00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة فاطر 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء الثامن )   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

35 - سورة فاطر

مكية في قول مجاهد وقتادة: لا ناسخ فيها ولا منسوخ، وبه قال الحسن إلا آيتين قوله " إن الذين يتلون كتاب الله " إلى قوله " الفضل الكبير " وهي خمس وأربعون آية عراقي وحجازي إلا اسماعيل.

وست واربعون في عدد اسماعيل والشاميين.

بسم الله الرحمن الرحيم

(ألحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملئكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير(1) ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم(2) يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون(3) وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الامور(4) يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور(5))

خمس آيات بلا خلاف.

[411]

قرأ حمزة والكسائي " هل من خالق غير الله " جرا على أنه صفة ل‍ (خالق) الباقون - بالرفع - على تقدير هل من خالق هو غير الله، ويجوز ان يكون التقدير: هل غير الله من خالق، ويجوز أن يكون رفعا على موضع (من) وتقديره هل خالق غير الله.

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله قل يا محمد " الحمد لله " أي الشكر له على جميع نعمه " فاطر السموات والارض " أي خالقهما ومخترعهما. والفطر الشق عن الشئ باظهاره للحس، ومعنى فطر السموات والارض أي خلقهما وأظهرهما للحس بعد ان لم تكونا ظاهرتين، وروي عن ابن عباس أنه قال: ما كنت أدري ما معنى فطر السموات حتى احتكم إلي اعرابيان في بئر، فقال أحدهما أنا فطرتها، أي اخترعتها وابتدأتها. ومن كان خالق السموات والارض لا يفعل إلا ما يستحق به الشكر والحمد، لانه غني حكيم، فلا يعدل عما يستحق به الحمد إلى مالا يستحق به ذلك.

وقوله " جاعل الملائكة رسلا " أي جعل الملائكة رسلا بعضهم إلى بعض وبعضهم إلى البشر. ثم ذكر اوصافهم وهو أنهم " أولي اجنحة " أي اصحاب اجنحة " مثنى وثلاث ورباع.... " أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة واربعة اربعة، فهذه الالفاط معدولة عن الاثنين والثلاث والاربع، مع انها

[412]

صفات فلذلك ترك صرفها قال الشاعر:

ولكنما اهلي بواد أنيسه * ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد(1)

وإنما جعلهم أولي أجنحة، ليتمكنوا بها من العروج إلى السماء ومن النزول إلى الارض، قال قتادة: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة، ثم قال " يزيد في الخلق ما يشاء " قيل حسن الصوت وقيل من الاجنحة من حيث خلق للملائكة زيادة عما خلق لسائر الخلق من البشر والامم.

فان قيل: الطائر لا يحتاج إلى اكثر من جناحين فما معنى خلق الملائكة أولي ثلاث واربع؟ قيل: يجوز أن يكون كل جناح بعلوه باثنين، ويجوز أن يكون للزينة الزائدة، وقد يكون للسمكة أجنحة في ظهرها.

ثم بين " أن الله على كل شئ قدير " أي لا شئ إلا وهو تعالى قادر عليه بعينه او قادر على مثله. ثم قال تعالى " ما يفتح الله للناس من رحمة " معنى (ما) الذي وتقديره الذي يفتح الله للناس من نعمة ورحمة " فلا ممسك لها وما يمسك " من نعمة على خلقه " فلا مرسل له من بعده " أي من بعد الله " وهو العزيز " يعني القادر الذي لا يقهر " الحكيم " في جميع افعاله، إن انعم وإن امسك، لانه عالم بمصالح خلقه لا يفعل إلا ما لهم فيه مصلحة في دينهم او دنياهم.

ثم خاطب المؤمنين فقال " يا ايها الناس اذكروا نعمة الله عليكم " بأن خلقكم وأوجدكم وأحياكم وأقدركم وشهاكم، وخلق لكم المنافع التي تنتفعون بها " هل من خالق غير الله " تقريرا لهم على انه لا خالق غير الله في السموات والارض " يرزقكم من السماء " بالمطر ومن " الارض " بالنبات " لا إله إلا هو " أي لا معبود يستحق العبادة سواه تعالى " فأنى تؤفكون " أي كيف تقلبون

___________________________________

(1) الكتاب ليبويه 2 / 15

[413]

عن طريق الحق إلى الضلال. وانما قال " هل من خالق غير الله " وإن كان احدنا يخلق الشئ لان هذه الصفة لا تطلق إلا عليه تعالى، فاما غيره فانها تقيد له. وايضا فقد فسر ما أراد وهو أنه هل من خالق رازق للخلق من السموات والارض غير الله أي لا خالق على هذه الصفة إلا هو. هذا صحيح لانه لا احد يقدر على ان يرزق غيره من السماء والارض بالمطر والنبات وأنواع الثمار.

ثم قال تعالى تعزية للنبي صلى الله عليه واله وتسلية له عن تكذيب قومه إياه " وإن يكذبوك " يا محمد هؤلاء الكفار " فقد كذبت رسل من قبلك " أرسلهم الله فكذبوهم ولم يقبلوا منهم فلك اسوة بمن كان قبلك " وإلى الله ترجع الامور " يعني ترد الامور إلى حيث لا يملك التصرف فيها مطلقا غير الله يوم القيامة.

ثم خاطب الخلق فقال " يا أيها الناس إن وعد الله حق " يعني ما وعدهم به من البعث والنشور والجنة والنار صحيح كائن لا محالة " فلا تغرنكم الحياة الدنيا " فتغترون بملاذها وزينتها وتتركون ما امركم الله به وترتكبون ما نهاكم عنه * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * فالغرور هو الذي عادته ان يغر غيره، والدنيا وزينتها بهذه الصفة، لان الخلق يغترون بها، وقال الحسن الغرور الشيطان الذى هو إبليس، وهو قول مجاهد.

والرزق يطلق على وجهين: احدهما - ان الله جعله يصلح للغذاء يتغذى به الحيوان وللملبس يلبسونه فالعباد من هذا الوجه لا يأكلون ولا ينتفعون إلا بما جعله الله رزقا لهم. والثاني - انه ملكه الله وحكم انه له فهم يتظالمون من هذا الوجه.

[414]

قوله تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير(6) ألذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير(7) أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون(8) والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور(9) من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور(10))

خمس آيات حجازي وكوفي، وست بصري وشامي، عد البصريون والشاميون * (شديد) * ولم يعده الباقون.

