شبهات حول الأنبياء (عليهم السلام)

السؤال :

{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20]، {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء : 87].

س: ماذا أراد الله عز وجل من الذكر على لسان أنبيائه (عليهم السلام) قولهم لنبي الله موسى (عليه السلام) {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} ولنبي الله يونس (عليه السلام) {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ألا يعتبر هذا نقصاً لهم؟

س: وهل قولهم (من الضالين ومن الظالمين) نعتبره هذا من الخطأ؟ وإذا كان من الخطأ هل يجوز لنا أن نقول أن الأنبياء أخطأوا وهم معصومون من الخطأ؟



الجواب :

للإجابة عن الشبهات بخصوص الأنبياء (عليهم السلام) بشكل عام يلزم التنبيه إلى ذكر مقدّمتين مهمّتين:

 

1- هناك قاعدة عُقلائية يأخذ بها جميع العقلاء ـ بغض النظر عن طبيعة دياناتهم ـ وهي أن الشكوك والشبهات لا يمكن أن تقف أمام العلم واليقين بحالٍ من الأحوال، فالشك درجته أقل بكثير من العلم، ولا يمكن إزالته إلا بعلم آخر مثله؛ فعلمنا بفضل الأنبياء (عليهم السلام) وأن الله تعالى قد اختارهم على علم سابق منه، وعلمنا بما يتحلّون به من صفات حميدة وخصال فريدة كما يشهد القرآن نفسه والتاريخ بذلك، لا يمكن أن يزول هذا العلم بمجرّد اختلاج شبهة في الذهن، قد يكون سببها عدم التدبّر في معاني الآيات الكريمة ـ وما أكثره ـ ، ومعرفة وافية بطبيعة الأحداث التي نزلت فيها تلك الآيات المباركات، كما هو شأن الكثير من الأحداث التاريخية والقضايا المعاصرة، كما في شؤون القضاء من طرق إثبات الدعوى، وغير ذلك مما نراه في حياتنا اليومية.

2- أنه إذا وردت آية كريمة فيها ما يحتمل أكثر من معنى، فينبغي استبعاد المعنى أو المعاني التي لا تنسجم مع ما ثبت لدينا بطريق العلم واليقين، وتفسيرها بما ينسجم مع العلم واليقين، وهذا أيضاً مما لا غبار عليه.

ثم إن كون نبي الله موسى (عليه السلام) قد قتل شخصاً وقال: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [سورة الشعراء، 20]، حينما أجاب فرعون بعدما عاتبه على ذلك. نقول: من أين يُعلم أن نسبة الضلال هنا هي للقتل وليس لشيء آخر؟ ومن أين يُعلم أن كلمة (الضالّين) هنا هي بمعنى الضلال عن الحق والطريق المستقيم مع احتمالها لمعانٍ أُخرى؟ فلا دليل على ذلك أوّلاً، وثانياً: إن يقيننا وعلمنا بالأنبياء (عليهم السلام) ـ كما ثبت في المقدّمتين أعلاه ـ يستبعد كل معنى مخالف لهذا العلم واليقين، وهذا واضح.

إذاً لا بد أن يكون معنى الضلال هنا غير ما ذُكر، ولا بد أن يكون منسجماً مع ما ثبت لدينا بالعلم واليقين، كالضلالة عن الطريق وهو ما ورد عن طريق النقل حيث روي أن المأمون سأل الإمام الرضا (عليه السلام) عن أسئلة؛ منها: ما معنى قول موسى لفرعون: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [سورة الشعراء، 20]؟ قال الإمام الرضا (عليه السلام): إن فرعون قال لموسى لما أتاه: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، {قَالَ} موسى {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك، {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}< [الاحتجاج للشيخ الطبرسي، ج2، ص219].

وأما عن نبي الله يونس (عليه السلام) فقوله: {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} أي: من الذين يقع منهم الظلم وإنما قاله على سبيل الخشوع والخضوع لأن جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم‏. [انظر: مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏7، ص: 96]

فبعد ثبوت ضرورة عصمة الأنبياء عقلاً ونقلاً، فلابد ـ طبقاً لما مر في المقدّمتين ـ أن نختار من المعاني ما يناسب عصمتهم (عليهم السلام).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=919