هل يشفع نوح لقومه؟

السؤال : هل يشفع نوح لقومه؟ وما هو فحوى الخطاب الذي قال الله لنبيه نوح (عليه السلام) أن لا يخاطبه به؟

الجواب : كان النبي نوح (عليه السلام) قد طلب من الله تعالى أن لا يدع من الكافرين دياراً، بعد أن يئس منهم وأحس بخطرهم، قال تعالى حكاية عنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [سورة نوح: 5-9] إلى أن يقول: {وَقَدْأَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا * وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [سورة نوح: 24-27]. نعم، إنه (عليه السلام) يدعو عليهم رغم أنه يتألم لهم وتذهب نفسه حسرات عليهم، تماماً كما هو الحال بالنسبة لنبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله)، الذي خاطبه الله بقوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [سورة فاطر: 8]. وبقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [سورة الكهف: 6]. فجاء قول الله سبحانه للنبي نوح (عليه السلام): {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} من أجل التخفيف عنه، وليؤكد له، كما أكد للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) أنّ هؤلاء قد قضي الأمر فيهم، ولم تعد تنفعهم الشفاعات، فجاء هذا التأكيد بطريقة تستبطن التهديد القوي، الذي يقطع أي أمل لهم بالنجاة من عذاب الخزي، بعد أن انقطعت عنهم الشفاعات عند الله، حتى شفاعة أقرب الناس إليه، وأعزهم عليه، وأقربهم زلفة منه، وأجلهم لديه، فإذا لم تعد شفاعة النبي نوح (عليه السلام) محتملة، وقد منعت بقرار إلهي، حاسم، فهل تنفعهم شفاعةالعصاة الأبعدين؟! وعلى هذا الأساس، فإن عليهم أن لا يفكروا في أن بإمكانهم إرضاء النبي نوح (عليه السلام) أو الضغط عليه، أو إغراء غيره بالشفاعة لهم، والتوسط لرفع العذاب عنهم. [انظر: (مختصر مفيد) للسيد جعفر مرتضى العاملي: ج8، ص144 -148] قال في الميزان: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي لا تسألني في أمرهم شيئاً تدفع به الشر والعذاب وتشفع لهم لتصرف عنهم السوء لأن القضاء فصل والحكم حتم وبذلك يظهر أن قوله: {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} في محل التعليل لقوله: {وَلَا تُخَاطِبْنِي} الخ، أو لمجموع قوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} ويظهر أيضاً أن قوله: {وَلَا تُخَاطِبْنِي} الخ، كناية عن الشفاعة. [الميزان: 10 / 223]. ولذلك لم يجترئ (عليه السلام) على مسألة قاطعة بل ألقى مسألته كالعارض المستفسر لعدم إحاطته بالعوامل المجتمعة واقعاً على أمر ابنه، بل بدأ بالنداء باسم الرب لأنه مفتاح دعاء المربوب المحتاج السائل ثم قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [سورة هود: 45] كأنه يقول وهذا يقضى بنجاة ابني {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} لا خطأ في أمرك ولا مغمض في حكمك فما أدرى إلى م انجر أمره؟وهذا هو الأدب الإلهي أن يقف العبد على ما يعلمه، ولا يبادر إلى مسألة ما لا يدرى وجه المصلحة فيه.فألقى نوح (عليه السلام) القول على وجد منه كما يدل عليه لفظ النداء في قوله: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ} فذكر الوعد الإلهي ولما يزد عليه شيئاً ولا سأل أمراً. فأدركته العصمة الإلهية وقطعت عليه الكلام، وفسر الله سبحانه له معنى قوله في الوعد: {وَأَهْلَكَ} أن المراد به الاهل الصالحون وليس الابن بصالح، وقد قال تعالى من قبل: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} وقد أخذ نوح (عليه السلام) بظاهر الأهل وأن المستثنى منهم هو امرأته الكافرة فقط، ثم فرع عليه النهي عن السؤال فيما ليس له به علم، وهو سؤال نجاة ابنه على ما كان يلوح إليه كلامه أنه سيسألها. فانقطع عنه السؤال بهذا التأديب الإلهي، واستأنف (عليه السلام) بكلام آخر صورته صورة التوبة وحقيقته الشكر لما أنعم الله بهذا الأدب الذي هو من النعمة فقال: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} فاستعاذ إلى ربه مما كان من طبع كلامه أن يسوقه إليه وهو سؤال نجاة ابنه ولا علم له بحقيقة حاله. [راجع: الميزان: 6/ 266-268] وكان نوح (عليه السلام) عندما ركب السفينة لم يركبها واحد من أبنائه، وكان ابنه لا يصدق أباه في أن من تخلف عنها فهو غريق لا محالة فرآه أبوه وهو في معزل فناداه: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [سورة هود: 42] فرد على أبيه قائلاً: {سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} قال نوح (عليه السلام): {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [سورة هود: 43] ـ يريد أهل السفينة ـ فلم يلتفت الابن إلى قوله وحال بينهما الموج فكان من المغرقين. ولم يكن نوح (عليه السلام) يعلم منه إبطان الكفر كما كان يعلم ذلك من امرأته ولو كان علم ذلك لم يحزنه أمره وهو القائل في دعائه: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [سورة نوح:26- 27] وهو القائل: {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء: 118]. [انظر: الميزان: 10 / 250-251]

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=741