00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الاحقاف 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء التاسع )   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

46 - سورة الاحقاف

مكية بلا خلاف، وهي خمس وثلاثون آية في الكوفي واربع وثلاثون في البصري والمدنيين عد أهل الكوفة (حم) آية ولم يعده الباقون. والباقي لا خلاف فيه.

بسم الله الرحمن الرحيم

(حم(1) تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم(2) ما خلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون(3) قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أرني ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين(4) ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجب له إلى يوم القيمة وهم عن دعائهم غافلون(5))

خمس آيات في الكوفي واربع في ما عداه عد الكوفي (حم) ولم يعده الباقون.

وقد بينا معنى قوله (حم) وإختلاف العلماء في ذلك، وبينا ايضا تأويل قوله " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " فلا وجه لا عادته. وقيل: الوجه في

[267]

تكرير ذلك الا بانة عن أن هذه السورة حالها حال السورة التي قبلها في أنه تعالى نزلها وشرفها وكرمها في الاضافة إلى العزيز الحكيم. والعزيز القادر الذي لا يغالب ولا يقهر. وقيل هو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في افعاله. وقد يكون الحكيم بمعنى العالم بتصريف الامور الذي لا يوقعها الا على مقتضى العلم في التدبير وهو صفة مدح، وضده السفيه، وضد العزيز الذليل.

ثم قال تعالى مخبرا إنا " ما خلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق " ومعناه إنا لم نخلق السموات والارض وما بينهما إلا بالحق ومعناه إنه لم توجد السموات والارض وما بينهما من الاجناس إلا للحق وتعريض الخلق لضروب النعم وتعريض المكلفين للثواب الجزيل ولم ونخلقها عبثا ولا سدى بل عرضناهم للثواب بفعل الطاعات وزجرناهم بالعقاب عن فعل المعاصي، وقدرنا لهم اوقات نبعثهم اليها وأوقات نجازيهم فيها " واجل مسمى " أى مذكور للملائكة في اللوح المحفوظ.

ثم قال " والذين كفروا " بوحدانية الله تعالى وجحدوا ربوبيته " عما انذروا " به معرضون وعما خوفوا العمل من خلافه بالعقاب " معرضون " أى عادلون عن الفكر فيه والاعتبار به.

ثم قال " قل " يامحمد صلى الله عليه واله لهؤلاء الكفار الذين يعبدون الاصنام ويدعون مع الله إلها آخر " أرايتم ما تدعون من دون الله " آلهة وتوجهون عبادتكم اليها بأي شئ استحقوا ذلك " أروني ماذا خلقوا من الارض " فاستحقوا بخلق ذلك العبادة والشكر " أم لهم شرك في السموات " أى في خلقها، فانهم لا يقدرون على ادعاء ذلك.

ثم قال لهم " ائتوني بكتاب من قبل هذا " يعني هاتوا بكتاب انزله الله يدل على صحة قولكم قبل هذا القرآن " او أثارة من علم " يعني شئ يستخرج منه

[268]

فيثار فيعلم به ماهو منفعة لكم - وهو قول الحسن - وقال مجاهد: معناه او علما تأثرونه عن غيركم - ويؤدى أثره، وهما لغتان: اثره واثاره، ومنه الحديث المأثور أى المرفوع - يدل على صحة ما تذهبون اليه.

وقال ابوبكر وابن عباس: معناه او بقية من علم يشهد بصحة قولكم وصدق دعواكم " إن كنتم صادقين " في ما تذكرونه وتذهبون اليه.

ويقال: اثر الشئ اثارة مثل قبح قباحة وسمح سماحة، قال الراعي: وذات أثارة اكلت عليه يعني ذات بقية من شحم.

ثم قال تعالى " ومن أضل " أى من اضل عن طريق الصواب " ممن يدعو من دون الله " أي يضرع اليه ويوجه عبادته إلى " من لا يستجيب له إلى يوم القيامة " مع ظهور الدلالة على توحيدالله ووضوح آثار نعمه على خلقه " وهم " مع ذلك " عن دعائهم " إياهم " غافلون " أى ذاهبون عن الفكر فيه، لانهم لا يعقلون ولا يفقهون. والغفلة ذهاب المعنى عن نفس العاقل بمعنى يمتنع به إدراكه. وضده اليقظة، وهو حضور المعنى لنفس العاقل بما يجد إدراكه، وانما كنى عن الاصنام بالواو والنون مع أنها لا تعقل لما أضاف اليها ما يكون من العقلاء، كنى عنها بكناياتهم، كما قال " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين "(1) وقوله " كل في فلك يسبحون "(2).

___________________________________

(1) سورة 12 يوسف آية 4.

