حول جملة من آيات القَسَم

السؤال :

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [سورة القلم: 1].

{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 1-7].

{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [سورة التين: 1].

ما معنى يسطرون؟

الله جل وعلا يُقسم (بالقلم والشمس والتين و...) لماذا؟



الجواب :

ورد في تفسير {مَا يَسْطُرُونَ} أي: ما يكتبون. وكأنّه قيل: وأصحاب القلم ومسطوراتهم. أو: وما تكتبه الملائكة ممّا يوحى إليهم، وما يكتبونه من أعمال بني آدم. والقسم جملة من الكلام يؤكد بها الخبر بما يجعله في قسم الصواب. [مجمع البيان: 5/ 225]

وقد يأتي أيضًا لأهمية المُقسم به. من هنا تعمل هذه الأقسام على تحريك الفكر في الإنسان كي يمعن النظر في هذه الموضوعات الهامّة من عالم الخليقة، وليتخذ منها سبيلاً إلى الله سبحانه وتعالى.. [ينظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏20، ص: 231]

فيستعمل القرآن الكريم في بعض الآيات صيغة القسم للتأكيد على أهميّة الموضوع الذي يريد بيانه، والقسم تارة يكون بالذات الإلهيّة الطّاهرة، وفي كثير من الموارد يكون بالموجودات المهمّة كالشّمس والقمر والأرض والسّماء وأمثال ذلك.

وفي الآية الأولى وهي أوّل آية من سورة القَلم، يقسم عزّ وجلّ بالقلم، وكل ما يكتبه القلم: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1].

وفي الحقيقة إنّ ما وقع القسم به هنا، وإن كان في الظّاهر موضوعًا صغيرًا، فهو قطعة خشب وقصبة بسيطة أو ما شابه، وشيء من السّوائل الملونة، وأسطرٍ على صفحات متواضعة، إلّا أنّه في الواقع منبع ظهور الحضارات الإنسانيّة وتقدم العلوم والمعارف ويقظة الفكر وتصوير المذاهب والأديان بصورتها الحقيقية، ومصدر التّربية والتعليم والهداية للبشرية.

ومن هنا، فإنّ العلماء يقسّمون أدوار حياة الإنسان إلى دورين رئيسيين هما «مرحلة ما قبل التّاريخ» و «مرحلة ما بعد التّاريخ»، ويقولون إنّ مرحلة ما بعد التاريخ تبدأ من حين اختراع الخط والكتابة، وعندما استطاع الإنسان أن يمسك القلم بيده ويكتب أحداث حياته على الصفحات، وأمّا قبل ذلك فيسمى بمرحلة ما قبل التاريخ.

ويجب أن لا نغفل عن أنّ هذه الآية نزلت في ‏محيط جاهلي أكثر من أي محيط آخر، حيث لم يكن هناك من يهتم بالقلم والكتابة، ولم يصل عدد الذين كانوا يعرفون الكتابة في‏ مكة ـ وهي أكبر مركز عبادي سيّاسي واقتصادي في الحجاز حسب قول بعض العلماء ـ إلى‏ أكثر من عشرين شخصًا!

فالقَسَم بالقلم في مثل هذا المحيط له من العظمة والجلال الكبيرين ما لا يخفى!

ومن فلسفة القسم في القرآن هو أنّه كان يحفز المسلمين على التأمل في الأمور التي يُقسَمُ بها، وفي هذه الآية كان الأمر كذلك، فصار ذلك سبباً في اتساع أمر القراءة والكتابة والتّأليف وترجمة كتب المجتمعات الاخرى، وانتشار العلوم في العالم الإسلامي‏. [نفحات القرآن، ج‏10، ص:252- 253]

وأما بالنسبة إلى سبب القسم بالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين، فهو على أقوال نذكرها من تفسير الميزان للآيات الكريمة:

فقيل: المراد بالتين والزيتون الفاكهتان المعروفتان أقسم الله بهما لما فيهما من الفوائد الجمة والخواص النافعة، وقيل المراد بهما شجرتا التين والزيتون، وقيل: المراد بالتين الجبل الذي عليه دمشق وبالزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس، ولعل إطلاق اسم الفاكهتين على الجبلين لكونهما منبتيهما ولعل الإقسام بهما لكونهما مبعثي جم غفير من الأنبياء و قيل غير ذلك.

والمراد بطور سينين الجبل الذي كلم الله تعالى فيه موسى بن عمران (عليه السلام)، ويسمى أيضا طور سيناء.

والمراد بهذا البلد الأمين مكة المشرفة لأن الأمن خاصة مشرعة للحرم وهي فيه قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً} [العنكبوت: 67] وفي دعاء إبراهيم (عليه السلام) على ما حكى الله عنه: {رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً} [البقرة: 126]، وفي دعائه ثانياً: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} [إبراهيم: 35].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=978