00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة النساء 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير شبر   ||   تأليف : العلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

سورة النساء

 (4) سورة النساء مائة وست وسبعون آية (176) مدنية

بسم الله الرحمن الرحيم

(يا أيها الناس) خطاب عام يفيد تكليف الكفار بالفروع (اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) آدم (وخلق منها زوجها) عطف على محذوف أي أنشأها وخلق منها من فضل طينتها أو من ضلعها أمكم أو على خلقكم أي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها أمكم (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) بيان لكيفية التولد منهما روي أن الله أنزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر ابنة الجان (واتقوا الله الذي تساءلون به) يسأل بعضكم بعضا فيقول: أسألك بالله (والأرحام) واتقوا الأرحام أن تقطعوه وهي أرحام الناس (إن الله كان عليكم رقيبا) حفيظا .

(وءاتوا اليتامى أموالهم) إذا بلغوا وءانستم منهم رشدا (ولا تتبدلوا الخبيث) الرديء من أموالكم (بالطيب) الجيد من أموالهم (ولا تأكلوا أموالهم) مضمومة (إلى أموالكم) حتى لا تفرقوا بينهما إلا قدر أجرة المثل بسبيل القرض أو الاستحقاق (إنه) أي الأكل (كان حوبا كبيرا) ذنبا عظيما .

(وإن خفتم ألا تقسطوا) تعدلوا (في اليتامى) يتامى النساء إذا تزوجتم بهن (فانكحوا) فتزوجوا (ما طاب) ما أحل (لكم من النساء) من غيرهن إذ كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال وتزوجها فربما جمع عنده عشرا منهن فيقصر فيما يجب لهن أو إن

[108 ]

خفتم أن تجوروا في أمر اليتامى وتحرجتم منه فخافوا أيضا الجور في أمر النساء فانكحوا مقدارا تفون بحقه وروي أسقط المنافقون بين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن (مثنى وثلاث ورباع) حال مما طاب معدولة عن أعداد مكررة هي ثنتين ثنتين، ثلاث ثلاث، أربع أربع: منع صرفها للعدل والوصف أو لتكرار العدل باعتبار الصيغة والتكرير ومعناه الإذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه أو مختلفين، نظيره اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة ولو أفردت وقيل اثنتين وثلاثا وأربع ألزم جواز الجمع بين الأعداد دون التوزيع ولو قيل أو لمنع الاختلاف في العدد (فإن خفتم ألا تعدلوا) بين هذه الأعداد أي في النفقة .

(فواحدة) فانكحوا واحدة (أو ما ملكت أيمانكم) وإن تعددت لخفة مئونتهن (ذلك أدنى) أقرب (ألا تعولوا) لا تميلوا (وءاتوا النساء صدقاتهن) مهورهن (نحلة) عطية بلا توقع عوض (فإن طبن لكم عن شيء منه) من الصداق (نفسا) وهبن لكم عن طيب نفس (فكلوا هنيئا مريئا) سائغا من غير غص .

(ولا تؤتوا السفهاء) النساء والصبيان ومن لا تثق به (أموالكم التي جعل الله لكم قياما) تقومون بها (وارزقوهم) واجعلوا لهم (فيها) رزقا (واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) حسنا شرعا أو عقلا من وعد جميل .

(وابتلوا اليتامى) اختبروهم قبل البلوغ (حتى إذا بلغوا النكاح) حدا يتأتى منهم النكاح (فإن آنستم منهم رشدا) عقلا وإصلاح مال (فادفعوا إليهم أموالهم) عند تحقق البلوغ والرشد بلا تأخير (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) مسرعين ومبادرين كبرهم أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم (ومن كان غنيا فليستعفف) عن أكلها (ومن كان فقيرا) من أوليائه (فليأكل بالمعروف) بقدر أجرته أو كفايته أو أقلهما (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) بأنهم تسلموها نفيا للتهمة وفرارا من الخصومة (وكفى بالله حسيبا) محاسبأ فلا تتعدوا حدوده .

(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) هم المتوارثون بالقرابة (وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر) بدل مما بتكرير العامل (نصيبا مفروضا) واجبا كانت العرب في الجاهلية لا تورث البنات فرد الله عليهم .

(وإذا حضر القسمة) قسمة التركة (أولوا القربى) ممن لا يرث (واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) من المقسوم شيئا أمر ندب للورثة البلغ (وقولوا لهم قولا معروفا) بأن تلطفوا لهم في القول .

(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) أمر للأوصياء بأن يخشوا الله في أمر اليتامى ليفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل

[109 ]

بذراريهم بعدهم أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا الله في أولاده ويحبون لهم ما يحبون لأولادهم (فليتقوا الله) في أمر اليتامى (وليقولوا) لهم (قولا سديدا) كما يقولون لأولادهم .

(إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) ظالمين أو على وجه الظلم (إنما يأكلون في بطونهم) ملئها (نارا) لأن ذلك يكون نارا في القيامة أو ما يجر إلى النار أو يأكلونها يوم القيامة (وسيصلون سعيرا) بفتح الياء وضمها .

(يوصيكم الله) يأمركم ويعهد إليكم (في أولادكم) في شأن ميراثهم (للذكر مثل حظ الأنثيين) إذا اجتمع الصنفان وقدم الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك (فإن كن) مولودات (نساء) خلصا ليس معهن ذكر (فوق اثنتين) خبر ثان أو صفة النساء (فلهن ثلثا ما ترك) الميت (وإن كانت) أي المولودة (واحدة فلها النصف) وحكم الاثنتين حكم ما فوقها إجماعا مما عدا ابن عباس ويعضده أن للواحدة الثلث مع أخيها فأولى أن تستحق مع أخت مثلها وإن للأختين الثلثين والبنتان ليس رحما (ولأبويه) لأبوي الميت (لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له) للميت (ولد) وإن نزل ذكرا أو أنثى متعددا أو لا لكنهما يشاركان البنت في الباقي بعد السهام فيقسم أخماسا (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) مما ترك أجمع ولو مع أحد الزوجين عندنا وثلث ما بقي بعد نصيبه عند الجمهور ولم يذكر ما للأب لظهور أن له الباقي (فإن كان له إخوة) اثنان فصاعدا لأب أو لأبوين وتنوب الأختان ذكرا (فلأمه السدس) يحجبها الإخوة عن الثلث إلى السدس ولا يرثون (من بعد وصية يوصي بها أو دين) للإباحة وتفيد تساويهما في وجوب التقديم على القسمة انفردا أم اجتمعا وقدمت الوصية على الدين مع تقدمه شرعا اهتماما بشأنها لأنها شاقة على الورثة لشبهها بالإرث فهي مظنة التفريط بخلاف الدين لاطمئنانهم إلى أدائه (ءاباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) اعتراض مؤكد لأمر القسمة أو تنفيذ الوصية أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم فاقسموا على ما بينه الله (فريضة) مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة (من الله إن الله كان عليما) بالمصالح (حكيما) فيما فرض .

(ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) وإن ترك ذكرا أو أنثى منكم أو من غيركم (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين) في الصورتين (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد) ولو من غيرهن (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) وتستوي الواحدة والأكثر منهن في الربع والثمن (وإن كان رجل) وهو الميت (يورث) منه صفة لرجل (كلالة) خبر كان أو الخبر يورث والكلالة حال من الضمير فيه والكلالة من ليس بولد ولا والد وأريد بها هنا الأخ أو الأخت من الأم خاصة (أو امرأة) كذلك (وله) لكل واحد منهما (أخ أو أخت) من الأم إجماعا ونصا وبها قرىء (فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك

[110 ]

فهم شركاء في الثلث) يستوي الذكر والأنثى في القسمة (من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار) حال من فاعل يوصي على البناء للفاعل أو المدلول عليه بيوصى بالبناء للمفعول أي غير مضار لوارثه بالزيادة على الثلث أو قصد المضار بالوصية لا القربة أو الإيصاء بدين لا يلزمه .

(وصية من الله) مصدر مؤكد (والله عليم) بمن ضاره وغيره (حليم) لا يعجل العقوبة (تلك) الأحكام المذكورة في اليتامى والوصايا والمواريث (حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) حال مقدرة لا صفة جنات وإلا لأبرز الضمير لجريانها على غير من هي له وجمع للمعنى (وذلك الفوز العظيم) .

(ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدين فيها) حال لا صفة نار لما مر (وله عذاب مهين) .

(واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم) أي الزنا (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) اطلبوا من قاذفهن أربعة رجال من المؤمنين (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت) كان ذلك عقوبتهن في أول الإسلام فنسخ بالحد (أو يجعل الله لهن سبيلا) هو النكاح أو الحد قيل لما نزلت آية الجلد قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد جعل الله لهن سبيلا .

(واللذان يأتيانها منكم) أي الزاني والزانية (فآذوهما) بالتوبيخ والتعيير (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) وكفوا عن إيذائهما (إن الله كان توابا رحيما) علة الأمر بالإعراض قيل هذه سابقة على الأولى نزولا وكان عقوبة الزنا الأذى ثم الحبس ثم الجلد .

(إنما التوبة) أي قبول التوبة الذي أوجبه الله على نفسه بمقتضى وعده (على الله للذين يعملون السوء) متلبسين (بجهالة) إذ ارتكاب الذنب جهل وسفه قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر في معصية ربه (ثم يتوبون من قريب) وهو ما قبل حضور الموت لقوله: حتى إذا حضر أحدهم الموت وقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من تاب قبل أن يغرغر تاب الله عليه أو المعنى قبل أن يصير رينا على قلوبهم (فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما) بتوبتهم (حكيما) فيها يعاملهم به .

(وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) وذلك إذا عاين أمر الآخرة (ولا الذين يموتون وهم كفار) نفى التوبة عمن سوفها إلى حضور الموت ومن مات كافرا وسوى بينهما في نفيهما لمجاوزة كل منهما وقت التكليف والاختيار (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) .

(يا أيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) بالضم والفتح كان الرجل إذا مات قريبه ألقى ثوبه على امرأته وقال أنا أحق بها فإن شاء تزوجها بصداقها الأول وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها فنزلت: (ولا تعضلوهن) لا تمسكوهن إضرارا بهن وتمنعوهن من النكاح (لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن) كان الرجل يمسك زوجته إضرارا بها لتفتدي بمالها فنهوا عن ذلك

[111 ]

(إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) زنا أو نشوزا أو سوء خلق فيحل للزوج أن يخلعها (وعاشروهن بالمعروف) بالنصفة (فإن كرهتموهن) فلا تفارقوهن لكراهة النفس (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) .

(وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) تزويج امرأة ومفارقة أخرى (وءاتيتم إحداهن قنطارا) ملء مسك ثور ذهبا أو مالا عظيما (فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) كان الرجل إذا أراد تزويج جيدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء ليصرفه في تزويج الجديدة .

(وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) إنكار لأخذه والحال أنه وصل إليها بالملامسة ودخل بها ووجب المهر (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) عهدا وثيقا وهو حق الصحبة والمضاجعة، وروي الميثاق: الكلمة التي بها عقد النكاح والغليظ هو ماء الرجل يفيضه إليها .

(ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم) وإن علوا (من النساء إلا ما قد سلف) استثناء من لازم النهي أي معاقبون بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف أو من اللفظ مبالغة في التحريم كلا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أو منقطع أي ولكن ما سلف فلا تؤاخذون عليه (إنه كان فاحشة ومقتا) موجبا لمقت الله وهو علة النهي (وساء سبيلا) سبيل من دان به .

(حرمت عليكم أمهاتكم) أي نكاحهن لما قبله بعده والمتبادر كالأكل في حرمت عليكم الميتة والأم: من ولدتك أو ولدت من ولدتك وإن علت (وبناتكم) وإن سفلت (وأخواتكم) من الأب أو الأم أو منهما (وعماتكم وخالاتكم) وإن علت (وبنات الأخ وبنات الأخت) وإن نزلن (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) سماها أما وأختا تنزيلا للرضاع منزلة النسب قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فيحرم به السبع المحرمات بالنسب (وأمهات نسائكم) وإن علون دخلتم بالبنات أم لا (وربائبكم) بنات نسائكم من غيركم وإن سفلن (اللاتي في حجوركم) في ضمانكم وتربيتكم وفائدته تقوية العلة وتكميلها لا تقييد الحرمة، وروي هن حرام كن في الحجور أو لم يكن (من نسائكم) دائما أو منقطعا أو ملك يمين متعلق بربائبكم لقربه (اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) احترازا عن المتبني لا أبناء الولد فيشملونهم وإن سفلوا (وأن تجمعوا بين الأختين) عطف على المحرمات والمحرم الجمع دون العين فلو فارق إحداهما حلت له الأخرى (إلا ما قد سلف) منقطع أي ولكن ما مضى مغفور لقوله: (إن الله كان غفور رحيما) فلا تيأسوا من رحمته .

(والمحصنات من النساء) ذوات الأزواج أحصنهن الزوج عطف على المحرمات (إلا ما ملكت أيمانكم) من سبأيا دار الكفر المزوجات فإنهن حلال لرفع السبي النكاح أو ما ملكتم من الإماء المتزوجات فإن للمالك فسخ نكاحهن ووطئهن بعد العدة على وجه

[112 ]

(كتاب الله) كتب ذلك كتابا (عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) ما عدا ما ذكر من المحرمات إلا ما خص بالسنة كالمنكوحة على عمها وخالتها وغيرهما (أن تبتغوا) بدل اشتمال من ما أو مفعول له أي أحل ذلك إرادة أن تطلبوا النساء (بأموالكم) بصداق أو ثمن (محصنين) أعفاء (غير مسافحين) غير زناة (فما استمتعتم به منهن) من النساء والمراد به نكاح المتعة بإجماع أهل البيت ويدل عليه قراءة أبي وابن عباس وابن مسعود: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى (فأتوهن أجورهن) مهورهن (فريضة من الله ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) من استئناف عقد آخر بعد انقضاء المدة بزيادة في الأجر والمدة (إن الله كان عليما) بمصالحكم (حكيما) فيما شرع لكم .

(ومن لم يستطع منكم طولا) غنى أي من لم يجد غنى يبلغ به (أن ينكح المحصنات) الحرائر (المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم) فليتزوج أو يشتري منهن (من فتيانكم) إمائكم (المؤمنات والله أعلم بإيمانكم) فاكتفوا بظاهر الإيمان وكلوا السرائر إليه فرب أمة تفضل الحرة في الإيمان وهذا تأنيس بنكاح الإماء (بعضكم من بعض) كلكم من آدم ودينكم الإسلام فلا تستنكفوا من نكاحهن (فانكحوهن بإذن أهلهن) مالكيهن (وءاتوهن أجورهن) مهورهن لعل المراد آتوا أهلهن (بالمعروف) بلا مطل وضرار (محصنات) عفائف (غير مسافحات) معلنات بالزنا (ولا متخذات أخدان) أخلاء يزنون بهن (فإذا أحصن) بالتزويج بالبناء للمفعول والفاعل (فإن أتين بفاحشة) بزنا (فعليهن نصف ما على المحصنات) أي الحرائر (من العذاب) من الجلد كقوله وليشهد عذابهما وليس الإحصان شرطا للحد وإنما ذكر لإفادة أنه لا رجم عليهن أصلا لأنه لا ينتصف (ذلك) أي نكاح الإماء (لمن خشي العنت منكم) خاف الوقوع في الزنا أو الحد (والله غفور) لذنوبكم بالتوبة أو بفضله (رحيم) بكم .

(يريد الله ليبين لكم) أحكام دينه ومصالحكم (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) من أهل الحق لتقتدوا بهم (ويتوب عليكم والله عليم) بمصالحكم (حكيم) فيما دبر لكم .

(والله يريد أن يتوب عليكم) كرر للتأكيد وليبني عليه (ويريد الذين يتبعون

[113 ]

الشهوات) لمبطلون أو الزناة أو اليهود أو المجوس فإنهم يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت (أن تميلوا) عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات أو إحلال المحرمات (ميلا عظيما) إذ لا ميل أعظم من ذلك .

(يريد الله أن يخفف عنكم) بإحلال نكاح الأمة وغيره من الرخص (وخلق الإنسان ضعيفا) لا يصبر على الشهوات ولا يحتمل مشاق الطاعات .

(يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) بما لم يبحه الشرع أو بما حرمه كالربا والقمار والنجش والظلم (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) منقطع أي ولكن كون تجارة صادرة عن تراض المتبايعين غير منهي عنه وقيل أريد بالمنهي عنه صرف المال فيما لا يرضاه الله وبالتجارة صرفه فيما يرضاه وقرىء بنصب التجارة أي إلا أن تكون التجارة تجارة وبرفعها (ولا تقتلوا أنفسكم) بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها (إن الله كان بكم رحيما) .

(ومن يفعل ذلك) أي القتل وما سبق من المنهيات (عدوانا) تجاوزا عن الحق (وظلما) إتيانا بما لا ينبغي (فسوف نصليه) ندخله (نارا وكان ذلك على الله يسيرا) هينا لا مانع عنه .

(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) ما أوعد الله عليه النار أو العقاب أو جعل فيه حدا أو كلما نهى الله عنه وقيل سبع وقيل أكثر وقيل هي إلى السبعة أقرب منها إلى السبع (نكفر عنكم سيئاتكم) يغفر لكم ما سوى ذلك (وندخلكم مدخلا) بضم الميم وفتحها أي موضعا (كريما) هو الجنة أو إدخالا مع كرامة .

(ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) لا تقل: ليت ما أعطي فلان من المال والجاه كان لي، ولكن قل: اللهم أعطني مثله (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) لكل منهما حظ وفضل بالعمل فاطلبوا الفضل بالعمل (واسألوا الله من فضله) وقرىء وسلوا (إن الله كان بكل شيء عليما) قيل قالت أم سلمة يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث ليتنا رجال، فنزلت (ولكل) لكل واحد (جعلنا موالي) وراثا (مما ترك) هم أولى بميراثه وهم أولوا الأرحام في المواريث فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها (الوالدان والأقربون) أي لكل ميت جعلنا وراثا مما ترك أو لكل قوم جعلناهم موالي حظ مما ترك (والذين عقدت) وقرىء عاقدت (أيمانكم) جمع يمين بمعنى اليد أو القسم أي الحلفاء الذين عاهدتموهم على النصرة (فأتوهم نصيبهم) إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلة أي دية جنايته خطأ وروي: هم الأئمة بهم عقد الله أيمانكم (إن الله كان على كل شيء شهيدا) لا يغيب عنه شيء .