(2) سورة 36 يس آية 40

[269]

قوله تعالى: (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين(6) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاء‌هم هذا سحر مبين(7) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم(8) قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين(9) قل أرأيتم إن كان من عندالله وكفرتم به وشد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين(10))

خمس آيات بلا خلاف.

لما قال تعالى إنه لا أحد أضل عن طريق الحق ممن يدعو من لا يستجيب له، يعني الاصنام التي عبدوها وإنهم عن دعائهم غافلون ايضا، ذكر انه " إذا حشر الناس " يوم القيامة وبعثهم الله للثواب والعقاب " كانوا لهم اعداء " يعني هذه الاوثان التي عبدوها ينطقهم الله حتى يجحدوا أن يكونوا دعو إلى عبادتها او شعرت بذكر من أمرها " وكانوا بعبادتهم كافرين " يعني يكفرون بعبادة الكفار لهم ويجحدون ذلك.

ثم وصفهم ايضا فقال " وإذا تتلى عليهم " يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم " آياتنا " أى أدلتنا التي انزلناها من القرآن ونصبناها لهم.

والآية الدلالة التى تدل على ما يتعجب منه، قال الشاعر:

بآية يقدمون الخيل زورا *** كأن على سنابكها مداما(1)

ويروى مناكبها و " بينات " أى واضحات " قال الذين كفروا " بوحدانية

___________________________________

(1) مر في 6 / 63

[270]

الله وجحدوا نعمه " للحق لما جاء‌هم " يعني القرآن، والمعجزات التي ظهرت على يد النبي صلى الله عليه واله " هذا سحر مبين " أى حيلة لطيفة ظاهرة، ومن اعتقد ان السحر حيلة لطيفة لم يكفر بلا خلاف.

ومن قال انه معجزة كان كافرا، لانه لا يمكنه مع هذا القول ان يفرق بين النبي والمتنبي.

ثم قال " أم يقولون افتراه " أي بل يقولون اختلقه واخترعه فقال الله تعالى له " قل " لهم " إن " كنت (افتريته) وأخترعته (فلا تملكون لي من الله شيئا) أي ان كان الامر على ما تقولون إني ساحر ومفتر لا يمكنكم أن تمنعوا الله مني إذا أراد اهلاكي على افترائي عليه (هو أعلم بما تفيضون فيه) يقال: أفاض القوم في الحديث إذا مضوا فيه، وحديث مستفيض أي شائع، من قولكم هذا سحر وافتراء، ثم قل لهم (كفى به) يعني بالله (شهيدا بيني وبينكم) يشهد للمحق منا والمبطل (وهو الغفور) لذنوب عباده (الرحيم) بكثرة نعمه عليهم.

وفي ذلك حث لهم على المبادرة بالتوبة والرجوع إلى طريق الحق، ثم قال (قل) يا محمد صلى الله عليه واله (ما كنت بدعا من الرسل) فالبدع الاول في الامر يقال: هو بدع من قوم أبداع قال عدي بن زيد:

فلا أنا بدع من حوادث تعتري *** رجالا عرت من بعد يؤمن واسعد(1)

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: معناه ما كنت بأول رسول بعث وقوله (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) قال الحسن: معناه لا أدري ما يأمرني الله تعالى فيكم من حرب او سلم او تجعيل عقابكم او تأخيره.

وقال قل لهم (إن اتبع إلا ما يوحي إلي) أي لست اتبع في أمركم من حرب او سلم او امر او نهي إلا ما يوحي الله إلي ويأمرني به (وما أنا إلا نذير مبين) أي لست إلا مخوفا من

___________________________________

(1) تفسير الطبري 26 / 4

[271]

عقاب الله ومحذرا من معاصيه ومرغبا في طاعاته.

وقيل: إن اصحاب النبي صلى الله عليه واله شكوا إليه ما يلقون من اهل مكة من الاذى، فقال لهم (إني رأيت في المنام أني اهاجر إلى ارض ذات نخل وشجر) ففرحوا بذلك، فلما تأخر ذلك، قالوا: يارسول الله ما نرى ما بشرتنا به فانزل الله الآية.

وقوله (مبين) معناه مظهر لكم الحق فيه.

ثم قال (قل) لهم يا محمد (أرأيتم إن كان من عند الله) يعني هذا القرآن (وكفرتم به) يعني بالقرآن (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والحسن وعون بن مالك الاشجعي صحابي، وابن زيد: نزلت الآية في عبدالله بن سلام، وهو الشاهد من بني إسرائيل، فروي أن عبدالله بن سلام جاء إلى النبي صلى الله عليه واله وقال: يا رسول الله سل اليهود عني فهم يقولون هو أعلمنا، فاذا قالوا ذلك قلت لهم إن التوراة دالة على نبوتك وأن صفاتك فيها واضحة، فلما سألهم عن ذلك، قالوا ذلك، فحينئذ اظهر ابن سلام إيمانه وأوقفهم على ذلك، فقالوا هو شرنا وابن شرنا.

