00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة سبأ 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء الثامن )   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

 

34 - سورة سبأ

مكية في قول مجاهد وقتادة: والحسن وغيرهم ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.

وقيل إن آية واحدة منها مدنية، وهي قوله " وترى الذين آوتوا.... " وهي أربع وخمسون آية عند الكل إلا الشامي فانها عنده خمس وخمسون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم

(ألحمد لله الذي له ما في السموات وما في الارض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير(1) يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور(2) وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين(3) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم(4) والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم(5))

خمس آيات.

[373]

قرأ حمزة والكسائي " علام الغيب " بتشديد اللام وألف بعدها وخفض الميم. وقرأ اهل المدينة وابن عامر ورويس بألف قبل اللام وتخفيف اللام وكسرها ورفع الميم. الباقون كذلك إلا أنهم خفضوا الميم، وهم ابن كثير وأبوعمرو وعاصم وخلف وروح.

وقرأ ابن كثير وحفص ويعقوب * (من رجز اليم) * برفع الميم - ههنا - وفي الجناثية، و * (معجزين) * قد مضى ذكره،(1) وقرأ الكسائي وحده (يعزب) بكسر الزاي. الباقون بضمها.

و * (الحمد) * رفع بالابتداء و * (لله) * خبره. والحمد هو الشكر، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم. والحمد هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم، ونقيضه الذم، وهو الوصف بالقبيح على جهة التحقير، ولا يستحق الحمد إلا على الاحسان، فلما كان احسان الله لا يوازيه احسان احد من المخلوقين، فكذلك لا يستحق الحمد احد من المخلوقين مثل ما يستحقه، وكذلك يبلغ شكره إلى حد العبادة ولا يستحق العبادة سوى الله تعالى، وإن استحق بعضنا على بعض الشكر والحمد.

ومعنى قوله * (الحمد لله) * أي قولوا * (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الارض) * معناه الذي يملك التصرف في جميع ما في السموات، وجميع ما في الارض، وليس لاحد منعه منه ولا الاعتراض عليه * (وله الحمد) * في الاولى يعني بما أنعم عليه من فنون الاحسان و * (في الآخرة) * بما يفعل بهم من الثواب

___________________________________

(1) انظر 7 / 329

[374]

والعوض وضروب التفضل في الآخرة، والآخرة وإن كانت ليست دار تكليف فلا يسقط فيها الحمد والاعتراف بنعم الله تعالى، بل العباد ملجأون إلى فعل ذلك لمعرفتهم الضرورية بنعم الله تعالى عليهم وما يفعل من العقاب بالمستحقين فيه أيضا إحسان لما للمكلفين به في دار الدنيا من الالطاف والزجر عن المعاصي ويفعل الله العقاب بهم لكونه مستحقا على معاصيه في دار الدنيا، ومن حمد أهل الجنة قولهم: الحمد لله الذي صدقنا وعده. وقولهم: الحمد لله الذي هدانا لهذا.

وقيل: إنما يحمده أهل الآخرة من غير تكليف على وجه السرور به * (وهو الحكيم) * في جميع أفعاله، لانها كلها واقعة موقع الحكمة * (الخبير) * العالم بجميع المعلومات.

ثم وصف نفسه بأنه * (يعلم ما يلج في الارض) * من سائر انواع الاشياء * (وما يخرج منها) * كذلك.

وقال الحسن: معناه يعلم ما يلج في الارض من المطر، وما يخرج منها من النبات، والولوج الدخول، ولج يلج ولوجا، قال الشاعر:

رأيت القوافي يلجن موالجا * تضايق عنه ان تولجه الابر(1)

ومعنى * (ما ينزل من السماء) * قال الحسن: يعني من الماء * (وما يعرج فيها) * من ملك فهو يجري جميع ذلك على تدبير عالم به وتوجبه المصلحة فيه.

ثم حكى عن الكفار أنهم يقولون * (لا تأتينا الساعة) * يعني القيامة تكذيبا للنبي صلى الله عليه واله في ذلك ف‍ * (قل) * لهم يا محمد * (بلى) * تأتيكم * (و) * حق الله * (ربي) * الذي خلقني وأخرجني من العدم إلى الوجود * (لتأتينكم) * الساعة * (عالم الغيب) * من جر * (عالم) * جعله صفة لقوله * (وربي) * وهو في موضع جربوا والقسم. ومن رفعه، فعلى انه خبر ابتداء محذوف، وتقديره هو عالم الغيب.

___________________________________

(1) تفسير الطبري 22 / 37

[375]

ومن قرأ * (علام) * أراد المبالغة في وصفه بأنه عالم الغيب، والغيب كل شئ غاب عن العباد علمه * (لا يعزب عنه) * أي لا يفوته * (مثقال ذرة في السموات ولا في الارض) * بل هو عالم بجيع ذلك، يقال: عزب عنه الشئ يعزب ويعزب لغتان، في المضارع * (ولا اصغر من ذلك ولا أكبر) * أي ولا يعزب عنه علم ما هو اصغر من مثقال ذرة، ولا علم ما هو اكبر منه * (إلا في كتاب مبين) * يعني اللوح المحفوظ الذي أثبت الله تعالى فيه جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة ليطلع عليه ملائكته، فيكون لطفا لهم، ويكون للمكلفين أيضا في الاخبار عنه لطف لهم. ثم بين أنه إنما أثبت ذلك في الكتاب المبين * (ليجزي) * على ذلك * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * بنعيم الجنة وهو قوله * (أولئك لهم مغفرة) * لذنوبهم وستر لها، ولهم مع ذلك * (رزق كريم) * قال قتادة: الرزق الكريم الجنة.

وقال غيره: هو الهنئ الذي ليس فيه تنغيص، ولا تكدير. ثم بين أن الذين يسعون في آيات الله وحججه * (معاجزين) * له أي متعاونين مجاهدين في ابطال آياته * (أولئك لهم عذاب) * على ذلك * (من رجز اليم) * فمن جر * (أليم) * جعله صفة * (رجز) * والرجز هو الرجس، وقال قوم: هو شئ العذاب وقال آخرون: هو العذاب. والرجز بضم الراء الصنم ومنه قوله * (والرجز فاهجر) *(1) وقال ابو عبيدة * (معاجزين) * بمعنى سابقين و * (معجزين) * معناه مثبطين - في قول الزجاج.

___________________________________

(1) سورة 74 المدثر آية 5

[376]

قوله تعالى: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد(6) وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد(7) أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد(8) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والارض إن نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب(9) ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد(10) أن أعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير(11))

ست آيات.

قرأ حمزة والكسائي * (إن يشأ يخسف بهم) * بالياء كناية عن الله تعالى أنه إن شاء خسف. الباقون بالنون كناية على انه إخبار منه تعالى عن نفسه. يقول الله تعالى مخبرا أن الذين أوتوا العلم والمعرفة بوحدانية اللله تعالى.

قال قتادة: هم أصحاب محمد صلى الله عليه واله وقال غيره: يجوز أن يكون المراد كل من أوتي العلم بالدين، وهو الاولى، لانه أعم * (الذي أنزل اليك من ربك) * يعني القرآن * (هو الحق) * ف‍ * (الذي) * في موضع نصب بأنه المفعول ب‍ * (يرى) * وقوله * (هو) * فصل، ويسميه الكوفيون عمادا، قال الشاعر:

[377]

ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى * والشيب كان هو البدء الاول

أنشده الكسائى على أن * (هو) * الاول عماد والثاني اسم.

و * (الحق) * هو الفعول الثاني، و * (يرى) * في الآية بمعنى * (يعلم) * وموضعه يحتمل أن يكون نصبا عطفا على * (ليجزي) * ويحتمل ان يكون رفعا بالاستئناف، وإيتاء العلم اعطاؤه إما بخلق العلم او بنصب الادلة المسببة له، فهو لطف الله تعالى لهم بما أداهم إلى العلم، فكان كأنه قد أتاهم * (الذي أنزل اليك) * يعني القرآن وما أنزله الله عليه من الاحكام يعلمونه حقا صحيحا لمعرفتهم بالله وآياته الدالة على صدق نبيه * (ويهدي) * يعني القرآن ويرشد إلى * (صراط العزيز الحميد) * يعني إلى دين الله القادر الذي لا يغالب، والحميد يعني المحمود على جميع أفعاله، وهو الله تعالى.

