ما هي هوية الإنسان التي أكّد عليها القرآن الكريم وكيف تعامل مع الهويّات الأخرى؟

السؤال :

ما هي هوية الإنسان التي أكّد عليها القرآن الكريم وكيف تعامل مع الهويّات الأخرى؟



الجواب :

القرآن الكريم اعترف بهويات متعدّدة للإنسان، لكنّه ركّز على أنّ الهوية المقدَّسة هي الهوية الإسلامية {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران، 19]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [سورة آل عمران، 85]، لكن لا على حساب الهويات الأخرى ولا على حساب الأديان الأخرى، فنحن نفتخر بأنّنا مسلمون ولكنّنا لا نحتقر المسيحيّين ولا اليهود ولا مللاً أخرى ولا قوماً آخرين، فالقرآن الكريم نفسه يركّز على احترام الإنسانية {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [سورة الإسراء، 70].

لاحظوا النبي محمّد (ص) يركّز على الإنسانية بقوله: «كلكم لآدم وآدم من تراب» [تحف العقول عن آل الرسول صلّى الله عليهم، ص34]، لاحظوا أمير المؤمنين (ع) عندما عهد له للأشتر النخعي لمّا ولاه على مصر «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان إمّا أخٌ لك في الدين وإمّا نظيرٌ لك في الخلق» [نهج البلاغة، الكتاب 53].

نحن مسلمون لكنّنا مسالمون، ونحن نفتخر بهويّتنا الإسلامية لكن هويّتنا الإسلامية علّمتنا أن ننفتح على الديانات الأخرى وعلى الملل الأخرى وأن نتعامل معهم معاملة إنسانية، يقول القرآن الكريم: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الممتحنة، 8]، حتى ولو كانوا مسيحيّين أو يهوداً؛ برّوهم وأقسطوا إليهم إذا لم يقاتلوكم ولم يخرجوكم من دياركم.

نحن أيضاً نفتخر بهويتنا الشيعية، ونفتخر بأنّنا أبناء مذهب أهل البيت (ع)، لكن هويّتنا الإمامية علّمتنا بأن ننفتح على المذاهب الأخرى، وعلّمتنا بأن نحتضن أبناء المذاهب الأخرى، وعلّمتنا بأن لا نكون تكفيريّين ولا إقصائيّين. لغة التشيّع هي لغة الانفتاح وليست لغة تكفيريّة، ولغة التشيع لغة التعاون والأخلاق وليست لغة إقصائية. إمام التشيّع الإمام جعفر الصادق (ع) يقول في كلام له: «عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلوا معهم في مساجدهم» [وسائل الشيعة، ج5، ص382]؛ أي: أبناء المذاهب الأخرى. وعنه (ع) أنّه قال: >... وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، فعل الله بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه» [وسائل الشيعة، ج5، ص477].

إذاً، هذه هي هويّتنا؛ هوية التشيّع، تبعث على الانفتاح لا على الانغلاق، على الخُلُق لا على المعارضة.

الهويات المختلفة ذوّبها الإسلام في هوية مقدَّسة واحدة وهي هوية الدين، وإذا أردنا أن نتعلّم تذويب الهويات فلنقرأ مدرسة كربلاء؛ كربلاء ذوّبت الهويات. عندما تقرأ صفحة من صفحات كربلاء المشرقة تجد أنّ كربلاء ألغت الهويات وذوّبتها وحوّلتها إلى هوية واحدة وهي هوية التضحية والفداء. الاختلاف في اللّون والقبائل، حوّلته كربلاء إلى هوية واحدة وهي هوية التضحية والفداء؛ فكربلاء كلها دروس.

 

المصدر: من مقالة (هوية الإنسان في القرآن) لسماحة السيّد منير الخباز - موقع (www.almoneer.org) على الانترنت.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=765