00989338131045
 
 
 
 
 
 

  سورة البقرة ( من آية 46 ـ 57) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء الاول)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

[205]

 قولة تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون(46)

آية بلا خلاف

ان قيل كيف اخبر الله عمن وصفه بالخشوع بالطاعة، ومدحهم بذلك بانهم يظنون بانهم ملاقوا ربهم وذلك مناف لصفة المدح؟

قلنا: الظن المذكور في الآية المراد به العلم واليقين قال دريد بن الصمة:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج *** سراتهم في الفارسي المسرد

وقال عمير بن طارق:

بان تغتزوا قومي واقعد فيكم *** واجعل مني الظن غيبا مرجما(1)

وقال ابوداود(2):

رب هم فرجته بعزيم *** وغيوب كشفتها بظنون

وقال المبرد: ليس من كلام العرب: أظن عند زيد مالا، يريد: أعلم لان العلم المشاهد لا يناسب باب الظن وقد أفصح في ذلك أوس بن حجر في قوله:

الا لمعي الذي يظن بك الظن *** كأن قد رأي وقد سمعا

وقال آخر:

فالاياتكم خبر يقين *** فان الظن ينقص او يزبد

وقال بعض الشيوخ: اصل الظن ما يجول في النفس من الخاطر الذي يغلب على القلب، كأنه حديث النفس بالشئ، وتأول جميع ما في القرآن من معنى العلم على هذا وقال الحسن وابوالغالية ومجاهد وابن جريح: يظنون، أي يوقنون ومثله: " ظننت اني ملاق حسابيه "(3) أي علمت ومثله: " وظنوا ان لا ملجأ من الله إلا إليه "(4)، ومعناه استيقنوا وقوله: " ورأى المجرمون النار

___________________________________

(1) في الايرانية بدل: " بأن تغتزوا " " فان تغتروا " وبدل " غيبا " " عينا "، البيت في نقائض جرير والفرزدق وروايته " وأجلس فيكم " و " وأجعل علمي ظن غيب مرجما ".

(2) في الايرانية: " الذواد ".

(3) سورة الحاقة: آية 20.

(4) سورة التوبة آية: 119.

[206]

فظنوا انهم مواقعوها "(1)، يعني: علموا وقد جاء في القرآن الظن بمعنى الشك كقوله: " ان هم إلا يظنون "(2) وقوله: " ان الظن لا يغني من الحق شيئا "(3) وقال قوم: يحتمل قوله " يظنون " وجها آخرا، وهو انهم يظنون انهم ملاقوا ربهم بذنوبهم لشدة اشفاقهم من الاقامة على معصية الله، وهذا وجه مليح، وقد استعبده الرماني وقال: لان فيه حذوفا كثيرة، وليس بمنكر اذا كان الكلام محتملا له وقيل أيضا: الذين يظنون إنقضاء اجلهم وسرعة موتهم فيكونون ابدا على حذر ووجل، كما يقال لمن مات: لقي الله والظن والشك والتجويز نظائر، إلا ان الظن فيه قوة على أحد الامرين دون الآخر، وحده ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه ان يكون خلافه فبالتجويز ينفصل من العلم، وبالقوة ينفصل من الشك والتقليد وغير ذلك وضد الظن اليقين ويقال ظن ظنا وتظنن تظننا وقال: " وظنوا انهم الينا لا يرجعون "(4) وقوله: " ظننتم ظن السوء "(5) والظنين المتهم، ومصدره الظنة والظنون الرجل السئ الظن بكل احد، والظنون القليل الخير، والتظني والتظنن بمعنى واحد والظنون البئر التي يظن ان بها ماء ولا يكون فيها شئ، ومظنة الرجل ومظانه حيث يألفه فيكون فيه.

ومعنى قوله " انهم ملاقوا ربهم " اي ملاقوا جزاء ربهم، فجعل ملاقاة الجزاء ملاقاة له تفخيما وتعظيما لشأن الجزاء وأصل الملاقاة الملاصقة، من قولك التفى الحدان اي تلاصقا، ثم كثر حتى قالوا التقى الفارسان اذا تحاذيا ولم يتلاصقا ومثل ما قلنا في قوله " ملاقوا ربهم " قوله تعالى: " فاعقبهم نفاقا نفي قلوبهم إلى يوم يلقونه "(6) معناه يوم يلقون جزاء‌ه، لان المنافقين لا يرون الله عند احد من اهل الصلاة، وكذلك قوله " ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال اليس هذا بالحق

___________________________________

(1) سورة الكهف آية 54.

(2) سورة الجاثية آية: 23.

(3) سورة يونس آية: 36.

(4) سورة القصص آية: 39.

(5) سورة الفتح آية: 12.

(6) سورة التوبة آية: 78.

[207]

قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "(1) معناه إذ وقفوا على جزاء ربهم، لان الكفار لا يرون الله عند احد من الامة فان قيل: ما معنى الرجوع ههنا وهم ما كانوا قط في الآخرة فيعودوا إليها؟ قيل: راجعون بالاعادة في الآخرة - في قول ابي الغالية - وقيل: يرجعون بالموت كما كانوا في الحال المتقدمة، لانهم كانوا امواتا، ثم احيوا، ثم يموتون، فيرجعون امواتا كما كانوا: والاول اظهر واقوى، وقيل: ان معناه: انهم راجعون إلى ان لا يملك احدهم ضرا ولا نفعا غيره تعالى كما كانوا في بد والخلق، لانهم في ايام حياتهم قد يملك الحكم عليهم غيرهم، والتدبير لنفعهم وضرهم بين ذلك قوله: " مالك يوم الدين " ومعنى ذلك انهم يقرون بالنشاة الاخرة فجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعا اليه.

اللغة: وأصل الرجوع العود إلى الحال الاول يقال رجع الرجل ورجعته وهو احد ما جاء على فعل وفعلة ويحتمل ان يكون المراد أنهم اليه صائرون كما يقول القائل: رجع الامر إلى فلان وان كان قط لم يكن له ومعناه صار اليه: وحذفت النون من " ملاقوا ربهم " عند البصريين تخفيفا والمعنى على اثباتها، ومثله قوله: " انا مرسلوا الناقة "(2) " وكل نفس ذائفة الموت "(3) قال الشاعر:

هل انت باعث دينار لحاجتنا *** او عبد رب اخاعون بن مخراق(4)

ولو اردت معنى الماضي لتعرف الاسم بالاضافة، لم يجز فيه اظهار النون البتة واذا كان الفعل غير واقع كان اثبات النون هو الوجه دون الاضافة فلو قيل

___________________________________

(1) سورة آل عمران آية: 106 وسورة الانعام آية: 30 والاعراف: آية 48 والانفال آية: 35 والاحقاف آية 34.

(2) سورة القمر آية 37.

(3) سورة آل عمران آية 185 وسورة الانبياء آية: 35 وسورة العنكبوت آية 57.

(4) سيبويه قال صاحب الخزانة: البيت من ابيات سيبويه التي لم يعرف قائلها وقيل هو لبربن رألان السنبسي وقيل هو لجرير وقيل لتأيط شرا دينار وعبد رب: رجلان.

[208]

ملاقون كان صوابا قال الاخفش: وجرى حذف النون ههنا للاستثقال كما قال الشاعر في قوله:

فان الذي حانت بفلج دماؤهم *** هم القوم كل القوم يا ام خالد(1)

فاسقط النون من الذين استثقالا وقال الاخطل:

ابني كليب ان عمي اللذا *** قتلا الملوك وفككا الاغلالا

فاسقط النون وقال الكوفيون: اذا حذف النون فاللفظ الاسم وإذا اثبت وظهر النصب فالمعنى الفعل.

قال الزجاج: ويجوز كسر الهمزة من قولهم: انهم اليه راجعون، لكن لم يقرأ به أحد على معنى الابتداء ولا يجوز كسر الاولى لان الظن وقع عليها.

قوله تعالى: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وإني فضلتكم على العالمين(47)

آية

المعنى: قد مضى تفسير مثل هذا في ما تقدم فلا وجه لاعادته وأما قوله: " وإني فضلتكم على العالمين " ذكرهم الله تعالى من الآية ونعمه عندهم بقوله: " وإني فضلتكم على العالمين " فضلت اسلافكم، فنسب النعمة إلى آبائهم واسلافهم، لانها نعمة عليهم منه، لان مآثر الآباء مآثر الابناء، والنعم عند الاباء نعم عند الابناء لكون الابناء من الآباء.

وقوله " فضلتكم "

اللغة: فالتفضيل، والترجيح، التزييد، نظائر والتفضيل نقيضه: التسوية يقال: فضله وتنقصه على وجهة النقص ونقيض التزييد: التنقيص يقال: فضل فضلا

___________________________________

(1) البيت للاشهب بن رميلة سيبوية 1: 96 والبيان 4: 55 وفلج واد بين البصرة وحمى ضربة ومر هذا البيت ايضا في 1: 86.

[209]

وافضل افضالا وتفضل تفضلا واستفضل استفضالا وتفاضلوا تفاضلا وفاضله مفاضلة وفضله تفضيلا والمفضال: اسم المفاضلة والفضيلة: الدرجة الرفيعة في الفضل والتفضل: التوشح ورجل فضل: متفضل وامرأة متفضلة، وعليها ثوب فضل: اذا خالفت بين طرفيه على عاتقها فتتوشح به قال الشاعر: " اذا تعود فيه الفسه الفضل " وافضل فلان على فلان: اذا أناله من خيره وفضله واحسن اليه وافضل فلان من الطعام والارض والخبز: اذا ترك منه شيئا.

لغة أهل الحجاز: فضل يفضل ورجل مفضال: كثير المعروف والخير والفضائل: واحدها فضيلة وهي المحاسن والفواضل: الايادي الجميلة وثوب المفضل: ثوب تخفف به المرأة في بيتها والجمع مفاضل وامرأة مفضل: اذا كان عليها مفضل واصل الباب: الزيادة والافضال، والاحسان، والانعام نظائر ويقال فضله: اذا اعطاه الزيادة وفضله اذا حكم له بالزيادة فان قيل لم كرر قوله: " يا بني اسرائيل "؟

قلنا: لانه لما كانت نعم الله هي الاصل فيما يجب فيه شكره وعبادته، احتيج إلى تأكيدها كما يقول القائل: اذهب اذهب: اعجل اعجل وغير ذلك في الامر المهم، وايضا فان التذكير الاول ورد مجملا، وجاء الثاني مفصلا، كأنه قال اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم فيما انتم عليه من المنافع التي تتصرفون فيها وتتمتعون بها، وإني فضلتكم على العالمين ودل هذا على قوله: " وإني فضلتكم على العالمين " لانها احدى الخصال التي ذكروا بها وجاء‌ت عاطفة فدلت على خصلة قبلها: اما مذكورة او مقدرة وإنما فضلوا بما ارسل الله فيهم من كثرة الرسل وانزل عليهم من الكتب: وقيل: تكثرة من جعل فيهم من الانبياء وما انزل الله عليهم من المن والسلوى إلى غير ذلك من النعمة العظيمة من تغريق فرعون عدوهم، ونجاتهم من عذابه، وتكثير الآيات التي يخف معها الاستدلال، ويسهل بها كثرة المشاق وهو قول اكثر أهل العلم كابي الغالية، وغيره ونظير هذه الآية قوله " واذ نجيناكم من آل فرعون " " وإذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم واغرقنا آل فرعون وانتم تنظرون "

[210]

وقوله " على العالمين "

المعنى: قال أكثر المفسرين: انه أراد الخصوص ومعناه عالمي زمانهم ذهب اليه قتادة والحسن وابوالغالية ومجاهد وغيرهم وقال بعضهم: اذا قلت فضل زيد على عمرو في الشجاعة لم يدل على انه أفضل منه على الاطلاق، ولا في جميع الخصال فعلى هذا يكون التخصيص في التفضيل لا في العالمين وامة نبينا محمد " ص " أفضل من أولئك بقوله: " كنتم خير امة اخرجت للناس "(1) وعليه اجماع الامة، لانهم اجمعوا على ان امة محمد " ص " أفضل من سائر الامم كما ان محمدا " ص " أفضل الانبياء من ولد آدم " ع "

قوله تعالى: واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون(48)

آية واحدة بلا خلاف

قرأ ابن كثير وأهل البصرة " لا يقبل منها بالياء " الباقون بالتاء.

الاعراب: موضع " لا تجزي " نصب لانه صفة يوم والعائد عند الكسائي لا يكون إلا هاء محذوفة من تجزيه وقال بعضهم: لا يجوز إلا فيه: وقال سيبويه والاخفش والزجاج: يجوز الامران

المعنى: قال ابوعلي المعنى في قوله " لايقبل منها شفاعة " فمن ذهب إلى ان (فيه) محذوفة من قوله " واتقوا يوما لا تجزي "، جعل (فيه) بعد قوله " ولا يقبل " ومن

___________________________________

(1) سورة آل عمران آية 110.

[211]

ذهب إلى انه حذف الجار، وأوصل الفعل إلى المفعول، ثم حذف الراجع من الصفة كما يحذف من الصلة، كان مذهبه في قوله: لا يقبل ايضا مثله وحذف الهاء من الصفة يحسن كما يحسن حذفها من الصلة ألا ترى ان الفعل لا يتسلط بحذف المفعول منه علو الموصوف كما لا يتسلط بذلك على الموصول؟ ومما حذف منه الراجع إلى الصفة قوله: وما شئ حميت بمستباح ومن الحذف قوله:

ترو حي اجدران تقيلي *** غدا بجنبي بارد ظليل

المعنى: تأتي مكانا اجدران تقيلي فيه فحذف الجار ووصل الفعل ثم حذف الضمير: ونظير الآية قول الراجز:

قد صبحت صبيحها السلام *** بكبد خالطها السنام في ساعة يحبها الطعام(1)

أي تحب الطعام فيها.

اللغة: والمجازاة والمكافأة والمقابلة نظائر يقال: جزى يجزي جزاء، وجازاه مجازاة، وتجازوا تجازيا: قال صاحب العين: المجازاة: المكافأة بالاحسان احسانا وبالاساء‌ة اساء‌ة وفلان: ذو جزاء وذو غناء وتقول هذا الشئ يجزئ عن هذا بهمز وتليين وفي لغة يجزي أي يكفي واصل الباب مقابلة الشئ بالشئ

المعنى: ومعنى قوله " لا تجزي نفس عن نفس شيئا "(2) أي لاتقابل مكروهها بشئ يدرأه عنها قال الله تعالى: " هل تجزون إلا ما كنتم تعملون "(3) وقال: " اليوم تجزى كل نفس ما كسبت "(4) والفرق بين المقابلة والمجازاة ان المقابلة قد تكون للمساواة فقط كمقابلة الكتاب بالكتاب والمجازاة تكون في الشر بالشر والخير بالخير ومعنى

___________________________________

(1) صبح القوم سقاهم الصبوح وهو ما يشرب صباحا من خمر أو لبن.

(2) سورة البقرة آية 48 - و 123.

(3) سورة النمل آية 90.

(4) سورة المؤمن آية 17.

[212]

قوله " لا تجزي " أي لا تغني وهو قول السدي كما تقول: البقرة تجزي عن سبعة وهي لغة أهل الحجاز وبنو تميم تجزئ بالهمزة من اجزاه: والاول من جزت.

وقال الاخفش لاتجزي منها أي لا يكون مكانها بدلا منها وأنكر عليهم ذلك لقوله: " شيئا " وجعل الاخفش لا تجزي منها " شيئا " في موضع المصدر كأنه يقول لا تجزي جزاء ولا تغني غناء.

قال الرماني والاقرب ان تكون " شيئا " في موضع حقا كأنه قيل لا يؤدي عنها حقا وجب عليها.