وقال الفراء: هو رجل من اليهود.

وقال مسروق: الشاهد من بني إسرائيل هو موسى عليه السلام شهد على التوراة كما شهد النبي صلى الله عليه واله على القرآن، قال: لان السورة مكية وابن سلام أسلم بالمدينة.

وقوله (فآمن واستكبرتم) عن الايمان وجواب (إن كان من عندالله محذوف.

قال الزجاج: تقديره (فآمن واستكبرتم) فلا تؤمنون.

وقال غيره تقديره فآمن واستكبرتم إنما تهلكون.

وقال الحسن: جوابه فمن أضل منكم.

ثم اخبر تعالى فقال (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ويحتمل أمرين: احدهما - إنه لا يهديهم إلى الجنة لاستحقاقهم العقاب. والثاني - إنه لا يحكم بهداهم لكونهم ضلالا ظالمين. ولا يجوز ان يكون

[272]

المراد لا يهديهم إلى طريق الحق، لانه تعالى هدى جميع المكلفين بأن نصب لهم الادلة على الحق ودعاهم إلى اتباعه، ورغبهم في فعله.

وقد قال (واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى)(1) فبين أنه هداهم إلى الحق وإن اختارواهم الضلال.

قوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم(11) ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين(12) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون(13) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون(14) ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضيه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين(15))

خمس آيات بلا خلاف.

قرأ ابن كثير - في إحدى الروايتين عنه - ونافع وابوجعفر وابن عامر

___________________________________

(1) سورة 41 حم السجدة آية 17

[273]

ويعقوب (لتنذر) بالتاء على وجه الخطاب. ويجوز ان يكون مردودا إلى اللسان وهو مؤنث. الباقون بالياء على وجه الاخبار عن الكتاب او القرآن.

وقرأ اهل الكوفة (إحسانا) بالف. الباقون (حسنا) بضم الحاء بلا ألف.

وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وابوعمرو (كرها) بفتح الكاف. الباقون بضمها، وهما لغتان.

وقرأ يعقوب (وفصله) بفتح الفاء وسكون الصاد من غير الف. الباقون (وفصاله) بكسر الفاء وإثبات ألف، وهما لغتان وباثبات الالف كلام العرب. وفي الحديث (لا رضاع بعد فصال) وروى بعد (فطام).

اخبرالله تعالى عن الكفار الذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا نبيه محمد صلى الله عليه واله أنهم قالوا (للذين آمنوا) وصدقوا رسوله (لو كان) هذا الذي يدعوننا هؤلاء المسلمون اليه: محمد ومن اتبعه (خيرا) أي نفعا عاجلا أو آجلا يظهر لنا ذلك (ما سبقونا) يعني الكفار الذين آمنوا به (اليه) أي إلى إتباعه لانا كنا بذلك أولى وبه اجرى، وحكى ان اسلم وغفار وجهينة ومزينة لما اسلموا قال بنو عامر ابن صعصعة وغطفان واسد واشجع هذا القول، فحكاه الله.

والسبق المصير إلى الشئ قبل غيره، وكذلك السابق إلى الخير والتابع فيه، فقال الله تعالى (وإذ لم يهتدوا به) يعني هؤلاء الكفار بهذا القرآن ولا استبصروا به ولا حصل لهم العلم بأنه مرسل داع إلى الله (فسيقولون هذا أفك قديم) أي كذب متقدم حيث لم يهتدوا به، وصفه بالقديم للمبالغة في التقدم أي ليس أول من ادعى الكذب في ذلك بل قد تقدم اشباهه. والقديم في عرف اللغة هو المتقدم الوجود، وفى عرف المتكلمين هو الموجود الذي لا أول لوجوده.

[274]

ثم قال تعالى (ومن قبله) يعني من قبل القرآن (كتاب موسى) يعني التوراة (إماما ورحمة) أي جعلناه إماما ورحمة وانزلناه إماما يهتدى به ورحمة أي نعمة على الخلق.

ثم قال (وهذا) يعني القرآن (كتاب مصدق) لذلك الكتاب (لسانا عربيا) نصبه على الحال، ويجوز ان يكون حالا من هذا الكتاب ويجوز ان يكون حالا لما في (مصدق) من الضمير.

وقوله (لينذر الذين ظلموا) أي ليخوفهم، ويعلمهم استحقاق العقاب على المعاصي واستحقاق الثواب على الطاعات. فمن قرأ بالتاء جاز أن يكون خطابا للنبي صلى الله عليه واله ويجوز ان يكون ردا على اللسان على ما قدمناه، وهو مؤنث. ومن قرأ بالياء رده إلى الكتاب الذي هو القرآن.

