هل يوجد تناقض بين الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ...} والآية: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}؟

السؤال :

من يقتل نفساً يمت كافراً بنصّ القرآن الكريم قال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ...} ، فهل يوجد تناقض بينها وبين الآية {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}؟ كيف نتدبّر هاتين الآيتين رغم التناقض المتصوّر بينهما؟



الجواب :

قال الشيخ الطوسي في تفسيره: (المعنى : أخبر الله تعالى في هذه الآية أنّ من يقتل مؤمناً متعمداً يعني قاصداً إلى قتله فإنّ جزاؤه جهنم خالداً فيها أي مؤيداً في جهنم وغضب الله عليه . وقد بينا أنّ غضب الله هو إرادة عقابه ، والاستخفاف به . " ولعنه " معناه أبعده من ثوابه ورحمته " وأعد له عذابا عظيما " يعني لا يعلمون قدر مبلغه لكثرته). [التبيان، ج3 ص294].

ما يتصوّر من التناقض بين قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: الآية93], وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: من الآية53] .

قال السيّد الطباطبائي في [الميزان ج5 ص41]:

  (وقد أغلظ الله سبحانه وتعالى في وعيد قاتل المؤمن متعمّداً بالنار الخالدة غير أنّك عرفت في الكلام على قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ...} [النساء: 48]. إنّ تلك الآية وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا...} [الزمر: 53] تصلحان لتقييد هذه الآية فهذه الآية توعد بالنار الخالدة لكنّها ليست بصريحة في الحتم فيمكن العفو بتوبة أو شفاعة).

ويمكن أن يقال في جواب السؤال وحلّ إشكال التهافت المتوهم، هو أنّ موضوع كل واحد منهما يختلف عن موضوع الآخر، فالأولى ناظرة إلى عقوبة من يقتل مؤمناً متعمداً لدينه وإيمانه، ولم يتب ولم يندم على فعله، ولم يقتص منه بالقصاص، أو دفع دية المقتول لوالديه، ثم يموت وهو على هذه الحالة، فمثل هذا جزاؤه جهنم خالد فيها، بخلاف ما لو أنّه دفع ما عليه من الدية أو اقتص منه بعد التوبة والندم، فالآية الثانية تأمله بشموله بالمغفرة والشفاعة له.

وإليك جملة من الروايات الشريف بهذا الصدد نقلها العياشي في تفسيره ج1، ص267:

1- عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام أو أبي الحسن عليه السلام قال : سألت أحدهما عمن قتل مؤمناً هل له توبة ؟ قال : لا حتى يؤدي ديته إلى أهله ويعتق رقبة مؤمنة ويصوم شهرين متتابعين ويستغفر ربه ، ويتضرع إليه فأرجوا أن يتاب عليه إذا هو فعل ذلك ، قلت : إن لم يكن له ما يؤدي ديته ؟ قال : يسئل المسلمين حتى يؤدي ديته إلى أهله قال سماعة : سألته عن قوله : " من قتل مؤمناً متعمداً " قال : من قتل مؤمناً متعمداً على دينه فذاك التعمد الذي قال الله في كتابه " وأعد له عذاباً عظيماً " قلت : فالرجل يقع بينه وبين الرجل شيء فيضربه بسيفه فيقتله ؟ قال: ليس ذاك التعمد الذي قال الله تبارك وتعالى .

وعليه فالأولى ناظرة إلى عدم توبته وعدم التكفير عن فعله، والثانية ناظرة إلى غفران الذنب لمن تاب وآمن وعمل صالحاً فالله تعالى يوعده بغفران جميع ذنوبه، وعندئذ فلا تناقض بين الآيتين،  لأنّ التناقض يتصور في حال أنّ القاتل لو قتل مؤمناً وتاب ودفع ما عليه من كفارة القتل، ومع ذلك يعده الله تعالى الخلود في نار جهنم وحلول الغضب عليه، فعندئذ يكون التهافت بين غفران الذنوب جميعاً وبين إدخاله في نار جهنم.

المجيب مركز الأبحاث العقائدية بتصرف


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=351