ثم حكى ان الكفار يقول بعضهم لبعض * (هل ندلكم على) * ونرشدكم إلى * (رجل ينبئكم) * أي يخبركم * (إذا مزقتم كل ممزق) * أي مزقت أعضاؤكم بعد الموت، وصرتم ترابا ورميما * (إنكم لفي خلق جديد) * ابتداء بأن لم يعمل فيها * (ينبئكم) * لانه لو أعمل فيها لنصبها، يعيدكم ويحييكم، ويقولون: هذا على وجه الاستبعاد له والتعجب من هذا القول.

ومعنى * (مزقتم) * بليتم وتقطعت أجسامكم. والعامل في (إذ) يقول - في قول الزجاج - وتقديره هل ندلكم على رجل يقول لكم إنكم إذا مزقتم تبعثون، وبكون (إذا) بمعنى الجزاء تعمل فيها التي تليها، قال قيس:

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها * خطانا إلى اعدائنا فنضارب

والمعنى يكن وصلها، فلذلك جزم فنضارب.

وقيل العامل فيه معنى الجملة كأنه قيل: يجدد خلقكم، ولا يجوز أن يعمل فيه ما بعد لام الابتداء، ولا ما

[378]

بعد ان لانها حروف لا تتصرف في نفسها ولا في معمولها.

وقوله " أفترى على الله كذبا " قال قوم: اسقط ألف الاستفهام من (أفترى) لدلالة (أم) عليه.

وقال الرماني: هذا غلط، لان الف الاستفهام لا تحذف إلا في ضرورة وإنما القراء‌ة بقطع الالف، فألف الاستفهام ثابتة وألف (افتعل) سقطت، لانها زائدة، ومثله قوله * (بيدي أستكبرت) *(1) وقوله * (أصطفى النبات) *(2) وقوله " سواء عليهم أستغفرت لهم "(3) ونظائره كثيرة. ولم يفصل بينها بمدة لان الثانية مكسورة ففارق همزة " آلله خير اما يشركون "(4) ولو لم تقطع لكان خبرا بعده استفهام، والمعنى إن هؤلاء الكفار الذين يتعجبون من قول النبي صلى الله عليه واله إن الله يعيد الخلق بعد اماتتهم خلقا جديدا، هل كذب على الله متعمدا " أم به جنة " يعنون جنونا فيتكلم بمالا يعلم فقال الله تعالى ليس كما يقولون: " بل الذين لا يوقنون " أي لا يصدقون بالآخرة وبما فيها من الثواب والعقاب " في العذاب والضلال البعيد " يعني العدول البعيد عن الحق، فلذلك يقولون ما يقولون، بل نبههم على صحة ما يقول النبي صلى الله عليه واله من الاعادة فقال " افلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والارض " فيفكروا فيه ويعتبروا به وإن الله تعالى خلقه واخترعه وأنه " ان نشأ نخسف بهم الارض " من تحت أرجلهم " او نسقط عليهم كسفا " يعني قطعة من السماء ثم قال " إن في ذلك لآية " ودلالة " لكل عبد منيب " أي راجع إلى الله تعالى.

ووجه التنبيه بالآية أن ينظروا فيعلموا أن السماء تحيط بهم، والارض حاملة لهم، وفهم في قبضتنا " إن نشأ نخسف بهم الارض او نسقط عليهم السماء " أفما يحذرون

___________________________________

(1) سورة 38 ص آية 75.

(2) سورة 37 الصافات آية 153.

(3) سورة 63 المنافقون آية 6.

(4) سورة 27 النمل آية 59

[379]

هذا فيرتدعون عن التكذيب بآيات الله. و (المنيب) المقبل التائب - في قول قتادة -.

ثم اخبر تعالى فقال " ولقد آتينا داود " يعني أعطاه " منا فضلا " من عند الله.

وقيل: معناه النبوة. وقيل: الزبور. وقيل: حسن الصوت.

وقيل: هو ما فسره أي قلنا " يا جبال أوبي معه " ومعناه أنه نادى الجبال وأمرها بأن أوبي معه أي ارجعي بالتسبيح معه، قال الشاعر:

يومان يوم مقامات واندية * ويوم سير إلى الاعداء تأويب(1)

أي رجوع بعد رجوع.

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: أمر الله الجبال أن تسبح معه إذا سبح " والطير " في نصبه وجهان: أحدهما وسخرنا الطير والثاني - بالعطف على موضع المنادى الاول كما قال الشاعر:

ألا يا زيد والضحاك سيرا * [ فقد جاوزتما حد الطريق ](2)

والاول أقوى عندهم لان الحمل على لفظة المنادى أشكل.

ويكون كقولهم (أطعمتها تبنا وماء باردا) أي وسقيتها.

وقيل معنى " أوبي " سيري معه حيث شاء، وليس المعنى إن الله خاطب الجبال، وهي جماد بذلك، بل المراد أنه فعل في الجبال ما لو كانت حية قادرة لكان يتأني منها ذلك.

وقوله " وألنا له الحديد " قال قتادة: كان الحديد في يده مثل الشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار ولا تطريق.

ثم قال وقلنا له " أن اعمل سابغات " وهي الدروع التامة والسابغ التام من اللباس، ومنه اسباغ النعمة إتمامها، وثوب سابغ تام " وقدر في السرد " معناه لا تجعل الحلقة واسعة لا تقي صاحبها وسرد الحديد نظمه.

___________________________________

(1 - 2) تفسير الطبري 22 / 41

[380]

وقيل: السرد حلق الدرع - في قول ابن عباس وابن زيد - قال الشاعر: اجاد السدي سردها وأدالها(1) وقال قتادة: السرد المسامير التي في حلق الدرع، وهو مأخوذ من سرد الكلام سرده يسرده سردا إذا تابع بين بعض حروفه وبعض كالتابعة في الحلق والمسامير، ومنه السرد للطعام وغيره للاستتباع في خروج ما ليس منه، قال الشاعر:

وعليهما مسرودتان قضاهما * داود او صنع السوابغ تبع(2)

ويقولون: درع مسرودة أي مسمورة الحلق.

وقيل: معنى " وقدر في السرد " عدل المسمار في الحلقة لا يدق فينكسر او يغلظ فيفصم، ذكره مجاهد والحكم.

" واعملوا صالحا " أمر لهم بأن يعملوا الاعمال الحسنة التي ليست قبيحة وما يكون بفعله مطيعا لله " إني بما تعملون بصير " أي عالم بما تفعلونه، لا يخفى عليه شئ من أعمالكم، فالبصير العليم بالامور بما يتبين في تميزه بعضه من بعض وكان الكسائي يدغم الفاء في الباء في قوله " ان نشأ نخسف بهم " وهذا لا يجوز عند البصريين، لان الفاء من باطن الشفة العليا، واطرف الثنايا العليا، والباء يخرج من بين الشفتين، ولان الفاء فيه نفس، فاذا أدغم في الباء بطل، وأيضا فهو من مخرج التاء، فكما لا يجوز ادغامه في التاء، فكذلك لا يجوز ادغامه في الباء، وأجاز ذلك الفراء. وأما إدغام التاء في الفاء، فلا خلاف فيه.

___________________________________

(1) تفسير الطبري 22 / 41.

(2) مر في 7 / 190

[381]

قوله تعالى: (ولسليمن الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير(12) يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور(13) فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين(14) لقد كان لسبا في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور(15))

خمس آيات شامي، لانهم عدوا " عن يمين وشمال " وأربع في ما عداه، لانهم لم يعدوا ذلك.

قرأ نافع " من ساته " بغير همز. الباقون " من سأته " بالهمزة. وقرأ الكسائي وحده " مسكنهم " بكسر الكاف. وقرأ حمزة بفتحها. الباقون (مساكنهم) على الجمع.

ونصب الريح في قوله " ولسليمان الريح " على تقدير: وسخرنا لسليمان الريح.