(الرجال قوامون) قيمون مسلطون (على النساء) في السياسة والتدبير (بما فضل الله بعضهم على بعض) بسبب تفضيلهم عليهن كفضل الماء على الأرض ولو لا الرجال ما خلقت النساء (وبما أنفقوا من أموالهم) في مهورهن ونفقتهن (فالصالحات قانتات) مطيعات لله أو

[114 ]

للأزواج (حافظات للغيب) تحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله (بما حفظ الله) بحفظه له إياهن (واللاتي تخافون نشوزهن) عصيانهن أو ترفعهن عن طاعتكم بظهور أماراته أو أريد بالخوف العلم (فعظوهن) بالقول وخوفوهن الله (واهجروهن في المضاجع) المراد فلا تدخلوهن تحت اللحف أو لا تجامعوهن أو ولوهن ظهوركم (واضربوهن) ضربا غير مبرح ولا مدم والثلاثة مترتبة فيدرج فيها (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) إلى التوبيخ والإيذاء إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له (إن الله كان عليا كبيرا) فاحذروه .

(إن خفتم شقاق) مخالفة مفرقة (بينهما) الضمير للزوجين المدلول عليهما بذكر الرجال والنساء (فابعثوا) أيها الحكام (حكما) رجلا عدلا صالحا للحكومة والإصلاح (من أهله وحكما من أهلها) إذ الأقارب أعرف بأحوالهما وبما يصلحهما (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) الضميران للحكمين أي إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما وليس لهما أن يفرقا حتى يستأمراهما (إن الله كان عليما خبيرا) بالبواطن .

(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) غيره أو شيئا من الإشراك (وبالوالدين) أو أحسنوا (إحسانا وبذي القربى) القرابة (واليتامى والمساكين والجار ذي القربى) القريب في الجوار أو النسب أو الدين، وروي أن حد الجوار أربعون دارا من كل جانب (والجار الجنب) البعيد جوارا أو نسابة أو دينا وقيل ليس حسن الجوار كف الأذى بل الصبر على الأذى (والصاحب بالجنب) الرفيق في السفر أو تعلم أو حرفة وقيل الزوجة (وابن السبيل) المسافر أو الضيف (وما ملكت أيمانكم) الأهل والخادم (إن الله لا يحب من كان مختالا) متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه (فخورا) يفتخر عليهم .

(الذين يبخلون) نصب بدلا ممن كان أو على الذم أو رفع عليه أو مبتدأ حذف خبره (ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما ءاتاهم الله من فضله) المال والعلم أحقاء بالعقوبة (وأعتدنا للكافرين) بذلك وغيره (عذابا مهينا) لهم قيل نزلت في اليهود الذين كانوا ينتصحون للأنصار ويقولون لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر والذين يكتمون صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

(والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) مرائين أو مراءاة لهم (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) هم المنافقون أو مشركو مكة (ومن يكن الشيطان له قرينا) صاحبا يتبع أمره كهؤلاء أو هو وعيد لهم بأن يقرن بهم في النار .

(فساء قرينا) هو (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله) أي أي ضرر عليهم بالإيمان والإنفاق في سبيل الله وهو توبيخ لهم إذ كل منفعة في ذلك وإنما الضرر فيما هم عليه (وكان الله بهم عليما) فيجازيهم بأعمالهم .

(إن الله لا يظلم مثقال ذرة) زنة غلة صغيرة أو جزء من أجزاء الهباء لغناه عن الظلم وعلمه بقبحه

[115 ]

(وإن تك) أي مثقال الذرة، وأنث الضمير لتأنيث الخبر أو لإضافة المثقال إلى مؤنث (حسنة) بالرفع على التامة وبالنصب على الناقصة (يضاعفها) يضاعف ثوابها (ويؤت من لدنه أجرا عظيما) عطاء جزيلا .

(فكيف) حال هؤلاء الكفرة (إذا جئنا من كل أمة بشهيد) يشهد عليها بعملها (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) .

(يومئذ يود) يتمنى (الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) لو مصدرية أي أن يدفنوا فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى أو لم يبعثوا أو لم يخلقوا وكانوا هم والأرض سواء (ولا يكتمون الله حديثا) لا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم، وقيل الواو للحال أي يودون أن يدفنوا تحت الأرض وأنهم لا يكتمون الله حديثا ولا يقولون والله ربنا ما كنا مشركين فإنهم إذا قالوا ذلك ختم على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم فيشتد الأمر عليهم فيتمنون لو تسوى بهم الأرض وقرىء تسوى بفتح التاء أي تتسوى فأدغم التاء في السين، وقرىء بحذف التاء الثانية .

(يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة) أي مواضعها أو لا تصلوا مبالغة في النهي (وأنتم سكارى) من نحو نوم أو خمر وكل ما يمنع من حضور القلب (حتى تعلموا ما تقولون) في الصلاة (ولا جنبا) عطف على (وأنتم سكارى) إذ محله النصب على الحال (إلا عابري سبيل) مجتازين أي لا تدخلوا المساجد جنبا في عامة الأحوال إلا حال الاجتياز (حتى تغتسلوا) غاية النهي عن القرب حال الجنابة (وإن كنتم مرضى) مرضا يضره الماء أو يعجز عن تناوله (أو على سفر) تفقدونه فيه (أو جاء أحد منكم من الغائط) هو المطمئن من الأرض كنى به عن الحدث (أو لامستم النساء) أي جامعتموهن (فلم تجدوا ماء) متعلق بكل من الأربع أي لم تتمكنوا من استعماله (فتيمموا صعيدا طيبا) فاقصدوا شيئا من وجه الأرض طاهرا مباحا قيل: وإنما نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين وبين المحدثين والمجنبين، والمرض والسفر سببان من أسبأب الرخصة والحدث سبب لوجوب الوضوء والجنابة لوجوب الغسل لأنه سبحانه أراد أن يرخص لمن وجب عليهم التطهير إذا عدموا الماء في التيمم فخص أولا مرضاهم ومسافريهم لكثرة المرض والسفر ثم عمم كل من وجب عليه التطهير إذا عدموا الماء من هؤلاء وغيرهم (فامسحوا بوجوهكم) أي بعضها وهو الجبهة والجبينان إلى طرف الأعلى كما في السنة (وأيديكم) ظهرها من الزند إلى أطراف الأصابع (إن الله كان عفوا غفورا) فلذا خفف .

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) حظا من علم التوراة وهم أحبار اليهود (يشترون الضلالة) يستبدلونها بالهدى بإنكار محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ويريدون أن تضلوا السبيل) طريق الحق كما أخطئوه .

(والله أعلم) منكم (بأعدائكم) وقد أخبركم بهم فاحذروهم (وكفى بالله وليا) يلي أمركم

[116 ]

(وكفى بالله نصيرا) يعينكم .

(من الذين هادوا) بيان للذين أوتوا وما بينهما اعتراض أو لأعدائكم أو صلة لنصيرا أو خبر محذوف أي منهم قوم (يحرفون الكلم) يميلونه (عن مواضعه) التي وضعه الله فيها بتبديله بغيره أو بتأويله على ما يشتهون (ويقولون سمعنا) قولك (وعصينا) أمرك (واسمع غير مسمع) حال تضمن الدعاء أي اسمع لا سمعت أو غير مجاب لك (وراعنا) يريدون به السب والسخرية كما مر في البقرة (ليا بألسنتهم) فتلا بها وتحريفا للحق إلى الباطل بوضعهم راعنا مكان انظرنا و(غير مسمع) مكان لا سمعت مكروها (وطعنا) عيبا (في الدين) الإسلام (ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا) بدل وعصينا (واسمع) فقط (وانظرنا) راقبنا أو انظر إلينا بدل راعنا (لكان خيرا لهم وأقوم) أعدل (ولكن لعنهم الله) أبعدهم عن رحمته (بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) منهم كابن سلام وأصحابه أو إلا إيمانا قليلا ببعض ما أنزل الله أو ضعيفا لا إخلاص فيه .

(يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا) من القرآن (مصدقا لما معكم) من التوراة (من قبل أن نطمس وجوها) نطمسها عن الهدى بأن نمحو تخطيط صورها أو نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب (فنردها على أدبارها) في ضلالتها فلا يفلح أبدا أو على هيئة أدبارها وهي الأقفية أو ننكسها إلى خلف (أو نلعنهم) نخزيهم بالمسخ (كما لعنا أصحاب السبت) وهو وعيد مشروط بعدم إيمانهم أجمع فلما آمن بعضهم رفع أو يقع في الآخرة أو منتظر يقع قبل القيامة أو أريد باللعن متعارفة، وقد لعنوا بكل لسان (وكان أمر الله) بكون شيء أو وعيده أو قضاؤه (مفعولا) كائنا لا بد أن يقع .

(إن الله لا يغفر أن يشرك) أي الشرك (به) بدون توبة للإجماع على غفرانه بها (ويغفر ما دون ذلك) ما سواه من الذنوب بدون توبة (لمن يشاء) تفضلا ومقتضاه الوقوف بين الخوف والرجاء (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) ارتكبه، والافتراء يقال للقول أو الفعل كالاختلاف .

(ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) نزلت في أهل الكتاب حيث قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ويعم الحكم غيرهم (بل الله يزكي من يشاء) فتزكيته هي المعتد بها لعلمه بالسرائر والعواقب (ولا يظلمون) بعقابهم على تزكيتهم أنفسهم (فتيلا) مقدار فتيلة وهو الخيط في شق النواة .

(أنظر كيف يفترون على الله الكذب) في زعمهم أنهم أزكياء عنده (وكفى به) بزعمهم هذا (إثما مبينا) بينا .

