هل كلم الله موسى بذاته؟

السؤال :

سلام عليكم
{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف، 143]
س1: هل كلم الله موسى بذاته؟ إذا كلمه الله بذاته معناه أشكال من حيث التجسم فمن كلمه موسى (ع)؟
س2: لماذا قال موسى (ع): أرني؟ هل كان لا يعلم أن الله لا يُرى؟
س3: قال الله: لا يمكن أن تراني إلا بشرط استقرار الجبل في مكانه لماذا وضع شرطاً للرؤيا وقد قال : لن تراني؟
س٤: كيف يتجلى الله لشيء
س٥: وما معنى قول موسى (ع): {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}؟ ألم يكن مؤمناً من قبل؟
 



الجواب :

عليكم السلام ورحمة الله
1- يستفاد من الآيات القرآنية المتنوعة أن الله تعالى كلم موسى (عليه السلام)، وكان تكليم الله لموسى عن طريق خلق أمواج صوتية في الفضاء أو في الأجسام، وربما انبعثت هذه الأمواج الصوتية من خلال "شجرة الوادي الأيمن" وربما من "جبل طور" وتبلغ مسمع موسى فما ذهب إليه البعض من أن هذه الآيات تدل على جسمانية الله تعالى جموداً على الألفاظ تصور خاطئ بعيد عن الصواب.
على أنه لا شك في أن ذلك التكلم كان من جانب الله تعالى بحيث أن موسى (عليه السلام) كان لا يشك عند سماعه له في أنه من جانب الله، وكان هذا العلم حاصلاً لموسى، إما عن طريق الوحي والإلهام أو من قرائن أخرى. [انظر: الأمثل، ج5، ص215]
2- ذكر المفسرون أجوبة مختلفة على هذا السؤال (لماذا طلب موسى رؤية الله؟)، ولكن أوضح الأجوبة هو أن موسى (عليه السلام) طرح مطلب قومه، لأن جماعة من جهلة بني إسرائيل أصروا على أن يروا الله حتى يؤمنوا (والآية: {... فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ...} [النساء، 153] خير شاهد على هذا الأمر) وقد أمر موسى (عليه السلام) من جانب الله أن يطرح مطلب قومه هذا على الله سبحانه حتى يسمع الجميع الجواب الكافي، وقد صرح بهذا في رواية مروية عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في كتاب عيون أخبار الرضا أيضاً [تفسير نور الثقلين، المجلد الثاني، الصفحة 65].
ومن القرائن الواضحة التي تؤيد هذا التفسير ما نقرأه في الآية (155) من نفس هذه السورة، من أن موسى (عليه السلام) قال بعدما حدث ما حدث: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا.
فيتضح من هذه الجملة أن موسى (عليه السلام) لم يطلب لنفسه مثل هذا الطلب اطلاقاً، بل لعل الرجال السبعين الذين صعدوا معه إلى الميقات هم أيضاً لم يطلبوا مثل هذا الطلب غير المعقول وغير المنطقي، إنهم كانوا مجرد علماء، ومندوبين من جانب بني إسرائيل خرجوا مع موسى (عليه السلام) لينقلوا فيما بعد مشاهداتهم لجماعات الجهلة والغافلين الذين طلبوا رؤية الله سبحانه وتعالى ومشاهدته . [المصدر نفسه، ج5، ص208]
3- الجواب هو أن هذا التعبير هو كناية عن استحالة مثل هذا الموضوع، مثل جملة (حتى يلج الجمل في سم الخياط) وحيث أنه كان من المعلوم أن الجبل يستحيل أن يستقر في مكانه عند تجلي الله له، لهذا ذكر هذا التعبير. [المصدر نفسه، ج5، ص208]
4- ما هو المراد من تجلي الله؟
لقد وقع كلام كثير بين المفسرين في هذا الصعيد، ولكن ما يبدو للنظر من مجموع الآيات أن الله أظهر إشعاعة من أحد مخلوقاته على الجبل (وتجلي آثاره بمنزلة تجليه نفسه) ولكن ماذا كان ذلك المخلوق؟ هل كان إحدى الآيات الإلهية العظمية التي بقيت مجهولة لنا إلى الآن، أو أنه نموذج من قوة الذرة العظيمة، أو الأمواج الغامضة العظيمة التأثير والدفع، أو الصاعقة العظيمة الموحشة التي ضربت الجبل وأوجدت برقاً خاطفاً للأبصار وصوتاً مهيباً رهيباً وقوة عظيمة جداً، بحيث حطمت الجبل ودكته دكاً؟!
وكأن الله تعالى أراد أن يرى ـ بهذا العمل ـ شيئين لموسى (عليه السلام) وبني إسرائيل:
الأول: أنهم غير قادرين على رؤية ظاهرة جد صغيرة من الظواهر الكونية العظيمة، ومع ذلك كيف يطلبون رؤية الله الخالق.
الثاني: كما أن هذه الآية الإلهية العظيمة مع أنها مخلوق من المخلوقات لا أكثر، ليست قابله للرؤية بذاتها، بل المرئي هو آثارها، أي الرجة العظيمة، والمسموع هو صوتها المهيب. [المصدر، ج5، ص209-210]
5- يمكن الجواب على هذا السؤال من جانبين:
الأول: أن موسى طلب مثل هذا الطلب بالنيابة عن بني إسرائيل، ومع ذلك طلب من الله أن يتوب عليه، وأظهر الإيمان.
الآخر: أن موسى (عليه السلام) وإن كان مكلفاً بأن يطرح طلب بني إسرائيل، ولكنه عندما تجلى ربه للجبل واتضحت حقيقة الأمر، انتهت مدة هذا التكليف، وفي هذا الوقت لا بد من العودة إلى الحالة الأولى يعني الرجوع إلى ما قبل التكليف، وإظهار إيمانه حتى لا تبقى شبهة لأحد، وقد بين ذلك بجملة، إني تبت إليك وأنا أول المؤمنين. [المصدر، ج5، ص211]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=812