[382]

وقرأ ابوبكر عن عاصم بضم الحاء، والمعنى في ذلك أنه اضاف الريح اليه إضافة الملك يصرفه كيف شاء.

وقوله " غدوها شهر ورواحها شهر " قال قتادة: كان مسيرها به إلى انتصاف النهار مقدار مسير شهر " ورواحها شهر " من انتصاف النهار إلى الليل - في مقدار مسير شهر - وقال الحسن كان يغدو من الشام إلى بيت المقدس، فيقيل باصطخر من ارض اصبهان ويروح منها، فيكون بكابل.

وقوله " واسلنا له عين القطر " قال ابن عباس وقتادة: أذبنا له النحاس والقطر النحاس.

ثم قال " ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه " أي بأمر الله " ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير " معناه من يعدل من هؤلاء الجن الذين سخرناهم لسليمان حتى يعملوا بين يديه عما أمرهم الله به من طاعته " نذقه من عذاب السعير " يعني عذاب النار تقول: زاغ يزيغ زيغا وأزاغه إزاغة.

ثم اخبر تعالى ان الجن الذين سخرهم الله لسليمان " يعملون له ما يشاء من محاريب " قيل: معناه شريف البيوت.

وقال قتادة: قصور ومساجد، قال المبر: لا يسمى محرابا إلا ما يرتقى اليه بدرج، لقوله " إذ تسوروا المحراب "(1) قال عدى بن زيد:

كدمي العاج في المحاريب أو كال‍ * بيض في الروض زهره مستنير(2)

وقال وضاح اليمن:

ربة محراب إذا جئتها * لم القها أو ارتقي سلما(3)

___________________________________

(1) سورة 38 ص آية 21.

(2) تفسير الطبري 22 / 43 والقرطبي 14 / 271.

(3) مجاز القرآن 2 / 144

[383]

و " تماثيل " جمع تمثال وهو صورة. فبين أنهم كانوا يعملون أي صورة أرادها سليمان.

وقال قوم: كانوا يعملون له صورة الملائكة.

وقال آخرون: كانوا يعملون له صورة السباع والبهائم على كرسيه ليكون أهيب له، فذكر أنهم صوروا أسدين وفوق عمودي الكرسي نسرين، فكان إدا أراد صعود الكرسي بسط له الاسد ذراعه، فاذا علا فوق الكرسي نشر النسران جناحيهما، فظللا عليه لئلا يسقط عليه شئ من الشمس، ويقال: إن ذلك ممالا يعرفه أحد من الناس، فلما حاول بخت نصر صعود الكرسي بعد سليمان حين غلب على بني إسرائيل لم يعرف كيف كان يصعد سليمان، فرفع الاسد ذراعه فضرب ساقه فقدها فوقع مغشيا عليه، فما جسر أحد بعده أن يصعد على ذلك الكرسي.

" وجفان كالجواب " واحدها جفنة وهي القصعة الكبيرة، والجوابي جمع جابية، وهي الحوض الذي يجئ الماء فيه، قال ابوعلي النحوي: إثبات الياء مع الالف واللام أجود، وحذفها يجوز، وقال الاعشى في جفنة:

تروح على آل المحلق جفنة * كجابية الشيخ العراقي تفهق(1)

وقال آخر:

فصبحت جابية صها وجا * كانه جلد السماء خارجا(2)

وقال ابن عباس: الجوابي الحياض " وقدور راسيات " يعني عاليات ثابتات لا تنزل، ثم نادى آل داود وأمرهم بالشكر على ما أنعم عليهم من هذه النعمة العجيبة التي أنعم بها عليهم، لان نعمته على داود نعمة عليهم، فقال " اعملوا آل داود شكرا " ثم قال تعالى " وقليل من عبادي الشكور " أي من يشكر نعمي قليل، والاكثر يجحدون نعم الله لجهلهم به، وتركهم معرفته.

___________________________________

(1) تفسير القرطبي 14 / 275.

(2) تفسير الطبري 22 / 43

[384]

ثم اخبر تعالى أنه لما قضى على سليمان الموت وقدره عليه وقبضه اليه لم يعلموا بذلك من حاله حتى دلهم على موته دابة الارض وهي الارضة، فأكلت عصاه فانكسرت، فوقع لانه روي أنه قبض وهو في الصلاة، وكان قال للجن اعملوا ما دمتم تروني قائما، واتكأ على عصاه من قيام، وقبضه الله اليه وبقي مدة فيجئ الجن فيطالعونه فيرونه قائما فيعودون فيعملون إلى أن دبت الارضة فاكلت عصاه فوقع وخر، فعلموا حينئذ موته وتبينت الجن أن لو كانوا يعلمون ما غاب عنهم من موت سليمان لم يلبثوا في العذاب الذي أهانهم وأذلهم والمنسأة العصا الكبيرة التي يسوق بها الراعي غنمه قال أبوعبيدة: معنى " تبينت الجن " أي أبانت الجن للناس " أن لو كانوا " الجن " يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " والمنسأة أصلها الهمزة من نسأت إلى سقت، وقد يترك الهمز، قال الشاعر:

إذا دببت على المنساة من هرم * فقد تباعد عنك اللهو والغزل(1)

إلا أنه يترك همزها، كما يترك في (البرية) وهي من برأت، وقيل: إنه كان متوكئا على عصاه سنة لا يدرك أنه مات.

وقيل: المعنى " فلما خر تبينت " جماعة من عوام " الجن " أغواهم مردتهم أن المتمردين " لو كانوا يعلمون الغيب " لانهم كانوا يقولون لهم نحن نعلم الغيب، وفي قراء‌ة أهل البيت " فلما خر تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " قالوا: لان الجن كانت تعلم أنها لا تعلم الغيب قبل ذلك. وإنما تبينت الانس ذلك من حال الجن.

___________________________________

(1) تفسير الطبري 22 / 44 والقرطبي 14 / 279

[385]

ثم اخبر تعالى فقال " لقد كان لسبا في مسكنهم آية " أي دلالة وعلامة ف‍ (سبأ) قيل: إنه ابوعرب اليمن كلها، فقد تسمى به القبيلة نحو هذه تميم.

فمن قرأ على التوحيد، فلانه يدل على القليل والكثير. ومن جمع أراد المساكن المختلفة، والفرق بين فتح الكاف وبين كسرها في (مسكنهم) أن الفتح تفيد المصدر، والكسر تفيد الموضع، وقيل: إنهما لغتان في الموضع.

والآيتان قيل: إنهم لم يكن بينهم شئ من هوام الارض، نحو البق والبرغوث والعقرب وغير ذلك. وكان الغريب إذا دخل بلدهم وفي ثيابه قمل متن فهذه آية. والثانية أن المرأة كانت تأخذ على رأسها مكتلا فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا، ثم فسر الآيتين فقال " جنتان " أي هي جنتان.

" عن يمين وشمال " قيل: عن يمين الوادي وشماله.

" كلوا من رزق ربكم " أي كلوا من رزق الله الذي رزقكم في هاتين الجنتين، فلفظه لفظ الامر والمراد به الاباحة " واشكروا له " هذه النعمة التي انعم بها عليكم. ثم بين أن تلك الجنتين " بلدة طيبة " التربة. وقيل البلدة الطيبة صنعاء أرضها طيبة ليس فيها سبخة و " رب غفور ".

[386]

قوله تعالى: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل(16) ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور(17) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين(18) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور(19) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين(20))

خمس آيات بلا خلاف.

قرأ ابوعمرو " ذواتي أكل خمط " مضافا. الباقون " أكل خمط " منونا. والاختيار عندهم التنوين، لان الاكل نفس الخمط والشئ لا يضاف إلى نفسه، ومن أضاف قال (الخمط) هو جنس مخصوص من المأكولات، والاكل أشياء مختلفة فأضيفت إلى الخمط، كما تضاف الانواع إلى الاجناس، والخمط ثمر الاراك وهو البربر أيضا، واحدها بربرة وسميت به جارية عائشة. والبربر شجر السواك و (الاثل) شجر، واحدها أثلة.

وقرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر " وهل نجازى " بالنون " إلا الكفور " نصبا أضافوا الفعل إلى الله تعالى. الباقون - بالياء - على ما لم يسم فاعله " الكفور " بالرفع، وقرأ ابوعمرو وابن كثير " بعد بين أسفارنا " بالتشديد من التبعيد. الباقون " باعد " من المباعدة على لفظ الامر، إلا يعقوب، فانه قرأ " باعد " على لفظ الخبر، لانهم لما سألوا أن يبعد الله بينهم، ففعل ذلك بينهم جاز حينئذ الاخبار بأنه تعالى فعل ذلك.

وقرأ اهل الكوفة (ولقد صدق) بتشديد الدال. الباقون بتخفيفها.

لما اخبر الله سبحانه عن " سبأ " وهي القبيلة من اليمن انه أنعم عليهم

[387]

بالجنتين وبالبلدة الطيبة، وأمرهم بشكر نعمه " فأعرضوا " عن ذلك، فلم يشكروه وكفروه وجحدوا نعمه، ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه ورسله جازاهم الله على ذلك بأن ارسل عليهم سيل العرم، وسلبهم تلك النعمة وانزل بهم البلية، فالسيل الماء الكثير الذي لا يمكن ضبطه ولا دفعه، وقيل: انه كانت تجتمع مياه وسيول في هذا الوادي فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له ابوابا يأخذون منه ما شاء‌وا، فلما تركوا أمر الله بعث عليهم جرذا فنقبه فأغرق الله عليهم جنتهم وأفسد ارضهم.

وقيل: العرم: ماء كثير ارسله الله في السد فشقه وهدمه.

قال الراجز:

اقبل سيل جاء من أمر الله * يحرد حرد الجنة المغله(1)

وقيل: ان العرم المسناة التي تحبس الماء، واحدها عرمة وهو مأخوذ من عرامة الماء وهو ذهابه كل مذهب، قال الاعشى !

ففي ذاك للمؤتسي اسوة * ومأرب قفى عليه العرم

رجام بنته لهم حمية * إذا جاء ماؤهم لم ترم(2)

وقيل: كان سببه زيادة الماء حتى غرقوا.

وقيل: كان سببه نقب جرذ نقب عليهم السكر.

وقيل العرم السكر.

وقيل المطر الشديد.

وقيل هو اسم وادي وقيل: هو الجرذ الذي نقب السكر، قال كثير:

ايادي سبا يا عزما كنت بعدكم * فلم يحل للعينين بعدك منظر(3)

وقال آخر: من صادر او وارد ايدي سبا(4)

___________________________________

(1) اللسان (غلل).

(2) تفسير الطبري 22 / 47.

(3) اللسان (صبأ) وروايته (منزل) بدل (منظر).

(4) اللسان (سبأ)

[388]

وقال جرير:

الواردون وتتم في ذرى سبأ * قد عض اعناقهم جلد الجواميس(1)

ثم قال " وبدلناهم بجنتيهم " التي فيها أنواع الفواكه والخيرات " جنتين " أخراوين وسماها جنتين لازدواج الكلام، كما قال " ومكروا ومكر الله "(2) و " يخادعون الله وهو خادعهم "(3) " ذواتي أكل خمط " أي صاحبتي خمط فالاكل جني الثمار الذي يؤكل، والخمط نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله - في قول الزجاج - وقال ابوعبيدة هو كل شجر ذي شوك.

وقال ابن عباس والحسن: هو شجر الاراك، وهو معروف.

والاثل الطرفا قال قتادة: بدلوا بخير الشجر شر الشجر، فالخمط شجر له ثمر مر. والاثل ضرب من الخشب كالطرفا، إلا انه أكبر. وقيل: الاثل التمر " وشئ من سدر قليل " أي فيهما مع الخمط، والاثل قليل من السدرة.

ثم قال " ذلك جزيناهم بما كفروا " في نعم الله " وهل نجازي " بهذا الجزاء " إلا الكفور " من كفر نعم الله، فمن قرأ بالنون فلقوله " جزيناهم ". ولا يمكن الاستدلال بذلك على أن مرتكب الكبيرة كافر من حيث هو معذب، لان الله تعالى بين أنه لا يجازي بهذا النوع من العذاب الذي هو الاستئصال إلا من هو كافر، وإن جاز أن يعذب الفاسق بغير ذلك من العذاب.

وقال الفراء: المجازاة المكافأة، ومن الثواب الجزاء، تقول: جازاه على معصيته، وجزاه على طاعته.

وقال غيره: لا فرق بينهما.

ثم بين تعالى انه جعل بين سبأ، وبين القرى التي يارك فيها. قال قتادة

___________________________________

(1) مر تخريجه في 6 / 388.

(2) سورة 3 آل عمران آية 54.

(3) سورة 4 النساء آية 141

[389]

ومجاهد: هي قرى الشام، وقال ابن عباس: هي بيت المقدس " قرى ظاهرة " قال قتادة: معناه متواصلة، لانه يظهر الثانية من الاولى لقربها منها " وقدرنا فيها السير " معناه جعل بين القرية الاولى والثانية مسيرة يوم لراحة المسافر ونزوله فيها " سيروا فيها ليالي وأياما آمنين " لا تخافون جوعا ولا عطشا ولا ظلما من أحد، كأنه قيل لهم سيروا كذا، فقالوا " ربنا باعد بين أسفارنا " معناه إنهم نظروا وملوا النعمة، فقالوا لو كان جني ثمارنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه، كما قالت بنو إسرائيل " فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها "(1) بدلا من المن والسلوى " وظلموا أنفسهم " بارتكاب المعاصي " فجعلناهم أحاديث " فضرب بهم المثل فيقال (تفرقوا أيادي سبأ) أي تشتتوا أعظم التشتت قال الشعبي: أما غسان فلحقوا بالشام، وأما الانصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الازد فلحقوا بعمان.

وقيل: معنى " جعلناهم احاديث " أي اهلكناهم والهمنا الناس حديثهم ليعتبروا " ومزقناهم كل ممزق " قال ابن عباس: مزقوا بين الشام وسبأ كل ممزق.

ثم قال تعالى " إن " في ما ذكر " لآيات " ودلالات " لكل صبار شكور " أي صبار على الشدائد شكور على النعماء.

ثم قال تعالى " ولقد صدق عليهم إبليس " صدق " ظنه " فيهم باجابتهم إلى معصية الله وقبولهم منه " فاتبعوه " باجمعهم " إلا فريقا من المؤمنين " العارفين بالله وبوحدانيته، فخالفوه فلم يتبعوه. فمن شدد (صدق) اسند الفعل إلى إبليس وجعل الظن المفعول به، لان إبليس لما قال تظننا * (ولآمرنهم

___________________________________

(1) سورة 2 البقرة آية 61

[390]

فليبتكن آذان الانعام) *(1) فلما تبعه قوم على ذلك صدق ظنه.

ومن خفف فالمعنى مثله، لانهما لغتان يقال: صدقت زيدا وصدقته، وكذبته وكذبته وينشد:

وصدقتني وكذبتني * والمرء ينفعه كذابه(2)

وقرأ ابوالهجهاج * (إبليس) * بالنصب * (ظنه) * بالرفع جعل الظن الفاعل وإبليس المفعول به، وذلك جائز عند النحويين.

لانهم يقولون: صدقني ظني وكذبني إلا انه شاذ لا يقرأ به، وقيل: ان إبليس لما اغوى آدم قال ذريته أولى بأن أغويهم، وقال * (لاحتنكن ذريته إلا قليلا) *(3) قصدق ذلك ظنه حتى تابعوه.

وقال * (فوعزتك لاغوينهم أجمعين) *(4) وكانت أجابتهم له تصديقا لظنه.

___________________________________

(1) سورة 4 النساء آية 118.

(2) اللسان (صدق).

(3) سورة 17 الاسرى آية 62.

(4) سورة 28 ص آية 82

[391]

قوله تعالى: (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شئ حفيظ(21) قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير(22) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير(23) قل من يرزقكم من السموات والارض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين(24) قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون(25))

خمس آيات بلا خلاف.

