مستويات النزول القرآني، وعلاقتها بحقيقة الإسراء

السؤال : ما هو يوم المبعث؟ وهل له علاقة بالإسراء والمعراج أم لا؟ وهل كانت بداية نزول القران في يوم المبعث أو في ليلة القدر؟ نرجو توضيح ذلك

الجواب :

المشهور أن المبعث كان في السابع والعشرين من رجب، وهو الذي نزل فيه الوحي على النبي (صلَّى الله عليه وآله). ولا علاقة له بالإسراء والمعراج، الذي أطلع فيه النبي على عالم الملكوت.

وأما مسألة نزول القرآن، فمن المهم أن نعرف قبل الحديث عن مستويات النزول ومراتبه أن الظاهر من العديد من الآيات القرآنية المباركة أن للقرآن حقيقة تتجاوز المستوى الذي نشاهده من وجوده الكتبي في المصحف الشريف؛ قال تعالى: (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(1) أي إننا إنما جعلناه مقروءاً باللغة العربية من أجل غاية تعود إليك أيها الإنسان، وهي لكي تعقل ما فيه من معان سامية، وبتعبير أدق: رجاء أن تعقل ذلك، وإلا فإنه في (أم الكتاب)، وهي مرتبة وجودية عبَّر القرآن عنها بالضمير (نا) في قوله (لَدَيْنَا)، في مستوىً رفيع القدر والمنزلة، خارجٍ عن قدرة التعقل البشري، محكمٍ غير مفصّل ولا مجزَّإٍ إلى سور وآيات وجمل وكلمات كما هو كذلك بعد جعله قرآناً عربيّاً.

وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي توضح هذا الحقيقة مما لا مجال لسردها الآن، نظير قوله تعالى: (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير)، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وغير ذلك من الآيات.

وهذه المرتبة التي تتحدث عنها الآيات القرآنية الكريمة أعلاه هي المرتبة التي تمتنع عن الأغيار غير المطهرين نيلها (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(2). كما أنها هي التي تسمح وتصحح أن يعبِّر القرآن عن أصل الكتاب بأنه في (لوح محفوظ) كما في قوله تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)(3). هذا مضافاً إلى أن هذه المرتبة هي التي تتناسب مع قوله تعالى: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(4) فإن ظاهر الآية الكريمة أن للنبي علم بما سينزل عليه، والآية تتضمن نصحاً له (صلَّى الله عليه وآله) بالتريث وعدم الاستعجال بالقراءة قبل قضاء الوحي ونزوله.

بناء على ما تقدم أعلاه ، يتضح أن بوسعنا الحديث عن نزول القرآن الكريم على مرحلتين:

المرحلة الأولى: وهي مرحلة النزول الدفعي، وقد تمّ في ليلة القدر. وفي هذا المرحلة من النزول لا توجد سورة مقطعة ولا آيات مجزَّأة.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة النزول التدريجي، وقد تمّ طيلة فترة الرسالة، منذ بداية البعثة في شهر رجب وعلى مدار ثلاثة وعشرين سنة حتى رحيل الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله). وهذه هي المرتبة التفصيلية لنزول الآيات القرآنية، مرتبة الألفاظ والوجود الكتبي للقرآن الكريم.

ــــــــــــــــــ

(1) الزخرف : 1 ـ 4 .

(2) الواقعة: 77 ـ 79.

(3) البروج: 21 ـ 22.

(4) طه: 114.


 المجيب: موقع السيد كمال الحيدري




  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=649