قرأ ابوجعفر * (فلا تذهب) * بضم التاء وكسر الهاء * (نفسك) * بنصب السين. الباقون - بفتح التاء والهاء، ورفع السين. يقول الله تعالى مخبرا لخلقه من البشر * (إن الشيطان لكم عدو) * فيعدل

[415]

بكم عن افعال الخير ويدعوكم إلى ما فيه الهلكة، فالعداوة ضد الولاية، ولا يجوز ان يكون احد عدوا من وجه وليا من وجه، كما لا يجوز أن يكون موجودا من وجه معدوما من وجه، لان الصفتين متنافيتان. ثم امرهم بأن يتخذوا الشيطان عدوا كما هو عدو لهم، وبين تعالى أن الشيطان ليس يدعو إلا حزبه أي اصحابه وجنده، وهم الذين يقبلون منه ويتبعونه. وبين انه إنما يدعوهم ليكونوا من اصحاب السعير بارتكاب المعاصي والكفر بالله تعالى، والسعير النار المستعرة.

ثم اخبر تعالى * (إن الذين كفروا) * بآيات الله ويكذبون رسله * (لهم عذاب شديد) * جزاء على كفرهم وتكذيبهم، وإن * (الذين آمنوا وعملوا) * الافعال * (الصالحات لهم مغفرة) * من الله لذنوبهم ولهم * (أجر) * أي ثواب * (كبير) * ثم قال مقررا لهم * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) * يعني الكفار زينت نفوسهم لهم أعمالهم السيئة فتصوروها حسنة او الشيطان يزنيها لهم فيميلهم إلى الشبهة وترك النظر في الادلة الدالة على الحق باغوائه حتى يتشاغلوا بما فيه اللذة وطرح الكلفة.

وخبر (من) في قوله * (أفمن زين له سوء عمله) * محذوف وتقديره يتحسر عليه، وقيل: إن الخبر قوله * (فان الله يضل من يشاء) * إلا أنه وقع * (من يشاء) * موقعه. وقيل: جواب * (افمن زين) * محذوف بتقدير: كمن علم الحسن من القبيح، وعمل بما علم. وقيل: كمن هداه الله.

وفي ذلك دلالة على بطلان قول من يقول: إن المعارف ضرورة، لانه دل على انهم رأوا اعمالهم السيئة حسنة. وهذا رأي فاسد، ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله ناهيا له * (فلا تذهب نفسك عليهم) * يا محمد * (حسرات) *. ومن فتح التاء جعل

[416]

الفعل للنفس. والحسرة شدة الحزن على ما فات من الامر * (إن الله عليم بما يصنعون) * من المعاصي والطاعات فيجازيهم بحسبها.

ثم قال * (والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا) * أي تنشئه وتجمعه وتجئ به وتحركه * (فسقناه) * إي فساقه الله * (إلى بلد ميت) * لم يمطر أي قحط وجدب فيمطر على تلك الارض فيحيي بذلك الماء والمطر الارض بعد موتها بالزرع بعد أن لم يكن فيها زرع.

ثم قال: كما فعل هذا بهذه الارض الجدبة القحطة من احيائها بالزرع بعد أن لم يكن فيها زرع مثل ذلك ينشر الخلائق بعد موتهم ويحشرهم إلى الموقف للجزاء من ثواب وعقاب.

وقيل: إن الله تعالى اذا اراد احياء الخلق امطر السماء أربعين يوما فينبت بذلك الخلق نباتا.

ثم قال تعالى * (من كان يريد العزة) * يعني القدرة على القهر والغلبة * (فلله العزة جميعا) * أي له القهر على جميع الاشياء لا يقدر احد ان يمنعه مما يريد فعله به.

وقيل: معناه من كان يريد علم العزة لمن هي، فهي لله.

وقيل: معناه من اراد العزة فليطع الله حتى يعزه.

وقوله * (اليه يصعد الكلم الطيب) * قيل: معناه انه تعالى يقبله ويثيب عليه.

وقيل: اليه يصعد اي إلى حيث لا يملك الحكم فيه إلا الله، كما يقال: ارتفع امرهم إلى القاضي.

وقوله * (والعمل الصالح يرفعه) * اى يقبله.

وقيل: في الضمير الذى في * (يرفعه) * ثلاثة اوجه: احدها - يرفع الكلم الطيب من الفعل. الثاني - يرفعه الكلم الطيب. الثالث - يرفعه الله.

ثم قال * (والذين يمكرون السيئات) * اي يحتالون لفعل السيئات من الشرك والكبائر.

وقيل: هم اصحاب الرياء * (لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) * قال قتادة: معناه مكرهم يفسد.

وقيل: معنى يبور يكسد، فلا ينفذ في ما يريدون

[417]

وقال مجاهد: هو ما عمل للرياء فانه يفسد، قال ابن الزبعرى: يا رسول المليك ان لساني * راتق ما فتقت اذ انا بور(1)

قوله تعالى: (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير(11) وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون(12) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير(13) إن تدعوهم لا يسمعوا دعاء‌كم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيمة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير(14) يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد(15) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد(16) وما ذلك على الله بعزيز(17))

ست آيات بصرى وسبع في ما عداه عدوا * (بخلق جديد) * ولم يعده البصريون.

___________________________________

(1) مر تخريجه في 6 / 294 و 7 / 479

[418]

قرأ يعقوب ولا * (ينقص من عمره) * بفتح الياء وضم القاف. الباقون على ما لم يسم فاعله. وقرأ قتيبة * (والذين تدعون) * بالتاء على الخطاب. الباقون بالياء على الخبر.

هذا خطاب من الله سبحانه لجميع خلقه من البشر انه خلقهم من تراب، ويريد ان آدم الذى هو ابوهم ومنه انتسلوا خلقه من تراب ومنه توالدوا.

وقيل: إن المراد به جميع الخلق، لانهم إذا خلقهم من نطفة والنطفة تستحيل من الغذاء، والغذاء يستحيل من التراب، فكأنه خلقهم من تراب، ثم جعل التراب نطفة بتدريج. وعلى الاول يكون قوله " ثم من نطفة " معناه ثم خلق اولاد آدم من نطفة ثم استثنا منه عيسى في قوله " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب "(1) فقوله " ثم جعلكم ازواجا " أي اشكالا لان الزوج هو الذى معه آخر من شكله، والاثنان زوجان " وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه " معناه ليس تحمل الانثى من حمل يولد ولا تضعه لتمام ولغير تمام إلا والله تعالى عالم به، لا أن علمه آلة في ذلك، ولا يدل ذلك على أن له علما يعلم به، لان المراد ما ذكرناه من انه لا يحصل شئ من ذلك إلا وهو عالم به.