وقوله (وبشرى للمحسنين) معناه ان يكون هذا القرآن بشارة لمن فعل الصالحات واختار الحسنات، ويجوز في (بشرى) ان يكون رفعا عطفا على (مصدق) ويجوز ان يكون نصبا لوقوعه موقع (وبشيرا) فيكون حالا، كما تقول: اتيتك لازورك وكرامة لك وقضاء لحقك. ثم اخبر تعالى (إن الذين قالوا) بلسانهم (ربنا الله) واعتقدوا ذلك بقلوبهم (ثم استقاموا) على ذلك لم يعدلوا عنه (فلا خوف عليهم) من العقاب في الآخرة (ولا هم يحزنون) من أهوال القيامة. ثم اخبر عنهم فقال (أولئك) يعني من تقدم ذكرهم (اصحاب الجنة) أي الملازمون لها (خالدين فيها جزاء) لهم (بما كانوا يعلمون) في الدنيا من الطاعات.

ثم قال تعالى (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا) أي امرناه بأن يحسن إلى والديه إحسانا. فمن قرأ بلا الف فالمعنى أن يحسن فعله معهما حسنا، فالحسن والحسن. لغتان، يقال: حسن يحسن حسنا ومن قرأ " إحسانا " جعله مصدر احسن ". وكرها " بفتح الكاف المصدر وبضمها الاسم. وقيل هما لغتان.

وقوله " حملته أمه كرها ووضعته كرها " قال الحسن وقتادة ومجاهد: أي بمشقة. ثم

[275]

قال " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " نبه بذلك على ما يستحقه الوالدان من الاحسان اليهما ومعاملتهما من حيث أنهما تكفلا به وربياه، وانه " حملته أمه كرها ووضعته كرها " أي بمشقة في حال الولادة وارضعته مدة الرضاع. ثم بين ان أقل مدة الحمل وكمال مدة الرضاع ثلاثون شهرا، وأنهما تكفلا به حتى بلغ حد الكمال " حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة " قيل اكثر الفصال واكثر مدة الرضاع اربعة وعشرون شهرا واقل مدة الحمل ستة اشهر، والمعنى وصية بذلك ليكون إذا بلغ اشده أي حال التكليف وحال الاربعين، قال هذا القول علمه الله إياه.

وقال قتادة وابن عباس: أشده ثلاث وثلاثون سنة.

وقال الشعبي: هو وقت بلوغ الحلم.

وقال الحسن: اشده وقت قيام الحجة عليه.

ثم " قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي " فالايزاع المنع من الانصراف عن الشئ فالايزاع الشكر المنع من الانصراف عنه باللطف، ومنه قولهم يزع الله بالسلطان مالا يزع بالقرآن. ومنه قول الحسن: لابد للسلطان من وزعة.

قال النابغة:

على حين عاتبت المشيب على الصبا *** فقلت ألما تصح والشيب وازع

اي مانع.

وقيل: إيزاع الشكر هو الهام الشكر وقيل الاعزاء بالشكر " وأن أعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي إني تبت اليك وإني من المسلمين " تمام ما علمه الله للانسان ووصاه ان يدعو به إذا بلغ اشده: أن يقول: إني تائب إلى الله من المعاصي وإني من جملة المسلمين لامر الله.

[276]

قوله تعالى: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون(16) والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الاولين(17) أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين(18) ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون(19) ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الارض بغير الحق وبما كنتم تفسقون(20))

خمس آيات بلا خلاف.

قرأ " نتقبل، ونتجاوز " بالنون فيهما حمزة والكسائي وخلف، على وجه الاخبار من الله عن نفسه ولقوله " ووصينا " الباقون بالياء فيهما، على مالم يسم فاعله. وروى هشام " اتعداني " بنون مشددة. الباقون بنونين.

وقرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم إلا الكسائي عن ابي بكر والحلواني عن هشام (وليوفينهم) بالياء. الباقون بالنون.

وقرأ ابن ذكوان وروح (أاذهبتم) بهمزتين مخففتين على الاستفهام. وقرأ ابن كثير وابوجعفر وهشام بتخفيف الاولى وتليبن الثانية وفصل بينهما بالف ابوجعفر والحلواني عن هشام. الباقون بهمزة واحده على الخبر.

لما اخبر تعالى بما أوصى به الانسان ان يعمله ويقوله عند بلوغ أشده اخبره بعده بما يستحقه من الثواب إذا فعل ما أمره به تعالى فقال (أولئك) يعني الذين فعلوا ما وصيناهم به من التائبين المسلمين هم (الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) من قرأ بالنون اضاف الفعل إلى الله وانه أخبر عن نفسه بأنه يفعل بهم. ومن

[277]

قرأ بالياء والضم فيهما لم يذكر الفاعل لانه معلوم أن المراد به أن الله الذي يتقبل الطاعات ويجازي عليها.

