان لأعلم (إذ يقول الظالمون) في تناجيهم (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) سحر فذهب عقله أو مخدوعا .

(أنظر كيف ضربوا لك الأمثال) شبهوك بمسحور وساحر وشاعر وكاهن ومجنون (فضلوا) بذلك عن الحق (فلا يستطيعون سبيلا) إليه أو إلى الطعن فيك .

(وقالوا) إنكارا للبعث (أإذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا).

(قل) لهم (كونوا حجارة أو حديدا).

(أو خلقا مما يكبر في صدوركم) يعظم عندكم عن قبول الحياة فضلا عن العظام الرفات فإن الله لا يعجز عن إحيائكم (فسيقولون من يعيدنا) يحيينا (قل الذي فطركم) خلقكم (أول مرة) فإن من قدر على البدء فهو على الإعادة أقدر (فسينغضون إليك) يحركون نحوك (رءوسهم) تعجبا واستهزاء (ويقولون متى هو) أي البعث (قل عسى أن يكون قريبا) فإن ما هو آت قريب .

[284]

(يوم يدعوكم) من قبوركم على لسان إسرافيل عند النفخة الثانية (فتستجيبون بحمده) تجيبون حامدين له أو مطاوعين لبعثه مطاوعة الحامد له (وتظنون إن لبثتم) في الدنيا أو في البرزخ (إلا قليلا) لهول ما ترون .

(وقل لعبادي) المؤمنين (يقولوا) للكفار الكلمة (التي هي أحسن) ألين (إن الشيطان ينزغ بينهم) يفسد بينهم بسبب الغلظة فتشتد النفرة (إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا).

(ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم) بفضله (أو إن يشأ يعذبكم) بعدله (وما أرسلناك عليهم وكيلا) فتقرهم على الإيمان وما عليك إلا البلاغ .

(وربك أعلم بمن في السموات والأرض) فيخص كلا منهم بما يليق به وفيه رد لإنكار قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) كإبراهيم بالخلة وموسى بالكلام (وءاتينا داود زبورا).

(قل ادعوا الذين زعمتم) أنهم آلهة (من دونه) كالملائكة والعزير والمسيح (فلا يملكون كشف الضر عنكم) كالقحط والمرض (ولا تحويلا) له عنكم إلى غيركم .

(أولئك الذين يدعون) أي يدعونهم آلهة (يبتغون) يطلبون (إلى ربهم الوسيلة) بالقربة بالطاعة (أيهم) هو (أقرب) إليه (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) كسائر عباده فكيف تزعمونهم آلهة (إن عذاب ربك كان محذورا) حقيقا بأن يحذر .

(وإن) وما (من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة) بالموت (أو معذبوها عذابا شديدا) بالقتل وغيره (كان ذلك في الكتاب) اللوح المحفوظ (مسطورا) مكتوبا .

(وما منعنا أن نرسل بالآيات) التي اقترحها قريش (إلا أن كذب بها الأولون) لما اقترحوها وأرسلنا إليهم وأهلكناهم وكذا هؤلاء (وءاتينا ثمود الناقة مبصرة) آية واضحة تبصر من تأملها (فظلموا) أنفسهم بها بعقرها أو فكفروا (بها وما نرسل بالآيات) المعجزات (إلا تخويفا) للعباد من عذابنا ليؤمنوا .

(وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) علما وقدرة فهم في قبضته فبلغهم ولا تخشهم فهو عاصمك منهم (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك) عيانا ليلة الإسراء أو في المنام إذ رأى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك (إلا فتنة للناس) امتحانا لهم (والشجرة الملعونة في القرآن) عطف على الرؤية وهي بنو أمية (ونخوفهم فما يزيدهم) ذلك (إلا طغيانا كبيرا) عتوا عظيما .

(وإذ قلنا للملائكة

[285]

اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس) فسر في البقرة (قال أأسجد لمن خلقت طينا) من طين .

(قال أرأيتك هذا) مفعول أول إذ لا محل لكاف الخطاب (الذي كرمت علي) والمفعول الثاني مقدر أي أخبرني عن هذا الذي فضلته علي بأمري بتعظيمه لم فضلته (لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته) لاستأصلنهم بالإغواء (إلا قليلا) منهم .

(قال) تعالى له (اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم) أنت وهم (جزاء موفورا) مكملا .