وقوله " وما يعمر من معمر " والعمر مدة الاجل للحياة وهو تفضل من

___________________________________

(1) سورة 3 آل عمران آية 59

[419]

الله سبحانه وتعالى يختلف مقداره بحسب ما يعلم من مصالح خلقه، كما يختلف الغنى والفقر، والقوة والضعف، والمعنى: وليس يطول عمر احد ولا ينقص من عمره بأن يذهب بعضه بمضي الليل والنهار إلا وذلك في الكتاب المحفوظ أثبته الله تعالى قبل كونه.

وقال الحسن والضحاك وابن زيد: معنى " ولا ينقص من عمره " أي من عمر معمر آخر، وقال ابومالك: معناه ولا ينقص من عمره ينقضي ما ينقضي منه.

وقال الفراء: هو كقولك: عندي درهم ونصفه أي ومثل نصف الدرهم من غيره.

ثم قال * (إن ذلك على الله يسير) * يعني تعمير من يعمره ونقصان من ينقصه وإثبات ذلك في الكتاب سهل على الله غير متعذر.

ثم قال تعالى * (وما يستوي البحران) * أي لا يستويان لان * (هذا عذب فرات سائغ شرابه) * اي مرئ شهي * (وهذا) * الآخر * (ملح أجاج) * فالفرات أعذب العذب والاجاج أشد المر. والاجاج مشتق من أججت النار كأنه يحرق من مرارته. و * (اللؤلؤ والمرجان) *(1) يخرج من الملح دون العذب. وقيل: في الملح عيون عذبة، وفي ما بينهما يخرج اللؤلؤ.

ثم قال * (ومن كل) * يعني من البحرين العذب والاجاج * (تأكلون لحما طريا) * يعني سمكا * (وتستخرجون حلية تلبسونها) * من اللؤلؤ والمرجان * (وترى الفلك) * يعني السفن * (فيه مواخر) * اي تشق الماء في جريانها شقا. وقيل: معناه إنها تذهب وتجئ، بلغة قريش وهذيل.

وقال الحسن: يعني مواقير كقوله * (الفلك المشحون) *(2) * (لتبتغوا من فضله) * معناه إنه تعالى خلق ذلك لخلقه

___________________________________

(1) سورة 55 الرحمان آية 22.

(2) سورة 26 الشعراء آية 119 وسورة 36 يس آية 41 وسورة 37 الصافات آية 140

[420]

ليلتمسوا من فضل الله بركوب البحر للتجارة والمسير فيها طلبا للمنافع وما يخرجون منها من انواع الاشياء لكي يشكروا الله على نعمه ويحمدوه على فضله ثم قال * (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * معناه انه ينقص من الليل في النهار عند منقلب الصيف، ومن النهار في الليل عند منقلب الشتاء.

وقيل: معناه انه يدخل كل واحد منهما على صاحبه ويتعقبه * (وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى) * قدره الله لهما بحسب ما علم من مصالح خلقه إلى الوقت الذي يفنيهما الله فيه. فتسخير الشمس نزولها في بروج مخصوصة في أوقات مخصوصة كل فصل منها لنوع آخر من المنافع لا يختلف الحال فيه، وتسخير القمر جريانه على وتيرة واحدة، فيستدل به على السنين والشهور وذلك يدل على أن مدبره عالم حكيم.

ثم قال * (ذلكم الله ربكم) * الذي يقدر على تسخير الشمس والقمر، وايلاج الليل في النهار والنهار في الليل وخلق البحرين العذب والمالح، ومنع احدهما أن يختلط بالآخر لا يقدر عليه غيره * (والذين يدعون من دونه) * وتوجهون عبادتكم اليهم من الاصنام والاوثان * (ما يملكون من قطير) * وهو قشر النواة - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطية - فدل على أن من لا يملك هذا القدر لا يستحق العبادة ولا يكون إلها.

ثم قال * (إن تدعوهم) * يعني الاصنام * (لا يسمعوا دعاء‌كم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) * لانها جمادات يستحيل ذلك عليها، ولا يقدرون على ضرر ولا نفع * (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) * قيل: إن الله تعالى يحيي الاصنام يوم القيامة لينكروا على المشركين، ويوبخوهم على عبادتهم إياهم.

وقال البلخي: يجوز ان يكون المراد به الملائكة وعيسى.

[421]

وقوله * (لا يسمعوا دعاء‌كم) * أي هم بحيث لا يسمعونه او هم مشتغلون عنهم لا يلتفتون اليهم ولا يصغون ويجوز ان يكون المراد بها الاصنام ويكون ما يظهرونه من بطلان ما ظنوه كفرا بشركهم وجحدا له كما حصل ما في الجماد من الدلالة على الله مسبحا له وهو كقولهم: سل الارض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك، فان لم تجبك حوارا اجابتك عتبار * (ولا ينبئك) * يا محمد بالشئ على حقيقته * (مثل خبير) * عالم بما اخبر، والله تعالى هو العالم بالاشياء على حقائقها.

ثم قال تعالى * (يا ايها الناس أنتم الفقراء إلى الله) * اي محتاجون اليه * (والله هو الغني) * عن جميع المخلوقات لا تجوز عليه الحاجة، لانه ليس بجسم فالحاجة من صفة الاجسام * (الحميد) * يعني المحمود المستحق للحمد على جميع افعاله، والله تعالى لا يفعل إلا ما يستحق به حمدا.

ثم اخبر تعالى عن قدرته فقال * (إن يشأ يذهبكم) * معاشر الخلق ويفنيكم * (ويأت بخلق) * آخر * (جديد) * وهو ما كان قريب عهد بانقطاع العمل عنه، واصله القطع من جده يجده إذا قطعه. والجد ابوالاب لانقطاعه عن الولادة بالاب والجد المضي فيه بقطعه أولا اولا من غير تفتير * (وما ذلك على الله بعزيز) * أي بممتنع فالعزيز المنيع بوجه من الوجوه الذي يتعذر معها الفعل.