وقال بعضهم " لا تجزي " بمعنى لا تقضي وقبول الشئ تلقيه والاخذ به وضده الاعراض عنه ومن ثم قيل لتجاه القبلة قبالة وقالوا: أقبلت المكواة الداء أي جعلتها قبالته ويجوز ان يكون المخاطبون بذلك اليهود، لانهم زعموا ان اباء‌هم الانبياء وتشفع لهم واويسوا بقوله " قل فلم يعذبكم بذنوبكم " وبقوله: " لا يقبل منها شفاعة " والقبول والانقياد والطاعة والاجابة نظائر ونقيضها الامتناع يقال قبل قبولا، وأقبل اقبالا، وقابله مقابلة وتقابلوا تقابلا، واستقبله استقبالا، وتقبل تقبالا، وقبله تقبيلا وقبل نقيض بعد والقبل خلاف الدبر والقبل اقبالك على الشئ كأنك لا تريد غيره والقبل الطاقة تقول لا قبل لي أي لا طاقة لي ومنه قوله: " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها(1) " والقبل التلقاء تقول لقيته قبلا أي مواجهة واصبت هذا من قبله أي من تلقائه أي من لدنه ومن عنده وقوله: " وحشرنا عليهم كل شئ قبلا(2) " أي قبلا وفسر بعضهم عيانا، وكل جيل من الناس والجن والقبيلة من قبائل العرب معروفة والكرة يقال لها قبائل وكل قطعة من الجلد قبيلة وقبيلة الرأس كل فلقة قد قوبلت بالاخرى وكذلك قبائل العرب.

والقبال: زمام البغل يقال: بغل مقبولة ومقبلة والقبل رأس كل شئ مثل الجبل والاكمة وكثب الرمل وقبالة كل شئ ما كان مستقبله ومن الجيران مقابل ومدابر وشاة مقابلة: اذا قطعت من اذنها قطعة وتركت معلقة من مقدم، وان كانت من خلف فهي مدابرة واذا ضممت شيئا إلى شئ قلت قابلته والقابلة هي الليلة: المقبلة وكذلك العام القابل والمقبل والقابلة: التي تقبل الولد

___________________________________

(1) سورة النمل آية 37.

(2) سورة الانعام آية 111.

[213]

والقبول من الريح: الصبا لانها تستقبل الدبور، وهي تستقبل القبلة من المشرق والقبول: ان تقبل العفو وغير ذلك وهو اسم المصدر واميت الفعل منه والقبول الاسم تقول: أفعل هذا من ذي قبل أي من ذي استقيال والقبلة معروفة والفعل منه التقبيل والقبلة قبلة الصلاة والتقبل تقبل الشئ تقول: تقبل الله منك وعنك عملك وتقول: تقبلت فلانا من فلان بقبول حسن ورجل مقابل في كرم وفي شرف من قبل اعمامه واخواله ورجل مقبل الشاب لم ير فيه اثر من الكبر والقبيل والدبير: في الجبل فالقبيل الفتل الاول الذي عليه العمامة، والدبير الفتل الاخر وبعضهم يقول القبيل في قوى الحبل كل قوة على وجهها الداخل قبيل والوجه الخارج: دبير وقد قرئ قبلا وقبلا فمن قرأ قبلا أراد جمع قبيل ومن قرأ قبلا أراد مقابلة والقبيل والكفيل واحد وقبيل القوم عريفهم والباب المقابلة خلاف المدابرة وأما الشفاعة فهي مأخوذة من الشفع الذي هو خلاف الوتر فكأنه سؤال من الشفيع شفع: سؤال المشفوع له والشفاعة، والوسيلة والقربة والوصلة نظائر ويقال شفع شفاعة وتشفع تشفعا، واستشفع استشفاعا، وشفعه تشفيعا والشفع من العدد: ما كان ازواجا تقول كان وترا فشفعته باخر حتى صار شفعا ومنه قوله: " والشفع والوتر(1) " قال الشفع: يوم النحر والوتر: يوم عرفه.

وقال بعض المفسرين: الشفع: الحفاء يعني كثرة الخلق والوتر الله والشافع: الطالب لغيره والاسم الشفاعة والطالب: الشفيع والشافع والشفعة في الدار معروفة وتقول فلان يشفع الي بالعداوة أي يعين علي ويعاديني وتقول شفعت الرجل: اذا صرت ثانيه وشفعت له: اذا كنت له شافعا وانما سميت شفعة الدار، لان صاحبها يشفع ما له بها، ويضمها إلى ملكه واصل الباب: الزوج من العدد:

وقوله " ولا يقبل منها شفاعة " مخصوص عندنا بالكفار، لان حقيقة الشفاعة عندنا ان يكون في اسقاط المضار دون زيادة المنافع والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبي صلى الله عليه وآله فيشفعه الله تعالى، ويسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصلوة لما روي من قوله " ع ": ادخرت شفاعتي لاهل الكبائر

___________________________________

(1) سورة الفجر آية 3.

[214]

من امتي: وانما قلنا لا تكون في زياة المنافع، لانها لو استعملت في ذلك، لكان احدنا شافعا في النبي " ص " اذا سأل الله ان يزيده في كراماته وذلك خلاف الاجماع فعلم بذلك ان الشفاعة مختصة بما قلناه وعلم بثبوت الشفاعة ان النفي في الآية يختص بالكفار دون أهل القبلة والآيات الباقيات(1) نتكلم عليها اذا انتهينا اليها ان شاء الله والشفاعة ثبت عندنا للنبي " ص " وكثير من اصحابه ولجميع الائمة المعصومين وكثير من المؤمنين الصالحين وقيل ان نفي الشفاعة في هذه الآية يختص باليهود من بني اسرائيل، لانهم ادعوا انهم ابناء الله واحباؤه واولاد انبيائه، وان اباء‌هم يشفعون اليه فايسهم الله من ذلك، فاخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص ولابد من تخصيص الآية لكل احد، لان المعتزلة والقائلين بالوعيد يثبتون شفاعة مقبولة - وان قالوا انها في زيادة المنافع - واصل الشفاعة ان يشقع الواحد للواحد فيصير شفعا ومنه الشفيع لانه يصل جناح الطالب ويصير ثانيا له والذي يدل على ان الشفاعة في اسقاط الضرر قول شاعر غطفان انشده المبرد:

وقالوا اتعلم ان مالك ان تصب *** يفدك وان يحبس يديل ويشفع(2)

واستعملت في زيادة المنافع ايضا - وان كان مجازا لما مضى -.

قال الحطيئة في طلب الخير:

وذاك امرؤ ان تاته في صنيعة *** إلى ما له لم تأته بشفيع

وقد استعملت الشفاعة بمعنى المعاونة

انشد بعضهم للنابغة:

اتاك امرؤ مستعلن لي بغصة *** له من عدو مثل مالك شافع

أي معين وقال الاحوص:

كأن من لا مني لا صرمها *** كانوا لليلى بلومهم شفعوا

أي تعاونوا قوله: " لايؤخذ منها عدل "

___________________________________

(1) في المخطوطة " الباقية ".

(2) يديل: يزول.

[215]

اللغة: والعدل، والحق، والانصاف نظائر والعدل: نقيض الجور يقال: عدلا عدل واعتدل اعتدالا وتعادل تعادلا تعدلا وعادله معادلة وعدله تعديلا والعدل المرضي من الناس يقع على الواحد والجماعة والذكر والانثى: فاذا قلت هم عدل قلت هما عدلان والعدل: الحكم بالحق يقال هو حكم عدل ذو معدلة في حكمه وعدل الشئ نظيره.

ومثله تقول عدلت بفلان فلانا اعدله والعادل المشرك الذي يعدل بربه والعدل ان يعدل الشئ عن وجهه فيميله تقول: عدلته عن كذا وعدلت انا عن الطريق والعديل الذي يعادلك في المحمل أو نحوه ما كان وسمعت العرب تقول: اللهم لا عدل لك أي لا مثل لك وفي الكفارة (عدل ذلك) أي مثله في العدل، لا بالنظير بعينه والعدل الفداء، لقوله: " لا يقبل منها عدل " وقيل ايضا: ان العدل: الفريضة والصرف: النافلة وقوله " بربهم يعدلون(1) " أي يشركون وقيل لما يؤكل: معتدل اذا لم يكن فيه ضرر من حر أو برد وتقول عدلته أى اقمته حتى اعتدل واستقام وعدلت فلانا عن طريقه والدابة عن طريقها: إذا عطفتها فانعدلت وانعدل(2) الطريق.

ويقولون الطريق يعدل إلى مكان كذا وكذا فاذا أراد الاعوجاج نفسه قال: ينعدل في مكان كذا وكذا أي ينعوج، والاعتدال: الاستواء فلان عدل حسن العدالة، واصل الباب العدل الذي هو الاستقامة والعدل المذكور في الآية الفدية روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وهو قول ابن عباس وابي الغالية وقال قوم هو بدل والفرق بين العدل والعدل ان العدل بالكسر المثل تقول عندي عدل جاريتك أي جارية مثلها فاذا قلت عندي عدل جاريتك يجوز ان يكون قيمتها من الثمن ومن قرأ بالتاء فلان الشفاعة مؤنثة ومن ذكر قال: لان التأنيث ليس بحقيقي ولان الفعل تقدم على المؤنث فاشبه علامة التثنية والجمع اذا تقدم الفعل سقط كذلك ههنا ومثله قوله: " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " وكقول الشاعر:

___________________________________

(1) سورة الانعام: آية 1. وسورة الانعام: آية 150.

(2) في المطبوعة " العدل ".

[216]

فلا مزنة ودقت ودقها *** ولا ارض ابقل ابقالها(1)

والتاء اجود، لانه أصل والياء حسن قوله " ولا هم ينصرون "

اللغة: والنصر والمعونة والتقوية نظائر وضد النصر الخذلان يقال: نصرته نصرا وانتصر انتصارا واستنصر استنصارا وتناصر تناصرا قال صاحب العين: النصر عون المظلوم وفي الحديث: انصر اخاك ظالما ومظلوما معناه ان كان مظلوما فامنع منه الظلم وان كان ظالما فامنعه من الظلم وانهه والانصار: كالنصار وانصار النبي " ص " اعوانه وانتصر فلان: اذا انتقم من ظالمه والنصير الناصر والتنصر الدخول في النصرانية والنصارى منسوبون إلى ناصرة، وهي موضع ونصرت السماء اذا امطرت قال الشاعر:

اذا خرج الشهر الحرام فودعي *** بلاد تميم وانصري ارض عامر

ونصرت الرجل: اذا اعطيته وانشد:

ابوك الذي اجدى علي بنصرة *** فاسكت عني بعده كل قائل

وأصل الباب والمعونة والنصرة قد تكون بالحجة وقد تكون بالغلبة فالله (عز وجل) ينصر جميع المؤمنين بالحجة التي تؤيدهم واما النصر بالغلبة فبحسب المصلحة ولا يدل وقع الغلبة لبعض المؤمنين على انه مسخوط عليه كما انه ليس في تخلية الله بين الكفار وبين الانبياء دلالة على حال منكرة وقد قتل الكفار كثيرا من الانبياء ونالوا منهم بضروب من الاذى قال الله تعالى " ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق "(2)

وقوله: ثم بغي عليه لينصره الله معناه بالغلبة واما ما يأخذ له بالحق من الباغي عليه، لينصر به من الله للمبغي عليه واقعة لا محالة والخذلان لا يكون الا للظالمين، لان الله تعالى لا يخذل اولياء‌ه واهل طاعته

___________________________________

(1) مر هذا البيت: 1: 126.

(2) سورة الحج: آية 60.

[217]

وقوله: " ان ينصركم الله فلا غالب لكم "(1) أي بالمعونة التي توجب الغلبة، لان الله تعالى يقدر على اعطائهم ما يغلبون به كل من نازعهم، ويستعلون على كل من ناوأهم وحد النصرة: المعونة على كل من ظهرت منه عداوة، وقد تكون المعونة بالطاعة فلا تكون نصرة والفرق بين النصرة والتقوية ان التقوية قد تكون على صناعة والنصرة لا تكون الا مع منازعة.

فاما قولهم: لا قبل الله منهم صرفا ولا عدلا فقال الحسن البصري: الصرف: العمل والعدل: الفدية وقال الكلبي: الصرف: الفدية والعدل: الفريضة وقال ابوعبيدة: الصرف: الحيلة والعدل: الفدية وقال ابومسلم: الصرف: التوبة والعدل: الفداء.

قوله تعالى: واذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون ابناء‌كم ويستحيون نساء‌كم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم(49)

آية بلا خلاف

هذه الآية عطف على ما تقدم من قوله " اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم " ف‍ " اذا " ههنا متعلقة بذلك كأنه قال اذكروا نعمتي عليكم اذ نجيناكم من آل فرعون ونظيره " والى ثمود اخاهم صالحا "(2) لما تقدم ما يدل على " ارسلنا " وهو قوله: " لقد ارسلنا نوحا إلى قومه "(3) فكأنه قال: وارسلنا إلى ثمود اخاهم صالحا والخطاب وان كان متوجها إلى الحاضرين في الحال، فالمراد به من سلف لهم من الآباء كما يقول القائل: هزمناكم يوم ذي قار، وقتلناكم يوم الفجار(4) وانما يعني الاسلاف قال الاخطل يهجو جريرا:

ولقد سما لكم الهذيل قتالكم *** باراب حيث يقسم الانفالا(5)

وجرير لم يلحق هذيلا

___________________________________

(1) آل عمران: آية 160.

(2) سورة الاعراف: آية 72.

(3) سورة الاعراف آية 58.

(4) في المطبوعة والمخطوطة " الجفار ".

(5) ديوانه، ونقائض جرير والاخطل، والهذيل هذا هو ابن بهرة التغلبي غزا بنى يربوع باراب " وهو ماء لبني رياح بن يربوع " وبني تيم تفزع اولادها باسمه والانفال: الغنائم وفي المطبوعة والمخطوطة " نفيتم " بدل يقسم.

[218]

ولا ادرك اراب وقد بينا ان النعمة على الآباء نعمة على الاولاد، فلا وجه لاعادته.

اللغة: ومعنى " نجيناكم " فالنجاة، والسلامة، والاسعاد، والتخلص نظائر وضد النجاة الهلاك تقول: نجاينجو نجاة وانجاه الله: إنجاء ونجاه تنجية وانتجوا انتجاء واستنجى استنجاء، وتناجوا تناجيا.

قال صاحب العين: نجا ينجو نجاة في السرعة فهو ناج: اي سريع وناقة ناجية اي سريعة وتقول نجوت فلانا اي استنكهته قال الشاعر:

نجوت مجالدا فوجدت منه *** كريح الكلب مات حديث عهد

ونجا بنو فلان اذا احدثوا ذنبا او غيره، والاستنجاء: التنظيف بمدرأ وماء والنجاة هي النجوة من الارض وهي التي لا يعلوها السيل قال الشاعر:

فمن بنجوته كمن بعقوته *** والمستكن من يمشي بقرواح

والنجو: السحاب اول ما ينشا وجمعه نجاء: والنجوة: ما خرج من البطن من ريح وغيرها والنجو: استطلاق البطن يقال: نجا فلان نجوا

والنجو: كلام بين اثنين كالسر والسار تقول ناجيتهم فتناجوا بينهم، وكذلك انتجوا وهم جميعا نجوى وكلامهم نجوى، وفلان نجي فلان اي يناجيه دون غيره قال الشاعر:

إنى اذا ما القوم كانوا انجيه *** واضطرب القوم اضطراب الارشيه

والنجا: ما القيته عن نفسك من ثياب او سلخته عن الشاة تقول: نجوت الجلد انجوه نجا اذا كشطته ونجوت العود اي اقتضبته.

وقال بعض المفسرين في قوله: " فاليوم ننجيك ببدنك "(1) أي نلقيك على نجوة وأصل الباب: النجوة وهي الارتفاع والفرق بين النجاة وبين التخلص ان التخلص قد يكون من تعقيد ليس باذى وليس كذلك النجاة، لانها لا تكون الا من مكروه وكل نجاة: نعمة ولا يقال: لمن لاخوف عليه نجا، لانه لا يكون ناجيا الا مما يخاف مثله

___________________________________

(1) سورة يونس آية: 92.

[219]

قوله " من آل فرعون " فالآل، والاهل، والقرابة، نظائر، وقيل اصل الآل الاهل، لانه يصغر اهيل: وحكى الكسائي: اويل فزعموا انها ابدلت كما قالوا: ايهات وهيهات وكما قالوا ماء واصلها ماه بدليل قولهم مويه في التصغير وفي الجمع: امواه ومياه وقيل: لابل أصل على حياله: والفرق بين الآل والاهل ان الاهل اعم منه يقال أهل الكوفة ولا يقال آل الكوفة ويقال أهل البلد ولا يقال آل البلد وآل فرعون: قومه واتباعه.