(واستفزز) استخف واستنزل (من استطعت منهم بصوتك) بدعائك إلى الشر (وأجلب عليهم بخيلك) فرسانك (ورجلك) اسم جمع للراجل أي أجمع عليهم كيدك وأعوانك (وشاركهم في الأموال) المكتسبة من الحرام والمنفقة فيه (والأولاد) من الزنا (وعدهم) الباطل كنفي البعث أو شفاعة آلهتهم روما (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) باطلا يزينه لهم .

(إن عبادي) الخلص أو مطلقا (ليس لك عليهم سلطان) تسلط إلا من اتبعك باختيار (وكفى بربك وكيلا) حافظا من شرك لمن التجأ إليه .

(ربكم الذي يزجي لكم الفلك) يجريها (في البحر لتبتغوا من فضله) بالتجارة (إنه كان بكم رحيما) حيث سخرها لكم .

(وإذا مسكم الضر) خوف الغرق (في البحر ضل) غاب عن أوهامكم (من تدعون) تعبدون من آلهتكم فلا تدعون (إلا إياه) إذ لا يكشف الضر سواه (فلما نجاكم) من الغرق (إلى البر أعرضتم) عن توحيده (وكان الإنسان كفورا) للنعم .

(أفأمنتم) إنكار عطف على مقدر أي أنجوتم فأمنتم حتى أعرضتم (أن يخسف بكم جانب البر) أي يقلبه وأنتم عليه (أو يرسل عليكم حاصبا) ريحا ترميكم بالحصى والمعنى أن القادر على إغراقكم في البحر قادر على إهلاككم في البر (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) حافظا منه .

(أم أمنتم أن يعيدكم فيه) في البحر (تارة أخرى) بأن يحوجكم إلى ركوبه فتركبوه (فيرسل عليكم قاصفا) كاسرا شديدا (من الريح فيغرقكم بما كفرتم) بكفركم (ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) تابعا مطالبا بثاركم أو دافعا عنكم .

(ولقد كرمنا بني آدم) بالعقل والنطق واعتدال الخلق وتسخير الأشياء لهم وغير ذلك (وحملناهم في البر والبحر) على الدواب والسفن (ورزقناهم من الطيبات) المستلذات (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) والكثير ما عدا جنس الملائكة أو خواصهم .

(يوم ندعوا كل أناس

[286]

بإمامهم) نبيهم أو كتاب أعمالهم، وعنهم (عليهم السلام): إمام زمانهم وأن الأئمة إمام هدى وإمام ضلالة (فمن أوتي كتابه) كتاب عمله (بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم) فرحا بما يرون فيه وجمعوا باعتبار معنى من (ولا يظلمون فتيلا) لا ينقصون من حقهم قدر ما في شق النواة .

(ومن كان في هذه) أي الدنيا (أعمى) القلب عن الحق (فهو في الآخرة أعمى) عن طريق الجنة أو أعمى العين فلا يقرأ كتابه وقيل هو للتفضيل (وأضل سبيلا) وأبعد طريقا عن الحق .

(وإن) مخففة أي الشأن (كادوا) قاربوا (ليفتنونك) يستنزلونك واللام فارقة (عن الذي أوحينا إليك) من الأحكام (لتفتري علينا غيره) غير ما أوحينا إليك (وإذا) لو اتبعت مرادهم (لاتخذوك خليلا) وليا لهم .

(ولو لا أن ثبتناك) على الحق بالعصمة (لقد كدت تركن) تميل (إليهم شيئا) ركونا (قليلا) لكن عصمناك فلم تقارب الركون فضلا عن أن تركن إليهم .

(إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة أي مثل ما يعذب غيرك في الدارين (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) دافعا عنك .

(وإن) مخففة (كادوا) أي أهل مكة (ليستفزونك) ليزعجونك (من الأرض) أرض مكة (ليخرجوك منها وإذا) لو أخرجوك (لا يلبثون خلافك) فيها وقرىء خلفك (إلا قليلا) زمانا يسيرا وقد كان ذلك وهو قتلهم ببدر بعد هجرته بسنة .

(سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا) أي كسنتنا في رسلنا من إهلاك من أخرجهم (ولا تجد لسنتنا تحويلا) تبديلا .

(أقم الصلاة لدلوك الشمس) زوالها من الدلك لأن الناظر إليها يدلك عينيه ليتبينها واللام بمعنى الوقت (إلى غسق الليل) ظلامه وهو وقت العشاءين، وعنهم (عليهم السلام): دلوكها زوالها ففيما بينه إلى غسق الليل وهو انتصافه أربع صلوات.