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) صنمان لقريش، أو كلما عبد من دون الله، نزلت في اليهود حين سألهم مشركو العرب: أديننا أفضل أم دين محمد؟ قالوا: بل دينكم، أو في حي وكعب خرجا في جمع من اليهود يحالفون قريشا إلى محاربة النبي فقالوا: أنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا (ويقولون للذين كفروا) أي فيهم (هؤلاء) إشارة إليهم (أهدى من الذين

[117 ]

ءامنوا سبيلا) أرشد طريقا .

(أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) دافعا عنه العذاب .

(أم لهم نصيب من الملك) إنكار نفسي ولو كان (فإذا لا يؤتون الناس نقيرا) قدر نقير وهو النقطة في وسط النواة .

(أم يحسدون) النبي وأهل بيته نحن المحسودون (على ما ءاتاهم الله من فضله) من النبوة والإمامة (فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة) النبوة والفهم والقضاء (وءاتيناهم ملكا عظيما) هو الطاعة المفروضة أو ملك يوسف وداود وسليمان فكيف يقرون بآل إبراهيم وينكرونه في آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهم أسلافهم .

(فمنهم) من اليهود (من ءامن به) بمحمد (ومنهم من صد عنه) فلم يؤمن، أو فمن أمة إبراهيم من آمن به ومنهم من كفر فلم يوهن ذلك أمره فكذا كفر هؤلاء لا يوهن أمرك (وكفى بجهنم سعيرا) نارا موقدة يعذبون بها .

(إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) بخلقها مكانها، ومدرك العذاب النفس العاصية لا الجلد وإنما هو آلة لإدراكها أو بإعادتها بنفسها على صورة أخرى كتبديل الخاتم خاتما أو بإذهاب أثر الإحراق عنها ليعود أثر الإحساس بها وسئل الصادق (عليه السلام) ما ذنب الغير؟ فقال: هي هي، وهي غيرها كلبنة كسرت ثم ردت في ملبنها (ليذوقوا العذاب) أي ليدوم إحساسهم به (إن الله كان عزيزا) لا يعجزه شيء (حكيما) في تعذيب من يعذبه .

(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة) من كل دنس وقذر (وندخلهم ظلا ظليلا) كنيفا لا حر فيه ولا برد أو دائما لا تنسخه الشمس وصف مؤكد كليل أليل .

(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) يعم كل مكلف وكل أمانة وعنهم، (عليهم السلام) أنه أمر لكل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) بالنصفة والسوية (إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا) لأقوالكم (بصيرا) بأفعالكم .

(يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) دل على وجود أولي الأمر في كل زمان بحيث يجب طاعتهم لعلمهم وفضلهم وعصمتهم ولا ينطبق إلا على مذهب الإمامية وفصل بين الله والرسول بالفعل للبينونة بين الواجب والممكن ولم يفصل بينه وبين أولي الأمر إشارة إلى أنهم واحد وعنهم (عليهم السلام): إيانا عنى خاصة أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا (فإن تنازعتم) أيها المأمورون (في شيء) من أمور الدين (فردوه) فراجعوا فيه (إلى الله) إلى محكم كتابه (والرسول) بالأخذ لسنته والمراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه فإنها رد إليه وقرىء فإن خفتم تنازعا في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم (إن كنتم

[118 ]

تؤمنون بالله واليوم الآخر) فإن من أبى ذلك لا إيمان له (ذلك) أي الرد (خير) لكم من التنازع والقول بالرأي والتشهي (وأحسن تأويلا) من تأويلكم بلا رد وأحسن مآلا .

(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) من يحكم بغير ما أنزل الله (وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) عن الحق .

(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله) في القرآن من الحكم (وإلى الرسول) ليحكم به (رأيت المنافقين يصدون) حال أي يعرضون (عنك) إلى غيرك (صدودا) .

(فكيف) يصنعون (إذا أصابتهم مصيبة) عقوبة (بما قدمت أيديهم) من النفاق والصد عنك (ثم جاءوك يحلفون بالله إن) ما (أردنا) بالتحاكم إلى غيرك (إلا إحسانا) تخفيا عنك أو صلحا بين الخصمين (وتوفيقا) تأليفا بينهما بالتوسط دون الحمل على مر الحق .

(أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) من النفاق (فأعرض عنهم) لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم (وعظهم) بلسانك (وقل لهم في أنفسهم) في شأنها أو خاليا بهم إذ النصح سرا أنفع (قولا بليغا) بالغا منهم مؤثرا فيهم وهو التوعد بالقتل .

(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع) في أمره وحكمه (بإذن الله) بسبب إذنه بطاعته وأمره المرسل إليهم بأن يطيعوه (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) بنفاقهم وتحاكمهم إلى الطاغوت (جاءوك) تائبين (فاستغفروا الله) من ذلك بإخلاص (واستغفر لهم الرسول) واعتذروا إليك حتى صرت شفيعا لهم وعدل عن الخطاب تفخيما لشأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) (لوجدوا الله توابا) عليهم (رحيما) بهم .

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر) اختلف واختلط (بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا) ضيقا أو شكا (مما قضيت) من حكمك (ويسلموا تسليما) ينقادوا لك انقيادا ظاهرا وباطنا .

(ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم) كما كتبنا على بني إسرائيل قتل أنفسهم وخروجهم إلى التيه (ما فعلوه إلا قليل منهم) وهم المخلصون وقرىء بنصب قليل (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) من طاعة الرسول والانقياد (لكان خيرا لهم) آجلا وعاجلا (وأشد تثبيتا) لإيمانهم .

(وإذا) لو ثبتوا (لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما) .

(ولهديناهم صراطا مستقيما) .

(ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) الصادقين في القول والعمل المصدقين بما جاءت به الرسل

[119 ]

(والشهداء) المقتولين في سبيل الله (والصالحين) الملازمين للصلاح (وحسن أولئك رفيقا) فيه معنى التعجب ورفيقا تمييز أو حال يقال للواحد والجمع كالصديق ولذا لم يجمع أو المراد حسن كل واحد منهم رفيقا .

(ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما) .

(يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم) تيقظوا واحترزوا من عدوكم والحذر والحذر كالأثر والأثر أو ما يحذر به كالسلاح (فانفروا) فاخرجوا إلى الجهاد (ثبات) جماعات متفرقة جمع ثبة (أو انفروا جميعا) مجتمعين .

(وإن منكم) أي من عدكم أيها المؤمنون (لمن) اللام للابتداء دخلت على اسم إن للتأكيد (ليطمئن) ليتثاقلن ويتأخرن عن الجهاد وهم المنافقون (فإن أصابتكم مصيبة) كقتل أو هزيمة (قال) المبطىء (قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا) حاضرا فأصاب .

(ولئن أصابكم فضل من الله) كفتح وغنيمة (ليقولن) متحسرا (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) حال من القائل أو اعتراض بين القول ومقوله (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) للإيذان بأن قوله هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه وإنما أراد الكون معكم للمال لا للقتال .

(فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون) يبيعون (الحياة الدنيا بالآخرة) أي إن صد المنافقون عن القتال فليقاتل المخلصون المختارون للآخرة على الدنيا (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل) فيستشهد (أو يغلب) يظفر بالعدو (فسوف نؤتيه أجرا عظيما) .

(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و) في سبيل (المستضعفين) وهو خلاصهم من أيدى المشركين أو المراد وفي خلاص المستضعفين (من الرجال والنساء والولدان) ممن لم يستطع الهجرة (الذين يقولون) داعين (ربنا أخرجنا من هذه القرية) مكة (الظالم أهلها) صفتها وذكر لتذكير فاعله (واجعل لنا من لدنك وليا) يلي أمرنا (واجعل لنا من لدنك نصيرا) يعيننا فاستجاب الله لهم ويسر لبعض الخروج ولمن بقي نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وليا وناصرا حين فتح مكة .

(الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل الله) في طاعته الموصلة إلى رضوانه (والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت) في طاعة الشيطان (فقاتلوا أولياء الشيطان) أتباعه ينصركم الله عليهم (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) في جنب كيد الله للكافرين وفيه تشجيع للمؤمنين .

(ألم تر إلى الذين قيل لهم) في مكة قبل الهجرة (كفوا أيديكم) عن قتال الكفرة حين طلبوه لإيذائهم له (وأقيموا الصلاة) اشتغلوا بما فرض عليكم (وءاتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال) في المدينة (وإذا فريق منهم يخشون الناس) الكفار أن يقتلوهم (كخشية الله) أن ينزل عليهم بأسه (أو أشد

[120 ]

خشية وقالوا) خوفا من الموت (ربنا لم كتبت علينا القتال لو لا) هلا (أخرتنا إلى أجل قريب) استزاده في مدة الكف عن القتال (قل) لهم (متاع الدنيا قليل) زائل (والآخرة) أي ثوابها الباقي (خير لمن اتقى) الله (ولا تظلمون) بالتاء والياء (فتيلا) أدنى شيء .

(أينما تكونوا يدرككم) يلحقكم ويحل بكم (الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) في قصور أو حصون مرتفعة أو مجصصة فلا تنجيكم منه ترك القتال (وإن تصبهم) أي اليهود أو المنافقين (حسنة) نعمة كالخصب (يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة) بلية كالجدب (يقولوا هذه من عندك) بشؤمك يا محمد (قل) لهم (كل) من النعمة والبلية (من عند الله) صادر عن حكمته بحسب المصالح (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) لا يقاربون أن يفقهوا قولا فيعلموا أن القابض والباسط هو الله .