وقوله (أحسن ما عملوا) يعني ما يستحق به الثواب من الواجبات والمندوبات، لان المباحات وإن كانت حسنة لا يستحق بها الثواب ولا توصف بأنها متقبلة، لانه لا يتقبل إلا ما ذكرناه من واجب او ندب. ثم قال (ونتجاوز عن سيئاتهم) التي اقترفوها فلا نؤاخذهم بها إذا تابوا منها أو اردنا أن نتفضل عليهم باسقاطها.

وقوله (في اصحاب الجنة) أي هم في اصحاب الجنة (وعد الصدق) أي وعدهم وعد الصدق لا الكذب، فهو نصب على المصدر (الذي كانوا يوعدون) به في دار الدنيا إذا اطاعوا الله. ثم اخبر تعالى عن حال (الذي قال) أي الذي يقول (لوالديه أف لكما) ومعناه أنه في موضع ضجر منهما، وقيل: معناه نتنا وقذرا لكما، كما يقال عند شم الرائحة الكريهة.

وقال الحسن: هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث وانه يتأفف بهما إذا دعواه إلى الاقرار بالبعث والشنور.

وقال قوم: نزلت الآية في عبدالرحمن بن ابي بكر قبل ان يسلم. ثم بين أنه يقول لهما (أتعدانني أن اخرج) من القبر وأحيا وابعث (وقد خلت القرون من قبلي) أي مضت امم قبلي وماتوا فما أخرجوا ولا اعيدوا وهما) يعني والديه (يستغيثان الله) ويقولان له (ويلك آمن إن وعد الله حق) والبعث والنشور والثواب والعقاب (فيقول) في جوابهما (ما هذا إلا اساطير الاولين) أي ليس هذا إلا أخبار الاولين وسطروها، وليس لها حقيقة، فقال تعالى (أولئك الذين حق عليهم القول) باستحقاق العقاب وإدخالهم النار (في أمم) أي مع أمم وجماعات (قد خلت من قبلهم من الجن والانس) على مثل حالهم ومثل اعتقادهم.

وقال قتادة: قال الحسن: الجن لا يموتون، قال قتادة:

[278]

فقلت (أولئك الذين حق عليهم القول..) الآية تدل على خلافه، ويجوز ان يكون الحسن أراد انهم لا يموتون في دار الدنيا ويبقون إلى وقت قيام الساعة. ثم يميتهم الله كما ان ذلك سبيل كل خلق من الملائكة.

ثم قال تعالى مخبرا عن حالهم (إنهم) يعني الذين وصفهم (كانوا قوما خاسرين) في أمورهم، لانهم خسروا الثواب الدائم وحصل لهم العقاب المؤبد.

ثم قال (ولكل درجات مما غملوا) أي لكل مطيع درجات ثواب، وإن تفاضلوا في مقاديرها.

وقوله (وليوفيهم) من قرأ بالياء معناه ليوفيهم الله. ومن قرأ بالنون فعلى وجه الاخبار من الله عن نفسه انه يوفيهم ثواب اعمالهم من الطاعات " وهم لا يظلمون " أي من غير ان ينقص منه شيئا.

ثم قال تعالى (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) يعني يوم القيامة (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) أي يقال لهم على وجه التهجين والتوبيخ (أذهبتم طيباتكم) أي انفقتم ذلك في ملاذ الدنيا، وفي معاصي الله، ولم تستعملوها في طاعاته. فمن خفف الهمزتين أراد بالف الاستفهام التوبيخ. ومن لين الثانية كره الجمع بين الهمزتين. ومن قرأ على الخبر، فعلى تقدير يقال لهم (أذهبتم) أو يكون حذف احدهما تخفيفا ويكون المحذوفة الاصلية، لان همزة الاستفهام ادخلت لمعنى.

وقوله (واستمتعتم بها) يعني بالطيبات. ثم حكى ما يقال لهم بعد ذلك فانه يقال لهم (فاليوم تجزون عذاب الهون) يعني عذاب الهوان - في قول مجاهد (بما كنتم تستكبرون في الارض) أي جزاء بما كنتم تطلبون التكبر والتجبر على الناس (بغير الحق) أي بغير استحقاق (وبما كنتم تفسقون) أي تخرجون من طاعة الله إلى معاصيه.

[279]

قوله تعالى: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم(21) قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين(22) قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أريكم قوما تجهلون(23) فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم(24) تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين(25))

خمس آيات بلا خلاف.