(وقرءان الفجر) صلاة الصبح وتسميتها قرآنا لتضمنها له كتسميتها ركوعا وسجودا (إن قرءان الفجر كان مشهودا) يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار .

(ومن الليل) بعضه (فتهجد به) فدع الهجود للصلاة بالقرآن (نافلة لك) خاصة زيادة على الفرائض أو فضيلة لك تخصك (عسى أن يبعثك ربك) يقيلك في الآخرة (مقاما محمودا) يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام شفاعة .

(وقل رب أدخلني) فيما حملتني من الرسالة بأدائها أو من مكة أو عند البعث (مدخل صدق) إدخالا مرضيا (وأخرجني) من أعباء الرسالة بأدائها أو من مكة عند البعث (مخرج صدق) إخراجا لا أرى فيه مكروها (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) قوة تنصرني بها على أعدائك أو ملكا أقهر به العصاة فنصره بالرعب من مسيرة شهر .

(وقل جاء الحق) الإسلام (وزهق الباطل) الشرك (إن الباطل كان زهوقا) مضمحلا زائلا .

(وننزل من القرءان ما هو شفاء) من الأمراض الروحانية كالعقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والجسمانية ببركة تلاوته للاستشفاء (ورحمة للمؤمنين) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون به (ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) لكفرهم به .

(وإذا أنعمنا على الإنسان) بالصحة والغنى (أعرض) عن ذكرنا (ونأى بجانبه) بعد بنفسه عنه وثنى عطفه

[287]

مستكبرا وقرىء ناء على القلب أو بمعنى نهض (وإذا مسه الشر) كمرض أو فقر (كان يئوسا) قنوطا من روح الله .

(قل كل) من المؤمن والكافر (يعمل على شاكلته) خليقته التي تخلق بها أو طريقته التي اعتادها (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) أوضح طريقا وأصوب دينا .

(ويسألونك عن الروح) التي يحيى بها بدن الإنسان (قل الروح من أمر ربي) حصل بإرادته المعبر عنها ب كن بلا مادة أو حدث بتكوينه على أن سؤالهم عن قدمه وحدوثه أو بعلمه الذي استأثر به لما قيل أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن الروح فإن أجاب فليس نبيا وإن أبهم كما في التوراة فهو نبي وقيل الروح القرآن من أمر ربي من وحيه، وعنهم (عليهم السلام): الروح خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل يكون مع النبي والأئمة يسددهم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وفوق كل ذي علم عليم .

(ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف (ثم لا تجد لك به علينا وكيلا).

(إلا رحمة من ربك) متصل كأن رحمته تعالى تتوكل بالرد أو منقطع أي ولكن رحمة من ربك أبقته عليك (إن فضله كان عليك كبيرا) بإرسالك وإنزال القرآن وإبقائه عليك وغير ذلك .

(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان) في الفصاحة والبلاغة (لا يأتون بمثله) وفيهم الفصحاء والبلغاء (ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) معينا نزلت ردا لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا .

(ولقد صرفنا) كررنا وبينا (للناس في هذا القرءان من كل مثل) ليعتبروا (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) جحودا وسوغ الاستثناء معنى النفي .

(وقالوا) اقتراحا (لن نؤمن لك حتى تفجر) بالتشديد والتخفيف (لنا من الأرض) أرض مكة (ينبوعا) عينا ينبع ماؤها .

(أو تكون لك جنة) بستان (من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها) وسطها (تفجيرا).

(أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) حال كقطع لفظا ومعنا (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) كفيلا بما تدعي أو مقابلة وعيانا .

(أو يكون لك بيت من زخرف) ذهب (أو ترقى في السماء) مراقيها (ولن نؤمن لرقيك) لو فعلته (حتى تنزل علينا) منها (كتابا) يصدقك (نقرؤه قل سبحان ربي) تعجبا من تحكمهم أو تنزيها له منه (هل) ما (كنت إلا بشرا رسولا) كسائر الرسل .

(وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى) الحجج البينة (إلا أن قالوا) إلا قالوا إنكارا (أبعث الله بشرا رسولا) وهلا بعث ملكا .

(قل) جوابا لهم (لو كان في الأرض ملائكة يمشون) كالبشر (مطمئنين) قاطنين (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) إذ لا بد من تجانس الرسل للمرسل إليهم ليمكنهم إدراكه أو التلقي منه وأما إرسال الملك إلى النبي فلتمكنه من ذلك لقوة نفسه .

(قل كفى بالله شهيدا بيني

[288]

وبينكم) على صدقي بإظهار المعجز الدال عليه (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا).