(ما أصابك) يا إنسان (من حسنة) من نعمة (فمن الله) تفضلا منه وامتحانا (وما أصابك من سيئة) بلية (فمن نفسك) لأنك السبب فيها لارتكاب الذنوب الجالبة لها (وأرسلناك للناس رسولا) حال مؤكدة (وكفى بالله شهيدا) على إرسالك .

(من يطع الرسول فقد أطاع الله) لأنه يأمر بما أمر الله وينهى عما نهى الله (ومن تولى) أعرض عن طاعته (فما أرسلناك عليهم حفيظا) نحاسبهم على أعمالهم بل نذيرا وعلينا حسابهم .

(ويقولون) إذا أمرتهم بأمر (طاعة) أي شأننا طاعة (فإذا برزوا) خرجوا (من عندك بيت طائفة منهم) دبروا ليلا (غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون) يثبته في صحائفهم ليجازيهم عليه (فأعرض عنهم) بالصفح (وتوكل على الله) ثق به يكفك أمورهم (وكفى بالله وكيلا) .

(أفلا يتدبرون القرءان) يتبصرون ما فيه من بلاغة ألفاظه وجزالة معانيه (ولو كان من عند غير الله) كما زعم الكفار أنه قول بشر (لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) من تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه لقصور القوة البشرية .

(وإذا جاءهم) من الرسول أو من أمر إياه (أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) أفشوه وتحدثوا به وكان فيه مفسدة (ولو ردوه) أي الأمر (إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) يستخرجون تدبيره بأفكارهم وهم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) بالإسلام والقرآن وروي بالنبي وعلي (ع) (لاتبعتم الشيطان) بالكفر (إلا قليلا) لقليل منكم .

(فقاتل في سبيل الله) ولو وحدك (لا تكلف إلا نفسك) إلا فعل نفسك ولا يهمك تقاعدهم، روي أنه كلف أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه (وحرض المؤمنين) وما عليك في شأنهم إلا الترغيب لا التعنيف.

[121 ]

(عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) شدتهم وقد فعل بإلقاء الرعب في قلوبهم فلم يخرجوا (والله أشد بأسا) منهم (وأشد تنكيلا) تعذيبا منهم .

(من يشفع) للناس (شفاعة حسنة) توافق الشرع (يكن له نصيب منها) بسببها وهو أجرها (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل) نصيب (منها) وكأنه مختص بالشر منها بسببها وهو وزرها (وكان الله على كل شيء مقيتا) مقتدرا وحفيظا .

(وإذا حييتم بتحية) هي السلام المتعارف شرعا لا الجاهلي وروي هي السلام وغيره من البر (فحيوا بأحسن منها أو ردوها) بمثلها (إن الله كان على كل شيء) من تحية وغيرها (حسيبا) محاسبأ .

(الله لا إله إلا هو ليجمعنكم) ليحشرنكم (إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله) أي لا أحد أصدق منه (حديثا) تميز .

(فما لكم في المنافقين) في شأنهم (فئتين) فرقتين ولم يجتمعوا على كفرهم وهو حال عاملها ما لكم (والله أركسهم) ردهم إلى حكم الكفر أو خذلهم حتى ارتكسوا فيه (بما كسبوا) من الكفر وهم قوم قدموا من مكة وأظهروا الإسلام ثم رجعوا وأظهروا الشرك وسافروا إلى اليمامة وقيل هم المتخلفون يوم أحد (أتريدون أن تهدوا) تعدوا من جملة المهتدين (من أضل الله) من حكم بضلاله (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) حجة .

(ودوا لو تكفرون كما كفروا) تمنوا أن تكفروا ككفرهم (فتكونون) أنتم وهم (سواء) في الكفر (فلا تتخذوا منهم أولياء) فلا توالوهم وإن أظهروا الإيمان (حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا) عن الإيمان والهجرة (فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) في الحل والحرم كسائر الكفرة (ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا إلا الذين يصلون) أي فخذوهم واقتلوهم إلا الذين يلجئون (إلى قوم بينهم وبينكم ميثاق) عهد والقوم هم الأسلميون فإنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وادع هلال بن عويم الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ما له (أو جاءوكم) عطف على الصلة أي أو الذين جاءوكم ممسكين من قتالكم وقتال قومهم أو على صفة قوم والتقدير إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم كافين عن الحرب لكم وعليكم ويعضد الأولى (فإن اعتزلوكم) (حصرت) حال بإضمار قد أي ضاقت (صدورهم) عن (أن يقاتلوكم) أو كراهة أن يقاتلوكم مع قومهم (أو يقاتلوا قومهم) وهم بنو مدلج أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) غير مقاتلين قيل وهذا وما بعده نسخ بآية السيف (ولو شاء الله لسلطهم عليكم) بتقويته قلوبهم (فلقاتلوكم) ولكنه لم يشأ فقذف في قلوبهم الرعب (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم) الانقياد (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) بأخذ وقتل .

(ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) قيل هم ناس أتوا المدينة وأظهروا الإسلام ليأمنوا المسلمين فلما رجعوا كفروا (كلما ردوا إلى الفتنة) دعوا إلى الشرك (أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا

[122 ]

إليكم السلم ويكفوا أيديهم) عن قتالكم (فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم) صادفتموهم (وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) حجة بينة على قتلهم وسبيهم لوضوح عداوتهم وكفرهم .

(وما كان) ما صح وما جاز (لمؤمن أن يقتل مؤمنا) بغير حق في حال من الأحوال أو لعلة من العلل (إلا خطأ) مخطئا أو للخطإ أو إلا قتلا خطأ، أو أريد به النهي والاستثناء منقطع أي لا يقتله لكن قتله خطأ جزاءه ما يذكر، الخطأ أن لا يقصد بفعله قتله (ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة) أي فعليه أو فالواجب في ماله (مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) مؤداة من العاقلة إلى ورثته (إلا أن يصدقوا) عليهم بالدية بأن يعفو عنها استثناء من وجوب التسليم أي يجب تسليمها إليهم إلا حال تصدقهم أو زمانه (فإن كان) القتل (من قوم عدو لكم) محاربين (وهو مؤمن) ولم يعلم قاتله إيمانه (فتحرير رقبة مؤمنة) فعلى قاتله الكفارة ولا دية لأهله لأنهم حرب (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) عهد (فدية مسلمة إلى أهله) تلزم عاقلة قاتله (وتحرير رقبة مؤمنة) يلزم قاتله كفارة (فمن لم يجد) رقبة (فصيام) فعليه صيام (شهرين متتابعين) ويتحقق التتابع بشهر ويوم من الثاني (توبة من الله) مصدر أو مفعول له أي قبل توبتكم بالكفارة قبولا، أو شرع ذلك للتوبة أي لقبولها (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) في تدبيره .

(ومن يقتل مؤمنا متعمدا) قاصدا قتله عالما بإيمانه (فجزاؤه جهنم خالدا فيها) إن لم يتب ويعف الله عنه وحمل على المستحل لقتله وعن الصادق (عليه السلام): هو أن يقتله على دينه وقيل كني بالخلود عن طول المكث (وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) .

(يا أيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله) سافرتم للجهاد في سبيله (فتبينوا) وقرىء فتثبتوا أي اطلبوا بيان الأمر أو ثباته ولا تعجلوا فيه (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) حياكم بتحية الإسلام أو استسلم كقراءة السلم بحذف الألف (لست مؤمنا) مقول القول أي قلت ذلك تقية فتقتلونه (تبتغون) بذلك (عرض الحياة الدنيا) حطامها النافد (فعند الله مغانم كثيرة) تغنيكم عنها (كذلك كنتم من قبل) كفارا (فمن الله عليكم) بأن جعلكم في زمرة المسلمين (فتبينوا) كرر تأكيدا (إن الله كان بما تعملون خبيرا) فاحتاطوا في القتل وغيره قيل غزت سرية للنبي أهل فدك فهربوا وبقي مرداس لإسلامه وانحاز بغنمه إلى جبل فتلاحقوا فنزل وقال السلام عليكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فقتله أسامة واستاق غنمه فنزلت .

(لا يستوي القاعدون من المؤمنين) عن الجهاد (غير أولي الضرر) من مرض أو عمى أو زمانة بالرفع صفة القاعدون إذ لم يعينوا، أو نصب على الحال أو الاستثناء (والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين) غير أولي الضرر (درجة) قيل المراد به معنى الجنس لا المرة (وكلا)

[123 ]

من المجاهدين والقاعدين (وعد الله الحسنى) المثوبة الحسنى وهي الحسنة بحسن نيتهم وإن فضل المجاهدين بالعمل (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) نصب على المصدر لأن فضل بمعنى أجر .

(درجات منه ومغفرة ورحمة) إبدال من أجر، قيل: القاعدون الأول الأضراء والثاني المأذون لهم في القعود اكتفاء بغيرهم وقيل المجاهدون الأول من جاهد الكفار والآخر من جاهد نفسه (وكان الله غفورا) لعباده (رحيما) بهم .

