الخضر وموسى عليه السلام، إشكالية تستدعي الحلّ

السؤال : نقرأ في الآيات الواردة في سورة الكهف ضمن أحداث القصة التي وقعت بين نبي الله موسى والخضر، أن الخضر قتل الغلام خوفاً من أن يغوي ويؤذي أبويه بكفره، فهل هذا يعد مبرر لقتل نفس لمجرد اختلاف في الدين؟ وإذا كان ذلك الغلام مسالماً ولم يحارب الدين الإلهي آنذاك فلماذا يتم قتله؟ وإذا كان قتله على أساس ما سيقوم به مستقبلاً، فهل يصح تنفيذ العقوبة قبل الجريمة؟ وإذا كان هناك أسباب أخرى نرجو توضيحها

الجواب :

يبدو من الآيات الكريمة في هذه القصة أن موضوع إيمان هذين الأبوين كان يحتل مكانة رفيعة بالنسبة لله تعالى ولذا كان أمر إرهاقه إياهما بطغيانه وكفره داعياً لتبرير قتله. وقد ذكرت هنا عدة محاولات للمفسرين في تفسير وتبرير هذا القتل:

ـ منها: أن هذا العالِم لم تكن أحكامه مبنية على ظواهر الأمور، بل كانت مبنية على الأسباب الحقيقة الواقعة في نفس الأمر.

ـ ومنها: أنه تدبير إلهي اقتضته قاعدة اللطف التي يقول بها المتكلمون، وذلك يصاغ بالنحو التالي: أنه إذا عُلم من حال الإنسان أنه يفسد عند وجود شيء ما، وجب في حكمته تعالى أن يرفع ذلك الشيء حتى لا يقع هذا الفساد. كل ما في الأمر أن تطبيق هذه القاعدة يشترط مستوى من العلم لا يحصل إلا للأنبياء، وعند حصول العلم به يحسن فعل ذلك. وقد كان في علم الله تعالى أن أبوي هذا الغلام لا يثبتان على الإيمان إلا بقتل هذا الغلام، فتعين وجه الوجوب في القتل.

نعم، إن إزالة المفسدة التي يمثلها وجود الغلام كان يمكن تحقيقها بوسيلتين: إزالتها بالموت من غير ألم، أو بالقتل. فاختارت الحكمة الإلهية الثاني لأنه وإن كان فيه ألم يلحق المقتول إلا أن بإزائه أعواضاً كثيرة توازي ذلك الألم ، وتزيد عليه أضعافاً كثيرة، فيصير القتل بالمنافع العظيمة التي بإزائه، كأنه ليس بألم، ويدخل في قبيل النفع والإحسان.

هذا، وما ذكرناه أعلاه من محاولات المفسرين في تسويغ هذا القتل مبني على الاتجاه التفسيري في فلسفة القصة القرآنية القائل إن القصة القرآنية ما هي إلا تعبير مباشر عن أحداث واقعية تاريخية لها تحقق خارجي.

ويوجد في مقابل هذا الإتجاه اتجاه آخر في فهم القصة القرآنية وعلاقتها بالواقع الخارجي يمكن تسميته: بالاتجاه التمثيلي للقصص القرآني.

وخلاصته تعتمد على مقدميتين:

المقدمة الأولى: أن للوجود مراتب متعددة تختلف الصيغة الوجودية والتعبيرية عن كل حقيقة من الحقائق تبعاً لسنخ كل مرتبة من مراتب ذلك العالم الذي تتواجد فيه تلك الحقيقة.

المقدمة الثانية: أن طبيعة الادراك البشري محدودة، وغالباً ما تقع أسيرة أدوات الحس ومفاهيمه.

ولو طبقنا هاتين المقدمتين على القرآن الكريم لوجدنا أنه يمثل حقيقة مشككة لها عدة تمثلات بحسب كل عالم تتواجد فيه، فالقرآن الكريم بحسب هذه النشأة ما هو إلا وجود لفظي وكتبي يحمل مجموعة من القيم والمفاهيم والتشريعات. ولكننا لو تحدثنا على مستوى آخر للقرآن الكريم فإننا سنكون على موعد مع نمط من الوجود يتجاوز ما هو سائد لدى أفهامنا البشرية، وهذا ما تحدثت عنه الآية القرآنية الشريفة حين قالت: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) حيث وصفت (جعل) القرآن باللغة العربية لغرض (التعقل) والتفهيم متحدثة في الآن نفسه عن مرتبة آخرى للقرآن الكريم أسمتها بـ (أم الكتاب). وهناك آيات أخرى كثيرة وتفصيل دقيقة استدل بها هذا الاتجاه دعماً لمبناه لا يسع المجال لذكرها بنحو مفصل( ). وبناءً على هذا الاتجاه تكون القصة القرآنية ـ كما هو الحال في مورد السؤال: قصة موسى والخضر (عليهما السلام) ـ أمثلة تشير إلى حقائق إلهية سامية يجب فهمها بنحو أعمق من مسألة مجرد تفاصيل سردية وإنما طرح القرآن الكريم تلك الحقائق بهذا النحو أخذاً بالاعتبار مستوى الفهم البشري الذي تستعصي عليه الحقائق المجردة.

كما يوجد هناك محاولات أخرى ـ تستند إلى رؤية عرفانية تتعلق بمظهرية الأسماء الإلهية ـ لتفسير وقائع هذه القصة، تركنا الحديث عنها إلى دراسات تخصصية.

 المجيب: موقع السيد كمال الحيدري

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=645