قرأ عاصم وحمزة وخلف (لايرى) بالياء مضمومة، على ما لم يسم فاعله (إلا مساكنهم) برفع النون. الباقون - بالتاء - ونصب النون. من ضم الياء فعلى ما لم يسم فاعله. ومن فتح التاء، فعلى الخطاب، والمعنيان متقاربان.

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله (واذكر) يا محمد (أخا عاد) يعني هودا عليه السلام (اذ أنذر قومه) أي خوفهم من الكفر بالله وحذرهم معاصيه ودعاهم إلى طاعته (بالاحقاف) قال ابن عباس: هو واد بين عمان ومهوة، وقال ابن اسحاق: الاحقاف الرمل في ما بين عمان إلى حضرموت.

[280]

وقال قتادة: الاحقاق رمال مشرفة على البحر بالشجر من اليمن، وقال الحسن: الاحقاف أرض خلالها رمال.

وقال الضحاك: جبل بالشام يسمى بذلك، قال العجاج: بات إلى ارطات حقف أحقفا(1) أي رمل مشرف، وقال ابن زيد: الحقف الرمل يكون كهيئة الجبل.

وقال المبرد: الحقف هو كثيب المكثر غير العظيم وفيه اعوجاج، قال العجاج: سماوة الهلال حتى احقوقفا(2) وهو انحناؤه.

وقوله (وقد خلت النذر) أي مضت الرسل (من بين يديه ومن خلفه) أي قدامه ووراء‌ه (ألا تعبدوا إلا الله) أي انذرهم وخوفهم بان لا تعبدوا إلا الله. وقال لهم (إني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم) يعني عذاب يوم القيامة. ثم حكى ما اجاب به قومه وانهم (قالوا اجئتنا) ياهود (لتأفكنا) أي لتلفتنا وتصرفنا (عن) عبادة (آلهتنا) بالكذب والافك (فأتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت) صادقا (من الصادقين) فانا لا نصدقك في ما تقوله، فقال هود لهم (إنما العلم عندالله) يريد العلم بوقت إنزال العذاب بكم عندالله، وهو العالم به ولا أعلمه مفصلا (وابلغكم ما أرسلت به) أي أؤدي اليكم ما بعثت به اليكم من الدعاء إلى عبادة الله وإخلاص القربة اليه، فلست اراكم تقبلون ذلك (ولكني أراكم قوما تجهلون) أي تفعلون ما يفعله الجهال.

وقوله " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم " معناه فلما رأو العذاب وشاهدوه أطل عليهم " قالوا هذا عارض " أي سحاب " ممطرنا " والعارض المار بمعنى انه

___________________________________

(1) تفسير القرطبى 16 / 203 ومجاز القرآن 2 / 213 والطبرى 26 / 15.

(2) تفسير القرطبي 16 / 203 وقد مر في 6 / 79 و 8 / 29

[281]

لا يلبث من خير أو شر، فلما رأو العارض ظنوا انه عارض خير بالمطر، فقيل لهم ليس الامر كما ظننتم " بل هو ما استعجلتم " أي هو عارض من العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه مكذبين به، وقال (عارض) نكرة و (ممطرنا) معرفة، وإنما وصفه به لان التقدير ممطر إيانا، كقولك: مررت برجل مثلك أي مثل لك ثم فسره فقال " هو ريح فيه عذاب عظيم " أي مؤلم، وسمي السحاب عارضا، لاخذه في عرض السماء، وقال الاعشى:

يامن رأى عارضا قدبت أرمقه *** كأنما البرق في حافاته الشعل(1)

وقيل: كانت الريح ترفع الظعينة بحملها حتى ترى كأنها جرادة - في قول عمرو بن ميمون - وقوله تعالى " تدمر كل شئ " أي تخرب وتلقي بعض الاشياء على بعض حتى تهلك، قال جرير:

وكان لهم كبكر ثمود لما رغا *** ظهرا فدمر هم دمارا(2)

وقوله " فاصبحوا " يعني اهل الاحقاف " لا يرى إلا مساكنهم " وما عداها قد هلك. فمن فتح التاء نصب النون من (مساكنهم) على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه واله. ومن ضم الياء ضم النون وتقديره فأصبحوا لا يرى شئ في مساكنهم وقرأ الحسن بالتاء والضم.

وقال النحويون: القراء‌ة بالياء ضعيفة في العربية، لان العرب تذكر ما قبل (الا) في الجحد، فتقول: ما قام إلا اختك، لان المحذوف (أحد) وتقديره ما قام احد إلا اختك قامت.

ثم قال تعالى مثل ما أهلكنا اهل الاحقاف وجازيناهم بالعذاب " كذلك نجزي القوم المجرمين " الذين سلكوا مسلكهم.

___________________________________

(1) ديوانه (دار بيروت) 146.

(2) تفسير الطبري 26 / 16

[282]

قوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن(26) ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون(27) فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون(28) وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين(29) قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم(30))

خمس آيات بلا خلاف.