(إن الذين توفاهم) أو مضارع أي تتوفاهم (الملائكة ظالمي أنفسهم) في حال ظلمهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة وهم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة (قالوا) أي الملائكة للمتوفين توبيخا لهم (فيم) في أي شيء (كنتم) من أمر دينكم (قالوا) اعتذارا (كنا مستضعفين في الأرض) عاجزين عن الهجرة وإقامة الدين (قالوا) أي الملائكة (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) من أرض الكفر إلى بلد آخر كمن هاجر إلى المدينة والحبشة (فأولئك مأواهم جهنم) خبر إن والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط (وساءت مصيرا) هي ويدل على وجوب الهجرة عن بلد لا يتمكن فيه من إقامة الدين .

(إلا المستضعفين من الرجال والنساء) منقطع إذ لم يدخلوا في أولئك (والولدان) الصبيان ذكروا مبالغة أو المماليك (لا يستطيعون حيلة) صفة المستضعفين إذ لم يعينوا أو حال عنهم إذ لا يجدون أسبأب الهجرة لعجزهم (ولا يهتدون سبيلا) لا يعرفون طريقا إلى الهجرة وعن الباقر (عليه السلام): لا يهتدون حيلة إلى الكفر فيكفروا ولا سبيلا إلى الإيمان فيؤمنوا، وعنه (عليه السلام): لا يستطيعون حيلة إلى الإيمان ولا يكفرون .

(فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) ترك الهجرة لضعف عقولهم وعجزهم (وكان الله عفوا غفورا) .

(ومن يهاجر) يفارق أهل الشرك (في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا) متحولا إلى الرغام أي التراب أو طريقا يرغم بسلوكه قومه أي يهاجرهم على رغم أنوفهم (وسعة) في الرزق (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت) في الطريق (فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما) .

(وإذا ضربتم) سافرتم (في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) بتنصيف الرباعيات وهو صفة محذوف أي شيئا من الصلاة أو مفعول تقصروا بزيادة من والقصر عندنا عزيمة إجماعا ونصا ولا ينافيه نفي الجناح كما في لا جناح عليه أن يطوف بهما ولعله لأن الطباع لما ألفت التمام كان مظنة أن يخطر ببالهم أن عليهم نقصا في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) يتعرضوا لكم بمكروه وهو شرط باعتبار الغالب في ذلك الوقت ولذا لم يعتبر مفهومه (إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) بيني العداوة .

(وإذا كنت فيهم) في الخائفين (فأقمت لهم الصلاة) بأن تؤمهم (فلتقم) في الركعة الأولى (طائفة منهم معك) وتقوم الأخرى تجاه العدو (وليأخذوا أسلحتهم) لأنه أقرب إلى الاحتياط (فإذا

[124 ]

سجدوا) سجدة الركعة الأولى فصلوا لأنفسهم ركعة أخرى (فليكونوا من ورائكم) وقفوا موقف أصحابهم يحرسونهم (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا) ركعتهم الأولى (معك) وأنت في الثانية فإذا صلت قاموا إلى ثانيتهم وأتموها ثم جلسوا ليسلموا معك (وليأخذوا حذرهم) تيقظهم (وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم) أي تمنوا أن يجدوا منكم غرة في الصلاة (فيميلون) فيحملون (عليكم ميلة) حملة (واحدة) ولذا أمرتم بأخذ السلاح (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى) فيثقل عليكم حمل السلاح (أن تضعوا أسلحتكم) يدل على أن الأمر بأخذ الأسلحة للوجوب (وخذوا حذركم) احترزوا إذ ذاك من عدوكم (إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) لما كان أمرهم بالحزم يوهم أنه لضعفهم وغلبة الكفار بل أزال الوهم بوعدهم أن الله يهين عدوهم وينصرهم عليه لتقوى قلوبهم .

(فإذا قضيتم الصلاة) فرغتم منها وأنتم محاربو عدوكم (فاذكروا الله) بالتسبيح ونحوه (قياما وقعودا وعلى جنوبكم) مضطجعين أي في كل حال وإذا أردتم فعل الصلاة حال الخوف فصلوا كيف ما أمكن قياما مقارعين وقعودا مؤمنين وعلى جنوبكم منحنين (فإذا اطمأننتم) بالأمن (فأقيموا الصلاة) فأدوها بحدودها وشرائطها أو أتموها ولا تقصروها (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا) فرضا (موقوتا) مفروضا أو محدودا بأوقات وفيه إشعار بأن المراد بالذكر الصلاة .

(ولا تهنوا في ابتغاء القوم) لا تضعفوا في طلبهم للقتال (إن تكونوا تألمون) مما ينالكم (فإنهم يألمون كما تألمون) ليس ما تجدون من ألم القتال مختصا بكم بل مشترك وهم يصبرون عليه فما بالكم والحال أنكم (وترجون من الله) من النصر والثواب عليه (ما لا يرجون) فأنتم أولى بالصبر والرغبة (وكان الله عليما حكيما) في تدبيره .

(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك) عرفك (الله) قيل: سرق أبو طعمة درعا وخبأها عند يهودي فوجدت عنده فقال: دفعها إلي أبو طعمة فانطلق قومه بنو ظفر إلى النبي فسألوه أن يجادل عنه ويبرؤه فهم أن يفعل فنزلت (ولا تكن للخائنين خصيما) للبرآء .

(واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما) .

(ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) يخونونها بالمعصية إذ وبال خيانتهم عليها (إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما) كثير الخيانة والإثم مصرا عليهما .

(يستخفون) يسرون (من الناس) حياء وخوفا (ولا يستخفون من الله وهو معهم) عالم بهم (إذ يبيتون) يدبرون (ما لا يرضى من القول) من الحلف الكاذب وشهادة الزور ورمى البريء (وكان الله بما يعملون محيطا) عليما .

(ها أنتم) مبتدأ (هؤلاء) خبره (جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) حافظا من عذاب الله .

(ومن يعمل سوءا) ذنبا يسوء به غيره أو صغيرة أو ما دون الشرك (أو يظلم نفسه) بذنب

[125 ]

لا يتعداه إلى غيره أو كبيرة أو الشرك (ثم يستغفر الله يجد الله غفورا) لذنوبه (رحيما) به .

(ومن يكسب إثما) ذنبا (فإنما يكسبه على نفسه) من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها (وكان الله عليما) بكسبه (حكيما) في عقابه .

(ومن يكسب خطيئة) صغيرة أو ما لا يتعمده (أو إثما) كبيرا أو ما تعمده (ثم يرم به بريئا) كرمي أبي طعمة اليهودي (فقد احتمل بهتانا) برمي البريء (وإثما مبينا) بينا بكسبه .

(ولو لا فضل الله عليك) بالنبوة أو الصيانة (ورحمته) بالعصمة أو إعلامك سرهم الوحي (لهمت) أضمرت (طائفة منهم) من بني ظفر (أن يضلوك) عن الحكم بالحق ولم يرد نفي همتهم بل نفي تأثيره فيه (وما يضلون إلا أنفسهم) يعود وبالهم عليهم (وما يضرونك) لأن الله عاصمك ومسددك (من شيء) في محل المصدر أي شيئا من الضرر (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) القرآن والأحكام (وعلمك ما لم تكن تعلم) من الشرائع وخفيات الأمور (وكان فضل الله عليك عظيما) إذ ختم بك النبوة .

(لا خير في كثير من نجواهم) تناجيهم (إلا) نجوى (من أمر بصدقة) أو منقطع أي ولكن من أمر ففي نجواه الخير (أو معروف) فرض أو عمل بر أو إغاثة ملهوف أو صدقة تطوع (أو إصلاح بين الناس) تأليف بينهم بالمودة (ومن يفعل ذلك) المذكور (ابتغاء) طلب (مرضات الله) لا لغرض دنيوي (فسوف نؤتيه) بالنون والياء (أجرا عظيما) .

(ومن يشاقق الرسول) يخالفه (من بعد ما تبين له الهدى) ظهر له الحق بالدلائل (ويتبع غير سبيل المؤمنين) الذي هم عليه من الدين (نوله ما تولى) من الضلال ونخلي بينه وبينه (ونصله جهنم وساءت مصيرا) .

(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) كرر تأكيدا أو لقصة أبي طعمة (ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) عن الحق .

(إن يدعون) ما يعبدون (من دونه) دون الله (إلا إناثا) أصناما مؤنثة كاللات والعزى ومناة قيل: كان لكل حي صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان وقيل: والأصنام كلها مؤنثة سماعية أو إلا جمادات لأن الجمادات مؤنث أو إلا ملائكة لقولهم الملائكة بنات الله (وإن يدعون) ما يعبدون (إلا شيطانا) لطاعتهم له فيها (مريدا) عاتيا خارجا عن الطاعة .

(لعنه الله) طرده عن رحمته (وقال) جامعا بين لعنه وقوله (لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) مقطوعا فرضته لنفسي فكل من أطاعه فهو من نصيبه .

(ولأضلنهم) عن الحق بالوسوسة (ولأمنينهم) الأماني الكاذبة كطول العمر وأن لا بعث ولا حساب (ولآمرنهم فليبتكن) فليقطعن أو يشققن (ءاذان الأنعام) لتحريم ما أحل الله وقد فعلوه بالبحائر والسوائب (ولآمرنهم

[126 ]

فليغيرن خلق الله) دينه بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم أو فقء عين الحامي أو خصاء العبد أو الوشم (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله) بإيثار طاعته على طاعة الله (فقد خسر خسرانا مبينا) إذ استبدل الجنة بالنار .

(يعدهم) الشيطان الأكاذيب (ويمنيهم) الأباطيل (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) هو إيهام النفع فيما فيه الضرر .

(أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا) معدلا من حاص أي عدل وعنها حال عنه لا صلة له .

