حكم خروج الزوجة بلا إذن زوجها في بُعده الشرعي والاجتماعي

السؤال :

ما حكم خروج الزوجة بلا إذن زوجها في بُعده الشرعي والاجتماعي؟



الجواب :

قال تعالى في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

عدّ الله سبحانه حالة الألفة والسكينة والود بين الزوجين من آياته الباهرات ودلائله العظيمة وعبرة لأولى الألباب. وعليه، يتوجب على كلّ زوج وزوجة المحافظة على هذه المنحة الإلهية، امتثالاً لأوامر الله عز وجل وللحيلولة دون انفصام عرى الزوجية وتهدّم صرح الأسرة بأكمله.

والزوجة باعتبارها صاحبة دور خطير وحساس في حفظ هذا الكيان كونها سيدة المنزل زوجةً وأُمّاً في آن واحد، وبما أن الله تبارك وتعالى أعطاها القدرة على حفظ تماسك الأسرة بما لها من عاطفة متوقّدة تتمتع بها، وإمكانية حفظ أجواء الألفة والود بين أفراد أسرتها، فقد أولت الشريعة المقدّسة مجموعة أحكام خاصة بالزوجة لمكانتها المهمة والخطيرة، في قبال أحكام أخرى متوجهة للرجل، بما يناسب دور كل منهما ومسؤوليته لأجل ديمومة الأسرة وصونها من التفكّك والانحراف.

لكن بعض الأزواج يشتكون من تعنّت الزوجة وعنادها وخروجها من المنزل بلا إذن أو رضى منه، الأمر الذي قد يغيظ الزوج منها، مما يحدث مشاكل زوجية كبيرة تتفاقم مع الأيام، وقد تؤدي ـ لا قدّر الله ـ إلى انفصالهما بالطلاق وتفكّك العائلة.

ورأينا أن نتناول هذه القضية المهمة (أي: خروج الزوجة من المنزل بلا إذن زوجها) من وجهة النظر الفقهية إضافة إلى بُعدها الاجتماعي.

فنقول: بعض الفقهاء يقول: واجب، وبعض الفقهاء يقول: الأحوط وجوباً. ويقول السيد السيستاني: واجب، يحرم عليها الخروج من بيت زوجها إلا بإذنها.

أما السيد الخوئي (ره) فيقول: الأحوط وجوباً، نعم يحرم عليها أن تعرض عن زوجها، أي: أن تخرج معرضة عن زوجها، هذا حرام بلا كلام، أما لو خرجت لأمر عادي، خرجت لتزور صديقتها، أو خرجت لتذهب إلى عرس معين، مسألة اجتماعية، ولم تستأذن زوجها، فالأحوط وجوباً ألا يكون ذلك إلا بإذن زوجها.

السيد السيستاني عنده: مطلقاً يحرم على المرأة أن تخرج من بيت زوجها، إلا بإذنه.

نعم، لا يصح للزوج أن يستغل ذلك، فيمنعها عن زيارة صديقاتها، أو زيارة أرحامها، مع أن صلة الرحم واجبة على المرأة، فلا يصح له منعها من هذا الواجب، ألا وهو صلة أرحامها مثلاً، كما لا يصح أن يمنعها عن النوافل والمستحبات، إذا لم يكن هناك منافاة بين النافلة وبين أداء حقوقه.

من حقوق الزوج على الزوجة أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها ، فقالت : يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل؟ قال: والده، فقالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على المرأة؟ قال: زوجها<  [الكافي: 5 / 507.  القتب: ما يوضع على سنام البعير ويركب عليه].

وعَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه و آله) قَالَ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَعَنَهَا كُلُّ شَيْ‏ءٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ إِلَى أَنْ يَرْضَى عَنْهَا زَوْجُهَا " [مستدرك ‏الوسائل: 14 / 258].

ورُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): " أَيُّمَا امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَرْجِعَ " [الكافي: 5 / 514].

ورُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قَالَ: " لَا يَنْبَغِي لِلْمُطَلَّقَةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إِنْ لَمْ تَحِضْ " [الكافي: 6 / 90].

وهنا مجموعة نقاط مهمة نؤكد عليها، فنقول:

1 ـ إنّ هذا الحكم محدود بحدود تبجيل واحترام وتعظيم الزوج، فهو حكم خاص بالزوج، ويكشف عن هذا الأمر الكلمات الموجودة في بعض الروايات، كعنوان الطاعة وعنوان عدم العصيان، فيكون الحكم بعدم خروجها من بيت الزوج إلاّ بإذنه هو تعبير ثان عن إطاعة الزوجة للزوج، وهذه الإطاعة واجبة في عدم خروجها إلاّ بإذن الزوج، فلو خرجت بدون إذنه عدّ ذلك مخالفاً لاحترام الزوج، ولذا جاز لها الخروج لأداء واجب أو للضرورة حيث يكون الخروج في هاتين الصورتين منسجماً مع احترام الزوج.

وعلى هذا، سيكون الرضى الباطني لخروج الزوجة من البيت كافياً لخروجها، بمعنى أنّ الزوجة لو كانت تعلم بأنّها لو سألت الزوج في خروجها من البيت لوافق على ذلك فيجوز لها أن تخرج حينئذ; لأنّ الاحترام للزوج المنسِّق للحياة الزوجية موجود بينهما.

وأيضاً لو سافر الزوج سفرة طويلة، وعند سفره لم ينهها عن الخروج من البيت لزيارة صديقاتها، ثمّ أصبح منقطعاً عن أجواء زوجته وبيته، بحيث لو سُئل عن إجازته لتصرّف زوجته بالخروج لزيارة صديقة معيَّنة، فلا يتمكّن أن يجيب بنعم أو لا، ففي مثل هذه الصورة لا نقول بأنّ خروج الزوجة من البيت لهذا الأمر متوقّف على إجازة الزوج; لأنّ الزوج محترم، سواء خرجت لهذا الأمر أو لم تخرج.

وكذا لو نشز الزوج (كما إذا ترك الحقوق الواجبة للزوجة) فهنا لا نقول بأنّ خروجها من البيت منوط بإذن الزوج; لسقوط احترامه بنشوزه.

وكذا لو كان منع الزوج لزوجته من الخروج من البيت تحكّماً صارخاً وعناداً محضاً، فهنا أيضاً لا نقول بأنّ الخروج منوط بإذن الزوج.

ثمّ إنّه إذا تحدّد خروج الزوجة من بيت زوجها في حدود احترام الزوج احتراماً واجباً، فحينئذ لانفرّق بين أن يكون تصرّفها منوطاً بإذن الزوج لها أو بمنع الزوج لها، فإنّ عدم الإذن أو المنع المعيّن إذا كان يجعل خروجها من البيت هتكاً للزوج ومخالفاً لاحترامه فهما على حدٍّ سواء.

وكذا يتحدّد هذا الحكم في حدود احترام الزوج لنفسه، فان كان ظالماً في منعه أو عدم اذنه للخروج أو متحكماً أو مخالفاً للشرع، فلا يكون الخروج متوقّفاً على إذنه أو عدم نهيه ومنعه; لأنّ من يظلم الآخرين ويتعدّى عليهم فلا يحترم أيضاً.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=911