يقول الله تعالى على وجه القسم في خبره أنه مكن هؤلاء الكفار الذين اخبر عنهم بأنه اهلكهم انه مكنهم من الطاعات ومن جميع ما أمرهم به من انه جعلهم قادرين متمكنين بنصب الدلالة على توحيده، ومكنهم من النظر فيها، ورغبهم في ذلك بما ضمن لهم من الثواب وزجرهم عما يستحق به العقاب، ولطف لهم وازاح عللهم في جميع ذلك، لان التمكين عبارة عن فعل جميع مالا يتم الفعل إلا معه، ثم قال " وجعلنا لهم سمعا " يسمعون به الادلة " وأبصارا " يشاهدون بها الآيات " وافئدة " يفكرون بها ويعتبرون بالنظر فيها " فما اغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم

[283]

ولا افئدتهم من شئ " أي لم ينفعهم جميع ذلك، لانهم لم يعتبروا بها ولا فكروا فيها " إذ كانوا يجحدون بآيات الله " وأدلته " وحاق بهم " أي حل بهم عذاب " ما كانوا به يستهزؤن " ويسخرون منه.

وقوله " ما ان مكناكم فيه " قال ابن عباس وقتادة: معناه في مالم نمكنكم فيه.

وقال المبرد: (ما) الاولى بمعنى (الذي) و (إن) بمعنى (ما) وتقديره في الذي ما مكناكم، والمراد بالآية وعيد كفار قريش وتهديدهم وأن الله قد مكن قوم عاد بما لم يمكن هؤلاء منه، من عظيم القوة وشدة البطش والقدرة على جميع ما يطلبونه، وأنهم مع تمكينهم لم ينفعهم ذلك لما نزل بهم عذاب الله حين كفروا به وجحدوا ربوبيته ولم يغنهم جميع ذلك.

ثم قال " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى " يعني قوم هود وصالح، لانهم كانوا مجاورين لبلاد العرب وبلادهم حول بلادهم، فاذا أهلكهم الله بكفرهم كان ينبغي أن يعتبروا بهم " وصرفنا الآيات " وتصريف الآيات تصييرها في الجهات وتصريف الشئ تصييره في الجهات، وتصريف المعنى تصييره تارة مع هذا الشئ وتارة مع ذلك، وتصريف الآيات تصييرها تارة في الاعجاز وتارة في الاهلاك، وتارة في التذكير بالنعم وتارة في وصف الابرار، وتارة في وصف الفجار، ليجتنب مثل فعلهم " لعلهم يرجعون " أي لكي يرجعوا إلى طاعته.

ثم قال " فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة " ومعناه فهلا نصرهم الذين اتخذوا آلهة من دون الله من الاصنام، توبيخا لهم على فعلهم واعلاما بأن من لا يقدر على نصرة أوليائه كيف تصح عبادته " قربانا آلهة " أي يقربون اليهم قربانا وسموها آلهة.

ثم قال لم ينصرونهم " بل ضلوا عنهم " واخبر أن " ذلك إفكهم وما كانوا

[284]

يفترون " أي كذبهم الذي كذبوه، والذي كانوا يفترونه، ويخترعونه.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله واذكر يامحمد " إذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه " يعني القرآن او النبي " قالوا " بعضهم لبعض " انصتوا فلما قضي " أي حين فرغ من تلاوته " ولوا إلى قومهم منذرين " لهم مخوفين من معاصي الله.

وقال قوم: إن الله تعالى أمر نبيه ان يقرأ القرآن على الجن، وأمره بأن يدعوهم إلى عبادته.

وقال قوم: هم يسمعون من قبل نفوسهم لقراء‌ة القرآن فلما رجعوا " قالوا " لقومهم " يا قومنا إنا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه " يعني التوراة " يهدي إلى الحق " أي يرشد اليه " ويهدي إلى طريق مستقيم " من توحيد الله ومعرفة نبيه المؤدي إلى الجنة.

وقال ابن عباس وسعيد ابن جبير: صرفوا اليه بالرجم بالشهب، فقالوا عند ذلك إن هذا الامر كبير.

وقال قتادة: صرفوا اليه من جهة.

وفي رواية عن ابن عباس من نصيبين. وقيل: ان نصيبين من أرض اليمن.

وقال رزين بن حبيش: كانوا تسعة نفر، وقال ابن عباس: كانوا سبعة نفر.

وقال قوم: صرفوا اليه بالتوفيق.

[285]

قوله تعالى: (يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم(31) ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين(32) أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والارض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شئ قدير(33) ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون(34) فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون(35))

خمس آيات بلا خلاف.