وقال صاحب العين: الآل كل شئ يؤول إلى شئ: اذا رجع اليه تقول: طبخت العصير حتى آل إلى كذا واولى كلمة وعيد على وزن فعلى والآل: السراب وآل الرجل: قرابته واهل بيته وآل البعير: الواحه، وما اقترب من او طار جسمه وآل الخيمة عمدها والآلة: شدة من شدائد الدهر قالت الخنساء:

سأحمل نفسي على آلة *** اما عليها وامالها

وآل الجبل: اطرافه ونواحيه، وقال ابن دريد آل كل شئ: شخصه وآل الرجل: اهله وقراباته قال الشاعر:

ولا تبك ميتا بعد ميت اجنه *** علي وعباس وآل ابي بكر

والآلة: الحربة وأصل الباب: الاول وهو الرجوع.

قال ابوعبيدة: سمعت أعرابيا فصيحا يقول أهل مكة آل الله: فقلنا: ما تعني بذلك؟ قال: اليسوا مسلمين، والمسلمون آل الله؟ قال وقال: ليس يجوز ان ينصب رجلا من المسلمين فيقول آل فلان وانما يجوز ذلك للرئيس المتبع وفي شبه مكة لانها ام القرى ومثل فرعون في الضلال واتباع قومه له فان جاوزت هذا فان آل الرجل اهل بيته خاصة فقلنا له: افيقول لقبيلته(1) آل فلان قال: لا إلا أهل بيته خاصة وفرعون اسم لملوك العمالقة كما قيل: قيصر لملك الروم وكسرى: لملك الفرس وخاقان: لملك الترك والاخشاذ: الملك الفراعنة وتبع: لملك التبابعة فهو على هذا بمعنى للصفة، لانه يفيد فيه انه ملك العمالقة بنفس الصفة الجارية عليه وعلى غيره

___________________________________

(1) في المطبوعة والمخطوطة: (فقلت له فتقول للقبيلة).

[220]

وقيل: ان اسم فرعون مصعب بن الريان، وقال محمد ابن اسحاق: هو الوليد بن مصعب ومعنى قوله: " يسومونكم سوء العذاب " اي يولونكم سوء العذاب اللغة: يقال سامه خطة خسفا: اذا اولاه ذلك.

قال الشاعر: ان سيم خسفا وجهه تربدا(1) وقيل يجشمونكم سوء العذاب والسوم، والتجشم، والتجمل، نظائر.

يقال: سامه الشقة وجسمه اياها وحمله اياها بمعنى (واحد) يقال: سام، يسوم، سوما وساومه، واستامه، استياما وتساوموا تساوما وسوم تسويما والسوم سومك سامة ومنه المساومة والاستيام والسوم من سير الابل وهبوب الرياح اذا كان مستمرا في سكون يقال: سامت الرياح وسامت الابل وهي تسوم سوما والسوام هي الغنم السائمة واكثر ما يقال ذلك في الابل خاصة، والسائمة تسوم الكلا سوما: اذا داومت رعيه والراعي يسيمها والمسيم الراعي والسويم: العلامة على الجبل يقال: سوم فلان فرسه: إذا اعلم عليه بحريرة او شئ يعرف به والسما: في الاصل ياء وهاء وواو وهي العلامة التي يعرف بها الخير والشر في الانسان ومنه قوله: " سيماهم في وجوهم "(2) " وتعرفهم بسيماهم "(3) وقوله: " يعرف المجرمون بسيماهم "(4) ويقال سيماء الخير وسمت فلانا سوء العذاب من المشقة.

وقال ابن دريد سام الرجل ما شيته يسومها سوما اذا وعاها فالماشية سائمة والرجل مسيم ولم يقولوا سام خرج من القياس وأصل الباب: السوم(5) الذي هو ارسال الابل في المرعى وقوله: " سوء العذاب " " واليم العذاب " " وشديد العذاب " نظائر يقال: ساء‌ه يسوء‌ه سوء واساء اساء‌ة قال صاحب العين: السوء اسم العذاب الجامع للآفات

___________________________________

(1) الخسف: الظلم والهوان تربد وجهه: تلون من الغضب كانما تسود منه مواضع.

(2) سورة الفتح آية: 29.

(3) سورة البقرة آية: 273.

(4) سورة الرحمن آية: 41.

(5) السوم ساقطة من المخطوطة المطبوعة هامش.

[221]

والداء تقول سؤت فلانا اسوء‌ه مساء‌ة ومسائية: وتقول اردت مساء‌تك ومسائتيك واسأت اليه في الصنع واستاء فلان من السوء كقوله: اهتم من الهم وسؤت فلانا وسوء‌ت له وجهه وتقول لساء ما صنع والسئ والسيئة اسم الخطيئة والسوأى فعلى اسم للفعلة السيئة بمنزلة الحسنى وامرأة سوء قبيحة والسوء‌ة السوأى للفعلة القبيحة يقال للرجل السوء والسوأة الفرج لقوله: " فبدت لهما سوأتهما "(1) والسوأة كل عمل يشين، تقول سوأة لفلان، تعيبه لانه ليس بخير.

والسوأة السؤى: المرأة المخالفة، وتقول في النكرة رجل سوء فاذا عرفته قلت: الرجل السوء لا تضيفه وتقول عمل سوء وعمل السوء ورجل صدق ولا تقول الرجل الصدق لان الرجل ليس من الصدق وكلما ذكر بسئ فهو السوء ويكنى عن البرص بالسوء كقوله: " بيضاء من غير سوء "(2) أي من غير برص وتقول: الاخير في قول السوء ولا في قول السوء فاذا فتحت السين فعلى ما وصفناه واذا ضممته فمعناه لا تقل سوء وأصل الباب: السوء من قولك: ساء يسوء سوء، ثم كثر حتى صار علما على الضر القبيح، فقالوا اساء يسئ اساء‌ة نقيض احسن يحسن احسانا.

وقوله: " يذبحون ابناء‌كم "

اللغة: فالذبح، والنحر، والشنق: نظائر والذبح: فري الاوداج: يقال ذبح ذبحا واستذبح استذباحا: وتذابحوا تذابحا وذبح تذبيحا وأصل الذبح الشق وذبحت المسك اذا فتقت عنه، فهو ذبيح ومذبوح.

والذبح: الشئ المذبوح لقوله: " وفديناه بذبح عظيم "(3) والذباح والذابحة بفتح الباء وتسكينها، داء يصيب الانسان في حلقه وتقول العرب: حي الله هذه الذبحة اي هذه الطلعة والذباح: الشقوق في الرجل اصله: ذباح في رجله والذبح نور أحمر وسعد الذابح: كوكب معروف من منازل القمر

___________________________________

(1) سورة الاعراف آية: 21، وسورة طه آية: 121.

(2) سورة طه آية: 22، وسورة النمل آية: 12، وسورة القصص آية: 32.

(3) سورة الصافات آية: 107.

[222]

قال صاحب العين: الذبح: قطع الحلقوم من باطن وموضعه المذبح والمذبح السكين الذي يذبح به الذباح والذباح نبات من الشجر قال الاعشى: " انما قولك صاب وذبح " وقال آخر: " كان عيني فيها الصاب مذبوح "(1) وأصل الباب الشق.

قوله: " يستحيون نساء‌كم " إنما قال نساء‌كم وهم كانوا لا يستبقون الاطفال من البنات تغليبا، لانهم كانوا يستبقون الصغار والكبار كما يقال: أقبل الرجال وإن كان معهم صبيان، وقيل إن اسم النساء يقع على الكبار والصغار، وقيل: انهم سمعوا بذلك على تقدير انهن يبقين حتى يصرن نساء والمرأة والنساء والزوجات، نظائر ولا واحد للنساء من لفظه ويقال: الرجال والنساء على وجه النقيض. قال صاحب العين: النسوة، والنسوان، والنسين، كل ذلك مثل النساء.

قوله: " وفي ذلكم بلاء من بكم عظيم " البلاء، والاحسان، والنعمة، نظائر في اللغة وبلى، بلى بلى فهو بال والبلاء لغة قال الشاعر:

والمرء يبليه بلاء السربال *** تناكر الليالي واختلاف الاحوال

والبلية الدابة التي كانت تشد في الجاهلية عند قبرصا حبها راسها في الركبة حتى تموت ومنها ما يعقر عند القبر حتى يموت وناقة بلو مثل نضو قد أبلاها السفر والفعل من البلية ابتليت وتقول: بلى الانسان وابتلى والبلاء على وجهين في الخير والشر والله تعالى يبلي العبد بلاء حسنا وبلاء سيئا وابليت فلانا عذرا أي بليت فيما بينه وبيني بما لا لوم علي بعده.

والبلوى: هي البلية، والبلوى التجربة تقول بلوته بلوى وأصل الباب التجربة والبلاء: الامتحان الذي فيه انعام والبلاء، الامتحان الذي فيه انتقام، فاذا اردت الانعام، قلت: ابليته بلاء حسنا وفي الاختيار: تقول بلوته بلاء قال الله تعالى: " ونبلوكم بالخير والشر فتنة "(2)

___________________________________

(1) قاله ابوذؤيب الهذلي وصدر البيت " انى ارقت فبت الليل مشتجرا " وفي المحكم (مرتفقا) بدل " مشتجرا " ولعلهما روايتان والشتجر: الذي يضع يده تحت حنكه مذكر الشدة همه: - لسان العرب -.

(2) سورة الانبياء آية 35.

[223]

وقال في الانعام: " وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا " قال زهير:

جزى الله بالاحسان ما فعلا بكم *** وابلاهما خير البلاء الذي يبلو(1)

فجمع المعنين لانه اراد: وانعم عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده، وقال الاحنف: البلاء ثم الثناء، يعني الانعام، ثم الشكر،

المعنى: وإنما كان في استحياء النساء محنة عليهم وبلوى لهم، لانهم كثيرا يستعبدون، وينكحن على الاسترقاق فهو على رجالهن اعظم من قتلهن وقيل: إنهن كن يستبقين للاذلال، والاستبقاء، محنة، كما ان من أحيي: للتعذيب فحياته نقمة ومن احيي للتلذيذ فحياته نعمة والابناء جمع ابن والمحذوف من الابن عند الاخفش الواو، لانها اثقل وهي بالحذف اولى وقال الزجاج: يجوز أن يكون المحذوف ياء وواو اوهما سيان ولا حجة في النبوة كما لا حجة في الفتوة لقولهم فتيان قال: وقد جاء حذف الياء كما في يد كقولهم يديت اليه يدا وفي دم.

قال الشاعر:

فلو انا على حجر ذبحنا *** جرى الدميان بالخبر اليقين

والقتل الذي هو فري الاوداج، او نقض بنية الحياة يقدر الواحد منا عليه وأما الموت بتسكين الحركة الحيوانية، او فعل ضد الحيوة عند من قال: لها ضد، فلا يقدر عليه غير الله.

الاعراب: وموضع " يسومونكم سوء العذاب " يحتمل أمرين من الاعراب:

احدهما الاستئناف: فيكون موضعه رفعا، كأنه قال: يسومونكم من قبل ذلك سوء العذاب

___________________________________

(1) سورة الانفال آية 17.

(2) ديوانه وروايته " رأى الله.. فأبلاهما ".

[224]

والثاني: - أن يكون موضعه نصبا على الحال من آل فرعون والعامل فيه نجيناكم " يسومونكم سوء العذاب " كان بذبح الابناء واستحياء النساء وقيل: باستعمالهم في الاعمال الشاقة واستحياء النساء كان بان يستبقين وقيل انه كان يفتش احياء النساء عما يلدن، وقيل: انهم كانوا يستحيون ان يلجوا على النساء في بيوتهن اذا انفردن عن الرجال صيانة لهم فعلى هذا يكون انعاما عليهن وهذا بعيد من من اقوال المفسرين والسبب في أن فرعون كان يذبح الابناء ويستحيي النساء.

ما ذكره السدي وغيره، أن فرعون رأى في منامه نارا اقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فاحرقت القبط وتركت بني اسرائيل، واخرجت مصر فدعى السحرة والكهنة والقافة فسألهم عن رؤياه فقالوا: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه - يعنون بيت المقدس - رجل يكون على يده هلاك مصر فامر بني إسرائيل الا يولد لهم غلام إلا ذبحوه ولا جاريه الا تركت وليس في الآية دلالة على سقوط القود عمن قتل غيره مكرها ولا القود على المكره ولا ان كان مختارا غير مكره فالقود عليه لانه لم يجر لذلك ذكر: فان قيل اذا كانوا نجوهم والله انجاهم ما المنكر أن يكون العاصي هو الذي عصى الله والله خلق معصيته؟ قيل: لا يجب ذلك الا ترى انه يقال قد ينجيني زيد فانجو وان لم يكن فعل بلا خلاف وكذلك اذا استنقذنا النبي " ص " من الضلالة فخلصنا لا يجب ان يكون من فعل فعلنا واخبار الله اليهود بهذه القصة على لسان رسوله من دلائل نبوته، لان منشأه معروف وبعده عن مخالطة الكتابيين معلوم.

الآية: 50 - 59

قوله تعالى: واذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم واغرقنا آل فرعون وانتم تنظرون(50)

آية

موضع اذا نصب كما تقدم وهو عطف على ما مضى فكأنه قال: واذ كروا اذ فرقنا بكم البحر: وذلك من جملة نعم الله تعالى التي عددها عليهم مما فعله

[225]

مع اسلافهم ومعنى فرقنا بكم البحر أي فرقنا بين الماء‌ين حتى مررتم فيه وكنتم فرقا بينهما.

اللغة: والفرق والفصل والقطع نظائر: والفرق يقتضي الجمع يقال فرق فرقا وافرق المريض افراقا وافترق الشئ افتراقا واستفرق استفراقا وفرقه تفريقا وتفارقوا تفارقا وتفرق تفرقا وفارقه مفارقة وانفرق انفراقا والفرق موضع المفرق من الرأس والفرق تفريق ما بين الشيئين والفرق فرجك ما بين شيئين تفرق بينهما فرقا، حتى يتفرقا ويفترقا، وتقول تفارق هؤلاه الصبحة أي فارق بعضهم بعضا، وافترقوا وتقول: مشطت الماشطة كذا وكذا فرقا أي كذا وكذا ضربا والفرق طائفة من الناس.

قال أعرابي لصبيان رآهم هؤلاء فرق سوء والفرق: الطائفة من كل شئ، ومن الماء، اذا انفرق بعضه عن بعض وكل طائفة من ذلك فرق.

وقوله: " فكان كل فرق كالطود العظيم "(1) يعني الفرق من الماء، والفريق الطائفة من الناس والفرقة: مصدر الافتراق وهو احد ما خالف فيه مصادر افعل والفرقان: اسم للقرآن وكل كتاب انزل الله وفرق به بين الحق والباطل فهو فرقان وسمى الله تعالى التوراة فرقانا.

وقوله: " يوم الفرقان يوم التقى الجمعان "(2) كان يوم بدر ويوم احد فرق الله بين الحق والباطل والفرق هوالفلق والمفرق هو مكيال لاهل العراق والفرق: الخوف تقول: رجل فروقة وامرأة فروقة والفعل فرق يفرق من كذا فرقا.

وقوله: " وقرآنا فرقناه "(3) مخفف - معناه احكمناه كقوله: " فيها يفرق كل أمر حكيم "(4) وتقول: مفرق ما بين الطرفين وافرق فلان من مرضه افراقا اذا برئ ولا يكون الافراق إلا من مرض لا يصيب الانسان إلا دفعة واحدة: نحو الجدري، والحصبة، وديك افرق: اذا انفرق عرفه وتيس افرق: اذا تباعد طرفا قرنيه ورجل فروقة وكذلك المرأة: مثل، نسابة وعلامة وجاء مصدر فرقته

___________________________________

(1) سورة الشعراء: آية 64.

(2) سورة الانفال: آية 41.

(3) سورة الاسراء آية 106.

(4) سورة الدخان: آية 4 وسورة الرحمن آية 19.

