ما هي المناهج التفسيرية لأهل البيت (عليهم‌السلام)؟

السؤال :

ما هي المناهج التفسيرية لأهل البيت (عليهم‌السلام)؟ 



الجواب :

  1. بما أن أهل البيت (عليهم‌السلام) يرون أن ظاهر القرآن حجة، فكل ما يصل من الكلمة، ومن الجملة، والقرآئن، والسياق، وثقافة الحوار، ويطلق عليه أنه ظاهر الآية، أو السورة فهو حجة عندهم، ويستدلون بظاهر القرآن لتفسير الآية، وهذا الطريق الذي سلكوه وأمضوه هو طريق عام يمكن للآخرين طيّه ايضاً. 2. النوع الثاني من منهج تفسير الأئمة (عليهم السلام) مرتبط بتعيين حدود الأحكام والشرائع الإلهية، وهو مختص بالأئمة (عليهم السلام)، ولا نصيب للآخرين فيه، ففي هذا الطريق هم الذين يقومون بتقييد مطلقات القرآن، وتخصيص عموماته، وبيان شرائطه وموانعه. وهذا النوع من التفسير لا يتأتّى من ظاهر ولفظ العبائر القرآنية، ومن سياق الآيات والجملات والكلمات، كالقيد أو الشرط الذي يذكر لصلاة الصبح أو الظهر أو العصر، كأن تكون صلاة الصبح ركعتين، و أن تُقرأ جهراً، وإن كثيراً من هذه الأمور التي تبين شرائط وموانع وحدود وقيود التخصيصات وتعين المبهمات هي من هذا القبيل، وهذا القسم من تفسير أهل البيت (عليهم السلام) الذي يتولى هذه المسائل هو مختص بالأئمة (عليهم السلام)، ويأتي عن طريق الوحي، فيتلقى نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الوحي التشريعي من الله سبحانه، وبما أن الأئمة (عليهم السلام) ليس لديهم رسالة ولا نبوة فهم لا يتلقون الوحي التشريعي، إلا أنهم مؤيدون بالوحي التسديدي والإنبائي، وبالإلهام وأقسام الوحي الأخرى. 3. النوع الثالث لتفسير الأئمة (عليهم السلام) مرتبط بباطن القرآن، فالقرآن كتاب نزل بالتجلي، وليس بالتجافي. فنزول القرآن ليس كمثل نزول المطر، لأن المطر عندما ينزل من الغيوم، ينزل على نحو التجافي، وقطرة المطر في حال النزول بالتجافي مادامت في الأعلى فهي ليست في الاسفل، وإذا انتقلت الى الأسفل فهي ليست في الأعلى. إن نزول القرآن كما أشار علي (عليه السلام) في نهج البلاغة هو على نحو التجلي، وتستفاد هذه الحقيقة أيضاً من البيانات النورانية للإمام الصادق (عليه السلام) وباقي الأئمة (عليهم السلام) «فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه»(۱). إن النزول بالتجلي غير النزول بالتجافي، لأن تلك الحقيقة في النزول بالتجلي رغم كونها موجودة في المبدأ والمنبع، تصل مرتبتها الوسطى والرقيقة إلى أوسط المراتب ومرتبتها السفلى والأشد رقة إلى أسفل المراتب وحينئذٍ تصل إلى أيدي الآخرين. إذا وصل الإنسان الى مسألة عقلية وعلمية في الذهن وأنزلها بعد الجهد والتحقيق والإدراك الى الورق فهو نزول بالتجلي، فالمسألة العلمية عندما تنزل من الذهن ليست مثل الدمع المتقاطر عن العين، وذلك لأن في هذه الصورة لا يبقي شيء في قلب وذهن ذلك الفرد بعد تنزل المسألة. فإنّ العالم أثناء تنزل المسألة العلمية تختلج في دائرة خياله ابتداء مقدمة هذه المسألة وعدد فصولها وخاتمتها، وهكذا اللغة التي يريد أن يكتب بها كالفارسية أو العربية، ثم ياخذ بالقلم ويدّون تلك المقالة أو الكتاب أو الخطابة والحوار الذي يريد أن يلقيه في مدة ساعة وما شابهها، وهذا الخطاب أو الكتاب الذي نزل بالتجلي له طرفان، أحد أطرافه في مرأى ومسمع من الآخرين، والآخر وهو طرفه الأعلى والأعمق متعلق بذهن المتكلم او الكاتب. والذي يسمعه أو يقرأه تارة لا يتسنّى له الفهم والوصول الى المقصود، وأخرى يصل الى مراد المتكلم والكاتب. وإن معرفة نفس الإنسان مفيدة في معرفة الآثار الإلهية، ويمكن