تنوُّع الضمائر في كلام الخضر (عليه السلام)

السؤال :

في سورة الكهف نقرأ قصّة النبي موسى (عليه السلام) مع العبد الصالح، ولكن نجد اختلاف الإرادة من قبل ذلك العبد في الأفعال الثلاثة:

1- خرق السفينة، يقول: ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾.

2-قتل الغلام، يقول: ﴿فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾.

3-اقامة الجدار، يقول: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا﴾.

فما تفسير الاختلاف في الإرادة؟



الجواب :

أمّا قوله: ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ (سورة الكهف آية رقم 79) فإسناد الخضر (عليه السلام) التعييب لنفسه كان لغرض التعبير عن كمال التأدُّب مع الله سبحانه وتعالى حيث إنَّ مدلول التعييب يستبطن معنىً في ذهن المتلقي لا يليق بساحة المولى جلَّ وعلا وهو النقص، لذلك أسند الخضر (عليه السلام) إرادة فعل التعييب إلى نفسه تأدّباً.

فمساق هذه الآية المباركة مساق قوله تعالى على لسان إبراهيم (عليه السلام) ﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ (سورة الشعراء آية رقم 77-80).

فهو قد أسند الخلق والهداية لله تعالى، وكذلك أسند الإطعام والإرواء لله تعالى حيث قال ﴿يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾، ثم لما تحدَّث عن المرض فإنَّه لم يسنده لله جلَّ وعلا بل أسنده لنفسه تأدّباً فقال: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ﴾، ثم لما تحدّث عن الشفاء أسنده لله تعالى فقال: ﴿فَهُوَ يَشْفِينِ﴾.

فلأنَّ مدلول لفظ المرض يستبطن معنًى غير مرغوب فيه لذلك ناسَبَ التأدّبُ عدم إسناد فعله لله جلَّ وعلا.

وأمّا قوله: ﴿فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا﴾ (سورة الكهف آية رقم81) فإسناد الإرادة لضمير الجمع المتكلَّم كان لغرض التعبير عن أنَّ هذه الإرادة لم تكن مختصةً به بل هي إرادة الأبوين أيضاً؛ أي: إنَّ إرادة الإبدال، وَليست إرادة القتلَ، لم تكن مختصّة بالخضر (عليه السلام)، فالأبوان وإنْ كان يشقُّ عليهما موت ابنهما أو قتله، إلا أنَّهما كانا يطمحان في ولدٍ مؤمن مثلهما ولم يكن ابنهما كذلك بل كان كافراً، وكانت مبرَّرات الخشية من أنْ يرهقهما طغياناً وكفراً حاضرة، ولذلك ناسب التعبير بقوله تعالى: ﴿فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ (سورة الكهف آية رقم 81) أي يبدلهما بمن هو زكيٌّ طاهر القلب من الشرك والكفر وبِمَن هو أوصل للرحم حيث إنَّ الأول بمقتضى المقابلة بين البدل والمُبدل لم يكن كذلك بل كان يخشى منه أنْ يُرهق أبويه بطغيانه.

ويحتمل أنَّ الاستعمال لضمير الجمع كان لغرض التعبير عن التفخيم، وذلك لأنَّ قرار القتل من سنخ القرارات الخطيرة التي لا تصدر إلا من ذوي الشأن ولا تصدر إلا بعد التثبُّت، ولذلك أراد الخضر (عليه السلام) من استعمال الجمع الايحاء بذلك.

وأمّا قوله: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾ (سورة الكهف آية رقم 82) فبلوغ الغلامين لأشدّهما معناه صيرورتهما رجلين راشدين، وتدبير ذلك ووقوعه إنَّما يكون عن إرادة الله وحده، ولذلك ناسب إسناد الإرادة للرب جلَّ وعلا فهو وحده من يقدّر أعمار الناس وآجالهم ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ (سورة الواقعة آية رقم 60).

ثم إنَّ الخضر (عليه السلام) أفاد أنَّ كل ما كان قد فعله لم يكن عن أمره فإرادته كانت واقعة في صراط الإرادة الالهية ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾ (سورة الكهف آية رقم 82).

* موقع: هدى القرآن، سماحة الشيخ محمَّد صنقور.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=971