[226]

تفرقة والفرق الذي جاء في الحديث: ما اسكر الفرق فالجرعة منه حرام، مكيال يعرف بالمدينة وفرقة من الناس ومعه فرق واصل الفرق الفصل بين الشيئين والفريقة حلبة تطبخ بتمر للنفساء وغيرها والبحر يسمى بحرا وهو انبساطه وسعته ويقال استبحر فلان في العلم وتبحر لا ستبحاره اذا اتسع فيه وتمكن منه(1) ويقال تبحر الراعي في رعي كثير قال امية الصغير:

انفق نصابك في نفل تبحره *** من الاباطح واحبسها بخلدان

وتبحر فلان في الماء ومن ذلك بحيرة طبرية وهي عشرة اميال في ستة اميال.

وقيل: هي علامة خروج الدجال اذا يبست، فلا يبقى منها قطرة ماء وبحرت اذن الناقة بحرا اذا شققتها وهي البحير وكانت العرب تفعل ذلك اذا انتجت عشرة ابطن فلا تركب ولا ينتفع بظهرها فنهى الله عن ذلك والسائبة التي تسيب فلا ينتفع منها بظهر ولا لبن والوصيلة في الغنم كانت اذا وضعت انثى تركت وان وضعت ذكرا أكله الرجال، دون النساء وان ماتت الانثى الموضوعة اشتركوا في أكلها، وان ولد مع الميتة ذكر حي اتصلت به، كانت للرجال دون النساء ويسمونها وصيلة وقد قيل غير ذلك سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى والباحر الاحمق الذي لبس في حديثه اذا كلم بقي كالمبهوت.

وبحراني منسوب إلى البحرين ودم بحراني وباحر: اذا كان خالص الحمرة من دم الجوف والعرب تسمي المالح والعذب بحرا اذا كثر ومنه قوله: " مرجع البحرين يلتقيان "(2) يعني المالح والعذب وأصل الباب الاتساع والبحر: هو المجرى الواسع الكثير الماء واما المالح: فهو الذي لا يرى حافتيه من في وسطه، لعظمه وكثرة مائه فدجلة بحر بالاضافة إلى الساقية وليست بحرا بالاضافة إلى جدة، وما جرى مجراها

المعنى: ومعنى قوله " فرقنا بكم البحر " أي جعلناكم بين فرقيه تمرون في طريق يبس

___________________________________

(1) في المخطوطة والمطبوعة " فيه ".

(2) سورة طه: آية 77.

[227]

كما قال تعالى: " فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا "(1) وقال: " واوحينا إلى موسى ان اضرب بعصاك البحر فكان كل فرق كالطود العظيم "(2) وقال بعضهم في معنى فرقنا يعني بين الماء وبينكم أي فصلنا بينكم وبينه حجزنا حيث مررتم فيه وهذا خلاف الظاهر، وخلاف ما بينه في الآيات الاخر التي وردت مفسرة لذلك، ومبنية لما ليس فيه اختلاف.

وقوله: " واغرقنا آل فرعون "

اللغة: قال صاحب العين: الغرق: الرسوب في الماء ويشبه به الدين والبلوى والتغريق والتغويص والتغييب نظائر والنجاة ضد الغرق كما انها ضد الهلاك يقال غرق غرقا واغرق في الامر اغراقا وغرقه تغريقا وتغرق تغرقا ورجل غرق وغريق وغرقت السيل واغرقته اذا بلغت به غاية المد في النفوس والفرس اذا خالط، ثم سبقها: يقال اغترقها والغرق من اللبن القليل.

قال ابن دريد: غرق يغرق غرقا في الماء وغرق في الطيب، والمال واصله في الماء وكثر فاستعمل في غيره وكذلك غرق في الذنوب واغرق في الامر يغرق إغراقا: اذا جاوز الحد فيه واصله من نزع السهم حتى يخرجه من كبد القوس واغرورقت عيناه: شرقت بدمعها وجمع غريق: غرقى واصل الباب الغرق: الرسوب في الماء.

وقوله: " وانتم تنظرون " قال المفسرون: وانتم ترون ذلك وتعاينونه.

اللغة: والنظر والبصر والرؤية نظائر في اللغة يقال نظر ينظر نظرا وانظر ينظر انظارا وانتظر انتظارا واستنظر استنظارا وتناظر تناظرا وناظره مناظرة

___________________________________

(1) سورة الشعراء: آية 64.

[228]

قال صاحب العين: نظر ينظر نظرا - بتخفيف - المصدر وتقول: نظرت إلى كذا - من غير ذكر العين - ونظرت في الكتاب ونظرت في الامر وقول القائل انظر إلى الله تعالى، ثم اليك معناه اني اتوقع فضل الله ثم فضلك ويقال: نظرت بعلمي ويقال انظر الدهر اليهم أي اهلكهم قال الشاعر: نظر الدهر اليهم فابتهل والنظر: الاسم من نظر.

وقوله: (لا ينظر اليهم) أي لايرحمهم والمنظور من الناس هو المرجو فضله. ينعت به السيد.

والنظور: الذي لا يغفل عن النظر إلى ما اهمه.

والمناظرة ان تناظر اخاك في امر تنظر انت في ذلك وينظر هو فيه كيف تأتيانه.

والمنظرة موضع في رأس جبل يكون فيه رقيب ينظر فيه إلى العدو ويحرس اصحابه والمنظرة منظرة الرجل اذا نظرت اليه اعجبك أو اساء‌ك.

تقول: انه لذو منظرة بلا مخبرة والمنظر مصدر كالنظر.

والمنظر: الشئ الذي يعجب بالنظر اليه ويسر به تقول: ان فلانا لفي منظر ومسمع وفي ري ومشبع أي فيما أحب النظر اليه.

ونظار بمعنى انتظر في الامر. وناظر العين. النقطة السوداء الخالصة الصافية التي في جوف سوداء العين مما يرى انسان العين والنظير: نظيرك الذي هو مثلك. والانثى نظيرة. وجمعه نظائر في الكلام والانشاء.

ونظرته وانتظرته بمعنى واحد ويقول انظرني يا فلان أي استمع الي لقوله: " لاتقولوا راعنا وقولوا انظرا "(1) وتقول: بعت فلانا فانظرته. أي انسأته والاسم النظرة.

ومنه قوله: " فنظرة إلى ميسرة "(2) أى فانتظار.

واستنظر فلان - من النظرة -: اذا هو سأل والنظر توقع أمر تنتظره وبفلان نظرة أى سوء هيئة وقوله: " انظرونا نقتبس من نوركم(3) أي انتظرونا. واصل الباب كله الاقبال نحوالشئ بوجه من الوجوه.

وقال قوم: إن النظر اذا كان معه إلى، لايحتمل الا الرؤية. وحملوا قوله " إلى ربها ناظرة "(4) على ذلك وقالوا لا يحتمل التأمل. وذلك غلط، لانهم

___________________________________

(1) سورة البقرة: آية 104.

(2) سورة البقرة آية 280.

(3) سورة الحديد: آية 13.

(4) سورة القيامة: آية 23.

[229]

يقولون: انماانظر إلى الله ثم اليك بمعنى اتوقع فضل الله ثم فضلك.

وقال الطريح ابن اسماعيل:

واذا نظرت اليك من ملك *** والبحر دونك جرتني نعماء(1)

وقال جميل بن معمر:

اني اليك لما وعدت لناظر *** نظر الفقير إلى الغني الموسر(2)

وقال آخر:

وجوه يوم بدر ناظرات *** إلى الرحمان تأتي بالفلاح

واتوا ب‍ (إلى) على معنى نظر الانتظار والصحيح ان النظر لا يفيد الرؤية وانما حقيقته تحديق الجارحة الصحيحة نحو المرئي طلبا لرؤيته ولو افاد الرؤية، لما جعل غاية لنفسه، الا تراهم يقولون: ما زلت انظر اليه ولا يقولون ما زلت أراه حتى رأيته، ولانهم يثبتون النظر وينفون الرؤية يقولون: نظرت اليه فلم أره ولا يقولون رأيته فلم أره

المعنى: فاذا ثبت هذا، فالاولى ان نقول: إن تأويل الآية " واغرقنا آل فرعون " وانتم مقبلون عليهم متوقعون له وقال الفراء قد كانوا في شغل من ان ينظروا مستورين بما اكتنفهم من البحر من ان يروا فرعون وغرقه ولكنه كقولك: قد ضربت واهلك ينظرون.

فما اتوك، ولا اعانوك. ومعناه وهم قريب بمرأى ومسمع ومثله قوله: " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل "(3) وليس ههنا رؤية، وانما هو علم، لان الرؤية تستعمل في مثل ذلك يقول القائل رأيت فرعون اعتى الخلق واخبثه وهذا الذي ذكره الفراء محتمل مليح، غيرانه مخالف لقول المفسرين كلهم فانهم لا يختلفون أن اصحاب موسى رأوا انفراق البحر والتطام امواجه بآل فرعون، حتى غرقوا فلا وجه للعدول عن الظاهر مع احتماله ولانهم اذا عاينوا ذلك، كانوا

___________________________________

(1) طريح بن اسماعيل الثقفي شاعر الوليد بن يزيد الاموي وخليله والبيت لم نعثر عليه وهو كما ترى.

(2) لم نحده في ديوانه ولا في بعض مراجعنا الاخرى.

(3) سورة الفرقان: آية 45.

[230]

أشد في قيام الحجة، واعظم في ظهور الآية وذكر الزجاج وجها آخرا قال: معناه وانتم بازائهم كما يقول القائل: دور آل فلان إلى دور آل فلان أي هي بازائها، لانها لا تبصر.

قصة موسى (ع): وقصه فرعون مع بني اسرائيل في البحر.

ولا نعلم جملة ما قال ابن عباس: ان الله اوحى إلى موسى " ان اسر بعبادي إنكم متبعون "(1) فسرى موسى ببني اسرائيل ليلا " فاتبعه فرعون "(2) في الف الف حصان سوى الاثاث. وكان موسى في ستمائة الف.

فلما عاينهم قال: " ان هؤلاء لشرذمة قليلون وانهم لنا لغائظون وانا لجميع حاذرون "(3) فسرى موسى ببني اسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فاذا هو برهج دواب فرعون " فقالوا يا موسى أوذينا من قبل ان تأتينا ومن بعد ماجئتنا "(4) هذا البحر امامنا وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه " قال عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون "(5) قال فاوحى الله إلى موسى " ان اضرب بعصاك البحر " واوحى إلى البحر ان اسمع لموسى واطع اذا ضربك.

قال فبات البحر له أفكل أي له رعدة له يدري من أي جوانبه يضربه. قال فقال يوشع لموسى (ع) بماذا امرت قال: امرت ان اضرب البحر. قال فاضربه.

فضرب موسى البحر بعصاه، فانفلق، فكان اثنا عشر طريقا كالطود العظيم فكان لكل سبط منهم طريق ياخذون فيه فلما اخذوا في الطريق، قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى اصحابنا قالوا لموسى: اصحابنا لا نراهم.

فقال لهم: سيروا فانهم على طريق مثل طريقكم.

فقالوا لا نرضى حتى نراهم.

فيقال ان موسى قال لله تعالى: اللهم اعني على اخلاقهم السيئة. فاوحى الله اليه انقل(6) بعصاك هكذا يمينا وشمالا. فصار فيها كوى ينظر بعضهم إلى بعض.

قال ابن عباس: فساروا حتى خرجوا من البحر. فلما جاز آخر قوم موسى هجم فرعون هو واصحابه وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب(7) حصان. فلما هجم على البحر هاب

___________________________________

(1 و 2) سورة الشعراء: آية 3 -.

(3) الشعراء آية 55 و 56.

(4 و 5) سورة الاعراف آية 128.

(6) والمطبوعة " أن قل ".

(7) طويل الذنب في المطبوعة والمخطوطة " دبوب ".

[231]

الحصان ان يتقحم على البحر، فتمثل له جبرائيل على فرس انثى وديق(1) فلما رآها الحصان تقحم خلفها: وقيل لموسى ترك البحر رهوا أي طرقا على حاله. ودخل فرعون وقومه البحر فلما دخل آخر قوم آل فرعون وجاز آخر قوم موسى، انطبق البحر على فرعون وقومه فاغرقوا.

ويقال نادى فرعون حين رأى من سلطان الله وقدرته ما رأى، وعرف ذلة وخذلة نفسه: لا إله إلا الذي امنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين فان قيل: كيف لم يسوالله بين الخلق في هذه الآيات الباهرات التي اعطاها بني اسرائيل لتكون الحجة أظهر والشبهة أبعد؟ قيل الآيات يظهرها الله على حسب ما يعلم من المصلحة في ذلك، وعلى حد لا ينتهي إلى الالجاء والاضطرار وخولف بين الآيات لهم على قدر حدة اذهان غيره، وكلالة اذهانهم يدل على ذلك ان بعد مشاهدة هذه الآيات قالوا ياموسى أجعل لنا إلها كما لهم الهة.

ولما كانت الغرب من أحد الناس اذهانا وأجودهم أوهاما جاء‌ت الآيات مشاكلة لطباعهم ومجانسة لدقة اذهانهم.

وفي الجميع الحجة الباهرة، والآية القاهرة: وليس يمكن ان يقال انه لو ظهر لهم مثل تلك الآيات، لامنوا لا محالة. على وجه لا يكونون ملجئين اليه لان ذلك لو كان معلوما، لاظهره الله تعالى. فلما لم يظهرها الله علنا انه لم يكن ذلك معلوما وموسى " ع " لم يكن مجتلبا إلى المعارف، لمشاهدته هذه الآيات، لانه كان يقدم له الايمان بالله ومعرفته.

وقوله: " واغرقنا آل فرعون " وان لم يكن في ظاهره انه أغرق فرعون فهو دال عليه. وكأنه قال: وأغرقنا آل فرعون معهم، - وانتم تنظرون - فاختصر لدلالة الكلام عليه، لان الغرض مبني على اهلاك فرعون وقومه ونظيره قول القائل: دخل جيش الامير الباذية. فان الظاهر من ذلك ان الامير معهم.

___________________________________

(1) وديق: تشتهي الفحل.

[232]

قوله تعالى: واذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون(51)

القراء‌اة: قرأ " واعدنا " بغير الف أهل البصرة، وابوجعفر هنا وفي الاعراف، وطه. وقرأ الباقون بالف قبل العين، وقرأ ابن كثير وحفص والبرجمي ورويس (اتخذتم) (واخذتم) وما جاء منه باظهار الذال.

ووافقهم الاعشى فيما كان على وزن افتعلت وافتعلتم. الباقون بالادغام.

حجة من قرأ باثبات الالف دلالة الله على وعده وقبول موسى لانه اذا حسن في مثل قوله: " اخلفوا الله ما وعدوه "(1) الاخبار كان هنا في الاختيار واعدنا.

ومن قرأ بالالف، قال: هو اشد مطابقة للمعنى اذا القبول ليس بوعد في الحقيقة انما هو اخبار الموعود بما يفعل به من خير.

وعلى هذا قوله: " اخلفوا الله لما وعدوه " مجاز حقيقة بما اخبروه انهم فاعلوه وقال جماعة من أهل العلم: ان المواعدة في الحقيقة لا تكون إلا من البشر والله تعالى هو المتفرد بالوعد والوعيد.

كما قال تعالى " واذ يعدكم الله احدى الطائفتين "(2) وقال: " وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات "(3) والقراء‌تان جميعا صحيحتان قويتان اللغة: " واذ " معطوفة على الآيات المتقدمة: كأنه قال: واذكروا اذ وعدنا وبينا وجه الحسن فيه فالوعد، والعدة، والموعد والميعاد، نظائر.

والوعد في الخير والوعيد في الشريقال وحده: وعدا.

واوعده: ايعادا. وواعده: مواعدة. تواعدوا: تواعدا. واتعدوا: اتعادا.

وتوعدوا - في الشر خاصة - قال صاحب العين: الوعد والعدة مصدران ويكونان اسمين.

فاما العدة فيجمع على العدات والوعد لا يجمع. والموعد: موضع التواعد. وهو الميعاد. و يكون الوعد مصدر وعدته. ويكون الموعد وقتا للحين. والموعدة اسم العدة. والميعاد: لايكون

___________________________________

(1) سورة التوبة آية 78.

(2) الانفال آية 9.

(3) سورة المائدة آية 10 والفتح 39 والنور 55.

[233]

إلا وقتا أو موضوعا.

والوعيد من التهدد، أوعدته المكاره ويقال ايضا: وعدته من الشر كقوله: " النار وعدها الله الذين كفروا "(1) ووعد الفحل: اذا هم ان يصول واصل الباب: الوعد الذي هو الخبر بانه سيفعل بالمخبر به خيرا أو شرا.

