يا من لا تبدِّل حكمتَه الوسائلُ

السؤال :

نقلوا في كتب الأدعية عن سيّد الساجدين، علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: «يَا مَنْ لا تُبَدِّلُ حِكْمَتَهُ الْوَسَائِلُ».. وفي نفس الوقت نرى القرآن الكريم يقول: {... وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ...}، بالإضافة إلى ما ورد فيه من آيات تحث على الدعاء وتَعِدُ بالاستجابة. وهذا ينافي ما نقلناه عن الإمام السجاد (عليه السلام)، من أن الوسائل لا تبدّل حكمة الله. فكيف يأمرنا الله بأن نبتغي إليه الوسيلة حال كون الوسائل لا تبدّل حكمته؟.. فهل يكون هذا الكلام المنقول عنه (عليه السلام) مخالفاً للقرآن الكريم، وبالتالي نجزم بعدم صحة نسبته إليه (عليه السلام)؟



الجواب :

إن قول الإمام السجاد (عليه السلام)، في بعض أدعيته: «يَا مَنْ لا تُبَدِّلُ حِكْمَتَهُ الْوَسَائِلُ»، لا يتنافى مع قوله تعالى: {... وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ...} [سورة المائدة: 35]، لأن الوسيلة التي نبتغيها إليه تعالى، لا نريد منها أن تبدل في حكمته سبحانه، ليصبح تصرّفه معنا مخالفاً لما تفرضه الحكمة.. التي هي وضع الأشياء في مواضعها..

بل المراد هو ابتغاء الوسيلة الموصلة إليه تعالى، والتعرّض لفيوضاته، ونعمه التي لا تخرج عن دائرة الحكمة، والتي هي من مظاهر تفضّله، وجوده، وكرمه.

وجوده، وكرمه، وتفضله، لا يتناقض مع حكمته، بل هو ينسجم معها تمام الانسجام..

وكذلك نقول بالنسبة للاستجابة للدعاء وجعله سبباً للرزق، والشفاء، وحل المشكلات، وغير ذلك.. فإنه هو الحكمة بعينها، وليس ناقضاً لها، ولا هو من منافياتها..

فالوسائل كالدعاء، والشفاعة، وغير ذلك، إنما تعني إيجاد مقتضيات وأسباب جديدة، لا بد أن تلحقها مسبباتها، وتؤثر أثرها. وحينئذٍ يكون تعطيلها، وإبطال آثارها، هو النقض الصريح للحكمة، والتجاهل لمقتضياتها وذلك ممّا يتنزّه عنه الحكيم، وهو ظاهر لا يخفى..

فالكلام الوارد عن الإمام السجاد (عليه السلام) في الدعاء هو الحقيقة والواقع، وهو منسجم كل الانسجام مع آيات القرآن، ومع ما هو ثابت عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأهل بيته (عليهم السلام). [مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي: 4 / 44-45، السؤال (300)، بتصرّف يسير].

قال صاحب كتاب (رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين‏: ‏3 / 17) شارحاً العبارة محلّ البحث: المعنى أنّ حكمته تعالى إذا اقتضت وقوع أمر أو لا وقوعه، فلا بدّ من تحقّق ما اقتضته، حكمته، ولا تغيّر ذلك الوسائل من الأعمال التي يتوسّل بها إليه كالدعاء وغيره.

وإلى هذا المعنى أشار من قال: إنّ العلماء بالله لا يتوسّلون إلى الله في أن يبدّل لهم جريان أحكامه بخلاف ما يكرهون، ولا ليغيّر لهم سابق مشيئته ومقتضى حكمته، ولا ليحوّل عنهم سائر سنّته التي قد خلت في عباده من الابتلاء والاختبار.

فإن قلت: قد ورد أنّ الدعاء والصدقة يدفعان البلاء المقدّر.

قلت: دفع ذلك البلاء بالدعاء والصدقة منوط بالحكمة الإلهية أيضاً، وقد كانت الحكمة في وقوعه مشروطة بعدم الدعاء و التصدّق، فلا منافاة.

روى الحميري في قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)، قال: قيل لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله رقى يستشفى بها هل تردّ من قدر الله؟ فقال: إنّها من قدر الله. [قرب الإسناد: ص 45].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=999