الإستفادة منها في كيفية نزول القرآن. إن أساس القرآن الذي تنزل على نحو التجلّي هو في أم الكتاب، وقد أخبر الله سبحانه عن موقعه بهذا النحو: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(۲)، وهذا الكتاب حال نزوله بالتجلي قد ظهر بصورة عربية مبينة، وإن هذه الحقيقة التي تطوي جميع مراحلها من أم الكتاب الى كونها عربية مبينة بواسطة الملائكة وأشباههم على نحو التجلّي، فهي قرآن وبما أنه في كل مراحله قرآن فالذي يعرف العربية يمكنه الاستفادة منه في هذا الإطار، والذي يعرف طريقة نزول القرآن يمكنه الانتقال من الظاهر الى الباطن، ومن الباطن الى باطن الباطن. وقد روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً إن للقرآن ظهر وبطن، ولبطنه بطن، ولبطن بطنه ـ على هذا المنوال ـ بطن كذلك. إذن فإن أحد طرق أهل البيت (عليهم السلام) في عملية تفسير القرآن إظهار وبيان باطن القرآن، لأنهم واقفون بشكل كامل على بطون القرآن، وعارفون بالسير الذي نزل فيه القرآن، وطيّ هذا الطريق الى النهاية مختص بهم على نحو الكمال، لكن بعض مراحله متيسّر لبعض أهل الباطن الذين وصلوا الى خدمة القرآن عن طريق التهذيب. 4ـ النوع الرابع من الطرق التي سلكها أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن، و روجوه أيضاً، واعتمدوا عليه، وأبانوا شواهد كثيرة له كذلك، هو نفس الطريق الذي سلكه سيدنا الأستاذ العلامة الطباطبائي (رضوان الله تعالى عليه) وهو النهج الذي يُستعان فيه ببعض الآيات القرآنية على تفسير البعض الآخر. ففي بعض الموارد يفسّرون أهل البيت (عليهم السلام) آية ما، وحين يُسالون عن دليل ذلك التفسير، يجيبون بآية أخرى، كما حدث في زمان أحد الخلفاء، حيث جاءت أمٌ ولدت إبنها بعد ستة أشهر من زواجها، وحكم عليها الخليفة بالرجم، فخالف أهل البيت (عليهم السلام) حكم الخليفة استناداً الى آيات القرآن، وعن طريق ضم آيات القرآن بعضها الى البعض، وبذلك بينوا حكم الله من جانب وحقنوا دم بريء من جانب آخر. إذ بينت الآية مجموع وقت الحمل ورضاعة الطفل ثلاثين شهراً، ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً﴾(۳). وحددت آية أخرى وقت الرضاعة الكامل سنتين، ﴿وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾(۴)، فإن أنقصنا السنتين وهي أربعة وعشرون شهراً من ثلاثين شهر، يبقى ستة أشهر كحد أدنى لوقت الحمل. هذا النوع من التفسير نظير النوع الأول طريق عام للتفسير، وكل من كان في خدمة القرآن وصار مأنوساً به، يمكنه عبر إرجاع آيات القرآن الى الاخرى وجمع الآيات الحصول على بيان وكلام خاص من القرآن. إن النوع الأول يُستند فيه على ظاهر الآية أو السورة، وفي هذه الصورة لايمكن أن يقال أن هذا هو رأي القرآن في هذه المسألة، بل لابد أن يقال أن هذه الآية او هذه الآيات تعطي هذا المعنى، وحتى ما أمكننا الالتفات الى جميع آيات القرآن مقترنة ببعض، ومع الإجتهاد في التفسير بالنسبة الى بعض الآيات، وعرضها على البعض الآخر، يمكننا القول أن هذا هو رأي القرآن في هذه المسألة، وفي هذه المرحلة أيضاً لايمكن أن يقال أن هذا هو رأي الإسلام فيها، لأن هذا الإدعاء لابد فيه من الإجتهاد التام في تمحيص الروايات الواردة في هذا الأمر، والاستعانة بالبراهين العقلية، والصيرورة في خدمة القرآن، ثم استخراج النتيجة من المجموع.

ـــــــــ

 ۱ـ نهج البلاغة، الخطبة 147.

۲ ـ سورة الزخرف، الآية 4.

۳ ـ سورة الأحقاف، الآية 15.

۴ ـ سورة البقرة، الآية 233.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=572