الصيحة وقبض الأرواح

السؤال :

{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [سورة يس: 29]، {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [سورة السجدة: 11]، {قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الجاثية: 26]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة الإسراء: 85].

س: ما هي الصيحة؟ إذا كانت الصيحة عملها قبض الأرواح أين عمل ملك الموت وقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}؟ وكذلك في الآية {قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} ليس لملك الموت أي عمل. إذن ما عمل ملك الموت وأي أفراد يأخذ أرواحهم؟ وكيف يشخص الروح ويقبضها؟

وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} هل يتعامل مع الروح أو شيء غير الروح؟



الجواب :

لا تنافي بين عمل ملك الموت وإحداث تلك الصيحة فالصيحة سبب من أسباب الموت، وملك الموت يقبض الأرواح وإن كانت الأسباب متعدّدة، (وينبغي التفكيك بين سبب الموت وعملية قبض الروح)، وكلاهما يقع بأمره تعالى {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11]؛ فملك الموت مُوَكَّل من قبل الله تعالى بقبض الأرواح ولا يخرج عن أمره سبحانه {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27].

ومما يشار إليه أن >لملك الموت معنى الجنس، وهو يطلق على كلّ الملائكة ... ولمّا كان الجميع يقبضون الأرواح بأمر الله سبحانه، فقد نسب الفعل إلى الله عزّ وجلّ< [انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏13، ص116].

وأما كيف يأخذ الأرواح وكيف يشخصها؟ وهل يتعامل مع الروح أو شيء غير الروح؟

فهذا ـ قبل كل شيء ـ شأن من شؤون الروح وأحوالها، لكن يمكن القول ـ هنا ـ أن الموت هو حالة تتلقى فيها الملائكة روح الإنسان، أي أن الملائكة يقبضون من الإنسان روحه التي هي جوهر وجوده، فتؤخذ هذه الروح إلى العالم الآخر، وهناك مثال يوضح ذلك وهو (النوم)؛ فالنوم قبل أن يكون ظاهرة جسدية هو ظاهرة روحية، ومن دون معرفة الروح بصورة صحيحة، فإن تفسير النوم حالة متعذرة. وهو نوع من أنواع (قبض الروح) وانفصال الروح من الجسد، ولكن هذا الانفصال ليس انفصالاً كاملاً.

وبهذا الشكل فحينما يخفت شعاع الروح في الجسد بأمر من الله، ولا يبقى غير شعاع خافت اللون يشع في ذلك الجسد، يتعطل جهاز الإدراك والشعور عن العمل، ويتوقف الحس والحركة عند الإنسان، عدا بعض الأجزاء التي تبقى تواصل نشاطها لحفظ واستمرار الحياة عند الإنسان، كضربات القلب ودوران الدم ونشاطات الجهاز التنفسي والغذائي [انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏15، ص: 105-106].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «ما من أحد ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء، وبقيت روحه في بدنه، وصار بينهما سبب كشعاع الشمس، فإن أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروح النفس، وإن أذن الله في رد الروح أجابت النفس الروح، فهو قوله سبحانه: {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}<. [مجمع البيان وتفسير الصافي، ذيل الآية الكريمة 42 من سورة الزمر].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=957