لماذا كان التوحيد هو الأصل دون اثبات وجود الله؟ لماذا لم يكن الأصل الأول من أصول الدين هو إثبات وجود الخالق وليس توحيده؟

السؤال :

لماذا كان التوحيد هو الأصل دون اثبات وجود الله؟ لماذا لم يكن الأصل الأول من أصول الدين هو إثبات وجود الخالق وليس توحيده؟ 



الجواب :
 
قال تعالى: {أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (ابراهيم:10). 
وجود الله تعالى أمر فطري وقضية بديهية، فحتى المنكر لوجود الله تعالى فإنه مضطر بالاعتراف به واللجوء إليه في المواقف الشديدة التي تهدد حياته، ولكن اعتقد بعض الناس ـ بعد تسليمهم بوجود الله ـ وجود آلهة متعدّدة نسبوا إليها بعض الافعال كالرزق والرعد والبرق والمطر والنور وما إلى ذلك، فاقتضت الحاجة أن تقام الادلة على التوحيد ونفي الشركاء، فجعل ذلك أصلاً من أصول الدين، بالإضافة إلى أن البحث في الوحدانية يتضمن إثبات وجود الله لأن التوحيد مترتب على الوجود، والعكس ليس بصحيح فالبحث في وجود الله تعالى بالأدلة النظرية ربما يتطلب أدلة أخرى على وحدانيته. 
ويدور الاستدلال قرآنياً -كما أشرنا- حول وحدانية الله وعبادة الواحد الأحد عن طريق تذكير الناس باللحظات الحرجة والمؤلمة التي تمر بهم في الحياة، ويستشهد بضمائرهم، فهم في مثل تلك المواقف ينسون كل شيء، ولا يجدون غير الله ملجأ لهم . يأمر الله سبحانه نبيه أن: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الانعام:40). الحالة النفسية التي تصورها هذه الآية لا تنحصر في المشركين، بل في كل إنسان حين يتعرّض إلى الشدة وحوادث الخطر وقد لا يلجأ الإنسان في الحوادث الصغيرة والمألوفة إلى الله، إلا أنه في الحوادث الرهيبة والمخيفة ينسى كل شيء وإن ظل في أعماقه يحس بأمل في النجاة ينبع من الإيمان بوجود قوة غامضة خفية، وهذا هو التوجه إلى الله وحقيقة التوحيد. حتى المشركون وعبدة الأصنام لا يخطر لهم التوسّل بأصنامهم، بل ينسونها في مثل هذه الظروف تماماً، فتقول الآية: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}  (الانعام:41).
قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ج 7 - ص 300 :
{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ} (ابراهيم:10) فإن من الضروري أن شيئاً من هذه الموجودات لم يفطر ذاته ولم يوجد نفسه، ولا أوجده شيء آخر مثله فإنه يناظره في الحاجة إلى إيجاد موجد، ولو لم ينته الامر إلى أمر موجود بذاته لا يقبل طرو العدم عليه لم يوجد في الخارج شيء من هذه الأشياء فهي موجودة بإيجاد الله الذي هو في نفسه حق لا يقبل بطلاناً ولا تغيراً بوجه عمّا هو عليه.
ثم إنها إذا وجدت لم تستغن عنه فليس إيجاد شيء شيئاً من قبيل تسخين المسخن مثلاً حيث تنصب الحرارة بالانفصال من المسخن إلى المتسخن فيعود المتسخن واجداً للوصف بقى المسخن بعد ذلك أو زال، إذ لو كانت إفاضة الوجود على هذه الوتيرة عاد الوجود المفاض مستقلاً بنفسه واجباً بذاته لا يقبل العدم لمكان المناقضة، وهذا هو الذي يعبر عنه الفهم الساذج الفطري بأن الأشياء لو ملكت وجود نفسها واستقلت بوجه عن ربها لم يقبل الهلاك والفساد فإن من المحال أن يستدعى الشيء بطلان نفسه أو شقاءها. وهو الذي يستفاد من أمثال قوله: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ} (القصص:88) وقوله: {وَلَا يَملِكُونَ لِأَنفُسِهِم ضَرًّا وَلَا نَفعًا وَلَا يَملِكُونَ مَوتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} (الفرقان:3) ويدل على ذلك أيضاً الآيات الكثيرة الدالة على أن الله سبحانه هو المالك لكل شيء لا مالك غيره، وأن كل شيء مملوك له لا شأن له إلا المملوكية. فالأشياء كما تستفيض منه تعالى الوجود في أول كونها وحدوثها كذلك تستفيض منه ذلك في حال بقائها وامتداد كونها وحياتها فلا يزال الشيء موجوداً ما يفيض عليه الوجود وإذا انقطع عنه الفيض انمحى رسمه عن لوح الوجود قال تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا} (الاسراء:20) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
ولمزيد الاطلاع يمكن الرجوع إلى تفاسير الآية في كتب التفسير.
المصدر: موقع مركز الابحاث العقائدية، بتصرّف.

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=784