(ومن يهدي الله) بلطفه أو يحكم بهديه (فهو المهتد) وقرىء بالياء (ومن يضلل) يمنعه اللطف أو يحكم بضلاله (فلن تجد لهم أولياء من دونه) يهدونهم (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) يسحبون عليها أو يمشيهم الله عليها بقدرته (عميا) لا يرون ما يسرهم (وبكما) لا ينطقون بما ينفعهم (وصما) لا يسمعون ما يمنعهم وقيل يحشرون من الموقف إلى النار موفى الحواس (ومأواهم جهنم كلما خبت) سكن لهبها بإفنائهم (زدناهم سعيرا) تلهبا واشتعالا بهم بإعادتهم .

(ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا) إنكارا للبعث (أإذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا).

(أولم يروا) يعلموا (أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم) أي يعيدهم فالقادر على الأعظم قادر على الأدون (وجعل لهم أجلا لا ريب فيه) هو الموت أو البعث (فأبى الظالمون إلا كفورا) جحودا للحق .

(قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي) رزقه وسائر نعمه (إذا لأمسكتم) بخلا (خشية الإنفاق) خوف النفاد بالإنفاق (وكان الإنسان قتورا) بخيلا .

(ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات) هي العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وقيل الحجر والطمس بدل اليد واللسان وقيل السنون ونقص الثمرات بدل البحر واللسان (فاسئل بني إسرائيل) عما جرى لموسى وفرعون (إذ جاءهم) وعن الآيات ليظهر للمشركين صدقك (فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا) سحرت فخولط عقلك .

(قال لقد علمت) يا فرعون (ما أنزل هؤلاء) أي الآيات (إلا رب السموات والأرض بصائر) حججا تبصرك صدقي ولكنك تعاند (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) هالكا أو مصروفا عن الخير .

(فأراد) فرعون (أن يستفزهم) يزعج موسى وقومه بالنفي أو القتل (من الأرض) أرض مصر (فأغرقناه ومن معه جميعا) جمعا عارضناه بنقيض مراده .

(وقلنا من بعده لبني إسرائيل أسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة) أي قيام الساعة (جئنا بكم لفيفا) مختلطين أنتم وهم للحكم والجزاء .

(وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) أي ما أردنا بإنزال القرآن إلا تركيز الحق في مركزه وما نزل إلا بالدعاء إلى الحق (وما أرسلناك إلا مبشرا) من أطاع بالجنة (ونذيرا) من عصى بالنار.

(وقرءانا فرقناه) أنزلناه مفرقا نجوما في نحو عشرين سنة أو فرقنا به الحق من الباطل فحذفت الجار (لتقرأه على)

[289]

(الناس على مكث) بالضم مهل وتثبت كي يسهل فهمه وحفظه (ونزلناه تنزيلا) منجما على حسب المصالح .

(قل ءامنوا به أو لا تؤمنوا) تهديد (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم) القرآن (يخرون للأذقان) يسقطون على وجوههم (سجدا) تذللا وخضوعا لله تعالى .

(ويقولون سبحان ربنا) تنزيها له عن خلف الوعد (إن) مخففة (كان وعد ربنا) بإنزاله وبعث محمد في كتبنا (لمفعولا) منجزا واللام فارقة .

(ويخرون للأذقان) كرر إيذانا بتكرير الفعل منهم ولتقييد الثاني بالحال وهي (يبكون) من خوف الله (ويزيدهم) القرآن (خشوعا) لين قلب وتواضع لله تعالى .

(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) نزلت حين قال المشركون وقد سمعوه (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول: يا الله يا رحمان نهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهين أو قالت اليهود إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة (أياما) أي هذين الاسمين (تدعوا) تسموا فهو حسن (فله) أي للمسمى بهما (الأسماء الحسنى) الدالة على صفات الجلال والإكرام وهذان منها (ولا تجهر بصلاتك) لا ترفع بها صوتك شديدا بحيث لا تعد مصليا (ولا تخافت بها) بحيث لا تسمع أذنيك فلا تعد قارئا (وابتغ بين ذلك) الجهر والمخافتة (سبيلا) وسطا .

(وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) الألوهية (ولم يكن له ولي) يواليه (من الذل) من أجل ذل به ليدفعه بموالاته أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر (وكبره تكبيرا) عظمه تعظيما وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يعلم أهله هذه الآية.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21331259

  • التاريخ : 28/03/2024 - 09:52

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net