وقال احمد ابن يحيى: تقول أوعدته، وتسكت أو تجئ بالباء تقول: أوعدته بالشر ولا تقول اوعدته الشر.

وموسى اسم مركب من اسمين بالقبطية (فمو) هوالماء و (سى) شجر. وسمي به، لان التابوت الذي كان فيه موسى وجد عند الماء، والشجر وجدنه جواري آسية امرأة فرعون وقد خرجن ليغتسلن، فسمي بالمكان الذي وجد فيه وهو موسى بن عمران بن يصمر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب اسرائيل الله.

المعنى: وقال: " اربعين ليلة " ولم يقل يوما على عادة العرب في التاريخ بالليالي، لان الاهله تطلع فيها. واعتمادهم على الاهلة.

وقال الاخفش. وعد باتمام اربعين ليلة، أو انقضاء اربعين ليلة كقولك: اليوم أربعون يوما مذ خرج فلان. واليوم يومان: أي تمام يومين.

وقال غيره: الاربعون كلها داخلة في الميعاد.

قال ابو العالية: واعدنا موسى اربعين ليلة يعني ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة وقال غيره: ذا الحجة وعشرا من المحرم. وذلك حين خلف موسى اصحابه واستخلف عليهم هارون فمكث على الطور أربعين ليلة وانزلت عليه التوراة في الالواح. وعن الربيع نحوه.

وقال الطبري: لا يجوز ما قاله الاخفش، لانه خلاف ظاهر التلاوة وما جاء‌ت به الرواية قال الرماني: في هذا غلط ظاهر. ان الوعد لا يتصل وقوعه في الاربعين كلها اذا كان الوعد هو الاخبار الموعود بما فيه النفع، فلم يكن ذلك الخبر في طول تلك المدة فلابد على ذلك ان يكون التقدير على ما قاله الاخفش أو على وعدناه اقامة اربعين ليلة للمناجاة أو غيبته اربعين ليلة عن قومه للمناجاة، وما اشبه ذلك من التقدير.

قال ابوعلي: لا يخلو ان تكون " اربعين " ظرفا مفعولا ثانيا ولا يجوز ان

___________________________________

(1) سورة الحج: آية 72.

[234]

تكون ظرفا، لان الوعد ليس فيها كلها فيكون جواب كم ولا في بعضها فيكون جوابا لمتى. فاذا لم تكن ظرفا كانت منتصبة بوقوعها موقع المفعول الثاني. فيكون تقديره: وعدنا موسى انقضاء اربعين ليلة أو تتمة أربعين ليلة فحذف المضاف كما يقول اليوم خمسة عشر من الشهر أي تمامه.

اللغة: والاربعة عدد يزيد على الثلاثة، وينقص عن الخمسة يقال: ربع يربع ربعا. وربع تربيعا وتربع تربعا.

وارتبع ارتباعا تقول ربعت القوم فانا رابعهم والرابع من الورد وهو ان تحبس الابل عن الماء اربعة ايام ثم ترد يوم الخامس وربعت الحجر بيدي ربعا اذا رفعته عن الارض بيدك. وارتبعت الحجر كذلك.

وربعت الوتر اذا جعلته اربع طاقات، وتقول: أربع على ضلعك، واربع على نفسك، واربع عليك كل ذلك واحد بمعنى انتظر.

والربع المنزل والموطن.

والربع الفصيل الذى نتج في الربيع وما ينتج بالصيف يقال له: هبع وفي المثل ما له هبع ولا ربع.

ورجل ربعة ومربوع: ليس بطويل ولا قصير.

والربعة: الجونة.

والمرباع كانت العرب اذا غزت اخذ رئيس القوم ربع الغنيمة، والباقي بينهم.

واول الاسنان الثنايا، ثم الرباعيات وهي اربعة ثنيتان من تحت وثنيتان من فوق والواحد رباعية واربع الفرس اذا القى رباعية من السنة الاخرى.

والجمع الربع.

والربيعة: هي البيضة من السلاح يقال: ربعت الارض فهي مربوعة من الربيع.

وارتبع القوم: اذا اصابوا ربيعا وحمر ربع ما لي يوم الرابع والمربعة خشبة تشال بها الاحمال، وتوضع على الابل والربع: الباهر.

ورجل مربوع ومربع: اذا اخذته حمى الربع والربيع حظ من الماء للارض ربع يوم او ربع ليلة يقال لفلان في الماء ربيع وربع المال جزء من اربعة ويقال له: ربيع ولم يتجاوز العرب في هذا المعنى الثمين وقال بعضهم: التسيع والعشير والاول اظهر واصل الباب الاربعة من العدد والاربعة تجري تارة على نفس العدد، واخرى على المعدود فاذا اجربته على العدد، قلت اربعة اثواب واذا اجريته على المعدود قلت. اثواب اربعة.

[235]

وليلة وعشية ومساء نظائر ويقال يوم وليلة. على طريق النقيض.

قال صاحب العين: الليل ضد النهار. والليل ظلام الليل. والنهار الضياء. فاذا افردت احدهما من الآخر قلت: ليلة ويوم تصغيرها لييلة اخرجوا الياء الاخيرة من مخرجها في الليالي يقول بعضهم: انما كان بناؤها ليلاء فقصر يقولون: هذه ليلة ليلاء: اذا اشتدت ظلمتها.

قال الكميت: وليلهم الاليل هذا لضرورة الشعر. في الكلام ليلاء. والليلة: الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني. واليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.

قال ابوزيد اتخذنا مالا فنحن نتخذه اتخاذا وتخذت تخذا.

قال ابوعلي اتخذ افتعل ومنه تخذت.

قال الله تعالى: " لو شئت لا تخذت عليه اجرا "(1) وتخذت: لا يتعدى، إلا إلى مفعول واحد واتخذت تارة يتعدى إلى مفعول واحد وتارة إلى مفعولين فتعديه إلى مفعول واحد مثل قوله: " يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا "(2) ومثل قوله: " واتخذوا من دون الله آلهة "(3) وتعديه إلى مفعولين مثل قوله تعالى " اتخذوا ايمانهم جنة "(4) وقوله: لاتتخذوا عدوي وعدوكم اولياء "(5) وقوله: " واتخذتموهم سخريا "(6) ومن ادغم فلقرب مخرج الذال من مخرج التاء ومن لم يدغم فلان مخرجهما متغاير.

والعجل والثور والبقرة نظائر. الا أن العجل هو البقرة الصغيرة ويقال عجل وعجول. واشتقاقه من عجل يعجل عجلة واعجله اعجالا. واستعجل استعجالا. وتعجل تعجلا. وعجل تعجيلا. وعاجلته معاجلة. وتعاجلوا تعاجلا.

ورجل عجل وعجل لغتان. وتقول: استعجلت فلانا أي حثثته واعجلت فلانا اعجله اعجالا وتعجلت خراجه أي كلفته ان يعجله ورجل عجلان وامرأة عجلى وقوم عجال ونسوة عجال.

والعجال الابل.

والعجل عجل الثيران والواحدة عجلة ويجمع على الاعجال والعجالة ما

___________________________________

(1) سورة الكهف: آية 78.

(2) سورة الفرقان: آية 27.

(3) سورة مريم: آية 82.

(4) سورة المجادلة: آية 16.

(5) سورة الممتحنة: آية 1.

(6) المؤمن آية 111.

[236]

تعجلت من شئ.

والعجالة طعام الراكب الذي لا يحسن طبخه ويقال: هو تمر ولبن والعجلة الادواة الصغيرة وهي المطهرة.

والجمع العجال.

والعاجلة: نقيض الآجلة يعني الدنيا والآخرة.

والعاجل: نقيض الآجل عام في كل شئ تقول عاجل وآجل.

والعجل: ولد البقرة.

وجمعه عجاجيل ويقال عجول.

والانثى: عجولة وقوله: " خلق الانسان من عجل "(1) يقال إن آدم " ع " حين بلغ الروح منه إلى الركبتين هم بالنهوض قبل ان تبلغ القدمين فقال الله تعالى: " خلق الانسان من عجل " واورثنا آدم العجلة.

والعجل الظنين: من غير الخليل والعجل خشب يؤلف شبه المحفة تجعل عليه الاثقال. وجمعه الاعجال.

وصاحب عجال واصل الباب العجل الذي هو الاسراع.

والعجلة والسرعة والخفة نظاير ونقيض العجلة التأني ونقيض السرعة: الابطاء وبعد نقيض قبل تقول: كان هذا بعد هذا.

وتقول: بعد بعدا. او ابعده الله إبعادا وتباعد تباعدا وباعده مباعدة. واستبعده استبعادا. وبعده تبعيدا. وتبعد تبعدا.

قال صاحب العين بعد لما يكون على اثر الشئ اذا كان قد مضى فاذا افردوا قالوا: هو من بعد: كقوله تعالى: " لله الامر من قبل ومن بعد "(2) وتقول: بعدا وسحقا.

ويقرأ: " باعد بين اسفارنا "(3) وبعد بمعنى واحد. والابعد نقيض الاقرب.

والجمع: اباعد واقارب ويقرأ " بعدت ثمود " و " بعدت ثمود "(4) ومعناهما واحد إلا انهم يقولون: بعد الرجل وابعده الله والبعد من اللعن يقول: ابعده الله أي لايرثي له مما نزل به وقال ابن دريد: البعد: ضد القرب وبعد ضد قبل.

وسمع ابوزيد العرب تقول: فلان غير بعيد وغير بعد واصل الباب البعد نقيض القرب.

المعنى: ومعنى قوله: " ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون " أي اتخذتموه إلها لان بنفس فعلهم لصورة العجل لا يكونون ظالمين، لان فعل ذلك ليس بمحظور

___________________________________

(1) سورة الانبياء: آية 37.

(2) سورة الروم آية 4.

(3) سورة سبأ آية 19.

(4) سورة هود آية 96.

[237]

وانما هو مكروه وما روي عن النبي " ص " انه لعن المصورين معناه: من شبه الله بخلقه او اعتقد فيه انه صورة فلذلك قدر الحذف في الآية. كانه قال: اتخذتموه الها وذلك انهم عبدوا العجل بعد موسى لما قال لهم السامري: هذا الهكم واله موسى. فنسي اي ترك آلهم ومضى ناسيا. وقيل: بل معنى فنسي اي فترك ما يجب عليه من عبادة الله.

قصة السامرى: وكان سبب عبادتهم العجل ما ذكره ابن عباس.

ان السامري كان رجلا من اهل (با كرم)(1). وكان من قوم يعبدون البقر. وكان حب عبادة البقر في نفسه. وكان قد اظهر الاسلام في بني اسرائيل، فلما قصد موسى إلى ربه خلف هرون في بني اسرائيل: قال لهم هرون: انكم تحملتم اوزارا من زينة آل فرعون، وامتعة وحلي، فتطهروا منها، فانها بخس، واوقد لهم نارا.

وقال لهم: اقذفوا ما كان معكم فيها.

فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الامتعة ووذلك الحلي، فيقذفون به فيها.

حتى اذا انكسر الحلي ورأى السامري اثر فرس جبرئيل، فأخذ ترابا من اثر حافره، ثم اقبل إلى النار.

فقال لهرون يا نبي الله القي ما في يدي؟ قال نعم.

ولم يظن هرون الا انه كبعض ما جاء به غيره من الحلي والامتعة فقذف فيها وقال كن عجلا جسدا له خوار وكان البلاء والفتنه وقال: هذا الهكم واله موسى، فعكفوا عليه واحبوه حبا لم ير مثله قطا.

اللغة: وسمي العجل عجلا مأخوذ من التعجيل لان قصر المدة كالعجل في الشئ.

وقال ابوالعالية: انما سمي العجل عجلا، لانهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى.

وقال الحسن صار العجل لحما ودما.

وقال غيره لا يجوز لان ذلك من معجزات الانبياء.

ومن وافق الحسن قال: ان القبضة من اثر الملك كان الله قد اجرى العادة بانها اذا طرحت على اي صورة كانت حية، فليس ذلك بمعجزة اذ سبيل السامري

___________________________________

(1) هكذا في المطبوعة والمخطوطة وفي مجمع البيان " ياجرمي ".

[238]

فيه وسبيل غيره سواء. ومن لم يجز انقلابه حيا، فاول الخوار على ان السامري جعل فيه خروقا، فدخلها الريح فحدث فيه صوت كالخوار.

وانما قال: " وانتم ظالمون " يعني ظالمي انفسهم اذا دخلوا عليها الضرر بما يستحقون على عبادته من العقوبة والظلم. وقد يكون للنفس وقد يكون للغير.

وانما وصفوا بانهم اتخذوا العجل الها وهي صفة ذم لهم بما لم يفعلوا لرضاهم بما كان عليه اسلافهم، وسلوكهم طرائقهم في المخالفة لامر الله، والذم على الحقيقة على افعالهم فان كان اللفظ على افعال اسلافهم فاخرج اللفظ مخرج من كانهم فعلوا ذلك لسلوكهم تلك الطرق وعدولهم إلى المخالفة.

فالذم متعلق بما كان منهم في الحقيقة، فان قيل: هل هذا الميقات في قوله: واعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر.

قيل: قال ابوعلي وابوبكر بن اخشاذ واسمه احمد بن علي ان هذا ذاك وفي الناس من قال: هو غيره والاول اظهر، وانما ذكر الثلاثين واتمها بعشر والاربعين قد تكمل بعشرين وعشرين، لان الثلاثين اراد بها ذا القعدة وذا الحجة فذكر هذا العدد لمكان الشهر ثم ذكر ما يتم به العدد اربعين ليلة.

وانما قال " اربعين ليلة " ولم يقل اربعين يوما، لتضمن الليالي الايام على قول المبرد، ومعنى ذلك: انه اذا ذكرت الليالي دخلت فيها الايام وليس اذا ذكرت الايام دخلت الليالي فيها.

هكذا هو الاستعمال، والصحيح ان العرب كانت تراعي في حسابها الشهور والايام والاهلة. فاول الشهر الليالي ولذلك ارخت بالليالي وغلبتها على الايام ولذلك صارت الايام تابعة لليالي. واكتفى بذكر الليالي من الايام، فقيل لعشر خلون. ولم يقولوا لعشرة لانه جرى على ما جرى على الليالي.

" واتخذ " قال الرماني: وزنه افتعل واصله يتخذ فقلبت الياء تاء وادغمت في التاء التي بعدها وقال ابوعلي يتخذت وليس من اخذت، لان الهمزة لا تبدل من الياء ولا تبدل الياء منها واتخذت لا تكون افتعلت من اخذت وتكون ابدلت الهمزة ياء ثم ادغمت في التاء كما قالوا يسر الجزور وهو من اليسر لانه لا يجوز على قول اصحابنا لاختلاف الحرفين وفائدة الآية التعجب من قولهم اذ كانوا في مقدار هذه المدة

[239]

اليسيرة لغيبة موسى عنهم اتخذوا العجل الها وادغام الذال عند التاء جائز وتركه أيضا كذلك جائز.

قوله تعالى: ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون(52)

آية بلاخلاف.

قيل في معنى ما وقع العفو عنهم بقوله: (ثم عفونا عنكم) قولان: احدهما - انا تركنا معاجلتكم بالعقوبة من بعد اتخاذكم العجل الها. والآخر - عفونا عنكم بقبول التوبة من عبادة العجل.

اللغة: والعفو، والصفح، والمغفرة، والتجاوز، نظائر. فالمغفرة نقيض العقوبة.

ويقال عفا عفوا واعفاه واعفاء واستعفى استعفاء، وعفى تعفية وعافاه معافاة وتعفى تعفيا.

وتعافى تعافيا، واعتفاه اعتفاء. والعفو احل المال واطيبه. والعفو: المعروف. والعفاة: طلاب المعروف. وهم المعتفون.

تقول: اعتفيت فلانا اذا طلبت معروفه وفضله.

والعافية من الطير والدواب الرزق. اسم جامع لها.

ومنه قوله (ع) من غرس شجرة مثمرة فما اكلت العافية منها كتب له صدقة. والعافية دفاع الله عن العبد يقول عافاه الله من مكروه وهو يعافيه معافاة.

