ما هو المقصود من صفتي «العدل» و«الإحسان» في الآية (انَّ اللّه يأمر بالعدل و الاحسان)؟

السؤال : ما هو المقصود من صفتي «العدل» و«الإحسان» في الآية (انَّ اللّه يأمر بالعدل و الاحسان)؟

الجواب :

المعنى الواقعي للعدل يتجسد في جعل كلّ شيء في مكانه المناسب، فالانحراف والإفراط والتفريط وتجاوز الحد والتعدّي على حقوق الآخرين، ما هي إلاّ صور لخلاف أصل العدل.

فالإنسان السليم هو ذلك الذي تعمل جميع أعضاء جسمه بالشكل الصحيح (بدون أيّة زيادة أو نقصان). ويحلّ المرض فيه وتتبيّن عليه علائم الضعف والخوار بمجرّد تعطيل أحد الأعضاء، أو تقصيره في أداء وظيفته.

ويمكن تشبيه المجتمع ببدن إنسان واحد، فإنّه سيمرض ويعتل إنْ لم يُراع فيه العدل.

ومع ما للعدالة من قدرة وجلال وتأثير عميق في كلّ الأوقات ـ الطبيعية والاستثنائية ـ في عملية بناء المجتمع السليم، إلاّ أنّها ليست العامل الوحيد الذي يقوم بهذه المهمّة، ولذلك جاء الأمر بـ «الإحسان» بعد «العدل» مباشرة ومن غير فاصلة.

وبعبارة أوضح: قد تحصل في حياة البشرية حالات حسّاسة لا يمكن معها حلّ المشكلات بالإستعانة بأصل العدالة فقط، وإنّما تحتاج إلى إيثار وعفو وتضحية، وذلك ما يتحقق برعاية أصل )الإحسان(.

وعلى سبيل المثال: لو أنّ عدواً غدّاراً هجم على مجتمع ما، أو وقعت زلزلة أو فيضان أو عواصف في بعض مناطق البلاد، فهل من الممكن معالجة ذلك بالتقسيم العادل لجميع الطاقات والأموال، وتنفيذ سائر القوانين العادية؟! هنا لابدّ من تقديم التضحية والبذل والإيثار لكلّ مَنْ يملك القدرة المالية، الجسمية، الفكرية، لمواجهة الخطر وإزالته، وإلاّ فالطريق مهيّأ أمام العدو لإهلاك المجتمع كلّه، أو أنّ الحوادث الطبيعية ستدمّر أكبر قدر من الناس والممتلكات.

 

والأصلان يحكمان نظام بدن الإنسان أيضاً بشكل طبيعي، ففي الأحوال العادية تقوم جميع الأعضاء بالتعاضد فيما بينها، وكلٌّ منها يؤدّي ما عليه من وظائف بالإستعانة بما تقوم به بقية الأعضاء (وهذا هو أصل العدالة) .

ولكنْ... عندما يصاب أحد الأعضاء بجرح أو عطل يتسبّب في فقدانه القدرة على أداء وظيفته، فإنَّ بقية الأعضاء سوف لن تنساه، لأنّه توقف عن عمله، بل تستمر في تغذيته ودعمه... الخ، (وهذا هو الإحسان).

وفي المجتمع كذلك، حيث ينبغي للمجتمع السليم أن يحكمه هذان الأصلان.

وما جاء في الرّوايات وفي أقوال المفسّرين، من بيانات مختلفة في الفرق بين العدل والإحسان، لعلّ أغلبها يشير إلى ما قلناه أعلاه.

فعن علي(عليه السلام) أنّه قال: «العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضل»(1) وهذا ما أشرنا إليه.

وقال البعض: إنّ العدل: أداء الواجبات، والإحسان: أداء المستحبات.

وقال آخرون: إنّ العدل: هو التوحيد، والإحسان: هو أداء الواجبات.

(وعلى هذا التّفسير يكون العدل إشارة إلى الاعتقاد، والإحسان إشارة إلى العمل) .

وقال بعض: العدالة: هي التوافق بين الظاهر والباطن، والإحسان: هو أنْ يكون باطن الإنسان أفضل من ظاهره.

واعتبر آخرون: أنّ العدالة ترتبط بالاُمور العمليّة، والإحسان بالاُمور الكلامية.(2)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار، الكلمة 231.

2 ـ الأمثل، ج 7، ص 147.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=397