قرأ ابن عمر وحمزة والكسائي وخلف، والاعشى والبرجي عن أبي بكر * (أذن له) * بضم الهمزة، الباقون بفتحها. وقرأ ابن عامر ويعقوب * (فزع) * بفتح الفاء والزاي. الباقون * (فزع) * بضم الفاء وكسر الزاي.

فمن فتح الهمزة من * (أذن) * فمعناه أذن الله له، ومن ضمها جعله لما لم يسم فاعله، يقال: أذنت للرجل في ما يفعله اي اعلمته وأذنته أيضا، وأذن زيد إلى عمرو، إذا استمع اليه. روي في الحديث ما أذن الله لشئ قط كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن. ومثل ذلك القول في فزع عن قلوبهم، ومعنى فزع.

قال ابو عبيدة: فزع عن قلوبهم نفس عنها.

وقال ابوالحسن: المعنى حكى عنها.

وقال ابوعبيدة: معناه أذهب، وقال قوم: الذين فزع عن قلوبهم الملائكة، ويقال: فزع وفزع إذا أزيل الفزع عنها، ومثله جاء في (افعل) يقولون: أشكاه إذا أزال عنه ما يشكو منه انشد ابوزيد:

تمد بالاعناق او تلويها * وتشتكي لو أننا نشكيها(1)

والمعنى فلما ان اشكيت أزالت الشكوى، كذلك فزع وفزع أزال الفزع وقال قتادة: معنى فزع عن قلوبهم خلا من قلوبهم، قال يوحي الله تعالى إلى

___________________________________

(1) اللسان (شكا) وروايته (تثنيها) بدل (تلويها)

[392]

جبرائيل فيعرف الملائكة، ويفزع عن أن يكون شئ من امر الساعة، فاذا * (خلا عن قلوبهم) * وعلموا أن ذلك ليس من امر الساعة * (قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق) * وتقديره قالوا قال الحق.

فمن قرأ بفتح الفاء أسند الفعل إلى الله، ومن ضمها بنى الفعل للمفعول به، وكان الجار والمجرور في موضع رفع.

وقال الحسن: فزع بمعنى كشف الفزع عن قلوبهم، وفزعت منه، والمفزع على ضربين: احدهما - من ينزل به الافزاع. الثاني - من يكشف عنه الفزع.

وقوله * (وفزع) * له معنيان احدهما بمعنى ذعر، والثاني - ازال الفزع وقال اليربوعي: حللنا الكثيب من زرود لنفزعا أي لنغيث. لما اخبر الله تعالى ان إبليس صدق ظنه في الكفار باجابتهم له إلى ما دعاهم اليه من المعاصي بين انه لم يكن لابليس عليهم سلطان. و (من) زائدة تدخل مع النفي نحو قولهم ما جاء‌ني من احد. والسلطان الحجة، فبين بهذا ان الشيطان لم يقدر على اكثر من أن يغويهم ويوسوس اليهم ويزين لهم المعاصي، ويحرضهم عليها.

وقوله * (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) * تقديره إنا لم نمكنه من اغوائهم ووسوستهم إلا لنميز من يقبل منهم ومن يمتنع ويأبى متابعته، فنعذب من تابعه ونثيب من خالفه، فعبر عن تمييزه بين الفريقين بالعلم، وهو التمييز مجردا، لانه لا يكون العذاب والثواب إلا بعد وقوع ما يستحقون به ذلك، فأما العلم، فالله تعالى عالم بأحوالهم، وما يكون منها في ما لم يزل، وقيل: إن معناه إلا لنعلم طاعاتهم موجودة او عصيانهم إن عصوا فنجاز بهم يحسبها، لانه تعالى لا يجازي احدا على ما يعلم من حاله إلا بعد ان يقع منهم ما يستحق به من ثواب او عقاب، وقيل: معناه إلا لنعامل معاملة

[393]

من كأنه لا يعلم، وانم نعمل لنعلم * (من يؤمن بالآخرة) * أي من يصدق بها ويعترف ممن يشك فيها ويرتاب.

ثم قال * (وربك) * يا محمد * (على كل شئ حفيظ) * أي رقيب عالم لا يفوته علم شئ من أحوالهم من ايمانهم وكفرهم او شكهم.

ثم أمر نبيه صلى الله عليه واله بأن يقول لهؤلاء الكفار * (ادعوا الذين زعمتم من دون الله) * أنهم آلهة ومعبود، هل يستجيبون لكم؟ إلى ما تسألونهم، لانه لا يستحق العبادة إلا من كان قادرا على إجابة من يدعوه.

ثم اخبر تعالى عنها فقال * (لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الارض وما لهم فيها من شرك) * يعني وما لله في السموات والارض شريك * (وماله منهم من ظهير) * أي معاون، والملك هو القدرة على ما للقادر عليه التصرف فيه، وليس لاحد منعه منه، وذلك - في الحقيقة - لا يستحق الوصف به مطلقا إلا الله، لان كل من عداه يجوز أن يمنع على وجه.

ثم اخبر تعالى فقال * (ولا تنفع الشفاعة عنده) * أي عند الله * (إلا لمن اذن) * الله * (له) * في الشفاعة من الملائكة والنبيين والائمة والمؤمنين، لانهم كانوا يقولون: نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، فحكم الله تعالى ببطلان ذلك.

وقوله * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * قال ابن عباس وقتادة: حتى إذا خلي عن قلوبهم الفزع، كقولك رغب عنه أي رفعت الرغبة عنه فلا يرغب، بخلاف رغب فيه، ففي أحد الامرين وضع وفي الآخر رفع.

وقيل: هم الملائكة يلحقهم غشى عن سماع الوحي من الله بالآية العظيمة، فاذا * (فزع عن قلوبهم) * اي خلي عنها * (قالوا ماذا قال ربكم) * - ذكره ابن مسعود ومسروق وابن عباس في رواية - وقال الحسن: حتى إذا كنف عن قلوب المشركين الفزع، قالت

[394]

الملائكة * (ماذا قال ربكم) * في الدنيا * (قالوا) * قال * (الحق وهو العلي الكبير) * اي الله تعالى المستعلي على الاشياء بقدرته، لا من علو المكان * (الكبير) * في اوصافه دون ذاته، لان كبر الذات من صفات الاجسام.

ثم قال له * (قل) * لهم * (من يرزقكم من السموات والارض) * فانهم لا يمكنهم ان يقولوا يرزقنا آلهتنا التي نعبدها ف‍ " قل " لهم عند ذلك الذي يرزقكم * (الله) * وقل * (وإنا او إياكم لعلى هدى او في ضلال مبين) * وقيل: إنما قال * (وإنا او إياكم) * على وجه الانصاف في الحجاج دون الشك، كما يقول القائل لغيره: احدنا كاذب، وإن كان هو عالما بالكاذب، وعلى هذا قال ابوالاسود الدؤلي يمدح اهل البيت:

يقول الارذلون بنو قشير * طوال الدهر ما تنسى عليا

احب محمدا حبا شديدا * وعباسا وحمزة والوصيا

بنو عم النبي وأقربوه * احب الناس كلهم اليا

فان بك حبهم رشدا أصبه * ولست بمخطئ ان كان غيا(1)

ولم يقل هذا مع أنه كان شاكا في محبتهم، وانه هدى وطاعة، وقال اكثر المفسرين: إن معناه إنا لعلى هدى وإياكم لعلى ضلال وقال ابوعبيدة (او) بمعنى الواو، كما قال الاعشى:

اتغلبة الفوارس او رياحا * عدلت بهم طهية والحشايا(2)

بمعنى اتغلبة ورياحا ثم قال * (قل) * لهم يا محمد * (لا تسألون) * معاشر الكفار * (عما اجرمنا) * اي عما اقترفناه من المعاصي * (ولا نسأل) * نحن ايضا * (عما تعملون) * انتم بل كل إنسان يسأل عما يعمله، وهو يجازى على أي فعل فعله دون غيره.

___________________________________

(1) تفسير الطبرى 22 / 57.

(2) مجاز القرآن 2 / 148

[395]

وتقدير قوله " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له " ان يشفع له، فزع بسماعه أذنه حتى إذا فزع عن قلوبهم وخلي عنها وكشف الفزع عنهم قالوا ماذا قال ربكم قالت الملائكة قال الحق وهو العلي الكبير.

