الإنسان بين المدح والذمّ

السؤال :

{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} [سورة الإسراء: 100]، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‏} [سورة الروم: 30]، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [سورة التين: 4]

س: ما معنى قتوراً؟ إذا كان معنى قتور (بخيل أو لا ينفق على أحد) لماذا لم يستثن أحداً وقوله تعالى {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}؟

س : لماذا في كثير من الآيات الله عز وجل يذم فيها الإنسان ومن ناحية قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}؟ ما معنى في أحسن تقويم؟ والمعنى حسب تفسير الميزان (خلقه في أحسن تقويم اشتمال التقويم عليه في جميع شؤونه وجهات وجوده)؟ وإذا كان كذلك، هل خلق الإنسان تكويني أو تشريعي على هذه الحالة التي يتصف فيها الانسان بالذم والتوبيخ. ونحن نعلم أن فطرة الإنسان سليمة. قوله تعالى: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ}؟



الجواب :

وكان الانسان قتوراً بمعنى أن من طبيعة الإنسان أنه قتور أي بخيل وحريص على أمواله فعنده غريزة حب التملّك، ونظيره الآية الكريمة {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]، والآية {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] أي من طبيعته أنه هكذا [انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏9، ص: 159]. لكن الله تعالى ـ في المقابل ـ أعطى الإنسان الإرادة وقدرة التحكم بغرائزه وتوجيهها.

أما الآيات التي تمدح الإنسان فلا تنافي الآيات المتعرّضة لذمه، لأن آيات المدح تتحدث ـ في جملة ما تتحدث ـ عن الاستعدادات والقدرات العظيمة التي خص بها الإنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء : 70] {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ... ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12-14]

ومعنى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} فهو كما قال صاحب تفسير الميزان (رحمه الله)، فالله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم من الجانب الجسمي والروحي والاستعدادات، ووضع له قانوناً وتشريعاً كاملاً يهتم بكافة شؤونه وحالاته، إلا أن الإنسان له اختيار أحد طريقين؛ طريق الخير أو طريق الشر {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]  {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان : 3]، فهو ممدوح إن اختار طريق الخير، ومذموم إن اختار طريق الشر. فالقدرة والاستعداد والقانون التشريعي كلها أمور جاهزة ومهيَّأة للإنسان ولا يبقى عليه إلا التحرّك والعمل بطاعة الله تبارك وتعالى ونبذ معصيته، وبهذا يُثاب ويُعاقب.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=936