[422]

قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلوة ومن تزكى فانما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير(18) وما يستوي الاعمى والبصير(19) ولا الظلمات ولا النور(20) ولا الظل ولا الحرور(21) وما يستوي الاحياء ولا الاموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور(22) إن أنت إلا نذير(23))

ست آيات حجازي وكوفي وخمس آيات شامي واربع آيات بصري عد الحجازيون والكوفي والشامي " البصير " و " النور " ولم يعده البصري وعد الحجازيون والعراقيون " القبور " ولم يعده الشامي.

يقول الله تعالى مخبرا حسب ما تقتضيه حكمته وعدله أنه " لا تزر وازرة وزر اخرى " معناه أنه لا تحمل حاملة حمل أخرى من الذنب، والوزر الثقل، ومنه الوزير لتحمله ثقل الملك بما يتحمله من تدبير المملكة، وتقديره أنه لا يؤاخذ احد بذنب غيره، وإنما يؤاخذ كل مكلف بما يقترفه من الاثم.

وقوله " وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى " معناه وإن تدع مثقلة بالآثام غيرها لتحمل عنها بعض الاثم لا يحمل عنها شيئا من آثامها، وإن كان أقرب الناس اليها، لما في ذلك من مشقة حمل الآثام ولو تحملته لم يقبل تحملها، لما فيه من مجانبة العدل ومنافاته له، فكل نفس بما كسبت رهينة، لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، ولا يؤخذ إلا بجنايته.

وقوله " إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب " معناه ليس بنتفع بتخويفك يا محمد إلا الذين يخافون ربهم في غيبتهم وخلواتهم فيجتنبون معاصيه في سرهم ويصدقون بالآخرة.

[423]

وقوله " واقاموا الصلاة " قال ابوعبيدة في مجازه: اي ويقيمون، فوقع الماضي مقام المستقبل، والمعنى يديمون فعلها ويقومون بشرائطها. وإنما عطف الماضي على المستقبل إشعارا باختلاف المعنى، لان الحسنة لازمة في كل وقت والصلاة لها اوقات مخصوصة، واضاف الانذار إلى الذين يخشون ربهم من حيث كانوا هم المنتفعون بها، وإن كان النبي صلى الله عليه واله ينذر كل مكلف.

ثم قال " ومن تزكى " أي فعل الطاعات وقام بما يجب عليه من الزكاة وغيرها من الواجبات فانما يتزكى لنفسه، لان ثواب ذلك ونفعه عائد عليه.

وقوله " وإلى الله المصير " معناه يرجع الخلق كلهم إلى حيث لا يملك الامر والنهي إلا الله، فيجازي كل مكلف على قدر عمله.

وقوله " وما يستوي الاعمى والبصير " معناه لا يتساوى الاعمى عن طريق الحق والعادل عنها، والبصير الذي يهتدي إليها قط، لان الاول يستحق العقاب، والثاني يستحق الثواب " ولا الظلمات ولا النور " يعني وكذلك لا يستوي المؤمن والكافر والمطيع والعاصي فشبه الايمان بالنور والكفر بالظلمات، وكذلك لا يستوي " الظل ولا الحرور " فالظل هو الستر عن موقع الشمس ومنه الظلة، وهي السترة عن موقع الشمس، ومنه قولهم: ظل يفعل كذا إذا فعل نهارا في الوقت الذي يكون للشمس ظل، والحرور السموم وهو الريح الحارة في الشمس، وقال الفراء: الحرور يكون بالليل والنهار والسموم لا يكون إلا بالنهار.

وقيل: الظل الجنة والحرور النار " وما يستوي الاحياء ولا الاموات " أي هما ايضا لا يتساويان ولا يتماثلان، فالاسواء حصول أحد الشيئين على مقدار الآخرة، ومنه الاستواء في العود والطريق خلاف الاعوجاج، لممره على مقدار أوله من غير انعدال. وهذه الامثال أمثال ضربها الله لعبادة الله وعبادة الاوثان، وبين أنه كما

[424]

لا تتماثل هذه الاشياء، ولا تتشاكل ولا تتساوى، فكذلك عبادة الله لا تشبه عبادة الاصنام.

ثم قال تعالى " إن الله يسمع من يشاء " ومعناه أن الله ينفع باسماع ذلك من يشاء ممن يعلم أن له لطفا يفعله به دون غيره " وما أنت بمسمع من في القبور " أي لانك لا تقدر على نفع الكفار باسماعك إياهم إذا لم يقبلوا، كمالا تسمع من في القبور من الاموات " ان أنت إلا نذير " أي لست إلا نذيرا مخوفا بالله. شبه الكفار في تركهم قبول ما يسمعون وذهابهم عن تفهمه وتدبره بالموتى، كما شبههم بالصم والعمي، يقال: أصمهم وأعمى أبصارهم ليس أنهم كانوا لا يسمعون ولا يفهمون أو كان النبي صلى الله عليه واله لا ينذرهم لكن على ما بيناه من التشبيه.

وقيل في (لا) قولان: أحدهما - أنها زائدة مؤكدة للنفي. الثاني - انها باقية لاستواء كل واحد منهما لصاحبه على التفصيل.

فمن قال: إنها زائدة قال في مثل قولهم لا يستوي زيد ولا عمرو في هذا المعنى، فلا تكون هنا إلا زائدة.

ومن قال: ليست زائدة، قال تقديره لا يستوي الاعمى والبصير ولا يساوي البصير الاعمى.

قوله تعالى: (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير(24) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاء‌تهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير(25) ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير(26))

ثلاث آيات بلا خلاف.

[425]

لما قال الله تعالى لنبيه إن أنت إلا نذير، ومعناه لست إلا مخوفا من عقاب الله ومعاصيه قال له " انا ارسلناك " يا محمد " بالحق " أي بالدين الصحيح " بشيرا " أي مبشرا بالجنة وثواب الله لمن أطاعه " ونذيرا " أى مخوفا من عقابه لمن عصاه " وإن من أمة " أى ليس من أمة في ما مضى إلا مضى فيها مخوف من معاصي الله.

وقال قوم: المعنى " إلا خلا فيها نذير " منهم وقال آخرون: نذير من غيرهم، وهو رسول اليهم، كما أرسل نبينا صلى الله عليه واله إلى العرب والعجم.

وقال الجبائي: في ذلك دلالة على أنه لا أحد من المكلفين إلا وقد بعث الله اليهم رسولا، وأنه أقام الحجة على جميع الامم.