والاستعفاء: ان تطلب إلى من كلفك امرا ان يعفيك منه، وعفى الشئ: اذا كثروا عفيته: اذا اكثرته: قال تعالى " حتى عفوا ". ومنه اعفاء اللحية: اكثارها.

وعفى: درس يقال اخذ من فلان ما عفا، وصفا.

والعفا: التراب نقول: يعفيه العفا. وعليه العفا.

والعفا الدروس قال زهير: على اثار ما ذهب العفاء ومنه عفت الديار.

والريح تعفو الديار عفاء، وعفوا. وتعفت الدار والاثر تعفيا والعفوة والعفوة والعفوة. والجمع العفو: وهي الحمر الافتأ والفتيات.

[240]

والعفاء: ما كثر من الوبر والريش وناقة ذات عفاء كثيرة الوبر طويلة والعفو: ولد الاتان الوحشية.

وأصل الباب: الترك.

ومنه قوله: " فمن عفي له من أخيه شئ " من ترك له.

وعفو الشئ صفوه ومعنى " لعلكم " في الآية لكي تشكروا وقيل: معناه التعريض كانه قال: عرضناكم للشكر.

وقوله: " من بعد ذلك " - وان كان اشارة إلى الواحد - فمعناه الجمع. وانما كان ذلك كذلك، لان ذا اسم مبهم فمرة يأتي على الاصل، ومرة يأتي على مشاكلة اللفظ. اذا كان لفظ المبهم على الواحد وان كان معناه الجمع على انه قد يخاطب بلفظ الواحد ويراد به الجمع كقوله: " يا ايها النبي " ثم قال: " اذا طلقتم النساء ".

وقوله: " من بعد ذلك " إشارة إلى اتخاذهم العجل الها.

وقوله: " لعلكم تشكرون ".

اللغة: فالشكر: هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم.

قال الرماني: الشكر هو الاظهار للنعمة.

والصحيح هو الاول لانه قد يظهر النعمة من لا يكون شاكرا لها. والفرق بين الشكر والمكافاة ان المكأفاة من التكافؤ وهو التساوي، وليس كذلك الشكر ففي مكافأة النعمة دلالة على انه قد استوفى حقها. وقد يكون الشكر مقصرا عنها وان كان ليس على المنعم عليه اكثر منه الا انه كلما ازداد من الشكر، حسن له الازدياد وان لم يكن واجبا لان الواجب لا يكون إلا متناهيا وذلك كالشكر لنعمة الله لو استكثرته غاية الاستكثار لم يكن لينتهي الي حد لا يجوز له الازدياد لعظم نعم الله عزوجل وصغر شكر العبد.

ويقال: شكر شكرا، وشكورا، وتشكر تشكرا.

والشكور، من الدواب ما يكفيه قليل العلف لسمنه. والشكر من الحيوانات: التي تصيب حظا من بقل او مرعى فتغزر ليتها بعد قلة.

يقال اشكر القوم: اذا انزلوا منزلا فاصابت نعمهم شيئا من بقل، فدرت عليه، وانهم ليحلبون شكرة بجزم الكاف وقد شكرت الحلوبة شكرا: والشكير شعر ضعيف ينبت خلال الشيب.

[241]

وكذلك ما ينبت من ساق الشجر قضبان تخرج غفه بين قضبان عاسية يقال له الشكر واشكر ضرع الناقة اذا امتلا لبنا والشكر بضع المرأة.

وأصل الباب: الظهور ولا يستحق الكافر الشكر على وجه الاجلال والانعام، والكافر لايستحق كذلك وانما يجب له مكافاة نعمته كما يجب قضاء دينه على وجه الخروج اليه من غير تعظيم له ويسمى ذلك شكرا والشكر لا يستحق الا على نعمة ومعنى قولنا في الله انه غفور شكور انه يجازي العبد على طاعاته من غير ان ينقصه شيئا مين حقه فجعل المجازاة على الطاعة شكرا في مجاز اللغة ولا يستحق الانسان الشكر على نفسه لانه لا يكون منعما على نفسه كما لايكون مقرضا لنفسه والنعمة تقتضي منعما غير المنعم عليه.

كما أن القرض يقتضي مقترضا، غير المقرض وقد يصح ان يحسن إلى نفسه كما يصح أن يسئ إليها، لان الاحسان من المحسن.

فاذا فعل بها فعلا حسنا ينتفع به، كان محسنا اليها بذلك الفعل، واذا فعل بها قبيحا كان مسيئا اليها.

والشكر متعلق في الآية بعفو الله عنهم، ونعمه عليهم: كانه قال: لتشكروا الله على عفوه عنكم وسائر نعمه عليكم.

قوله تعالى: واذ اتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون(53)

آية.

اللغة: قوله: " واذ " عطف على ما مضى من التذكير بنعمه فكأنه قال: واذ كروا اذ آتينا موسى الكتاب، لان (اذ) اسم للوقت الماضي و (اذا) للوقت المستقبل.

وكذلك تستعمل في الجزاء، لان الجزاء لا يكون إلا بالمستقبل. كقولهم: ان تاتنى آتك ولو تشبه الجزاء من حيث انه لابد لها من الجواب. كما لا بد لحرف الجزاء من الجواب.

[242]

المعنى: وقوله: " و اتينا موسى الكتاب " معناه اعطيناه. والكتاب يريد به التوراة.

وأما الفرقان فقال الفراء وقطرب وتغلب: يحتمل أن يكون اتى موسى كتاب التوراة ومحمد الفرقان: كما قال الشاعر: متقلدا سيفا ورمحا(1) وضعف قوم هذا الوجه، لان فيه حمل القران على المجاز من غير ضرورة مع انه تعالى اخبر انه اتى موسى الفرقان في قوله: " ولقد اتينا موسى وهرون الفرقان وضياء "(2) وقال الفراء: هو كلام مثنى يراد به: التوراة. وكرر لاختلاف اللفظين: كقولهم: بعدا وسحقا، وهما بمعنى واحد.

قال الرماني: هذا المثال لا يشبه الآية، لانه جمع الصفتين لموصوف واحد على معنيين متفقين.

والاولى ان يمثل بقولهم: هو العالم الكريم فجمعت الصفتان لموصوف واحد على معنيين مختلفين وقال عدي ابن زيد:

وقددت الاديم لراهشيه *** والفى قولها كذبا ومينا(3)

وقال قوم: الكتاب: التوراة والفرقان: انفراق البحر لبني اسرائيل. والفرج الذي اتاهم كما قال. " يجعل لكم فرقانا " اي مخرجا.

وقال بعضهم: الفرقان: الحلال والحرام الذي ذكره في التوراة.

وروي عن ابن عباس وابي العالية ومجاهد: ان الفرقان الذي ذكره هو الكتاب الذي اتاه يفرق فيه بين الحق والباطل.

وقال ابن زيد: الفرقان: النصر الذي فرق الله به بين موسى وفرعون: كما فرق بين محمد " ص " وبين المشركين. كما قال: " يوم الفرقان يوم التقى الجمعان "(4).

وقال ابومسلم: هو ما اوتي موسى من الآيات والحجج التي فيها التفرقة بين الحق والباطل.

___________________________________

(1) مر في 1: 65 وهو عجز بيت شطره: ورأيت زوجك في الوغى.

(2) سورة الانبياء: آية 48.

(3) في المخطوطة والمطبوعة (وقدمت).

(4) سورة الانفال: آية 41.

[243]

وقوله: " لعلكم تهتدون ".

المعنى: اي لكي تهتدوا. وقد بيناه فيما مضى وفيه دلالة على انه (تعالى) اراد ان يهتدوا لان هذه اللام لام الغرض وذلك يفسد قول المجبرة إنه اراد منهم الكفر.

فأن قيل: كيف يهتدون بما اوتي موسى من البيان، وما اوتي في التوراة من البرهان مع انقطاع النقل الذي تقوم به الحجة.

قيل: الجواب عنه من وجهين:

احدهما - ان الخطاب لاسلافهم: كما قال: " واذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم واغرقنا آل فرعون وانتم تنظرون ".

والثاني - ان اخبار الرسول لهم ما تقوم به الحجة عليهم، فيمكنهم ان يستدلوا بذلك على ما انعم الله به على اسلافهم، ولانهم مقرون بان موسى (ع) اوتي التوراة بما فيها من الهدى والبينات، فتقوم الحجة عليهم باقرارهم.

قوله تعالى: واذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم(54)

آية بلا خلاف.

القراء‌ة: " بارئكم " اسكن الهمزة فيها ابوعمرو. إلا المعدل وسحارة من طريق الجرمي، وابن مجاهد فكلهم خففوا الهمزة فيها. الا ابا طاهر عن ابن مجاهد عن اسماعيل فانه قلبها ياء.

التقدير واذ كروا ايضا اذ قال موسى لقومه: " يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل ". وظلمهم اياها كان فعلهم بها مالم يكن لهم ان يفعلوه بما يستحق به العقاب.

[244]

وكذلك كل من فعل فعلا يستحق به العقاب فهو ظالم لنفسه.

وقد بينا معنى التوبة فيما مضى.(1)

واما قوله: " إلى بارئكم ".

اللغة: فالبارئ هو الخالق الصانع.

يقال: برأه. واستبرأ استبراء، وتبرأ تبريا، وباراه مباراة، وبرأه براء‌ة، وتبرئة.

قال صاحب العين: البرأ مهموز وهو الخلق تقول برأ الله الخلق وهو يبرؤهم وهو البارئ وقال امية:

الخالق البارئ المصور في *** ال أرحام ماء حتى يصير دما

والبرء السلامة من السقم.

تقول برأ برؤه وبرئت وبرأت وبرؤت براء‌ة.

وتبرأ تبريا لغة في هذا والبراء‌ة من العيب والمكروه لا يقال منه: الا برئ براء وفاعله برئ وفلان برئ وبراء كقوله: إني براء. وامرأة براء. ونسوة براء وبراء على وزن وفعلاء.

ومنه قوله: " انا برآء منكم " جمع برئ.

ومن ترك الهمزة. قال: براء على وزن فعال. وتقول بارأت الرجل اي برئت اليه. وبرئ إلى مثل ذلك. وبارات المراة اي صالحتها على المفارقة وابرات الرجل من الضمان والدين وبرأه تبرئة.

ويقال: ابرأ الله فلانا من المرض إبراء حسنا، والاستبراء: استبراء الجارية والمرأة بان لايطأها حتى تحيض.

والاستبراء نقاء الفرج من القذر. وأصل الباب تبري الشئ من الشئ: وهو انفصاله منه.

وبرأ الله الخلق اي فطرهم، فانهم انفصلوا من العدم إلى الوجود.

والبرية الخلق، فعيلة بمعنى مفعول، لا يهمز كما لا يهمز ملك وان كان اصله من الالوكة.

وقيل البرية مشتقة من البراوة، وهو التراب، فلذلك لم تهمز.

وقيل إنه مأخوذ من بريت العود، فلذلك لم يهمز.

والبراء‌ة من الشئ: المفارقة والمباعدة عنه: وبرئ الله من الكافر: باعده عن رحمته وانواع الفعل كثيرة: منها الخلق، والانشاء، والارتجاع.

والبرء: الفطر.

___________________________________

(1) انظر ص 619 - 170.

[245]

فأما الاحداث، والايجاد والتكوين فكالفعل والجعل: اعم من الفعل، لانه لما وجد بعد ان لم يكن كقولك: جعلت الطين خزفا. فلم يحدث الخزف في الحقيقة، وانما احدث ما صار خزفا.

وقوله: " فاقتلوا "

اللغة: فالقتل والذبح والموت نظائر. وبينها فرق: فالقتل نقض بنية الحياة. والذبح فري الاوداج. والموت عند من اثبته معنى عرض يضاد الحياة.

يقال: قتل يقتل قتلا. واقتتلوا اقتتالا. وتقاتلوا تقاتلا. واستقتل استقتالا. وقتل تقتيلا. وقاتله مقاتلة.

وقوله تعالى: " قاتلهم الله "(1) معناه لعنهم الله.

وقوم اقتال: اي هم اهل الوتر، والترة: اي هم اعداء وتراة.

وتقول: تقتلت الجارية للفتى يصف به العشق.

وقال الشاعر:

تقتلت لي حتى اذا ما قتلني *** تنسكت ما هذا بفعل النواسك(2)

واقتل فلان فلانا: اذا عرضه للقتل.

والمقتل من الدواب الذي قد ذل ومرن على العمل.

وقلب مقتل: اي قتل عشفا.

ومنه قول امرئ القيس: في اعشار قلب مقتل(3)

قال ابن دريد: قتلت الخمر بالماء إذا مزجتها.

قال الشاعر:

ان التي ناولتني فرددتها *** قتلت قتلت فها تها لم تقتل

وتقتل الرجل لحاجة اي يأتي لها.

ويقتل الرجل للمرأة: اذا خضع لها في كلامه وقتل الرجل: عدوه.

والجمع اقتال.

وفلان قتل فلان: أي نظيره، وابن عمه

___________________________________

(1) سورة التوبة: آية 31 وسورة منافقون آية 4.

(2) تقتلت المرأة: تثنت في مشيتها.

(3) معلقته.

والبيت: وما ذرفت عيناك الا لتضربي بسهميك في اعشار قلب مفتل والسهمان: الرقيب والمعلى من سهام الميسر ومعناه استوليت على القلب كله..

[246]

وقتله قتله سوء واقتتلوا بمعنى تقاتلوا ومثله قتلوا قال ابوالنجم: ندافع الشيب ولم يقتل وناقة ذات قتال وذات كيال، اذا كانت غليظة وثيقة الخلق.

في المثل: قتلت ارض جاهلها، وقتل ارضا عالمها.

ومقاتل الانسان: هي التي اذا اصيبت قتلت.

وأصل الباب: القتل وهو نقض البنية التي تصح معها الحياة.

وقال المبرد: واصله اماتة الحركة.

وقوله: " قاتلهم الله انى يؤفكون " اي قد حلوا محل من يقال له هذا القول. اي انزل الله بهم القتل.

ويقول قتله علما اذاايقنه وتحققه.

وقوله: " فاقتلوا انفسكم ".

المعنى: قيل في معناه قولان: احدهما - يقتل بعضكم بعضا. ذهب اليه ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وغيرهم من اهل العلم، كما يقول القائل: قتل آل فلان اذا قتل بعضهم بعضا.

والثاني - ذكره ابن عباس واسحاق واختاره ابوعلي. وهو ان يستسلموا للقتل فجعل استسلامهم للقتل قتلا منهم لا نفسهم على وجه التوسع.

وقيل: ان السبعين الذين اختارهم موسى للميقات امروا بالقتل لمن سأل الرؤية من بني اسرائيل وقيل: إنهم قتلوا انفسهم كما امروا. عمدوا إلى الخناجر وجعل بعضهم يطعن بعضا.

قال ابن عباس وغيره من اهل العلم: ويقال غشتهم ظلمة شديدة فجعل بعضهم يقتل بعضا، ثم انجلت الظلمة، فاجلوا عن سبعين الف قتيل. والسبب الذي لاجله امروا بقتل انفسهم ذكره ابن جريج: ان الله علم ان ناسا منهم علموا ان العجل باطلا فلم يمنعهم ان ينكروا الا خوف القتل، فلذلك بلاهم الله ان يقتل بعضهم بعضا.

وقال الرماني: ولابد ان يكون في الامر بالقتل لطف لهم ولغيرهم، كما يكون في استسلام القاتل لطف له ولغيره. فان قيل كيف يكون في قتلهم نفوسهم لطف لهم، وبعد القتل لا تكليف عليهم. واللطف لا يكون لطفا فيما مضى ولا فيما يقاربه

[247]

قلنا: اذا كان القوم كلفوا ان يقتل بعضهم بعضا وكل واحد منهم يقصد قتل غيره، ويجوز ان يبقى بعده فيكون القتل لطفا له فيما بعد، ولو كان بمقدار زمان يفعل فيه واجبا واحدا: ويمتنع فيه من قبيح. وذلك كما نقول في عبادتنا في قتال المشركين. فان الله تعالى تعبدنا ان نقاتل حتى نقتل ونقتل ومدح على ذلك، فلذلك روى اهل السير ان الذين عبدوا العجل تعبدوا ان يقاتلوا من لم يعبد ويصبروا على ذلك حتى يقتل بعضهم بعضا.

وكان القتل شهادة لمن قتل، وتوبة لمن بقي.