قوله تعالى: (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم(26) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم(27) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون(28) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين(29) قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون(30))

خمس آيات بلا خلاف.

لما امر الله تعالى نبيه ان يخاطب الكفار ويقول لهم ان كل إنسان يسئل عما عمله دون ما عمل غيره، قال له ايضا * (قل) * لهم * (يجمع بيننا ربنا) * يوم القيامة * (ثم يفتح بيننا) * اي يحكم والفتح الحكم، والفتاح الحاكم بالحق، لا بالظلم * (وهو الفتاح) * أي الحاكم * (العليم) * بما يحكم به لا يخفى عليه شئ منه.

ثم قال * (قل اروني الذين الحقتم به شركاء) * تعبدونهم معه وتشركون بينهم في العبادة على وجه التوبيخ لهم في ما اعتقدوه من الاشراك مع الله، كما يقول القائل لمن أفسد عملا: ارني ما عملته توبيخا له بما افسده، فانهم سيفتضحون بذلك إذا اشاروا إلى الاصنام والاوثان ويضمونها إلى الله ويشركون بينهما في

[396]

العبادة فقال تعالى * (كلا) * ومعناه الردع والتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالكم * (بل هو الله) * الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له * (العزيز) * يعني القادر الذي لا يغالب * (الحكيم) * في جميع افعاله.

وقيل * (العزيز) * في انتقامه ممن كفر به * (الحكيم) * في تدبيره لخلقه، فكيف يكون له شريك في ملكه. ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله * (وما ارسلناك) * يا محمد بالرسالة التي حملناكها * (إلا كافة) * ومعناه ارسلناك إلى الخلق كافة بأجمعهم.

وقيل: معناه إلا مانعا لهم وكافا لهم من الشرك ودخلت الهاء للمبالغة * (للناس بشيرا) * لهم بالجنة اي مبشرا بها * (ونذيرا) * أي مخوفا بالنار * (ولكن اكثر الناس لا يعلمون) * صدق قولك وإنك رسول اليهم، لتفريطهم في النظر في معجزك.

ثم حكى عن الكفار انهم يستبطؤن العذاب الذي يخوفهم به النبي صلى الله عليه واله والمؤمنون، فانهم كانوا يحذرونهم نزول العذاب عليهم * (ويقولون متى هذا الوعد) * الذي تعدونا به * (إن كنتم صادقين) * في ما تقولونه معاشر المؤمنين ثم امره ان يقول لهم في الجواب عن ذلك * (قل لكم ميعاد يوم) * ينزل عليكم ما وعدتم به من الثواب والعقاب * (لا تستأخرون عنه ساعة) * أي لا تؤخرون من ذلك اليوم لحظة * (ولا تستقدمون) * عليه، وهو يوم القيامة.

[397]

قوله تعالى: وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين(31) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاء‌كم بل كنتم مجرمين(32) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون(33) وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون(34) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين(35))

خمس آيات بلا خلاف.

حكى الله تعالى عن الكفار أنهم يقولون لن نصدق بهذا القرآن الذي أنزل عليك وتدعيه انه من عند الله ولا بالذي بين يدي القرآن من أمر الآخرة والنشأة الثانية، فجحدوا أن يكون القرآن من الله او أن يكون لما دل عليه من الاعادة للجزاء حقيقة.

وقيل: معناه الكتب التي قبله من التوراة والانجيل وغيرهما.

ثم قال " ولو ترى " يا محمد " إذ " أي حين " الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول " أي يرد بعضهم على بعض " يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا " قيل: كانوا رؤساء الضلالة يأمرون الاتباع بعبادة الاوثان لضعفهم عن استخراج صواب الرأي عند أنفسهم،

[398]

فالاستضعاف طلب الضعف فكل من يجاهر غيره بما يقتضي ضعفه يقال قد استضعفه، والاستكبار طلب الكبر بغير حق، وكانوا يتعظمون هؤلاء الكفار بالجهل الذي صمموا عليه وصاروا رؤساء فيه ليحققهم به " لولا أنتم لكنا مؤمنين " لكن بسببكم يمنع، فهؤلاء إذا أخبروا عن ظنهم، فقد صدقوا كأنهم قالوا في ما نظن، لانه هكذا يقتضي ظاهر خبرهم، كما إذا أخبروا عما يفعلونه في المستقبل، فهو اخبار عن عزمهم، ولو كان كذبا لانكر الله ذلك واتبعه بما يدل على انكاره، كما قال " انظر كيف كذبوا على انفسهم "(1) ثم حكى ما أجابهم به المستكبرون فانهم يقولون في جوابهم " أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاء‌كم "؟ ! منكرين عليهم قولهم انهم منعوهم من الايمان بعد تبين الحق فيه، وليس الامر على ما تقولونه " بل كنتم " أنتم " مجرمين " ثم حكى تعالى ما يقول الذين استضعفوا فانهم يقولون " بل مكر الليل والنهار " معناه مكركم في الليل والنهار - في قول الحسن - كما قال الشاعر:

لقد لمتنا يا ام غيلان في السرى * ونمت وما ليل المطي بنائم(2)

أي بنائم فيه.

وقيل: كأن الليل والنهار يمكران بطول السلامة فيهما.

و (المترف) المنعم البطر بالنعمة " إذ تأمروننا " أي حين تأمروننا " أن نكفر بالله " أي ان نجحد بالله " ونجعل له اندادا " أي امثالا في العبادة " واسروا الندامة " أي اخفوا الندامة بينهم " لما رأوا العذاب " نزل بهم، ولام بعضهم بعضا.

وقال الجبائي: معناه اظهروا الندامة، قال: وهذا مشترك. وهذا غلط، لان لفظة الاخفاء هي المشتركة دون لفظ الاسرار، فحمل أحدهما على الآخر قياس في اللغة " وجعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا " الاغلال جمع غل والله

___________________________________

(1) سورة 6 الانعام آية 24.

(2) مر تخريجه في 5 / 645

[399]

تعالى يجعل الغل في رقاب الكفار عقوبة لهم. ثم قال موبخا لهم " هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " أي يجزون على قدر استحقاقهم لا يجازفون، فلفظه لفظ الاستفهام والمراد به النفي، فكأنه قال: لا يجزون إلا على قدر اعمالهم التي عملوها.

ثم اخبر تعالى انه ما يرسل في قرية نذيرا أي مخوفا بالله في ما مضى إلا إذا سمع أهلها المترفون منهم المنعمون " قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون " أي جاحدون، ثم حكى بأنهم " قالوا نحن اكثر أموالا واولادا " منكم " وما نحن بمعذبين " على ما تقولونه، لانه لو أراد عقابنا لما أنعم علينا في الدنيا وجعلنا أغنياء وجعلهم فقراء، فقال الله تعالى ردا عليهم " قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ".

قوله تعالى: (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون(36) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فاولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون(37) والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون(38) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين(39) ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملئكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون(40))

خمس آيات بلا خلاف.

[400]

قرأ حمزة وحده " وهم في الغرفة آمنون " لقوله تعالى " أولئك يجزون الغرفة بما صبروا "(1) وفي الجنة غرفات وغرف، غير أن العرب تجتزئ بالواحد عن الجماعة إذا كان اسم جنس كما قالوا: اهلك الناس الدينار والدرهم. الباقون على الجمع " غرفات " على وزن (ظلمة، وظلمات) وحجتهم " لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف "(2).

لما حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا: إن الله لا يعذبنا على ما تقولونه لانه أغنانا في دار الدنيا، ولم يجعلنا فقراء، فكذلك لا يعذبنا في الآخرة، قال الله ردا عليهم " قل " لهم يا محمد " إن ربي " الذي خلقني " يبسط الرزق " أي يوسع الرزق لمن يشاء على حسب ما يعلم من مصلحته ومصلحة غيره " ويقدر " أي يضيق. وهو مثل قوله " الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر "(3) أي يوسع ويضيق، ومنه قوله " ومن قدر عليه رزقه "(4) أي ضيق، وعلى هذا: يحتمل قوله " فظن أن لن نقدر عليه "(5) أي لن نضيق عليه، فبسط الرزق هو الزيادة فيه على قدر الكفاية، والقدر تضييقه على قدر الكفاية.