ثم قال على وجه التسلية له والتعزية عن تكذيب قومه اياه " فان كذبوك " يا محمد ولم يصدقوك في انك نبي من قبل الله " فقد كذب الذين من قبلهم " من الكفار أنبياء أرسلوا اليهم " جاء‌تهم رسلهم " من الله " بالبينات " أي الحجج الواضحات " وبالزبر " يعني بالكتب " وبالكتاب المنير " الموضح بمنزلة ما فيه من نور يستضاء به.

والزبر هي الكتب، وانما كرر ذكر الكتاب، وعطف عليه، لاختلاف الصنفين، لان الزبر الكتابة الثابتة كالنقر في الحجر، ثم بين تعالى ان الكفار لما كذبوا رسل الله الذين جاؤهم بالبينات ولم يعترفوا بنبوتهم انه اخذهم بالعذاب وبالعقوبة العاجلة واهلكهم ودمر عليهم.

[426]

قوله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود(27) ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور(28) إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلوة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور(29) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور(30))

أربع آيات بلا خلاف.

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه والمراد به جميع المكلفين منبها لهم على طريق الاستدلال على وحدانيته واختصاصه من الصفات بما لا يختص به سواه بأن قال " ألم تر " يا محمد ومعناه ألم تعلم " ان الله أنزل من السماء ماء " يعني غيثا ومطرا " فاخرجنا به " اخبار منه تعالى عن نفسه انه أخرج بذلك الماء " ثمرات " جمع ثمرة، وهي ما يجتنى من الشجر " مختلفا ألوانها " لان فيها الاحمر والابيض والاصفر والاخضر وغير ذلك ولم يذكر اختلاف طعومها وروائحها لدلالة الكلام عليه.

والاختلاف هو امتناع الشئ من ان يسد مسد صاحبه في ما يرجع إلى ذاته ألا ترى أن السواد لا يسد مسد البياض، وذلك لا يقدر عليه سواه تعالى من جميع المخلوقين " ومن الجبال جدد " واحده جده نحو مدة ومدد واما جمع جديد فجدد - بضم الدال - مثل سرير وسرر.

والجدد الطرائق * (بيض وحمر مختلف الوانها وغرابيب سود) * واحد الغرابيب غربيب وهو الذي لونه كلون الغراب من شدة سواده، ولذلك قال * (سود) * لانه دل عليه من هذا

[427]

الوجه، ثم بين بالافصاح أنها سود، قال امرؤ القيس:

كأن سراته وجدة متنه * كنائن يحرى فوقهن دليص(1)

يعني بالجدة الخطة السوداء تكون في متن الحمار، والكنائن جمع كنانه، والدليص الذي يبرق من الذهب والفضة وما أشبهها، فالجدد هي الوان الطريق.

ثم قال * (ومن الناس) * أيضا * (ومن الدواب) * التي تدب على وجه الارض * (والانعام) * كالابل والبقر والغنم * (مختلف ألوانه) * ايضا مثل ذلك مما في الجبال والثمار * (كذلك) * أي مثل ما قدمنا ذكره.

ثم قال * (انما يخشى الله من عباده العلماء) * ومعناه ليس يخاف الله حق خوفه ولا يحذر معاصيه خوفا من عقابه إلا العلماء الذين يعرفون حقيقة ذلك فأما الجهال ومن لا يعرف الله فلا يخافونه مثل ذلك، وكذلك ينظر العلماء في حجج الله وبيناته ويفكرون في ما يفضي بهم إلى معرفته من جميع ما تقدم ذكره ثم اخبر تعالى فقال * (إن الله عزيز) * في انتقامه من اعدائه * (غفور) * لاوليائه والتائبين من خلقه الراجعين إلى طاعته.

ثم قال * (إن الذين يتلون كتاب الله) * يعني يقرؤن القرآن ويعملون بما فيه * (واقاموا الصلاة وانفقوا) * في طاعة الله * (مما رزقناهم) * أي مما رزقهم الله وملكهم التصرف فيه * (سرا وعلانية) * أي في حال سرهم، وفي حال علانيتهم * (يرجون) * في موضع الحال أي راجيين بذلك * (تجارة لن تبور) * أي لا تكسد.

وقيل: لا تفسد، يقال بارت السوق إذا كسدت وبار الطعام، وبار الشئ إذا فسد، قال الشاعر:

___________________________________

(1) ديوانه (شرح السندوسي) 124 وروايته (ظهره) بدل (متنه)

[428]

يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنابور(1)

ثم بين انهم يقصدون بذلك أن يوفيهم الله أجور ما عملوا من الطاعات بالثواب ويزيدهم من فضله زيادة على قدر استحقاقهم، لانه وعد بأن يعطي الواحد عشرة * (إنه غفور) * لعباده ساتر لذنوبهم * (شكور) * معناه إنه يعامل بالاحسان معاملة الشاكر.

وقال الجبائي: وصفه بأنه شكور مجاز، لان معناه انه يجازي على الطاعات.

قوله تعالى: (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير(31) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير(32) جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير(33) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور(34) ألذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب(35))

خمس آيات بلا خلاف.

___________________________________

(1) قد مر في 6 / 294 و 7 / 479

[429]

قرأ ابوعمرو * (يدخلونها) * بضم الياء على ما لم يسم فاعله ليشاكل قوله تعالى * (يحلون) *. الباقون بفتح الياء، لانهم إذا أدخلوها فقد دخلوها، والمعنيان متقاربان.

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه واله * (والذي أوحينا اليك) * يا محمد وأنزلناه عليك * (من الكتاب) * يعني القرآن * (هو الحق) * معناه هو الصحيح الذي معتقده على ما هو به. وضده الباطل، وهو ما كان معتقده لا على ما هو به. والعقل يدعو إلى الحق ويصرف عن الباطل، وقوله * (مصدقا لما بين يديه) * معناه مصدقا لما قبله من الكتب بأنه جاء موافقا لما بشرت به تلك الكتب من حاله وحال من أتى به.

ثم قال * (إن الله) * تعالى بعباده * (لخبير) * أي عالم بهم * (بصير) * بأحوالهم لا يخفى عليه شئ منها فيجازيهم على استعمال الحق بالثواب وعلى استعمال الباطل بالنار.

ثم قال * (ثم أورثنا الكتاب) * يعني القرآن أورثناه من أصطفيناه من عبادنا. ومعنى الارث انتهاء الحكم اليه ومصيره لهم، كما قال تعالى * (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) *(1) وقيل المراد أورثناهم الايمان بالكتب السالفة وكان الميراث انتقال الشئ من قوم إلى قوم. والاول أصح.