وانما كانت تكون شبهة، لو امروا بان يقتلوا نفوسهم بايديهم.

ولو صح ذلك لكان لا يمتنع بان يكونوا امروا بان يفعلوا بنفوسهم الجراح التي تفضي إلى الموت - وان لم يزل معها العقل فينا في التكليف -.

وأما على القول الآخر وهو انهم امروا بالاستسلام والقتل والصبر عليه فلا مسألة لانهم امروا بقتل نقوسهم. وعلى هذا يكون قتلهم حسنا، لانه لو كان قبيحا لما جاز ان يؤمروا بالاستسلام.

و كذلك نقول: لا يجوز ان يتعبد نبي او امام بان يستسلم للقتل مع قدرته على الدفع عن نفسه، فلا يدفعه لان في ذلك استسلاما للقبيح مع القدرة على الدفع منه، وذلك لايجوز وانما يقع قتل الانبياء والائمة على وجه الظلم، وارتفاع التمكن من الدفع مع الحرص على الدفع. غير انه لا يمتنع ان يتعبد بالصبر على الدفاع.

وتحمل المشقة في ذلك - وان قتله غيره ظلما والقتل - وان كان قبيحا بحكم العقل -، فهو ما يجوز تغيره بان يصير حسنا، لانه جار مجرى سائر الالام.

وليس يجري ذلك مجرى الجهل والكذب الذي ليس يصير قط حسنا ووجه الحسن في القتل انه لطف على ما قلناه، وكما يجوز من الله ان يميت الحي، كذلك يجوز ان يامرنا باماتته ويعوضه على ما يدخل عليه من الالام ويكون فيه لطف على ما قدمناه.

وقوله: " ذلكم " اشارة إلى التوبة مع القتل لانفسهم على ما امرهم الله تعالى به بدلالة قوله.

" فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا انفسكم " فقوله: " توبوا " دال على التوبة، فكانها مذكورة.

[248]

وقوله: " خير " اللغة: فالخير، والنفع، والفضل، والحظ نظائر وضد الخير: الشر.

وضد النفع: الضرر.

تقول: خار الله له الخير خيرة.

واختار اختيارا واستخار فلان استخارة وتخير تخيرا وتخايرا وخيره تخييرا.

وخايره مخايرة ورجل خير وامرأة خيرة: أي فاضلة.

وقوم اخيار، وخيار.

وامرأة خيرة. حقيقة في جمالها، وميسمها.

ومنه قوله: " فيهن خيرات حسان "(1).

وناقه خيار.

ورجل خيار.

وتقول: والجمع خيار.

وتقول: هذه وهذا وهؤلاء خيرتي. وما تختاره.

وتقول: انت بالخيار وانت بالخيار سواء.

والرجل يستخير الضبع واليربوع: اذا جعل حبسه في موضع النافقاء، فخرج من القاصعاء(2).

والخيرة مصدر خار خيرة ساكنة الياء مثل راب ريبة.

واصل الباب الخير نقيض الشر.

والخير: الهيأه المختارة.

وحذفت الياء من قوله: " ياقوم " واثبتت في قوله: " يا ليت قومي " لان ياء الاضافة تحذف في النداء، لانه موضع حذف، يحذف فيه التنوين، ويحذف الامم للترخيم، فلما كانت بالاضافة تحذف في غير النداء، لزم حذفها في النداء.

وأما قوله: " يا ليت قومي يعلمون "(3)، فانها تثبت لانها ياء الاضافة.

لايلحقها ما يوجب حذفها، كما لحق الياء في النداء ويجوز في " ياقوم " كسر الميم وحذف الياء هو اجماع القراء ويجوز بياء ساكنة، ويجوز بفتح الياء وما قرئ بها. فاما إسكان الهمزة.

فالذي رواه سيبويه عن ابي عمرو اختلاس الحركة.

وهو اضبط من غيره والاسكان في مثل هذا يجوز في ضرورة الشعر كقول الشاعر: اذا اعوججن قلت صاحب قوم وكان ينبغي ان يقال صاحب لانه منادى.

وقال امرؤ القيس:

فاليوم فاشرب غير مستحقب *** اثما من الله ولا واغل

___________________________________

(1) سورة الرحمان: آية 70.

(2) النافقاء: حجر اليربوع. القاصعاء مثل النافقاء.

(3) سورة يس: آية 26.

[249]

وقد روى بعضهم صاح قوم.

وروي فاليوم فاشرب وروى بعضهم: فاليوم فاسقي ولا يقال في الله تعالى تائب مطلقا.

وانما يقال: تائب على العبد.

قوله: " فتاب عليكم " فالفاء متعلق بمحذوف كأنه قال ففعلتم او قتلتم انفسكم فتاب عليكم. وكان فيما بقى دلالة عليه.

قوله تعالى: واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون(55)

آية بلا خلاف.

وهذه الآية ايضا عطف على ما تقدم كأنه قال واذكروا اذ قلتم يا موسى لن نصدق حتى نرى لله جهرة.

اللغة: فالرؤيا والنظر والابصار نظائر في اللغة يقال: رأى رؤية ورأى من الرأي رأيا. وأراه لله اراء‌ة وتراء‌ى القوم ترائيا. وارتأى ارتياء وراء‌اه مراء‌اة قال صاحب العين: الرأي رأي القلب والجمع الاراء.

وتقول: ما اضل آراء‌هم على التعجب ورأيهم ايضا ورأيت رؤية وتقول رأيته رأي العين. أي حيث يقع البصر عليه.

وتقول من رأي القلب: ارتأيت.

وتقول: رأيت رؤيا حسنة.

وتقول: رأيت فلانا ذا مسحة في اللون، وزية حسنة في اللباس، والمتاع. والذي يتعرض بزيه كهانة او طبا. وفي بعض اللغات ريت بمعنى رأيته. وعلى ذلك قراء‌ة من قرأ اريت.

قال الشاعر: قد ريت منه عجبا من الكبر وتراء‌ى القوم: إذا رأى بعضهم بعضا وتراء‌ى لي فلان: اذا تصدى لي فاراه والرواء: المنظر في البهاء والجمال.

تقول: امرأة لها رواء وبهاء وسناء أي حسنة.

والمرآة مثل المنظرة والمنظر والمرآة التي ينظر فيها وجمعها مراء‌ى. ومن حول الهمزة قال: مرايا.

تقول مرأت المرأة: اذا نظرت وجهها. وفي الحديث لا يتراء‌ى احدكم في الماء أي لا ينظر فيه.

[250]

ويحذفون الهمزة في كل كلمة تشتق من رأيت اذا كانت الراء ساكنة تقول أريت فلانا فانا مري وهو مري. أي بحذف الهمزة واثبتوها في موضعين في قولهم رأيته فهو مرئي أرأت الناقة والشاة اذا يرى ضرعها انها قد اقربت وانزلت.

وهي مرئى.

والحذف فيه ايضا صواب وتقول: من الظن رأيت ان فلانا اخوك.

ومنهم من يحذف الهمزة يقول ريت انه ومن قلب الهمزة من رأى قال راي مثل ما تقولون: آرتيت واستريت بالمرآة والمرئية: مكسورة الراء مهموزة ممدودة ما ترى المرأة من الحيض صفرة أي بياضا قبلا او بعد او أما البصير بالعين فهو الرؤية.

إلا أن تقول نظرت اليه رأي العين فيه وتقول: ما رأيته إلا رؤية واحدة وتقول للذي يريك الشي مري والمرأة مرية بلا همزة وتقول رأيت فلانا برؤية والمرآة التي تنظر فيها والرأي ما رأيت القوم في حسن البشارة والهيئة قال جرير:

وكل قوم لهم رأي ومختبر *** وليس في تغلب رأي ولا خبر

واصل الباب: الرؤية بالعين وشبه الرؤية بالقلب به بمعنى العلم.

والرأي يرى حال صلاح ويظن خلافها.

والمرية لانها بمنزلة الالة للقلب يرى بها.

والجهرة، والعلانية، والمعاينة نظائر تقول: جهر جهرا أو جاهر مجاهرة، وجهارا. وتجاهروا تجاهرا. ورجل جهير الصوت.

قال صاحب العين: جهر فلان بكلامه، وهو يجهر بقراء‌ته جهارا، واجهر بقراء‌ته اجهارا.

وجاهرتم بالامر جهارا أي عالنتم به اعلانا واجتهر القوم فلانا جهارا: اذا نظروا اليه وكل شئ يبدو فقد جهر ورجل جهير: اذا كان في المنظر والجسم في الناس مجهرا.

وكلام جهير، وصوت جهير أي عال. والفعل منه جهر جهارة. والجهير هو الجرئ المتقدم والجهوري: هو الصوت العالى. والجوهر: كل حجارة يستخرج منها شئ ينتفع به وجوهر كل شئ ما خلقت عليه حلية.

والشاة الجهر التي لا تبصر في الشمس والكبش اجهر وقال بعضهم: جهرت البئر: اذا اخرجت ما فيها من الحمأة، والماء. وبئر مجهورة.

والجهر: ضد السر وجهرني الرجل إذا راعك جماله وهيئته. ورجل جهير ذو رواء واصل الباب الظهور.

[251]

والجهر يقتضي ظاهرا بعد ان يكون خافيا، ليدرك ما لم يكن قبل مدركا ويستدل بالجهر على أنهم أرادوا الرؤية بالعين دون رؤية القلب.

وحقيقة الجهر ظهور الشئ معاينة والفرق بين الجهر والمعاينة أن المعاينة ترجع إلى حال المدرك والجهرة ترجع إلى حال المدرك.

المعنى: ومعنى قوله: " حتى نرى الله جهرة " قال ابن عباس: علانية.

وقال قتادة عيانا. وقد تكون الرؤية غير جهره كالرؤية في النوم والرؤية بالقلب فاذا قال جهرة لم يكن إلا رؤية العين على التحقيق، دون التخيل وسؤالهم الرؤية.

قال قوم: هو كفر لان اجازة الرؤية كفر.

وقال آخرون: ليس بكفر وانما اجازة الرؤية التي تقتضي التشبيه كفر.

فاما هذا القول منهم فكفر اجماعا، لانه رد على الرسول وكل من يلقى قول الرسول بالرد من المكلفين، كان كافرا. واما الصاعقة فانها تكون على ثلاثة اوجه:

أولها - الموت: كقوله: " فصعق من في السموات ومن في الارض "(1) " فاخذتكم الصاعقة "(2).

الثاني - العذاب. كقوله: " فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود "(3).

والثالث - نار تسقط من السماء كقوله: " ويرسل الصواعق "(4) واكثرهم على ان موسى لم يمت بالصاعقة كما مات من سأل الرؤية وقال شاذ منهم: انه مات بالصاعقة وقوله: " وخر موسى صعقا " أي مغشيا عليه عند اكثر المفسرين بدلالة قوله: " فلما افاق " والا فاقة لا تكون إلا من الغشية دون الموت، وإلا لكان قد قال فلما حيي.

وقوله: " جهرة " مشتق من جهرت الركية اجهرها جهرا وجهرة: اذا كان

___________________________________

(1) سورة الزمر: آية 68.

(2) سورة البقرة: آية 55.

(3) سورة حم - السجدة: آية 13.

(4) سورة الرعد آية 14.

[252]

ماؤها قد غطاه الطين، فنقيت حتى ظهر الماء وقيل: اخذ من قولهم: فلان تجاهر بالمعاصي: اذا كان لا يسرها وانما فزعوا بسؤال اسلافهم الرؤية من حيث انهم سلكوا طريقهم في المخالفة للنبي الذي لزمهم اتباعه والتصديق بجميع ما اتى به فجروا على عادة اسلافهم في ذلك الذين كانوا يسألون تارة ان يجعل لهم إلها غير الله ومرة يعبدون العجل من دون الله ومرة يقولون: " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " ومرة يقولون: " اذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون " وقال الزجاج في هذه الآية دلالة على مشركي العرب الذين كانوا ينكرون البعث، لاهل الكتاب مع مخالفتهم الرسول يقرون باذن الله أمات قوما في الدنيا، ثم احياهم وعندنا ان نقل اهل الكتاب لمثل هذا ليس بحجة وانما الحجة في اخبار الله على لسان نبيه وحده اذ كان كلما يخبر به فهو حق وصدق.

واستدل البلخي بهذه الآية على ان الرؤية لا تجوز على الله تعالى. قال لانها انكارهم امرين ردهم على نبيهم، وتجويزهم الرؤية على ربهم وبين ذلك قوله تعالى: فقد سألوا موسى اكبر من ذلك فقالوا ارنا الله جهرة فدل ذلك على ان المراد إنكار الامرين وهذه الآية تدل على قوله: " رب ارني انظر اليك " كان سؤالا لقومه، لانه لا خلاف بين اهل التوراة ان موسى ما سأل الرؤية الا دفعة واحدة.

وهي التي سألها لقومه وقوله: " لن نؤمن لك " تعلق بما يخبرهم به من صفات الله عزوجل، لانهم قالوا لن نؤمن لك بما تخبرنا به من صفاته وما يجوز عليه حتى نراه.

وقيل: انه لما جاء‌هم بالالواح وفيها التوراة قالوا لن نؤمن بان هذا من عند الله حتى نراه جهرة ونرى على وزن نفعل واصله: نرأى قال الشاعر:

أرى عيني ما لم ترأياه كلانا *** عالم بالترهات

فجاء به على الاصل وقال آخر:

ألم تر ما لاقيت والدهر اعصر *** ومن يتمل العيش يراى ويسمع

وانما دعاهم إلى ان قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله شكهم، وحيرتم فيما دعاهم

[253]

اليه موسى (ع) من توحيد الله عزوجل، ولو كانوا عارفين، لكان دعاهم اليه العناد لموسى ومعلوم انهم لم يكونوا معاندين له (ع).

وفي الناس من قال: إن قولهم: جهرة من صفه السؤال على التقديم والتأخير كانه قال: واذا قلتم جهرة لن نؤمن لك حتى نرى الله.

وقال الا كثر إنها من صفة الرؤية.

وهو الاقوى، لان ما قالوه ترك الظاهر، وتقدير التقديم والتأخير ليس هنا إلى ذلك حاجة.

وقوله: " وانتم تنظرون " يعني ما نزل بكم من الصاعقة والموت.

قوله تعالى: ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون(56)

آية بلا خلاف.

قوله: " بعثناكم " احييناكم. عند اكثر المفسرين: كالحسن، وقتادة، وغيرهما. وقال السدي: بعثناكم أنبياء.

والاول أصح لانه ظاهر الكلام. فلا يجوز العدول عنه وأصل البعث: إثارة الشئ من محله، ومنه قيل: بعث فلان راحلته: اذا اثارها من مبركها للسير.

ومنه قولهم بعثت فلانا لحاجتي: اذا اقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجه فيها.

ومن ذلك قيل: ليوم القيامة يوم البعث لانه يوم تثار فيه الناس من قبورهم لموقف الحساب.

اللغة: والبعث والارسال وكل الاطلاق نظائر. يقال: بعثت بعثا. وانبعثت انبعاثا. وتبعثت تبعثة. وبعثته من نومه فانبعث. اي نبهته فانتبه.

وتقول: ضرب البعث على الجند. اذا بعثوا إلى العدو. وكل قوم يبعثون إلى وجه او في امر فهم بعث.

وأصل الباب: البعث وهو الارسال. وكل باعث فاعل. واما المبعوث فقد يكون فاعلا، وقد لا يكون. يقال: بعث الله عليهم ريحا فاقتلعتهم والريح مبعوثة. ويقال: الشهوة للشئ تبعث على الطلب له.

فان قيل: هل يجوز ان يرد الله احدا إلى التكليف بعد ان مات، وعاين ما يضطره إلى معرفته بالله؟ قيل: في ذلك خلاف قال ابوعلي: لا يجوز ذلك إلا على من لم يضطره الله إلى معرفته وقال بعضهم: يجوز التكليف في الحكمة.

[254]

وان اضطر إلى المعرفة. وقول ابي علي أقوى.

واعل الرماني قول ابي علي، فان قيل: لما كانت المعرفة لاجل الطاعات التي كلفها العبد كانت هي الغرض الذي يتبعه سائر الطاعات فلو ارتفع الغرض ارتفع التابع له.

