لماذا ندعوا لله بأسماء متعددة؟

السؤال :

لماذا ندعوا لله بأسماء متعددة؟



الجواب :

الجواب: يردّ القرآن المجيد في الآية 110 من سورة الإسراء على إحدى ذرائع المشركين الواهية ومن دليل وهي قولهم: لماذا يذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) الخالق بأسماء مُتعدِّدة بالرغم من أنَّهُ يدّعي التوحيد. القرآن ردَّ على هؤلاء بقوله: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فلهُ الأسماء الحسنى). إنَّ هؤلاء عُميان البصيرة والقلب، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيثُ كانوا يذكرون أسماء مُختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد، وكلّ اسم مِن هذه الأسماء كان يُعرّف بشطر أو بصفة مِن صفات ذلك الشخص أو المكان.

بعد ذلك، هل مِن العجيب أن تكون للخالق أسماء مُتعدِّدة تتناسب مع افعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته والمنبع لكلّ صفات الكمال وجميع النعم، وهو وحده عزَّوجلّ الذي يُدير دفة هذا العالم والوجود؟

أساساً، فانَّ اللّه تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبِّر عن ذاته، ولكن لمحدودية ألفاظنا ـ كما هي أمورنا الاُخرى أيضاً ـ لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له، وإنَّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضاً، حتى أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو من هو في منزلته وروحه وعلوّ شأنه، نراه يقول: «ما عرفناك حق معرفتك».(1)

إنَّ الله تعالى في قضية معرفتنا إيَّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة، بل ساعدنا كثيراً في معرفة ذاته، وذكر نفسهُ بأسماء مُتعدِّدة في كتابه العظيم، ومِن خلال كلمات أوليائهِ تصل اسماؤه ـ تقدّس وتعالى ـ إلى ألف اسم.

وطبيعي أنَّ كلّ هذهِ أسماء الله، وأحد معاني الأسماء العلامة، لذا فإنَّ هذه علامات على ذاته الطاهرة، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إلى نقطة واحدة، وهي لا تقلّل مِن شأن توحيد الذات والصفات.

وهُناك قسم مِن هذهِ الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر، حيث تعطينا معرفةً ووعياً أعظم، تسمّى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإسلامية، بالأسماء الحسنى، وهُناك رواية معروفة عن رسول الهدى(صلى الله عليه وآله) ما مضمونها: «إنّ لله تسعاً وتسعين اسماً، مَن أحصاها دخل الجنّة».

وهناك شرح مُفصل للأسماء الحسنى، والأسماء التسعة والتسعين بالذات، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية 180 مِن سورة الأعراف، في قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها).

لكن علينا أن نفهم أنَّ الغرض مِن عَدّ الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب، حتى يصبح الإنسان مِن أهل الجنّة ومستجاب الدعوة، بل إنَّ الهدف هو التخلُّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات مِن هذه الأسماء، مِثل (العالم، والرحمن، والرحيم، والجواد، والكريم) في وجودنا حتى نصبح مِن أهلِ الجنّة ومستجابي الدعوة.

وَهُناك كلام ينقلهُ الشيخ الصدوق(رحمه الله) في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاءَ فيه:

يقول هشام بن الحكم: سألت أبا عبدالله الصادق(عليه السلام) عن أسماء الله عزَّ ذكره واشتقاقها فقلت: الله ممّا هو مشتق؟

قالَ(عليه السلام): «يا هشام، الله مُشتقٌ مِن إله، وإلهٌ يقتضي مألوهاً، والاسمُ غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كَفَر ولم يعبدُ شيئاً، ومَن عَبدَ الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين، ومَن عبد المعنى دونَ الاسم فذاك التوحيد. أفهمت يا هشام؟».

قال هشام: قلتُ: زدني.

قالَ(عليه السلام): «لله عزَّوجلّ تسعةٌ وتسعون اسماً، فلو كانَ الاسمُ هو المسمى لكان كلُّ اسم مِنها هو إلهاً، ولكن الله عزَّوجلّ معنىً يدلُّ عليه بهذه الأسماء وكُلُّها غيره. يا هشامُ، الخبزُ اسمٌ للمأكول، والماء اسمٌ للمشروب، والثوب اسمٌ للملبوس، والنار اسم للمحرق»(2).(3)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 1ـ  بحارالانوار، ج 68، ص 23.

2ـ توحيد الصدوق نقلا عن تفسير الميزان ذيل الآية مورد البحث.

3ـ الأمثل، ج 7، ص 436.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=438