والاصطفاء الاختيار باخراج الصفوة من العباد، فاصطفى الله المؤمن يحمل على ثلاث طبقات مؤمن ظالم لنفسه بفعل الصغيرة، ومقتصد بالطاعات في المرتبة الوسطى، وسابق بالخيرات في الدرجة العليا، وهم الذين لم يرتكبوا شيئا من المعاصي، وكل وعد الله الحسنى، والذين اصطفاهم الله وأورثهم الكتاب قيل: هم الانبياء فمنهم ظالم لنفسه يعني أصحاب الصغائر.

وقيل: هم اصحاب النار، هذا من قول من أجاز على الانبياء الصغائر دون الكبائر، فأما

___________________________________

(1) سورة 43 الزخرف آية 72

[430]

من لا يجوز عليهم شيئا من المعاصي أصلا لا صغيرة ولا كبيرة يقول: معنى الآية إن الله تعالى أورث علم الكتاب الذي هو القرآن الذين اصطفاهم واجتباهم واختارهم على جميع الخلق من الانبياء المعصومين، والائمة المنتجبين الذين لا يجوز عليهم الخطا ولا فعل القبيح لا صغيرا ولا كبيرا، ويكون قوله * (فمنهم ظالم لنفسه) * راجعا إلي * (عباده) * وتقديره فمن عبادنا ظالم لنفسه، ومن عبادنا مقتصد، ومن عبادنا سابق بالخيرات، لان من اصطفاه الله لا يكون ظالما لنفسه، فلا يجوز أن ترجع الكناية إلى الذين اصطفينا وقوله " بالخيرات " يعني يعلم من اقتصد او ظلم نفسه أو سبق بالخيرات.

ثم قال * (ذلك هو الفضل الكبير) * يعني السبق بالخيرات هو الفضل العظيم الذي لا شئ فوقه.

وقال ابن عباس: الذين أورثهم الله الكتاب هم أمة محمد، ورثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسبهم حسابا يسيرا وسابقهم يدخلون الجنة بغير حساب.

وقال ابن مسعود - بذلك - وكعب الاحبار.

وقال الثلاث فرق - المذكورة في هذه الآية كلهم في الجنة.

وقال عكرمة عن ابن عباس: إن المصطفين من هذه الامة الانبياء، والظالم لنفسه هو المنافق والمقتصد والسابق بالخيرات في الجنة. والمنافق في النار.

وقال الحسن ومجاهد: السابق بالخيرات من جميع الناس، والظالم لنفسه أصحاب المشئمة، والمقتصد اصحاب الميمنة من الناس كلهم. وهذا مثل ما قلناه من ان الكناية راجعة إلى العباد دون المصطفين، وقال البلخي: الاصطفاء - ههنا - التكليف دون الثواب، فعلى هذا يجوز أن ترجع الكناية إلى المصطفين.

ثم قال " جنات عدن " فرفع جنات على تفسير الفوز، كأنه قيل: ما ذلك الفوز؟ فقال هي جنات أي جزاء جنات أو دخول جنات، ويجوز أن يكون

[431]

بدلا من الفوز، كأنه قال ذلك جنات أي دخول جنات، والجنات هي البساتين التي يجنها الشجر، والعدن الاقامة " يدخلونها " يعني من تقدم ذكره من الذين سبقوا بالخيرات والمقتصدين " يحلون فيها " بمعنى يلبسون فيها الحلي " من اساور من ذهب " وأساور جمع اسوار، ومن قال سوار جمعه على أسورة " من ذهب ولؤلؤ " فيمن جر، ومن نصب " لؤلؤا " وهو نافع وعاصم فعلى تقدير ويحلون فيها لؤلؤا " ولباسهم فيها حرير " معناه إن ما يلبسه أهل الجنة من اللباس ابريسم محض.

ثم اخبر تعالى عن حال من يدخل الجنة أنهم إذا دخلوها " قالوا الحمد لله " أي اعترافا بنعمة الله وشكرا له على نعمه، وهو الاعتراف منهم على وجه الالجاء، لهم في ذلك سرور لا على وجه التكليف " الذي أذهب عنا الحزن " ومعناه أذهب الغم عنا بخلاف ما كنا عليه في دار الدنيا، وقيل: الحزن الذي اصابهم قبل دخول الجنة، فانهم يخافون من دخول النار إذا كانوا مستحقين لها، فاذا تفضل الله عليهم بأن يسقط عقابهم ويدخلهم الجنة حمدوا الله على ذلك.

وقيل: ما كان ينالهم في دار الدنيا من أنواع الاحزان والاهتمام بأمر المعاش والخوف من الموت وغير ذلك " إن ربنا لغفور شكور " لذنوب عباده إذا تابوا مجاز لهم على شكرهم لنعمه.

وقيل: إن مكافاته لهم على الشكر لنعمه والقيام بطاعاته جرى مجرى أن يشكره لهم وإن كان حقيقة لا يجوز عليه تعالى. من حيث كان اعترافا بالنعمة، ولا يصح عليه تعالى أن يكون منعما عليه، ثم وصفوا الله تعالى بأن قالوا " الذي أحلنا " أي انزلنا دار المقامة يعني دار الاقامة وإذا فتحت الميم كان المراد موضع القيام قال الشاعر:

[432]

يومان يوم مقامات واندية * ويوم سير إلى الاعداء تأويب(1)

و " من فضله لا يمسنا فيها نصب " يعني تعب.

وقال قتادة: معناه وجع " ولا يمسنا فيها لغوب " يعني اعياء.

وقيل: اللغوب العناء.

ومنه قوله تعالى " وما مسنا من لغوب "(2).

قوله تعالى: (وألذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور(36) وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاء‌كم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير(37) إن الله عالم غيب السموات والارض إنه عليم بذات الصدور(38) هو الذي جعلكم خلائف في الارض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا(39) قل أرأيتم شركاء‌كم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك في السموات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا(40))

خمس آيات بلا خلاف.

___________________________________

(1) اللسان (أوب).

(2) سورة 50 ق آية 38

[433]

قرأ ابوعمرو وحده " يجزى " بضم الياء على ما لم يسم فاعله. الباقون. بالنون على وجه الاخبار من الله عن نفسه. وقرأ ابن كثير وابوعمرو وحفص " على بينة " بالتوحيد لقوله " قد جاء‌كم بينة من ربكم "(1) الباقون " بينات " على الجمع، لانها مكتوبة في المصاحف بالالف والتاء، والبينة والبينات القرآن، وفي قوله " حتى تأتيهم البينة رسول من الله "(2) وهو محمد صلى الله عليه واله.

