التقليد في العقائد

السؤال :

هل يجوز التقليد في العقائد كما في العبادات؟ وإذا كان الجواب: لا يجوز، ما هو السبب؟



الجواب :

المشهور بين علمائنا: عدم جواز التقليد في العقائد، وذلك لأنّ الاعتقادات أُمور عقلية تفتقر إلى تصديق وإذعان، ولا ينفع معها مجرّد التقليد، فالمعرفة التفصيلية بأُصول الاعتقادات هي المقوّمة لحصول الإيمان، وبقدر هذه المعرفة يتفاوت المؤمنون فيما بينهم في الدرجات.

يقول السيّد المرتضى في (رسائله): "ولا يجوز أن يكون في الأُصول مقلّداً؛ لأنّ التقليد في الفروع إنّما جاز من حيث أمن هذا المقلّد من كون ذلك قبيحاً - يعني: الاستفتاء - وإنّما يأمن منه لمعرفته بالأُصول، وإنّها سوّغت له الاستفتاء فقطع على صحّة ذلك؛ لتقدّم علمه بالأُصول الدالّة عليه.. والأُصول لا يمكن التقليد فيها على وجه يقطع على صحّته ويؤمن من القبيح فيه، لأنّه ليس وراءها ما يستدلّ إلى ذلك، كما قلنا في الفروع، فلا بدّ أن يكون عالماًً بصحّة الأُصول، إمّا على الجملة، أو على التفصيل" [رسائل المرتضى 2: 321 جوابات الرسائل الرسية الأولى، المسألة الثانية: كيفية رجوع العامّي إلى العالم].

ويقول السيّد الخوئي في كتاب (الاجتهاد والتقليد): "قد عرفت أنّ التقليد هو الاستناد إلى فتوى الغير في مقام العمل، والوجه في وجوبه، على ما قدّمناه استقلال العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب، ولا يتأتّى هذا فيما اعتبر فيه اليقين والاعتقاد، كما في الأُصول، كالتوحيد والنبوّة والمعاد؛ لوضوح أنّه لا عمل في تلك الأُمور حتّى يستند فيها إلى قول الغير، أو لا يستند، فإنّ المطلوب فيها هو: اليقين والاعتقاد ونحوهما، ممّا لا يمكن أن يحصل بالتقليد، فلا معنى له في مثلها، بل لو عقد القلب - في تلك الأُمور - على ما يقوله الغير لم يكتفِ به بوجه؛ إذ المعتبر في الأُصول إنّما هو اليقين والعرفان والاعتقاد، وشيء من ذلك لا يتحقّق بعقد القلب على ما يقوله الغير, بل هذا هو القدر المتيقّن ممّا دلّ على ذم التقليد واتّباع قول الغير في الأُصول؛ لقوله عزّ من قائل: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22]. نعم، هناك كلام آخر في أنّه إذا حصل له اليقين من قول الغير يكتفي به في الأُصول، أو يعتبر أن يكون اليقين فيها مستنداً إلى الدليل والبرهان؟ إلاّ أنّه أمر آخر أجنبي عمّا نحن بصدده، وإن كان الصحيح: جواز الاكتفاء به؛ إذ المطلوب في الاعتقاديات هو: العلم واليقين، بلا فرق في ذلك بين أسبابهما وطرقهما.. بل حصول اليقين في قول الغير يرجع في الحقيقة إلى اليقين بالبرهان؛ لأنّه يتشكّل عند المكلّف حينئذ في صغرى وكبرى، فيقول: هذا ما أخبر به أو اعتقده جماعة، وما أخبر به جماعة فهو حقّ، ونتيجتهما أنّ ذلك الأمر حقّ، فيحصل فيه اليقين بإخبارهم" [الاجتهاد والتقليد: 411 المسألة (67)].

ومنه ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري مستظهراً بكلام الصدر في (شرح الوافية)، والطوسي في (العدّة)؛ إذ ذكر ما حاصله: "جواز التقليد في الاعتقاد إذا حصل منه الجزم وطابق الواقع، ويسقط به وجوب النظر والاستدلال عنه؛ لأنّ التقليد لا يكون إلاّ عن دليل إجمالي ظنّي.. وأمّا غير الجازم العارف بوجوب النظر والاستدلال، فهو فاسق عاصٍ بترك تحصيل الاعتقاد عن دليل قطعي، لأنّ وظيفة المكلّف هو الامتثال في تحصيل القطع بالعقائد" [فرائد الأُصول 1: 573 المقصد الثاني في الظنّ/ الدليل العقلي على حجّية مطلق الظنّ/الأمر الخامس].

أمّا ما يتعلّق بالإمامة فإنّ فيها أدلّة تفصيلية، وقد أُلّفت مؤلّفات كثيرة تبحث في هذا الأصل، وقد ألّف العلاّمة الحلّي كتاب (الألفين)، والموجود منه ألف دليل على الإمامة، وبحث بحثاً تفصيلياً في أدلّة ذلك الأصل.

* مركز الأبحاث العقائدية، بتصرّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=947