إغواء الشيطان وسلطته على من تولاه

السؤال :

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [سورة الحجر: 39-40].

س١ : كيف علم إبليس المخلصين من البشر وهم في أول خلقهم ولم يرَ أعمالهم؟

س٢ : من أين له القدرة التي تمكنه من إغواء جميع البشر؟

س٣: كيف أدرك ماهية تركيبة البشر وسلوكاتهم وتنبأ بإغوائهم كما أغوى آدم (عليه السلام) {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}؟



الجواب :

إن المخلَصين هم الذين أخلصهم الله لنفسه بعدما أخلصوا له أنفسهم؛ فليس لغيره سبحانه عندهم شركة ولا في قلوبهم محل فلا يشتغلون بغيره تعالى، فما ألقاه إليهم الشيطان من حبائله وتزييناته عادَ ذكراً لله مقرباً إليه... [انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج‏12، ص: 165؛ مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏6، ص: 519]

وأما كيف عرف إبليس (الْمُخْلَصِينَ) من البشر وهم في أول خلقهم ولم يرَ أعمالهم؟ وكيف أدرك ماهية تركيبة البشر وسلوكاتهم وتنبأ بإغوائهم كما أغوى آدم (عليه السلام)؟

فإبليس مع كونه من المنحرفين العاصين، إلا انه لا زال يقرّ بقدرة الله تعالى وأنه حينما يعصم جَمعاً من عباده بسبب إخلاصهم لله عز وجل، فلا سلطة له عليهم حينئذٍ {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [سورة الحجر: 39-40]، {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99].

ثم إنه كان أيضاً على علم واطلاع سابق بقضية خلق آدم وبقول الله تعالى للملائكة بأنه {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...} [سورة البقرة: 30] - إلى قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 38] فعرف أن هذا المخلوق الإنسي واقع تحت طائلة الامتحان والاختبار، فإن اتبع هدى الله تعالى فلا سلطان لأحد عليه حينئذٍ بعدما أخلص نفسه لله تعالى فأخلصه الله لنفسه {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر : 42]. فقد يزين لهم، لكنه يعجز عن إغوائهم بما حملوه من صفات أهلتهم لأن يكونوا كذلك.

ولكن، هل لإبليس زمام السيطرة على عموم الناس؟ ومن أين له تلك القدرة على إغواء البشر؟

يجيبنا القرآن الكريم عن ذلك بأن سلطة إبليس إنما تنصبّ على مَن تولاه واتبعه، لا غير، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100]}، كما نشاهده كثيراً في حياتنا اليومية من إغواء بعض الناس البعض الآخر أيضاً.

ويجب أن لا نتصور أن الوساوس الشيطانية تسلب الإرادة والاختيار من الإنسان، مهما بلغت تلك الوساوس، بل يمكن للإنسان بقوّة العقل والإيمان أن يقف أمام تلك الوساوس ومقاومتها. وينبغي أن نعلم أن الشيطان لمّا يئس من إيجاد الخلل في العبد المؤمن، تعرض له بتلك الخواطر والوساوس لإضعافه وإيذائه. فالقرار الفعلي يرجع بالكامل إلى الإنسان وحده وهو الذي يحدد مصير نفسه.

ويجب أن نعلم أيضاً بأن التثبيت الإلهي لا ينقطع عن العبد المؤمن المطيع لربّه، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...} [سورة إبراهيم: 27] وهكذا يشرق قلب العبد بنور الهداية حتى لا تخفى عليه مكائد الشيطان وتسويلات النفس.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=956