(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله) مصدر مؤكد لنفسه لأن مضمون الجملة قبله وعد (حقا) أي حق ذلك حقا (ومن) أي لا أحد (أصدق من الله قيلا) قولا تمييز .

(ليس) ما وعد الله من الثواب ينال (بأمانيكم) أيها المسلمون (ولا أماني أهل الكتاب) بل بالعمل الصالح أو ليس الإيمان بالتمني ولكن ما قر في القلب وصدقه العمل قيل: تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نبينا وكتابنا قبل نبيكم وكتابكم ونحن أولى بالله منكم وقال المسلمون نحن أولى منكم نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة فنزلت، وقيل: الخطاب للمشركين أي ليس الأمر بأمانيكم أن لا جنة ولا نار ولا أماني أهل الكتاب أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى (من يعمل سوءا يجز به) آجلا وعاجلا بالآلام والمصائب ما لم يتب أو يعفو الله عنه (ولا يجد له من دون الله وليا) يحميه (ولا نصيرا) ينجيه من العذاب .

(ومن يعمل) شيئا (من الصالحات) أو بعضها وهو ما في وسعه وكلف به (من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) حال (فأولئك يدخلون الجنة) بالياء للمعلوم والمجهول (ولا يظلمون نقيرا) قدر نقرة النواة .

(ومن) أي لا أحد (أحسن دينا ممن أسلم وجهه) استسلم نفسه أو أخلص قلبه (لله وهو محسن) قولا وعملا أو موحد (واتبع ملة إبراهيم) الموافقة لملة الإسلام (حنيفا) مائلا عن الأديان (واتخذ الله إبراهيم خليلا) صفيا خالص المحبة له .

(ولله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (وكان الله بكل شيء محيطا) قدرة وعلما .

(ويستفتونك في) ميراث (النساء قل الله يفتيكم) يبين لكم حكمه (فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) أي والله يفتيكم وما في القرآن من آية المواريث تفتيكم أو ما يتلى عليكم مبتدأ خبره في الكتاب ويراد به اللوح المحفوظ (في يتامى النساء) صلة يتلى إن عطف يتلى على ما قبله وإلا فبدل من فيهن والإضافة بمعنى من (اللاتي لا تؤتونهن ما كتب) ما فرض (لهن) من الميراث (وترغبون أن) في أو عن (تنكحوهن) كان الرجل يضم اليتيمة فإن كانت جميلة تزوجها وأكل مالها وإلا عضلها ليرثها والواو للعطف أو الحال (والمستضعفين من الولدان) الصبيان عطف على يتامى النساء وكانوا لا يورثونهم كالنساء (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) بالعدل في حقوقهم عطف عليه أيضا أو منصوب بتقدير فعل أي ويأمركم أن تقوموا (وما تفعلوا من خير) في أمر هؤلاء (فإن

[127 ]

الله كان به عليما) فلا يضيعه .

(وإن امرأة) فاعل فعل يفسره (خافت) علمت أو توقعت (من بعلها) لأمارات ظهرت لها (نشوزا) ترفعا عنها بمنع حقوقها كراهة لها (أو إعراضا) بتقليل محادثتها ومؤانستها (فلا جناح عليهما أن يصلحا) يتصالحا (بينهما صلحا) بأن تهب له بعض القسم أو المهر أو غيره فتستعطفه به (والصلح خير) من الفرقة أو النشوز أو الإعراض أو من الخصومة أو في نفسه خير كما أن الخصومة شر (وأحضرت الأنفس الشح) جبلت عليه وجعل حاضرا لها لا ينفك عنها فلا تكاد المرأة تسمح بنصيبها من زوجها ولا الرجل يسمح بإمساكها على ما ينبغي إذا كرهها (وإن تحسنوا) العشرة (وتتقوا) النشوز والإعراض (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) فيجازيكم عليه .

(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) في المودة القلبية أو في كل الأمور من جميع الوجوه (ولو حرصتم) على ذلك فلا تكلفون منه إلا ما تستطيعون (فلا تميلوا كل الميل) بترك المستطاع (فتذرها كالمعلقة) التي ليست بأيم ولا ذات بعل (وإن تصلحوا) بترك الميل (وتتقوا) الله فيه (فإن الله كان غفورا رحيما) فيغفر لكم ما سلف .

(وإن يتفرقا) أي الزوجان بالطلاق (يغن الله كلا) عن صاحبه (من سعته) من فضله بأن يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه (وكان الله واسعا) غنيا مقتدرا (حكيما) في تدبيره .

(ولله ما في السموات وما في الأرض) تقرير لكمال سعته وقدرته (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب) جنسه من اليهود والنصارى وغيرهم (من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) أطيعوه ولا تعصوه (وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا فلا يضره كفركم كما لا تنفعه تقواكم وإنما وصاكم رحمة بكم (وكان الله غنيا) عن خلقه وطاعتهم (حميدا) مستحقا للحمد .

(ولله ما في السموات وما في الأرض) ذكر ثالثا تقريرا لغناه واستحقاقه الحمد لحاجة الخلق إليه وإنعامه عليهم بأصناف النعم (وكفى بالله وكيلا) حافظا ومدبرا لخلقه .

(إن يشأ يذهبكم أيها الناس) يهلككم (ويأت بآخرين) بدلكم أو خلقا آخرين بدل الإنس (وكان الله على ذلك) الإعدام والإبدال (قديرا) .

(من كان يريد) بجهاده أو غيره (ثواب الدنيا) فليطلبه من عند الله (فعند الله ثواب الدنيا والآخرة) أو فما له يطلب أحدهما الذي هو الأخس دون الأشرف والأحسن (وكان الله سميعا بصيرا) يجازي كلا بعمله .

(يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط) مجتهدين في إقامة العدل (شهداء لله) بالحق خبر ثان أو حال (ولو) كانت الشهادة (على أنفسكم) بأن تقروا عليها (أو الوالدين والأقربين) ولو على والديكم وأقاربكم ويشعر بقبولها على الوالد كما هو الأقوى (إن يكن) المشهود عليه أو كل منه ومن المشهود له (غنيا أو فقيرا) فلا تمتنعوا من الشهادة عليهما أو لهما (فالله أولى بهما) بالنظر لهما (فلا تتبعوا الهوى) في شهادتكم إرادة (أن تعدلوا) عن الحق أو كراهة العدل بين الناس (وإن تلووا)

[128 ]

السنتكم وتحرفوا الشهادة (أو تعرضوا) عن إقامتها (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) فيجازيكم به .

(يا أيها الذين ءامنوا) في الظاهر أو نفاقا أو حقيقة أو الخطاب لمؤمني أهل الكتاب ابن سلام وأصحابه إذ قال يا رسول الله نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه فنزلت (ءامنوا) في الباطن أو اثبتوا أو أخلصوا فيه أو آمنوا إيمانا عاما (بالله ورسوله والكتاب) القرآن (الذي نزل) منجما بالبناء للفاعل والمفعول (على رسوله والكتاب) أي جنسه (الذي أنزل) جملة وفيه القراءتان (من قبل) قبل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا) عن الحق .

(إن الذين ءامنوا) كاليهود آمنوا بموسى (ثم كفروا) بعبادة العجل (ثم ءامنوا) بعد ذلك (ثم كفروا) بعيسى (ثم ازدادوا كفرا) بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو المنافقون تكرر منهم الإرتداد سرا بعد إظهار الإيمان ثم أصروا على الكفر (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) إلى الجنة أو لا يلطف بهم .

(بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) بشارة تهكم .

(الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون) يطلبون (عندهم العزة) القوة والمنعة بموالاتهم (فإن العزة لله جميعا) لا يعز إلا أولياءه .

(وقد نزل عليكم في الكتاب) القرآن وقرىء بالبناء للفاعل والمفعول (أن) أنه (إذا سمعتم ءايات الله) القرآن (يكفر بها ويستهزأ بها) حالان من الآيات (فلا تقعدوا معهم) مع الكافرين والمستهزءين (حتى يخوضوا في حديث غيره) وروي إذا سمعتم الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في أهله فقوموا من عنده ولا تقاعدوه (إنكم إذا) بترك الإنكار (مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) القاعدين والمقعود معهم .

(الذين) بدل من الذين يتخذون أو صفة للمنافقين والكافرين أو ذم منصوب أو مرفوع (يتربصون) ينتظرون (بكم) وقوع أمر (فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم) مجاهدين فأعطونا من الغنيمة (وإن كان للكافرين نصيب) من الظفر (قالوا) لهم (ألم نستحوذ) نستولي (عليكم) ونقدر على قتلكم فأبقينا عليكم (ونمنعكم من المؤمنين) بتخذيلهم عنكم وإفشاء أسرارهم إليكم فأعطونا مما أصبتم (فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) أي حجة أو يوم القيامة .

(إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) فسر في البقرة (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) متثاقلين (يراءون الناس) في صلاتهم ليحسبوهم مؤمنين (ولا يذكرون الله) بالتسبيح ونحوه أو لا يصلون (إلا قليلا) إذ لا يفعلونه إلا بحضرة من يراءونه أو لا يذكرون في الصلاة غير التكبير وما يجهر به .

(مذبذبين بين ذلك) مترددين بين الإيمان والكفر من الذبذبة وهو جعل الشيء مضطربا وأصله بمعنى الطرد (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) لا صائرين إلى المؤمنين بالكلية ولا إلى الكافرين (ومن يضلل الله) يمنعه اللطف بسوء اختياره (فلن تجد له سبيلا) إلى الحق .