قرأ يعقوب " يقدر " بالياء جعله فعلا مستقبلا. الباقون - بالياء - اسم فاعل.

لما حكى الله تعالى أن نفرا من الجن استمعوا القرآن وتدبروه ورجعوا به إلى قومهم مخوفين لهم من معاصي الله وأنهم قالوا إنا سمعنا كتابا يعني القرآن انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يعني التوراة يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، حكى انهم قالوا ايضا " يا قومنا أجيبوا داعي الله " يعنون محمدا صلى الله عليه واله إذ دعاهم إلى توحيده وخلع الانداد دونه، وقال قوم: يجوز ان يكون المراد كل من دعا إلى الله تعالى. والاجابة موافقة الفعل الدعاء اليه بأنه عمل من أجله، ولهذا لا تكون موافقة الكافر - وإن كان إذا دعا به - إجابة له إذ لم يعمل من أجل دعائه اليه، وإنما عمل لامر آخر. وعلى هذا قال بعضهم: إنه لا يجيب الله دعاء الكافر لان فيه إجلالا له كمالا يعمل شيئا لان فيه مفسدة.

فان قيل: لو ان الكافر دعا إلى حق هل تلزم اجابته؟ قلنا: يجب العمل بما يدعو اليه، ولا تلزم إجابته، وإنما يجب العمل به، لانه حق. وقيل: يجوز إجابته إذا لم يكن فيه مفسدة.

[286]

وقالوا لهم " آمنوابه " أي آمنوا بالله " يغفر لكم من ذنوبكم " (من) زائدة، والمعنى يغفر لكم ذنوبكم " ويجركم من عذاب اليم " فالاجارة من النار جعلهم في جوار الاولياء المباعدين من النار. وفي الدعاء: اللهم أجرني من النار واللهم اعذنى منها. ثم قالوا ايضا " ومن لا يجب داعي الله " تاركا له إلى خلافه " فليس بمعجز " أي بفائت " في الارض وليس له من دونه اولياء " ينصرونهم ويدفعون عنهم العذاب إذا نزل بهم، ويجوز ان يكون ذلك من كلام الله ابتداء.

ثم قال " اولئك " يعني الذين لا يجيبون داعي الله " في ضلال " أي في عدول عن الحق " مبين ".

ثم قال تعالى منبها لهم على قدرته على الاعادة والبعث " او لم يروا " أي او لم يعلموا " ان الله الذي خلق السموات والارض " وانشأهما " ولم يعي بخلقهن " أي لم يصبه في خلق ذلك إعياء ولا تعب " بقادر " فالباء زائدة وموضعه رفع بأنه خبر (أن) ودخول الباء في خبر (ان) جائز إذا كان اول الكلام نفيا نحو ما ظننت أن زيدا بقائم ولو قلت: إن زيدا بقائم لا يجوز، لانه إثبات " على ان يحيي الموتى " ثم قال " بلى " هو قادر عليه " إنه على كل شئ قدير " ثم قال " ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق " أي يقال لهم على وجه الاحتجاج عليهم أليس هذا الذي جزيتم به حق لا ظلم فيه لانكم شاهدتموه الآن " قالوا بلى وربنا " فيحلفون على ذلك، فيقال لهم عند ذلك " ذوقو العذاب " جزاء " بما كنتم تكفرون " أي بما كنتم تجحدون من نعمه وتنكرون من وحدانيته ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله " فاصبر " يامحمد على أذى هؤلاء الكفار على ترك إجابتهم لك " كما صبر اولوالعزم من الرسل " قبلك على اممهم.

[287]

وقال قوم: أولوا العزم هم الذين يثبتون على عقد القيام بالواجب وإجتناب المحارم، فعلى هذا الانبياء كلهم أولوا العزم، ومن قال ذلك جعل (من) ههنا للتبيين لا للتبعيض.

ومن قال: إن أولى العزم طائفة من الرسل وهم قوم مخصوصون قال (من) ههنا للتبعيض وهو الظاهر في روايات اصحابنا، وأقوال المفسرين، ويريدون بأولي العزم من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدم من الانبياء، قالوا وهم خمسة أولهم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد صلى الله عليه واله.

ثم قال " ولا تستعجل لهم " العقاب " كأنهم يوم يرون ما يوعدون " من يوم القيامة لقرب مجيئه " لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " من قلة لبثهم في الدنيا.

وقوله " بلاغ " قيل في معناه قولان: احدهما - ذلك اللبث بلاغ. والآخر - هذا القرآن بلاغ.

ثم قال " فهل يهلك " بهذا النوع من الاهلاك على وجه الاستحقاق " إلا القوم الفاسقون " الذين خرجوا من طاعة الله إلى معصيته ومن ولايته إلى عداوته.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21339079

  • التاريخ : 29/03/2024 - 13:39

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net