هل يمكن رؤية الله بالعين المادية؟

السؤال :

هل يمكن رؤية الله بالعين المادية؟



الجواب :

تثبت الأدلة العقلية أنّ الله لا يمكن أن يرى بالعين، لأنّ العين لا تستطيع أن ترى إلاّ الأجسام، أو على الأصح بعضاً من كيفيات الأجسام، فإذا لم يكن الشيء جسماً ولا كيفية من كيفيات الجسم، لا يمكن أن تراه العين، وبتعبير آخر، إذا أمكنت رؤية شيء بالعين، فلأنّ لهذا الشيء حيّزاً واتجاهاً وكتلة، في حين أنّ الله أرفع من أن يتصف بهذه الصفات، فهو وجود غير محدود وهو أسمى من عالم المادة المحدود في كل شيء.

في كثير من الآيات، وعلى الأخص في الآيات التي تشير إلى بني إسرائيل وطلبهم رؤية الله، نجد القرآن ينفي بكل وضوح إمكان رؤية الله (سوف يأتي شرح ذلك في تفسير الآية 143 من سورة الأعراف إن شاء الله).

ومن العجيب أنّ كثيراً من أهل السنّة يعتقدون أنّ الله سيرى يوم القيامة، ويعبّر صاحب تفسير المنار عن ذلك بقوله: هذا من مذاهب أهل السنّة والعلم بالحديث.(1)

والأعجب من ذلك أنّ بعض المحققين المعاصرين الواعين يميلون ـ أيضاً ـ إلى هذا الإتجاه ويصرّون عليه!

أمّا الواقع، فإنّ بطلان هذه الفكرة إلى درجة من الوضوح بحيث لا يستوجب نقاشاً، لأنّ الأمر لا يختلف بين الدنيا والآخرة (إذا قلنا بالمعاد الجسماني)، فإنّ الله فوق المادة، ولا يتبدل يوم القيامة إلى وجود مادي، ولا يخرج من لا محدوديته ليصبح محدوداً، ولا يتحول في ذلك اليوم إلى جسم أو إلى كيفية من كيفيات الجسم! وهل الأدلة العقلية على عدم إمكان رؤية الله في الدنيا هي غيرها في الآخرة»؟ أم هل يتغيّر حكم العقل بهذا الشأن يومذاك؟!

ولا يمكن تبرير هذه الفكرة بأنّ من المحتمل أن يصبح للإنسان في الآخرة نوع آخر من الرؤية والإدراك، لأنّ هذه الرؤية والإدراك إذا كانت في الآخرة فكرية وعقلانية، فإنّنا في هذه الدنيا أيضاً نشاهد الله وجماله بعين القلب وقوّة العقل، أمّا إذا كانت الرؤية هي نفسها التي نرى بها الأجسام، فإنّ رؤية الله بهذا المعنى مستحيلة في هذه الدنيا وفي الآخرة على السواء.

وبناء على ذلك فإنّ القول بأنّ الإنسان لا يرى الله في هذه الدنيا، ولكن المؤمنين يرونه يوم القيامة غير منطقي وغير مقبول.

إنّ ما حمل هؤلاء على الذهاب إلى هذا المذهب والدفاع عنه هو وجود أحاديث في كتبهم المعروفة تقول بإمكان رؤية الله يوم القيامة، ولكن أليس من الأفضل أن نقول ببطلان هذا الرأي بالدليل العقلي، ونحكم باختلاق أمثال هذه الرّوايات وعدم اعتبار الكتب التي أوردت مثل هذه الرّوايات، (اللهم إلاّ إذا قلنا أنّ المقصود من هذه الرؤية هي الرؤية القلبية) هل يصح أن نجانب حكم العقل والحكمة من أجل أمثال هذه الأحاديث؟!

أمّا الآيات القرآنية التي يبدو منها لأوّل وهلة أنّها تدل على الرؤية والتجسيم، مثل (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة)(2) و(يد الله فوق أيديهم)(3) فإنّها من باب الكناية والرمز، إنّنا نعلم أنّ أيّة آية قرآنية لا يمكن أن تخالف حكم العقل ومنطق الحكمة.

والملفت للنظر أنّ الأحاديث والرّوايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) تستنكر هذه العقيدة الخرافية أشدّ إستنكار، وتنتقد القائلين بها أشدّ إنتقاد، من ذلك أنّ أحد أصحاب الإمام الصّادق(عليه السلام) واسمه (هشام) يقول: كنت عند الإمام الصّادق(عليه السلام) فدخل عليه معاوية بن وهب (وهو من أصحاب الإمام أيضاً) وسأله قائلا: يابن رسول الله، ما قولك في ما جاء بشأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قد رأى الله، فكيف رآه؟ وكذلك في الحديث المروي عنه أنّه(صلى الله عليه وآله)قال: إنّ المؤمنين في الجنّة يرون الله. فبأىّ شكل يرونه؟ فتبسم الإمام الصّادق إبتسامة ألم، وقال: «يا معاوية بن وهب! ما أقبح أن يعيش المرء سبعين أو ثمانين سنة في ملك الله، ويتنعم بنعمه، ثمّ لا يعرفه حق المعرفة يا معاوية، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم ير الله رأي العين أبداً، إنّ المشاهدة نوعان: المشاهدة القلبية، والمشاهدة البصرية، فمن قال بالمشاهدة القلبية فقد صدق، ومن قال بالمشاهدة البصرية فقد كذب وكفر بالله وبآياته فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: من شبّه الله بالبشر فقد كفر»(4).

وفي (أمالي الصدوق) بإسناده إلى إسماعيل بن الفضل قال: سألت الإمام الصّادق(عليه السلام)عن الله تبارك وتعالى، وهل يرى في المعاد؟ فقال: «سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، يا ابن الفضل، إنّ الأبصار لا تدرك إلاّ ما له لون وكيفية، والله تعالى خالق الألوان والكيفية»(5).(6)

 ـــــــــــــــــــــــــ

1ـ  تفسير المنار، ج 7، ص 653.

2ـ القيامة، 22 و23.

3ـ الفتح، 10.

4ـ تفسير الميزان، ج 8، ص 255; وبحارالانوار، ج 4، ص 54.

5. تفسير نورالثقلين، ج 1، ص 753.

6.الأمثل، ج 4، ص 176.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=439