كما ان الغرض في الشرائع الاستصلاح في الاصول التي تجب بالعقل فلو ارتفع ذلك الغرض، ارتفع وجوب العمل بالشرع.

وكما انه لايجوز تكليف الطاعة مع رفع التمكن مع المعرفة من غير ضرورة اليها قال: ووجه القول الثاني أنه لما كان الشكر على النعمة يجب في المشاهد مع الضرورة إلى معرفة النعم، كان الشكر للنعمة التي هي اجل من نعمة كل منعم في الشاهد اولى ان تجب مع الاضطرار إلى المعرفة.

ولابي علي ان يقول لانمنع من الوجوب، لكن لايجوز التكليف، لان الغرض المعرفة. اي هي اصل ما وقع التكليف به للعباد.

والذي اقوله: إن الذي يحيى بعد الاماتة، ان كان لم يخلق له المعرفة الضرورية لم يضطر إليها، فانه يمتنع تكليفه، لان العلم بان الاحياء بعد الاماتة، لايقدر عليه غير الله طريقه الدليل وغوامض الاستدلال، فليس احياؤه بعد الاماتة ما يوجب ان يكون مضطرا إلى معرفته، فلذلك يصح تكليفه، وليس الاحياء بعد الاماتة الا كالانتباه من النوم والافاقة بعد الغشية فان ذلك لايوجب علم الاضطرار.

وان فرضنا انه خلق فيه المعارضة ضرورة، فلا يحسن تكليفه لان حسن التكليف موقوف على ازاحة علة المكلف من فعل اللطف، والاقدار وغير ذلك. ومن جملة الالطاف تكليفه للمعرفة. والضرورية لاتقوم مقامها على ما بيناه في الاصول: واذا لايحسن تكليفه، لانه يصير مكلفا ولم يفعل به ما هو لطف له، وذلك لا يجوز.

وقوله: " لعلكم تشكرون " معناه لكي تشكروا. وهذه لام الغرض.

وفيه دليل على فساد قول المجبرة إن الله تعالى ما اراد من الكفار الشكر، لانه لو اراد كفرهم، لقال: لتكفروا وذلك خلاف القرآن. ومن استدل بها على جوازها كان صحيحا، لان من منع منه واحاله، فالقرآن يكذبه، وان استدل به على وجوب الرجعة وحصولها فلا يصح لان احياء قوم في وقت، ليس بدلالة على احياء آخرين في وقت اخر، ذلك يحتاج إلى دلالة اخرى.

[255]

وقول من قال: لا تجوز الرجعة، لان ذلك معجزة ودلالة على نبوة نبي. وذلك لا يجوز إلا في زمن نبي غير صحيح، لان عندنا يجوز اظهار المعجزات على يد الائمة والصالحين. وقد بيناه في الاصول.

ومن ادعى قيام الحجة بان الخلق لا يردون إلى الدنيا: كما علمنا ان لا نبي بعد نبينا مقترح مبتدع، لما لا دليل على صحته، فانا لا نخالف في ذلك وقال البلخي: لا تجوز الرجعة مع الاعلام بها، لان فيها اغراء بالمعاصي من جهة الاتكال على التوبة في الكرة الثانية.

قال الرماني: هذا ليس بصحيح من قبل انه لو كان فيها اغراء بالمعصية، لكان في إعلام التبقية إلى مدة إغراء بالمعصية.

وقد أعلم الله تعالى نبيه وغيره ابليس: انه يبقيه إلى يوم يبعثون ولم يكن في ذلك إغراء بالمعصية وعندي ان الذي قاله البلخي ليس بصحيحح، لان من يقول بالرجعة، لا يقطع على ان الناس كلهم يرجعون، فيكون، في ذلك اتكال على التوبة في الرجعة، فيصير اغراء. فلا احد من المكلفين الا ويجوز ان لا يرجع. وان قطع على الرجعة في الجملة ويجوز ان لا يرجع، فكفى في باب الزجر.

وأما قول الرماني: إن الله تعالى اعلم اقواما مدة مقامهم، فان ذلك لا يجوز الا فيمن هو معصوم يؤمن من جهة الخطأ كالانبياء ومن يجري مجراهم في كونهم معصومين. فاما من ليس بمعصوم، فلا يجوز ذلك، لانه يصير مغرى بالقبح واما تبقية ابليس مع اعلامه ان يستبقيه إلى يوم القيامة ففيه جوابان.

احدهما - انه انما وعده قطعا بالتبقية بشرط الا يفعل القبيح ومن فعل القبيح حق اخترته عقبه. ولا يكون مغرى.

والثاني - ان الله قد علم انه لا يريد بهذا الاعلام فعلا قبيحا، وإلا لما كان يفعله، وفي ذلك اخراجه من باب الاغراء.

وقد قيل: إن ابليس قد زال عنه التكليف. وانما امكنه الله من وسوسة الخلق تغليظا للتكليف، وزيادة في مشاقهم ويجري ذلك مجرى زيادة الشهوات انه يحسن فعلها إذا كان في خلقها تعريض للثواب الكثير الزائد.

[256]

قوله تعالى: وظللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون(57)

آية بلا خلاف.

قوله: " وظللنا " عطف على قوله " ثم بعثناكم من بعد موتكم " وكأن التقدير ثم بعثناكم من بعد موتكم وظللنا عليكم الغمام. والظلمة والغمامة والسترة نظائر في اللغة.

تقول: ظل يظل ظلولا.

واظل اظلالا. واستظل واستظلالا. وتظلل تظللا. وظلله تظليلا.

قال صاحب العين: تقول ظل نهاره فلان صائما.

ولاتقول العرب: ظل إلا لكل عمل بالنهار. كما لا تقول: بات إلا بالليل. وربما جاء‌ت ظل في اشعارهم نادرا.

ومن العرب من يحذف لام ظللت، ونحوها فاما اهل الحجاز فيكسرون الظاء على كسر اللام التي القيت فيقولون: ظللنا وظللتم.

كما قال تعالى " فظللتم تفكهون "(1) والمصدر: الظلول. فالامر فيه اظلل والظل ضد القبح ونقيضه.

ويقال لسواد الليل، فيسمى ظلا. وجمعه ظلال.

قال الله تعالى: " الم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا "(2) يعني الليل.

والظل في كلام العرب هو الليل.

وتقول اظلتني هذه الشجرة اظلالا.

والمكان الظليل: الدائم الظل. وقد دامت ظلاله.

والظلة كهيئة الصفة، وقوله: " عذاب يوم الظلة "(3) يقال هو عذاب يوم الصفة. والظلة البرطلة.

والاظلال: الدنو يقول قد اظلك فلان اي كأنه القى عليك ظله من قربه.

وتقول لا تجاوز ظل ظلك وملاعب ظله: طائر يسمى بذلك.

والاظل: باطن منسم البعير وجمعه اظلال قال الشاعر: يشكو الوجى من اظلل واظلل

___________________________________

(1) سورة الواقعة آية: 65.

(2) سورة الفرقان آية: 45.

(3) سورة الشعراء آية: 189.

[257]

يعني من اظل واظل.

فاظهر التضعيف بضرورة الشعر قال لبيد: بنكيب معر دامي الاظل(1) اراد بخف نكيب: منكوب نكبته الحجارة معر: ساقط الشعر املس.

والظل كون النهار تغلب عليه الشمس قال رؤبة: كل موضع تكون فنزول عنه ظل وفى. يقالان جميعا. وما سوى ذلك يقال له ظل ولا يقال: فيه الفئ.

والظل الظليل: الجنة قال الله تعالى: " وندخلهم ظلا ظليلا "(2) والظل: الخيال الذي يرى من الجن وغيره.

والمظلة ايضا تتخذ من خشب وغيره يستظل بها والظل: المنعة والعز. كذا ذكر ابن دريد يقال: فلان في ظل فلان اي في عزه وأصل الباب: التظليل. وهو الستر والاظلال الدنو: كدنو الساتر وحد التظليل الستر من علة.

والغمام: السحاب والقطعة منها غمامة تقول: يوم غم، وليلة غمة وامر غام. ورجل مغموم، ومغتم، ذو غم. وفلان في غمة من امره: اذا لم يهتدله.

والغماء: الشديدة من شدائد الدهر، ورجل اغم، وجبهة غماء: كثيرة الشعر تقول منه: غم يغم. وكذلك في القفا.

قال الشاعر:

فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا *** اغم الققا والوجه ليس بانزعا

والغميم: الغمس وهو ان يسحق حتى يغلط.

والغم: ضدالفرح.

والغمة: الغطاء على القلب من الغم.

والغمة: الضيقه تقول: اللهم احسر عنا هذه الغمة أي الضيقة. وغم الهلال اذا غطاه الغيم. وكل شئ غطيته فقد غميته ولذلك سمي الرطب الغموم وهو الذي يوضع في جرة وهو بسر ثم يغطى حتى يرطب.

والغمام اشتق من هذا، لانه يغطى السماء، ورجل أغم.

وامرأة غماء اذا دنا قصاص الشعر من حاجبه حتى يغطى جبهته، وكذلك هو في القفا.

وأصل الباب الغطاء.

المعنى: يوم الغمام الذي ظلل على بني اسرائيل.

قال ابن عباس ومجاهد: لم يكن بالسحاب، ولكنه الذي عنى في قوله: " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من

___________________________________

(1) اللسان (معر) وصدره: وتصك المرو لما هجرن.

(2) سورة النساء آية: 56.

[258]

الغمام ".(1) وهو الغمام الذي اتت فيه الملائكة يوم بدر، ولم يكن لغيرهم.

قال ابن عباس كان معهم في التيه وقيل هو ما ابيض من السحاب.

واما المن قال ابن عباس: هو المن الذي يعرفه الناس يسقط على الشجر وقال قتادة: كان المن ينزل عليهم مثل الثلج. وقيل هو عسل وقيل خبز مرقق وقيل هو الزنجبيل. وقيل هو شئ كالصمغ كان يقع على الاشجار وطعمه كالشهد والعسل عن مجاهد وقال الزجاج: جملة المن ما من الله تعالى على عباده مما لا تعب فيه ولا نصب.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين.

قال بعض اهل العلم يعني بمائها الوسمي الذي يكون منها الكمأ وهو اول مطر يجئ في الخريف. وقيل هو الذي يسقط على الثمام. والمن حلو كالعسل.

وإياه عنى الاعشى في قوله:

لو أطعموا المن والسلوى مكانهم *** ما ابصر الناس طعما فيهم نجعا(2)

وجعله امية بن ابي الصلت في شعره عسلا فقال:

ورأى الله انهم بمضيع *** لا بذي مزرع ولا معمورا(3)

فنساها عليهم غاديات *** ومرى مزنهم خلايا وخورا(4)

عسلا ناطفا وماء فراتا *** وحليبا ذا بهجة مثمورا(5)

الناطف: القاطر والصافي من اللبن والمن قطع الخير قال الله تعالى لهم " اجر غير ممنون " أي غير مقطوع.

والمن: هو الاحسان إلى من لا يستثنيه والاسم هو المنة والله تعالى

___________________________________

(1) سورة البقرة: آية 210.

(2) ديوانه. ومن قصيدة طويلة يمدح بها ذا التاج هوذة ابن علي الحنفي صاحب اليمامة. الطعم: مآكل من الطعام. ونجع الطعام في الانسان: استمرأه آكله وصلح عليه.

(3) ديوانه يقال: هو بدار مضيعة: كانه فيها ضائع. مزرع مصدر ميمي من زرع يعني ليس بذي زرع. معمورا آهل ونصب معمورا عطفا على بذي مزرع في المطبوعة والمخطوطة " ورأى " بدل " فرأى " " مثمورا " بدل " معمورا ".

(4) فنساها من نسأها. ونسأ الدابة زجرها وساقها. غاديات جمع غادية وهي السحابة التي تنشأ غدوة. ومرى الناقة مربا مسح ضرعها لتدر. والمزن جمع مزية وهي السحابة ذات الماء. وخلايا جمع خلية وهي الناقة التي خليت للحلب لغزارة لبنها. الخور: ابل حمر تميل إلى الغبرة. في المخطوطة والمطبوعة بدل " فنساها " " فسناها " وبدل " مرى " " قرى ". وبدل " مزنهم " " منهم " وبدل " وخورا " " وعورا ".

(5) ناطف قطر والفرات. اشد الماء عذوبة.

[259]

المنان علينا الرحيم والمنة: قوة القلب.

يقال ضعيف المنة ويقال ليست لقلبه منة والمنون: الموت. وهو اسم مؤنث.

قال ابن دريد: من يمن منا: اذا اعتقد منه ومن عليه بيد أسداها اليه اذا قرعه بها.

واصل الباب: الاحسان.

فالمن الذي كان يسقط على بني اسرائيل مما من الله عليهم أي أحسن به اليهم.

واما السلوى فقال ابن عباس: هو السماني وقيل: هو طائر كالسماني وواحده سلوى قال الاخفش: لم اسمع له بواحد.

قال: ويجوز ان يكون واحده سلوى مثل جماعته كما قالوا دفلى للواحد والجماعة.

وقال الخليل واحده سلواة قال الشاعر: كما انتفض السلواة بلله القطر ويقال سلا فلان يسلو عن فلان: اذا تسلى عنه. وفلان في سلوة من العيش اذا كان في رغد يسليه الهم.

والسلوان: ماء من شربه ذهب غمه على ما يقال ويقال هذا مثل يضرب لمن سلا عن شئ يقال سقي سلوة وسلوانا.

وقال ابن دريد: سلا يسلو سلوا، وسلوا وسلوة والسلوانة: خرزة زعموا انهم اذا صبوا عليها الماء، فسقي منها الرجل، سلا واصل الباب السلو، وهو زوال الهم.

سبب نزول المن والسلوى: وكان سبب انزال المن والسلوى عليهم انه لما ابتلاهم الله تعالى بالتيه، حين قالوا لموسى: " اذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون "(1) فامرهم بالمسير إلى بيت المقدس، فلما ساروا تاهوا في قدر خمس فراسخ أو الستة. فلما اصبحوا ساروا عادين فامسوا، فاذاهم في مكانهم الذي ارتحلوا منه فلم يزالوا كذلك، حتى تمت اربعين سنة، تفضل عليهم في تلك الحال، واحسن اليهم، وانزل عليهم المن والسلوى.

وكانت ريح الجنوب تحشره عليهم قال ابن جريج: كان الرجل إذا اخذ من المن والسلوى زيادة على طعام يوم واحد، فسد إلا يوم الجمعة فانهم اذا اخذوا طعام يومين لم يفسد.

___________________________________

(1) سورة المائدة آية: 27.

[260]

الاعراب: وموضع " كلوا نصب على وقلنا كلوا كذا قال الرماني: وقيل في معنى " الطيبات " قولان: احدهما - انه المشتهى اللذيذ والثاني - انه المباح الحلال الذي يستلذا كله.

وقوله: " وما ظلمونا "

المعنى: انما يتصل بما قبله بتقدير محذوف فكأنه قال فخالفوا ما امرالله به أو كفروا هذه النعمة.

" وما ظلمونا " قال ابن عباس وما نقصونا، ولكن كانوا انفسهم ينقصون.

وقال غيره: معناه وما ضرونا، ولكن كانوا انفسهم يضرون.

قال ابوعلي الظلم الذي لا يستحقه المضرور ممن قصده وليس للمضرور فيه نفع.

وقال الرماني حقيقة الضرر القبيح.

والصحيح في حقيقه الظلم ما ذكرناه فيما مضى هو الضرر الذي لا نفع فيه يوفي عليه، ولا دفع ضرر اعظم منه عاجلا وآجلا ولا يكون واقعا على وجه المدافعة فاما ما قاله الرماني فهو حد الشئ نفسه، لان السؤال باق ولقائل ان يقول: وماالضرر إلا القبيح، لان كونه قبيحا حكم من احكامه فلابد من بيان ذلك حينئذ.

وما ذكره ابوعلي ينتقض بالالم الواقع على وجه المدافعة وبالالم الذي فيه وجه ضرر اعظم منه عن الضرورة، وبالضرر الذي فيه نفع يوازيه وروي عن عن الصادق (ع) انه قال: المن كان ينزل على بني اسرائيل من بعد طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس فمن نام في ذلك الوقت، لم ينزل عليه نصيبه فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى بعد طلوع الشمس.

[261]

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338946

  • التاريخ : 29/03/2024 - 12:44

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net