ما هو المقصود من مفردة «العرش» في آيات القرآن الكريم؟

السؤال : ما هو المقصود من مفردة «العرش» في آيات القرآن الكريم؟

الجواب :

لقد أشرنا مراراً إلى أنّ ألفاظنا ـ الموضوعة أصلا لتوضيح مشخصات الحياة المحدودة ـ لا تستطيع أن توضّح عظمة الخالق، أو حتى أن تحيط بعظمة مخلوقاته جلّ وعلا، لهذا السبب فليس أمامنا سوى استخدام ألفاظ ومعاني للكناية عن تلك العظمة.

وفي طليعة الألفاظ التي يشملها هذا الوضع، كلمة (العرش) التي تعني لغوياً (السقف) أو (السرير ذا المسند المرتفع) في قبال (الكرسي) الذي هو (سرير ذو مسند منخفض). ثمّ استخدمت هذه الكلمة لتشمل (عرش) القدرة الإلهيّة.

وللمفسّرين و علماء الكلام كلام كثير حول المقصود بالعرش، وما ينطوي عليه من معنى كنائي.

فأحياناً فسّروا العرش بمعنى (العلم اللامتناهي لله تبارك وتعالى).

واُخرى قالوا بأنّ المعنى هو (المالكية والحاكمية الإلهيّة).

وفسّروا العرش أيضاً بأنّه إشارة إلى أىّ واحدة من الصفات الكمالية والجلالية لله تبارك وتعالى، لأنّ كلّ واحدة من هذه الصفات توضّح عظمة منزلته جلّ وعلا، كما أنّ عرش السلطان (والأمثال تضرب ولا تقاس) يوضّح عظمته.

فالخالق جلّ وعلا يملك عرش العلم، وعرش القدرة، وعرش الرحمانية، وعرش الرحيمية.

وطبقاً للتفاسير والآراء الثلاثة هذه، فإنّ مفهوم (العرش) يعود إلى صفات الخالق جل وعلا، ولا يعني وجود خارجي آخر له.

وفي بعض الرّوايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام)، ما يشير إلى هذا المعنى، ففي رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه أجاب عندما سئل عن معنى قوله تعالى: (وسع كرسيّه السّماوات والأرض)(1)أنّ المقصود بذلك علمه تعالى شأنه(2).

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً أنّه فسّر (العرش) بأنّه «العلم» الذي كشفه وعلّمه الله للأنبياء عليهم السلام، بينما (الكرسي) هو «العلم» الذي لم يعلّمه لأحد ولم يطلع عليه أحد(3).

وبين أيدينا تفاسير اُخرى استندت إلى روايات إسلامية، ففسّرت العرش والكرسي بأنّهما موجودات عظيمة من مخلوقات الله تبارك وتعالى.

قالواـ مثلاـ إنّ المقصود بالعرش هو مجموع عالم الوجود.

وقالوا أيضاً: هو مجموع الأرض والسماء المتجسدة ضمن هذا الكرسي; بل إنّ السماء والأرض كالخاتم في الصحراء الواسعة مقايسة بينهما وبين (الكرسي) ثم قالوا: إنّ «الكرسي» في مقابل العرش كالخاتم في الصحراء الواسعة.

وفي تفاسير اُخرى تستند بدورها إلى روايات إسلامية، أطلقوا كلمة (العرش) للكناية عن قلوب الأنبياء والأوصياء والمؤمنين التامين الكاملين، كما جاء ذلك في الحديث: «إنّ قلب المؤمن عرش الرحمن»(4).

وفي حديث قدسي نقرأ قوله تعالى: «لم يسعني سمائي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن»(5).

أمّا أفضل الطرق لإدراك معنى العرش ـ بمقدار ما تسمح به قابلية الإنسان واستيعابه ـ فهو أن نبحث موارد استعمال هذه الكلمة في القرآن الكريم،نتفحص مدلولاتها بشكل متأن.

في آيات كثيرة من كتاب الله نلتقي مع هذا التعبير، كما في قوله تعالى: (ثمّ استوى على العرش)(6). ثمّ يرد تعبير (يدبّر الأمر) في بعض الآيات التي تأتي بعد مفاد الآية أعلاه (آية العرش) أو ترد جمل اُخرى تعبّر عن علم الله ودراية الخالق جلّ وعلا.

في آية اُخرى من القرآن الكريم يوصف العرش بالعظمة: (وهو ربّ العرش العظيم)(7).

وأحياناً تتحدّث الآية عن حملة العرش، كما في الآية التي نحن بصددها.

 ومن الآيات ما تتحدّث عن الملائكة المحيطة بالعرش، كما في قوله تعالى: (وترى الملائكة حافّين من حول العرش)(8)

وفي آية اُخرى نقرأ قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء).(9)

من خلال مجموع هذه الموارد، والتعابير الاُخرى الواردة في الأحاديث والروايات الإسلامية، نستنتج بشكل واضح أنّ كلمة (العرش) تطلق على معاني مختلفة بالرغم من أنّها تشترك في أساس واحد.

فأحد معاني العرش هو مقام (الحكومة والمالكية وخلق عالم الوجود) إذ تلاحظ أنّ الاستخدام الشائع للعرش يدلل ـ من خلال الكناية ـ على سيطرة الحاكم على اُمور دولته، فنقول مثلا: «فلان شلّ عرشه» والتعبير كناية عن انهيار قدرته وحكومته.

والمعنى الآخر من معاني العرش هو، «مجموع عالم الوجود» لأنّ كلّ الوجود هو دليل على العظمة.

وأحياناً يستخدم العرش بمعنى «العالم الأعلى» والكرسي بمعنى «العالم الأدنى».

ويستخدم العرش أحياناً بمعنى (عالم ما وراءالطبيعة) والكرسي بمعنى (مجموع عالم المادة) بما في ذلك الأرض والسماء، كما جاء في آية الكرسي: (وسع كرسيّه السّماوات والأرض).(10)

ولأنّ علم الخالق لا ينفصل عن ذاته المنزّهة، لذا فإنّ كلمة (عرش) تطلق أحياناً على «علم الله».

وإذا أطلق وصف (عرش الرحمن) على القلوب الطاهرة لعباد الله المؤمنين، فذلك يعود إلى أنّ هذا المكان هو محل معرفة الذات الإلهيّة المنزّهة، وهو بحدّ ذاته أحد أدلة عظمته وقدرته جلّ وعلا.

من كلّ ذلك يتّضح أنّ كافة معاني العرش ـ التي وردت آنفاًـ توضّح عظمة الخالق جلّ وعلا.(11)

 ــــــــــــــــــــــــــــــ

1. البقرة، 255.

2. بحار الأنوار، ج 58، ص 28، ح 46 و47.

3. المصدر السابق.

4. المصدر السابق، ص 39.

5. المصدر السابق.

6. الأعراف، 54، ويونس، 3، والرعد، 2، والفرقان، 59، والسجده، 4، والحديد، 4.

7. التوبة، 129.

8. الزمر، 75.

9. هود، 7.

10. البقرة، 255.

11.الأمثل، ج 12، ص 30.

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=403