[129 ]

(يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين) كصنع المنافقين فتكونوا مثلهم (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) حجة واضحة إذ موالاتهم دليل النفاق أو سبيلا إلى عذابكم .

(إن المنافقين في الدرك) الطبق (الأسفل من النار) في قعر جهنم (ولن تجد لهم نصيرا) ينقذهم منه .

(إلا الذين تابوا) من نفاقهم (وأصلحوا) نياتهم (واعتصموا بالله) وثقوا به (وأخلصوا دينهم لله) بلا رياء وسمعة (فأولئك مع المؤمنين) رفقاؤهم في الدارين (وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما) فيشاركونهم فيه .

(ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم) يستجلب به نفعا أو يدفع ضرا كلا وإنما عقاب المسيء هو سوء عمله عانقه (وكان الله شاكرا) يعطي الكثير بالقليل (عليما) بما يستحقونه .

(لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) الشتم في الانتصار وغيره (إلا من ظلم) إلا جهر من ظلم بأن يشكو ظالمه ويدعو عليه (وكان الله سميعا) للأقوال (عليما) بالأفعال .

(إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء) مع قدرتكم على الانتقام من دون جهر بالسوء من القول (فإن الله كان عفوا) عن الجاني (قديرا) عليه فتخلقوا بأخلاق الله .

(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله (ويقولون نؤمن ببعض) من الرسل (ونكفر ببعض) منهم (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك) أي الإيمان والكفر (سبيلا) طريقا إلى الضلالة .

(أولئك هم الكافرون) كفرا (حقا) ثابتا (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) لهم أقيم الظاهر مقام الضمير للعلة .

(والذين ءامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم) بالنون والياء (أجورهم وكان الله غفورا) لزلاتهم (رحيما) بهم .

(يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) سأله أحبار اليهود أن يأتيهم بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى أو كتابا مكتوبا من السماء كما كانت التوراة على الألواح أو كتابا إلينا بأعياننا بأنك رسول الله (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) جواب شرط مقدر أي إن استعظمت ذلك فقد سألوا موسى أعظم منه (فقالوا أرنا الله جهرة) عيانا (فأخذتهم الصاعقة) نار نزلت فأهلكتهم (بظلمهم) وهو سؤالهم المستحيل (ثم اتخذوا العجل) إلها (من بعد ما جاءتهم البينات) على التوحيد (فعفونا عن ذلك) بترك استئصالهم (وءاتينا موسى سلطانا مبينا) عليهم إذ أمرهم بقتل أنفسهم توبة فأطاعوه .

(ورفعنا فوقهم الطور) الجبل (بميثاقهم) بسببه ليخافوا فلا ينقضوه (وقلنا لهم) وهو مطل عليهم (ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت) بأخذ الحيتان (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وثيقا على ذلك فنقضوه .

(فبما نقضهم ميثاقهم) أي فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بسبب نقضهم (وكفرهم بآيات الله) المصدقة لرسله (وقتلهم

[130 ]

الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف) في غلاف لا تعي قولك (بل طبع الله عليها) منعها لطفه (بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) منهم أو إيمانا ناقصا .

(وبكفرهم) بعيسى (وقولهم على مريم بهتانا عظيما) من أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف .

(وقولهم) اجتراء على الله وافتخارا (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) أي بزعمه (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) مر في آل عمران (وإن الذين اختلفوا فيه) فمن قائل رفع إلى السماء وآخر قتلناه وثالث صلب الناسوت وصعد اللاهوت (لفي شك منه) لالتباس الأمر عليهم (وما لهم به من علم إلا اتباع الظن) منقطع أي لكنهم يتبعون الظن (وما قتلوه يقينا) قتلا يقينا كما زعموا أو متيقنين أو هو تأكيد للنفي .

(بل رفعه الله إليه) عرج به إلى بقعة من بقاع سماواته (وكان الله عزيزا) لا يقهر (حكيما) فيما يدبر .

(وإن) وما (من أهل الكتاب) أحد (إلا ليؤمنن به) بعيسى حين ينزل إلى الدنيا (قبل موته) موت عيسى أو قبل موت الكتابي حين يعاين ولا ينفعه إيمانه وروي: ليؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل موت الكتابي (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) بكفر اليهود وغلو النصارى فيه .

(فبظلم) عظيم (من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) أي لحوم الأنعام إشارة إلى ما مر من قوله وعلى الذين هادوا حرمنا (وبصدهم عن سبيل الله) أناسا أو صدا (كثيرا) .

(وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه) في التوراة ويدل على أن النهي للتحريم (وأكلهم أموال الناس بالباطل) بالرشى والربا ونحوهما (وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما) .

(لكن الراسخون في العلم) الثابتون في علم التوراة (منهم) كابن سلام وأصحابه (والمؤمنون) من المهاجرين والأنصار (يؤمنون) بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك (والمقيمين الصلاة) نصب على المدح أو عطف على ما نزل إليك ويراد بهم الأنبياء والأئمة (والمؤتون الزكاة) عطف على الراسخون أو مبتدأ والخبر أولئك (والمؤمنون بالله واليوم الآخر) بالمبدإ والمعاد (أولئك سنؤتيهم) بالنون والياء (أجرا عظيما) على إيمانهم وعملهم .

(إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسبأط) أولاده (وعيسى وأيوب

[131 ]

ويونس وهرون وسليمان) خصوا بالذكر بعد التعميم للتعظيم (وءاتينا داود زبورا) .

(ورسلا) أرسلنا رسلا (قد قصصناهم عليك من قبل) قبل ذلك اليوم (ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما) بلا واسطة .

(رسلا) نصب على المدح أو بإضمار أرسلنا (مبشرين) بالثواب للمطيعين (ومنذرين) بالعقاب للعاصين (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) فيقولوا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين (وكان الله عزيزا) لا يقهر (حكيما) فيما يدبر .

(لكن الله يشهد بما أنزل إليك) من القرآن إن لم يشهد الكفار (أنزله) متلبسا (بعلمه) بأنه معجز أو بأنك أهل بإنزاله (والملائكة يشهدون) أيضا (وكفى بالله شهيدا) .

(إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) دين الإسلام (قد ضلوا ضلالا بعيدا) عن الحق لجمعهم بين الضلال والإضلال .

(إن الذين كفروا وظلموا) جمعوا بين الكفر والظلم أو ظلموا محمدا بتكذيبه أو آل محمد حقهم كما روي (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم) في القيامة (طريقا) .

(إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا) هينا .

(يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا) يكن الإيمان خيرا (لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا فلا يضره كفركم (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) في تدبيره لهم .

(يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) خطاب للفريقين لأن اليهود غلت في عيسى وقالوا ولد لغير رشدة والنصارى عبدوه أو النصارى خاصة لقوله (ولا تقولوا على الله إلا الحق) من تنزيهه عن الشريك والولد (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها) أوصلها (إلى مريم) وسمي كلمته لأنه وجد بكلمته (وروح منه) هي روح مخلوقة اختارها الله واصطفاها (فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا) الآلهة (ثلاثة) الله وعيسى وأمه أو الأب والابن وروح القدس (انتهوا) عن الثلاث يكن (خيرا لكم إنما الله إله واحد) لا شريك له ولا ولد ولا صاحبة (سبحانه) أنزهه تنزيها من (أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا فما يصنع بالولد والصاحبة (وكفى بالله وكيلا) .

(لن يستنكف) لن يأنف (المسيح أن يكون عبدا لله) استنكف وفد نجران أن يقال عيسى عبد الله فنزلت (ولا الملائكة المقربون) بل كفاهم فخرا أن يكونوا عبيدا (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم)

[132 ]

(إليه جميعا) للمجازاة .

(فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا) يحميهم (ولا نصيرا) يدفع عنهم .

(يا أيها الناس قد جاءكم برهان) حجة (من ربكم) وهو محمد أو الدين أو القرآن أو معجزاته (وأنزلنا إليكم نورا مبينا) بينا وهو القرآن، وعن الصادق (عليه السلام): ولاية علي، وروي: البرهان محمد والنور علي .

(فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه) الجنة (وفضل) زائد على ما يستحقونه (ويهديهم إليه صراطا مستقيما) يوفقهم له ويثبتهم عليه وهو الإسلام .

(يستفتونك) أي في الكلالة وفسرت في أول السورة (قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد) ووالد للإجماع والسنة ودلالة الكلالة عليه إن فسرت بالميت (وله أخت) لأبوين أو لأب لسبق حكم الأخت للأم (فلها نصف ما ترك) بالفرض والباقي رد عليها لا للعصبة (وهو يرثها) أي الامرؤ يرث أخته كل المال إن انعكس الأمر (إن لم يكن لها ولد) ذكر أو أنثى ولا والد لما مر (فإن كانتا) أي من يرث بالأخوة والتثنية باعتبار المعنى (اثنتين) فصاعدا خبر كان وفائدته بيان أن الحكم باعتبار العدد دون غيره من الصفات (فلهما الثلثان مما ترك) الميت بالفرض والباقي بالرد (وإن كانوا) الضمير كما مر (إخوة) تغليب للمذكر (رجالا ونساء) بدل أو صفة أو حال (فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم) أحكامه كراهة (أن تضلوا والله بكل شيء عليم).




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336884

  • التاريخ : 29/03/2024 - 01:21

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net