ثم قال " ولكن اكثر الناس لا يعلمون " ما قلناه لجهلهم بالله وبحكمته.

___________________________________

(1) سورة 25 الفرقان آية 75.

(2) سورة 39 الزمر آية 20.

(3) سورة 29 العنكبوت آية 62.

(4) سورة 65 الطلاق آية 7.

(5) سورة 21 الانبياء آية 87

[401]

ثم قال تعالى " وما أموالكم " أي ليس اموالكم التي خولتموها " واولادكم " التي رزقتموها " بالتي تقربكم عندنا زلفى " قال الفراء: (التي) يجوز أن يقع على الاموال والاولاد، لان الاولاد يعبر عنها ب‍ (التي)، وقال غيره: جاء الخبر بلفظ احدهما - وإن دخل فيه الآخر، ولو قال بالذي يقربكم لكان جائزا و (زلفى) قربى، وإنما يقربكم اليه تعالى أفعالكم الجميلة وطاعاته الحسنة.

ثم قال " إلا من آمن وعمل صالحا " معناه، لكن من آمن بالله وعرفه وصدق نبيه وعمل الصالحات التي أمره بها، وانتهى عن القبائح التي نهاه عنها، فان لهؤلاء " جزاء الضعف بما عملوا " ومعناه انه تعالى يجازيهم أضعاف ما عملوا، فانه يعطي بالواحد عشرة، والضعف من الاضعاف، لانه اسم جنس يدل على القليل والكثير.

ويجوز في اعراب (جزاء) أربعة أوجه: الرفع والنصب بالتنوين وتركه. وفي (الضعف) ثلاثة أوجه: الجر والنصب والرفع إلا أن القراء‌ة بوجه واحد وهو رفع (جزاء) على الاضافة بلا تنوين، وجر " الضعف " بالاضافة اليه.

ثم قال إن هؤلاء مع أن لهم جزاء الضعف على ما عملوه " هم في الغرفات " جمع غرفة وهي العلية " آمنون " فيها لا يخافون شيئا مما يخاف مثله في دار الدنيا.

ثم قال " والذين يسعون في آياتنا معاجزين " أي مسابقين: في من قرأه بألف. ومثبطين غيرهم عن افعال الخير عند من قرأه بغير ألف " أولئك في العذاب محضرون " أي يحصلون في عذاب النار.

ثم قال " قل " يا محمد " إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء " أي يوسعه " ويقدر " أى يضيقه لمن يشاء. وإنما كرر قوله " قل إن ربي يبسط الرزق "

[402]

لاختلاف الفائدة، لان الاول على معنى إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر من غير أن يعلم اكثر الناس لم فعل ذلك، والثاني - بمعنى أن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له على أن ما انفقه في ابواب البر فالله يخلفه عليه وهو قوله " وما انفقتم من شئ فهو يخلفه " أي يعطيكم عوضه، وليس المراد ان يخلف في دار الدنيا على كل حال، لان الله يفعل ذلك بحسب المصلحة، وإنما أراد انه يعوض عليه إما في الدنيا بأن يخلف بدله او يثيب عليه " وهو خير الرازقين " أي الله تعالى خير من يرزق غيره، لانه يقال: رزق السلطان الجند، ثم قال * (ويوم يحشرهم جميعا) * يعني يوم القيامة الذي يبعث الله فيه الخلائق * (ثم يقول للملائكة) * الذين عبدهم جماعة من الكفار * (اهؤلاء) * يعني الكفار الذين عبدوهم * (إياكم كانوا يعبدون) * على وجه التقرير لهم وإن كان بلفظ الاستفهام، كما قال لعيسى * (أأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله) *(1) وقرأ حفص * (ويوم يحشرهم ثم يقول) * بالياء ردا على قوله * (قل ان ربي) * الباقون بالنون على الجمع.

___________________________________

(1) سورة 5 المائدة آية 119

[403]

قوله تعالى: (قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون(41) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون(42) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاء‌هم إن هذا إلا سحر مبين(43) وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير(44) وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير(45))

خمس آيات بلا خلاف.

لما حكى الله تعالى انه يقول للملائكة إن هؤلاء الكفار إياكم كانوا يوجهون عبادتهم، حكى ما يجيب به الملائكة، فانهم يقولون * (سبحانك أنت ولينا) * تنزيها لك أن نعبد سواك، ونتخذ معك معبودا غيرك، ويقولون: أنت يا ربنا ولينا أي ناصرنا وأولى بنا * (من دونهم) * يعني دون هؤلاء الكفار ودون كل احد وأنت الذي تقدر على ذلك من دونهم، فما كنا نرضى بعبادتهم مع علمنا بأنك ربنا وربهم، ما أمرناهم بهذا ولا رضينا به لهم " بل كانوا يعبدون الجن " بطاعتهم إياهم في ما يدعونهم اليه من عبادة الملائكة.

وقيل: انهم صوروا لهم صورة قوم من الجن، وقالوا هذه صورة الملائكة فاعبدوها، وهم وإن عبدوا الملائكة، فان الملائكة لم يرضوا بعبادتهم إياهم ولا دعوهم اليها، والجن دعوهم إلى عبادتهم ورضوا به منهم فتوجه الذم إلى العابد والمعبود، وفي الملائكة لا يستحق الذم غير العابد، فلذلك أضرب عن ذكر الملائكة.

[404]

ثم حكى تعالى ما يقول للكفار يوم القيامة، فانه يقول لهم " فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا " ولا يقدر على ذلك " ونقول للذين ظلموا " نفوسهم بارتكاب المعاصي ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون " أي تجحدونه، ولا تعترفون به.

ثم عاد تعالى إلى الحكاية عن حال الكفار في الدنيا فقال " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات " أي تقرأ عليهم حججنا واضحات من القرآن الذي أنزله على نبيه " قالوا " عند ذلك " ما هذا الا رجل يريد ان يصدكم عما كان يعبد أباؤكم " أي يمنعكم عن عبادة ما كان يعبده أباؤكم " وقالوا " أيضا " ما هذا " القرآن " إلا إفك مفترى " يعني كذب تخرصه وافتراه " وقال الذين كفروا للحق " يعني القرآن " لما جاء‌هم إن هذا " أي ليس هذا " إلا سحر مبين " أي ظاهر. والسحر حيلة خفية توهم المعجزة.

ثم قال تعالى " وما آتيناهم من كتب يدرسونها " قال الحسن: معناه ما آتيناهم من كتب قبل هذا الكتاب، فصدقوا به وبما فيه ان هذا كما زعموا " وما ارسلنا اليهم قبلك من نذير " ويجوز ان يكون المراد وما أرسلنا اليهم قبلك يا محمد من نذير إلا وفعلوا به وقالوا له مثل ما قالوا لك، وحذف لدلالة الكلام عليه، وذلك عليه بقوله " وكذب الذين من قبلهم " بما أتاهم الله من الكتب، وبما بعث اليهم من الرسل " وما بلغوا " أي وما بلغ هؤلاء * (معشار ما آتيناهم) * أولئك الكفار، قال الحسن: معنى معشار أي عشر، والمعنى ما بلغ الذين ارسل اليهم محمد صلى الله عليه واله من اهل مكة عشر ما اوتي الامم قبلهم من القوة والعدة - في قول ابن عباس وقتادة - * (فكذبوا رسلي) * أي كذبوا بآيات الله وجحدوا رسله * (فكيف كان نكير) * أي عقوبتي وتغييري لان الله أهلكهم واستأصلهم وهو نكير الله تعالى في الدنيا.

[405]

قوله تعالى: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادي ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد(46) قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شئ شهيد(47) قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب(48) قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد(49) قل إن ضللت فانما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب(50))

خمس آيات بلا خلاف.

