ما هو الغرض من نزول القرآن مع بدء البعثة الشريفة، وتصريح القرآن بنزوله في ليلة القدر من شهر رمضان؟

السؤال :

ما هو الغرض من نزول القرآن مع بدء البعثة الشريفة، وتصريح القرآن بنزوله في ليلة القدر من شهر رمضان؟



الجواب :

قد قُسِّم نزول القرآن على قسمين: نزول دفعي جُملة واحدة، ونزول تدريجي نجومي. بمعنى أنَّ نزول القرآن برمته قد وقع مرَّتين، وقد فُسِّر النزول الدفعي على قلبه الشريف بأنه نزول المعارف الإلهية التي يشتمل عليها القرآن، ونزول أسراره الكبرى على قلب النبي لتمتلئ روحُه بنور المعرفة القرآنية [انظر: علوم القرآن، للسيد محمد باقر الحكيم: 27].
وفي قبال ذلك النزول الدفعي الإجمالي كان هنالك النزول التدريجي التفصيلي النجومي، وهو نزول القرآن على قلب النبي (صلّى الله عليه وآله) بألفاظه وعباراته المعلومة لدينا؛ وهذا المعنى من التنوّع في النزول يُمكن إيضاحُه من خلال بيان كلمة للإمام الحسين (عليه السلام)، يقول فيها: >كتاب الله عزّ وجل على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق، فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء< [بحار الأنوار، 89: 20 ح 18].
فيكون النزول التدرجي التفصيلي مُتعلِّقاً بالعبارة والألفاظ، ويكون النزول الدفعي متعلِّقاً بمراتبه الثلاث الأُخر التي تبدأ بالإشارة وتنتهي بالحقائق.
أما الهدف من التنوّع في النزول، فيُقال في ذلك بأنَّ النزول الدفعي حصل مرة واحدة؛ لأنَّ الهدف منه هو تزويد النبي (صلّى الله عليه وآله) بالمعارف الإلهية وتنويره بنور الحقيقية، كما أنَّ النزول التدريجي يهدف إلى تربية الأُمة وترويضها، أو قل: صُنع أُمَّة وبناء حضارة إنسانية قائمة على أساس العدل؛ ومن الواضح بأنَّ تربية الإنسان والأُمّة وترويضهما وإخراجهما من الظلمات إلى النور لا يحصل عادة دفعة واحدة، وإنّما يحتاج إلى مساحات زمنية استغرقت ثلاثاً وعشرين سنة.
وقيل أيضاً بأنَّ من الأهداف الأُخرى للنزول التدريجي هو لتثبيت النبي (صلّى الله عليه وآله) في مواقفه وتسديده فيها [انظر: علوم القرآن، للسيد محمد باقر الحكيم: 27]، وقد استدل لذلك بقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [سورةالفرقان: 32]؛ كما ذُكرت لذلك أسباب أُخرى يُمكن مراجعتها في بحوث نزول القرآن.
وإنَّ الأهداف المنظورة من وراء النزول التدريجي قد لُوحظت فيها أُمَّة الإنسان التي كانت غارقة في جاهلية ظلماء، وأما النزول الدفعي فقد رُوعي فيه شخصية الرسول (صلّى الله عليه وآله). وبعبارة أُخرى: إنَّ النزول بقسميه قد رُوعي فيه الجهة المُنزل عليها القرآن، فالمقام العالي لشخص النبي (صلّى الله عليه وآله) مكَّنه من تلقِّي القرآن بأرفع مراتبه وبشكل دفعي؛ فهو الإنسان الكامل الذي نال السيادة المطلقة على سائر الأنبياء والمرسلين والأوصياء والأولياء والصالحين، فضلاً عمَّن سواهم من الناس أجمعين.
وقد ورَّث النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) هذا المُعطى القرآني بأرفع مراتبه لعترته الطاهرة، فعن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: >نحن ورثة كتاب الله ونحن صفوته< [بصائر الدرجات الكبرى، محمد بن الحسن الصفار: 533 ح 33]؛ وأما سائر الناس فمقتضى مقامهم بصفتهم مُتعلِّمين استدعى رعاية ذلك بنزول تدريجي يُمكن معه تحقيق الهدف التعليمي والتربوي لهم، وهذا هو مُقتضى الحكمة الإلهية؛ فناسب المقام الأعلى للنبي نزول القرآن عليه بإشاراته ولطائفه وحقائقه، بل يكفي نزولُه عليه بحقائقه، فالحقائق هي الخزائن الحقيقية لجميع المعارف الإلهية والكونية، وهي المُشار إليها بقوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [سورة الحجر: 21]، كما ناسب النزول التدريجي لمقام الإنسان المُخاطب بعموم القرآن الكريم؛ وعليه فالوجه في تثبيت قلبه (صلّى الله عليه وآله) بنزول العبارة عليه إنّما رُوعي فيها سائر الأُمة، لِما عرفت من مقام التنزيل. [انظر: دروس في علوم القرآن وفهمه، الدكتور الشيخ طلال الحسن، ص 26 وما بعدها]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=855