ويقال: بان الشئ وأبان إذا تبين، فهو باين ومبين، وأبنته أنا وبينته لا غير والبينة وزنها (فيعلة) فاجتمع ياآن فأدغم احداهما في الاخرى. لما اخبر الله تعالى عن أحوال اهل الآخرة وما أعده لاهل الجنة من أنواع الثواب أخبر - ههنا - عن حال الكفار وما أعده لهم من أليم العقاب فقال " والذين كفروا " بوحدانية الله وجحدوا نبوة نبيه " لهم نار جهنم " عقوبة لهم على كفرهم يعذبون فيها " لا يقضى عليهم فيموتوا " أي لا يحكم عليهم بالموت فيموتوا فيستريحوا، يقال قضى فلان إذا مات " ولا يخفف عنهم من عذابها " معناه ولا ييسر عليهم عذاب النار ولا يسهل عليهم ومثل هذا العذاب ونظيره " كذلك نجزى كل كفور " جاحد لوحدانيته تعالى ومكذب لانبيائه.

ثم اخبر تعالى عن حال من هو في النار فقال " وهم يصطرخون فيها " أي

___________________________________

(1) سورة 6 الانعام آية 157.

(2) سورة 98 البينة آية 2

[434]

يتصايحون بالاستغاثة، فالاصطراخ الصياح والنداء بالاستغاثة، وهو افتعال من الصراخ قلبت التاء طاء لاجل الصاد الساكنة قبلها، وإنما فعل ذلك لتعديل الحروف بحرف وسط بين حرفين يوافق الصاد بالاستعلاء والاطباق ويوافق التاء بالمخرج. ويقولون " ربنا أخرجنا " من عذاب النار " نعمل صالحا " يعني نعمل بالطاعات والاعمال الصالحات التي أمرنا بها " غير الذي كنا نعمل " من المعاصي، فيقول الله لهم - في جوابه تبكيتا لهم وإنكارا عليهم " أو لم نعمركم " في دار الدنيا.

وقال ابن عباس، ومسروق: العمر الذي ذكره الله أربعون سنة، وفي رواية أخرى ستون سنة، وهو قول علي عليه السلام " ما يتذكر فيه من تذكر " أي عمرناكم مقدار ما يمكن أن يتذكر ويعتبر وينظر ويفكر من يريد أن يتفكر ويتذكر " وجاء‌كم النذير " يعني المخوف من معاصي الله، قال ابن زيد: يعني به محمدا صلى الله عليه واله وقال غيره: أراد الشيب. وقيل: الحمى " فذوقوا " معاشر الكفار عقاب كفركم ومعاصيكم " فما للظالمين من نصير " اي ليس لمن ظلم - وبخس نفسه حقها بارتكاب المعاصي - ناصر يدفع عنه العذاب.

ثم اخبر تعالى بأنه " عالم غيب السموات والارض " لا يخفى عليه شئ مما غاب عن جميع الخلائق علمه " إنه عليم بذات الصدور " ومعناه اتقوا واحذروا أن تضمروا في أنفسكم ما يكرهه الله تعالى، فانه عليم بما في الصدور لا يخفى عليه شئ منها.

وقوله " هو الذي جعلكم خلائف في الارض " معناه جعلكم معاشر الكفار أمة بعد أمة وقرنا بعد قرن. وهو قول قتادة " فمن كفر " أي جحد وحدانيته وأنكر نبوة نبيه صلى الله عليه واله " فعليه " عقاب " كفره " دون غيره " ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا " أي لا يزيدهم كفرهم بالله عند الله

[435]

إلا أشد البغض لان المقت اشد البغض " ولا يزيد الكافرين " أيضا " كفرهم إلا خسارا " لانهم يخسرون الجنة ويحصل لهم النار بدلا منها " وذلك هو الخسران المبين " ثم قال موبخا لهم " قل ارأيتم شركاء‌كم الذين تدعون من دون الله " قيل: معناه إدعوا شركاء‌كم في الاموال التي جعلتم لها قسطا من السائبة والوصيلة والانعام والحر ث، وهي الاوثان.

وقيل: شركاء‌كم الذين اشركتموهم في العبادة مع الله " اروني ماذا خلقوا من الارض " معناه أي شئ اخترعوه وانشؤه فيدخل عليكم بذلك شبهة " أم لهم شرك في السموات؟ " أي لهم شركة في خلق السموات؟ على وجه المعاونة لله؟ * (أم آتيناهم كتابا) *؟ أي أعطيناهم كتابا أمرناهم فيه بما يفعلونه * (فهم على بينة منه) * اي من ذلك الكتاب، فان جميع ذلك محال لا يمكنهم ادعاء شئ من ذلك، ولا إقامة حجة ولا شبهة عليه * (بل ان يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) * ومعناه ليس شئ من ذلك لكم، ليس يعد الظالمون أنفسهم بعضهم بعضا إلا غرورا يغترون به وزورا يتعدون به، يقال: غره يغره غرورا إذا أطمعه في ما لا يطمع فيه.

فان قيل: الآية تدل أن الله سبحانه ينفرد بالخلق دون العباد، لانه بين أن من تهيأ له الخلق فهو إله.

قلنا: هذا كقوله * (ألهم أرجل يمشون بها؟ أم لهم أيد يبطشون بها) *(1) فكما لا يدل على ان من كان له يد أو رجل يكون إلها، فكذلك لا يجب ان يكون من يخلق يكون الها على انه بين المراد بالخلق، فقال * (ماذا خلقوا من الارض) * لا يقدر على خلق الارض ولا على شئ منه إلا الله تعالى على أنا

___________________________________

(1) سورة 7 الاعراف آية 194

[436]

لا نطلق اسم خالق إلا على الله، ونقيده في الواحد منا.

قوله تعالى: (إن الله يمسك السموات والارض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا(41) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاء‌هم نذير ليكونن أهدى من إحدى الامم فلما جاء‌هم نذير ما زادهم إلا نفورا(42) إستكبارا في الارض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الاولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا(43) أو لم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شئ في السموات ولا في الارض إنه كان عليما قديرا(44) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فاذا جاء أجلهم فان الله كان بعباده بصيرا(45))

خمس آيات كوفي ومكي ومدني الاول. وست شامي، وفي عدد اسماعيل.