هذا امر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله أن يقول للكفار * (إنما أعظكم بواحدة..) * والمعنى يكفيني منكم أن يقوم الرجل وحده أو هو وغيره ثم تتساء‌لون هل جربنا على محمد كذبا او هل رأينا به جنة؟ ! ففي ذلك دلالة على بطلان ما أنتم عليه وما ذكرتم فيه، فالوعظ الدعاء إلى ما ينبغي أن يرغب في ما ينبغي أن يجوز منه مما يلين القلب إلى الاستجابة للحق بالنبي صلى الله عليه واله والنبي اجل وأعظم واكبر داع بما اعطاه الله من الحكمة.

وقوله * (مثنى وفرادى) * معناه ان تقوموا اثنين اثنين، وواحدا واحدا ليذاكر أحدهما صاحبه، فيستعين برأيه على هذا الامر. ثم يجول بفكرته حتى يكرره حتى يتبين له الحق من الباطل وبني * (مثنى) * وإن لم يكن صفة لانه مما

[406]

يصلح ان يوحد، كما قال تعالى * (أولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع) *(1) وهو - ههنا - في موضع حال، وقال مجاهد في قوله * (اعظكم بواحدة) * أي بطاعة الله تعالى وقال غيره (بواحدة) بتوحيد الله خصلة واحدة، فقولوا: لا إله إلا الله.

وقوله * (ثم تتفكروا ما بصاحبكم) * في موضع نصب عطفا على * (أن تقوموا لله) * وتتفكروا أي وتنظروا وتعتبروا، ليس بصاحبكم يعني محمدا صلى الله عليه واله * (من جنة) * أي جنون، لانهم كانوا ينسبونه إلى الجنون وحاشاه من ذلك. ثم بين انه ليس * (إلا نذير) * إي مخوف من معاصي الله وترك طاعاته * (بين يدي عذاب شديد) * يعني عذاب القيامة.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله يا محمد * (قل) * لهم * (ما سألتكم من أجر فهو لكم) * وليس * (اجري إلا على الله) * والمعنى أني ابلغكم الرسالة، ولا اجر إلى نفسي عرضا من اعراض الدنيا بل ثمرة ذلك لكم، وليس أجري إلا على الله.

وقال ابن عباس * (من أجر) * اي من مودة، لان النبي صلى الله عليه واله سأل قريشا أن يكفوا عن أذاه حتى يبلغ رسالات ربه * (وهو على كل شئ شهيد) * أي عالم به.

ثم قال أيضا * (قل) * لهم يا محمد * (إن ربي يقذف بالحق) * أي يلقيه على الباطل، كما قال تعالى * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) *(2) * (علام الغيوب) * إنما رفع بتقدير هو علام الغيوب، ولو نصب على انه نعت ل‍ (ربي) لكان جائزا، لكن هذا اجود، لانه جاء بعد تمام الكلام كقوله * (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) *(3) والمعنى انه عالم بجميع ما غاب عن جميع الخلائق علمه.

___________________________________

(1) سورة 35 فاطر آية 1.

(2) سورة 21 الانبياء آية 18.

(3) سورة 38 ص آية 64

[407]

ثم أمره صلى الله عليه واله أن يقول لهم قد * (جاء الحق) * يعني أمر الله بالاسلام والتوحيد * (وما يبدئ الباطل وما يعيد) * لان الحق إذا جاء اذهب الباطل فلم يبق له بقية يبدئ بها ولا يعيد.

وقال قتادة: الباطل إبليس لا يبدؤ الخلق ولا يعيدهم.

وقيل: إن المراد به كل معبود من دون الله بهذه الصفة.

وقال الحسن: وما يبدئ الباطل لاهله خيرا ولا يعيد بخير في الآخرة.

ثم قال * (قل) * لهم * (إن ضللت) أي ان عدلت عن الحق * (فانما اضل على نفسي) * لان ضرره يعود علي، لاني أوآخذ به دون غيري * (وإن اهتديت) * إلى الحق * (فبما يوحي الي ربي إنه سميع قريب) * أي يسمع دعاء من يدعوه قريب إلى إجابته. وفي الآية دلالة على فساد قول المجبرة، لانه قال * (إن ضللت) * فأضاف الضلال إلى نفسه، ولم يقل فبقضاء ربي وإرادته.

قال الزجاج: وما يبدئ الباطل أى اي شئ يبدئ الباطل؟ وأي شئ يعيد؟ ويجوز ان تكون (ما) نافية، والمعنى وليس يبدئ ابليس ولا يعيد.

قوله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب(51) وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد(52) وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد(53) وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب(54))

أربع آيات بلا خلاف.

[408]

قرأ حمزة والكسائي وابوعمرو * (التناؤش) * بالهمز. الباقون بغير همز.

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله * (ولو ترى) * يا محمد * (إذ فزعوا) * من العذاب يوم القيامة * (فلا فوت) * أى لا مهرب ولا يفوتونه.

فالفوت خروج وقت الشئ كفوت الصلاة، وفوت وقت التوبة وفوت عمل اليوم بانقضائه.

والفزع والجزع والخوف والرعب واحد.

والفزع يتعاظم في الشدة بحسب اسبابه وقوله * (وأخذوا من مكان قريب) * قال ابن عباس والضحاك: أخذوا من عذاب الدنيا.

وقال الحسن: حين يخرجون من قبورهم.

وقيل: من بطن الارض إلى ظهرها.

والمعنى انهم اذا بعثوا من قبورهم، ولو ترى فزعهم يا محمد حين لا فوت ولا ملجأ.

وجواب (لو) محذوف، والتقدير لرأيت ما تعتبر به عبرة عظيمة.

وقوله * (وقالوا آمنابه) * أى يقولون ذلك الوقت آمنا به وصدقنا به.

فقال تعالى * (وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) * قيل: معناه بفوتهم تناول التوبة في الآخرة إلى الدنيا، والتناوش التناول من قولهم نشته أنوشه اذا تناولته من قريب قال الشاعر:

فهي تنوش الحوض نوشا من علا * نوشا به تقطع اجواز الفلا(1)

وتناوش القوم اذا دنا بعضهم إلى بعض، ولم يلتحم ببنهم قتال، وقد همز بعضهم، فيجوز أن يكون من هذا، لان الواو اذا انضمت همزت كقوله * (أقتت) *(2) ويجوز أن يكون من النش وهو الابطاء، وانتاشه اخذ به من مكان بعيد، ومثله نأشه قال الشاعر:

تمنى نئيشا أن يكون اطاعني * وقد حدثت بعد الامور امور(3)

___________________________________

(1) تفسير الطبري 22 / 65.

(2) سورة 77 المرسلات آية 11.

(3) تفسير القرطبي 14 / 317

[409]

وقال رؤبة:

اقحمني جارابي الجاموش * اليك نأش القدر المنؤش(1)

* (وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) * معناه كيف تقبل توبتهم أو يردون إلى الدنيا، وقد كفروا بالله ورسله من قبل ذلك، وهو قوله * (بالغيب من مكان بعيد) * يعني قولهم هو ساحر وهو شاعر وهو مجنون.

وقيل: هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار - ذكره قتادة - وقال البلخي: يجوز ان يكون اراد انهم يفعلون ذلك بحجة داحضة وأمر بعيد.

وقال قوم: يقذفون بالظن ان التوبة تنفعهم يوم القيامة عن مكان بعيد الا ان في العقل انها لا تقبل.

ثم قال * (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) * أى فرق بينهم وبين شهواتهم، من قبول توبتهم وايصالهم إلى ثواب الجنة أو ردهم إلى دار الدنيا * (كما فعل) * مثل ذلك * (باشياعهم من قبل) * وهو جمع الجمع تقول شيعة وشيع واشياع، ولان أشياعهم تمنوا أيضا مثل ذلك فحيل بينهم وبين تمنيهم، ثم اخبر * (انهم كانوا في شك من ذلك) * في الدنيا * (مريب) * والريب أقبح الشك الذى يرتاب به الناس.

وقال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قوله " ولو ترى اذ فزعوا فلا فوت " نزلت في الجيش الذى يخسف بهم بالبيداء فيبقى رجل يخبر الناس بما رآه، ورواه حذيفة عن النبي صلى الله عليه واله

___________________________________

(1) مجاز القرآن 2 / 151




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335935

  • التاريخ : 28/03/2024 - 19:04

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net