القرآن الكريم، حادث أم قديم؟

السؤال : هل القرآن مخلوق أم أزلي؟ وما هو الدليل العقلي والنقلي على ذلك؟

الجواب :

شغلت هذه المسألة بال العلماء والمفكرين الإسلاميين في عصر الخلفاء، وحدثت بسبب ذلك مشاجرات، بل صدامات دامية ذكرها التاريخ وسجّل تفاصيلها، وعُرفت بـ(محنة خلق القرآن).

وهي إحدى القضايا التي توضح مدى ما حفل به تاريخ المسلمين الثقافي من اشتباك وتداخل بين البُعدين العلمي والأيديولوجي، وتغلّب بواعث الصراع الأيديولوجي ذي الصبغة السياسية أو المذهبية على اشتراطات البحث الفكري الحر، وذلك حين استطاع هذا الصراع الأيديولوجي / السياسي أن يجمّد روح البحث العلمي في هذه القضايا ويغيّبها أو يدفع بها إلى الهامش على أقلّ التقدير؛ خدمة لأغراضه الأيديولوجية ومتبنياته الثقافية.

من هنا نجد الإمام الرضا (عليه السلام) حينما سئل عن القرآن أهو مخلوق أم لا؟ تجنب الدخول في هذه اللعبة السياسية قائلاً: لا أقول فيه إلاّ أنه كتاب الله.

وقبل الحديث عن (مخلوقية القرآن الكريم وحدوثه أو قدمه) لا بد لنا من نحدِّد إجمالاً معنى أمرين مهمين لنعرف هل من الممكن انطباق (الحدوث والقدم) على القرآن الكريم:

ـ الأول: تحديد المقصود من (الحدوث والقدم) ومجالهما التداولي الصحيح.

ـ الثاني: تحديد طبيعة الكلام ومجاله التداولي الصحيح.

أما الأمر الأول: فإن الحدوث والقدم مصطلحان كلاميان / فلسفيان يراد بالأول منهما (تقدم الوجود وسبقه زمانياً على العدم)، وبالثاني (بقاء وجود الشيء في الآن بعد الآن بنحو متصل). ومن خلال هذين التعريفين ندرك أن الحدوث والقدم شأنان من شؤون الحقائق الخارجية.

وأما بالنسبة للأمر الثاني: فالكلام ما هو إلا أصوات مجعولة كدلائل وعلامات على معاني الأشياء ولا حظ له في نفسه من الوجود الخارجي الواحد إلا تسامحاً، فالعبارة التي يعيدها أكثر من شخص لا تعد شيئاً واحداً؛ إذ لها في كل فمٍ يرددها تحقق (وهذه الكلمة نقولها الآن تسامحاً أيضاً) يختلف عن ترديد الشخص الآخر لها.

والآن لو عدنا إلى (القرآن الكريم) وتساءلنا عن إمكانية انطباق مفهوما (الحدوث والقدم) عليه، فإن علينا أن نحدد معنى المراد بـ (القرآن):

فإن كان المقصود به الكلام (أي أن القرآن أصوات مؤلفة دالة على معانيها) فهذا الكلام أمر اعتباري لا يصح أن يوصف بالحدوث ولا بالقدم؛ إذ الكلام ليس من الوجودات الخارجية التي لها تحقق ويجري عليها التقدم والتأخر. نعم، هو متصف بالحدوث بحدوث الأصوات التي هي معنونة بعنوان الكلام والقرآن، وهذا المعنى لا ينكره إلا مكابر. وهذا المعنى الأخير هو المراد بكلمة (محدث) التي وصف القرآن الكريم بها نفسه حين قال: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ).

وإن كان المقصود به المعاني التي في علم الله تعالى نظير علم الله الأزلي بوفاة زيد في الوقت الكذائي، فيكون معنى كون القرآن قديم أي (أن علمه تعالى به قديم)، فهو يعود إلى صفة العلم عندئذٍ، ولا إشكال في كونه قديماً بقدم الذات المقدسة؛ إذ إن علمه تعالى صفة ذاتية له تعالى.

ومن هنا نعرف أنه لا معنى لتلك الإشكالية القديمة.

 المجيب: مؤسسة الامام الجواد عليه السلام للفكر والثقافة



  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=647