[437]

وسبع بصري. عد البصري والشامي واسماعيل * (تبديلا) * وعد البصري قبله * (تزولا) * ولم يعد ذلك الباقون.

لما بين الله تعالى أن الاصنام لا تقدر على شئ وأن ليس لها شرك في السموات والارض، أخبر عن عظيم قدرته وسعة سلطانه فقال * (إن الله يمسك السموات) * بأن يسكنها حالا بعد حال، ولا يقدر على تسكينها غيره تعالى حال بعد حال، لانه يسكنها بغير عمد، فالارضون ساكنة بلا عمد والسموات ساكنة باسكانه.

وهي غير الافلاك التي تجري فيها النجوم، قال عبدالله بن مسعود ان السموات لا تدور، ولو كانت تدور لكانت قد زالت.

ومنعهما بهذا التسكين من أن تزولا عن مواضعها او تهوي او تسقط، ومعنى * (أن تزولا) * كراهة أن تزولا.

وقال الكوفيون: معناه ألا تزولا عن مراكزهما، فحذف (لا).

ثم قال * (ولئن زالتا) * معنى (لئن) (لو) ويوضع كل واحد منهما مكان الآخر، لانهما يجابان بجواب واحد.

ومثله * (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا) *(1) ومعناه و (لو) ومعنى * (ولئن زالتا) * يعني عن مقرهما * (إن امسكهما من احد من بعده) * أي ليس يسكنها احد ولا يقدر عليه احد بعد الله تعالى * (انه كان حليما) * يعني القادر الذي لا يعاجل واحدا بالعقوبة، ولا يحلم إلا قادر، لان من ليس بقادر، لا يصح ان يعاقب، فلا يحلم وإنما حلمه أناة بمن استحق العقوبة * (غفورا) * أي ستارا لذنوبهم إذا تابوا لا يفضحهم بها على رؤس الاشهاد، و (الغفور) الكثير الغفران لذنوب عباده بالتوبة وبالتفضل لمن يشاء منهم.

ثم حكى عن الكفار أنهم * (أقسموا بالله) * يعني حلفوا به * (جهد أيمانهم) *

___________________________________

(1) سورة 30 الروم آية 51

[438]

أي غاية وسعهم وطاقتهم * (لئن جاء‌هم نذير) * أي مخوف من جهة الله يخوفهم من معاصيه * (ليكونن أهدى) * إلى اتباعه والقبول منه * (من احدى الامم) * الماضية وأسبق إلى اتباعه * (فلما جاء‌هم نذير) * أي محمد صلى الله عليه واله جاء‌هم يخوفهم بالله " ما زادهم " مجيئه " إلا نفورا " أي ازدادوا عند مجيئه نفورا من عن الحق وهربا منه لا أن مجيئه زادهم ذلك.

ثم بين تعالى انهم ينفرون عند مجئ النبي " استكبارا " أي طلبا للكبر والتجبر على غيرهم " في الارض " من أن يقروا بالحق " ومكر السئ " أي وحيلة الافعال القبيحة والمعاصي لانهم قصدوا بذلك الفرار من اتباع محمد والايمان به، والسئ الشرك - في قول قتادة - واضيف اليه كما قال " لحق اليقين "(1) وفي قراء‌ة عبدالله بن مسعود " ومكرا سيئا " وقد سكن حمزة وحده الهمزة. الباقون جروها بالاضافة. والتسكين لحن عندهم اعني البصريين، لا يجوز ان يقرأ به.

وقيل الوجه في تسكين حمزة كثرة الحركات في الكلام، كما قال الشاعر: إذا اعوججن قلت صاحب قوم فسكن الباء لكترة الحركات، والصحيح الاول، لان مثل هذا إنما يجوز في ضرورة الشعر، قال ابوعلي النحوي: يجوز أن يكون أجراه في الوصل مجرى الوقف، وتقدير ومكررا المكر السئ، فأضيف المصدر إلى صفة المصدر، وتقديره ومكروا المكر السئ بدلالة قوله " ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله " ومعناه لا ينزل باحد جزاء المكر السئ إلا بمن فعله " فهل ينظرون " أي فهل ينتظرون " إلا سنة الاولين " من نزول العقاب بهم وحلول النقمة عليهم جزاء على كفرهم، فان كانوا ينتظرون ذلك " فلن تجد " يا محمد والمراد به

___________________________________

(1) سورة 69 الحاقة 51

[439]

الكفار " لسنة الله تبديلا " أي لا يغير الله عادته من عقوبة من جحد ربوبيته " ولن تجد لسنة الله تحويلا " ولا يبدلها بغيرها، فالتبديل تصير الشئ مكان غيره، والتحويل تصير الشئ في غير المكان الذي كان فيه، والتغيير تصيير الشئ على خلاف ما كان.

ثم قال " اولم يسيروا في الارض " يعني هؤلاء الكفار الذين انكروا إهلاك الله الامم الماضية. أما ساروا في الارض " فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا " أولئك " اشد منهم " من هؤلاء " قوة وما كان الله ليعجزه من شئ " إذ لم يكن يفوته شئ " في السموات ولا في الارض انه كان عليما " عالما بجميع الاشياء * (قديرا) * قادرا على مالا نهاية له، ويقدر على اجناس لا يقدرون عليها.

ثم اخبر تعالى ممننا على الناس بتأخير عقابهم بان قال * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) * أي جزاء على معاصيهم عاجلا * (ما ترك على ظهرها) * ظهر الارض * (من دابة) * ندب على رجليها * (ولكن يؤخرهم إلى أجل) * يعني إلى الوقت المعلوم الذي قدره لتعذيبهم * (فاذا جاء أجلهم) * يعني الوقت المقدر المعلوم * (فان الله) * تعالى * (كان بعباده بصيرا) * أي عالما بأحوالهم لا يخفى عليه شئ منها فيجازي كل انسان على قدر فعله من طاعة او معصية، والضمير في قوله * (على ظهرها) * عائد إلى الارض وإن لم يجر لها ذكر لدلالة الكلام عليه، لانه معلوم أنهم على ظهر الارض دون غيرها، على أنه قد تقدم قوله * (أو لم يسيروا في الارض) * وفي قوله * (إن الله يمسك السموات والارض) * فيجوز أن يرد الكناية اليها.

 

 

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336141

  • التاريخ : 28/03/2024 - 20:28

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net