المقدار الزمني ليوم الحساب

السؤال :

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الفاتحة: 4]

ما معنى الآية؟

إذا كان معناها هو يوم الحساب؛ ما زمان اليوم في هذه الآية هل هو 24 ساعة أو {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [سورة السجدة: 5]؟

وإذا كان اليوم في الآية هو 24 ساعة كيف تتمّ محاسبة الخلق جميعهم في 24 ساعة؟

واذا كان اليوم مقدار هو ألف سنة ممّا تعدّون، كيف والآية تقول: {إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة المائدة: 4]؟



الجواب :

المراد باليوم هنا هو مطلق الوقت وليس الوقت الخاص المتعارف الذي هو ما بين الطلوع والغروب من الشمس؛ لأنّ له معانٍ عديدة؛ منها: الزمن الممتدّ من الفجر الصادق إلى ذهاب الحمرة المشرقية. ومنها: الزمن الممتدّ من طلوع الشمس إلى غروبها. ومنها: الزمن المطلق، أي: مطلق الوقت. تقول: جئتني يومًا أي: زمنًا، سواءً كان في ليل أو نهار، وهذا المعنى هو المقصود في الآية. وله نظائر كثيرة في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]، وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5]. ومنها: زمن مقدّر بمقدار لا يعلمه إلا الله، كما في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الفرقان: 59]. [ينظر: كيف نتدبر القرآن، د. السيد عبد الحسين الصافي، ص159]

وقوله تعالى: {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [سورة السجدة: 5]، فنقرأ الآية مع سياقها: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 4-5]، فيكون معنى الآية على رأي صاحب الأمثل: أنّ الله سبحانه يدبّر أمر هذا العالم من السماء إلى الأرض- يبدأ من السماء وينتهي بالأرض- ثمّ يعود كلّ ذلك إليه في يوم القيامة. ونطالع في تفسير علي بن إبراهيم في ذيل هذه الآية: يعني الأمور التي يدبّرها، والأمر والنهي الذي أمر به، وأعمال العباد، كلّ هذا يظهر يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سنيّ الدنيا.

وهنا سؤال، وهو: إنّنا نرى في الآية (4) من سورة المعارج في شأن طول يوم القيامة: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فكيف يمكن الجمع بين الآية مورد البحث، والتي عيّنت مقداره بألف سنة فقط، وآية سورة المعارج؟! وقد ورد الجواب عن هذا السؤال في حديث عن الإمام الصادق (عليه السّلام) حيث روي في (أمالي الشيخ الطوسي) أنّه قال: «إنّ في القيامة خمسين موقفاً، كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون، ثمّ تلا هذه الآية: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ}» [تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 221، وتفسير الصافي ذيل الآية مورد البحث].

ومن الطبيعي أنّ هذه التعبيرات لا تنافي عدم كون المراد من عدد الألف والخمسين ألفاً، العدد والحساب هنا، بل كلّ منهما لبيان الكثرة والزيادة، أي إنّ في القيامة خمسين موقفاً يجب أن يتوقّف الإنسان في كلّ موقف مدّة طويلة جدّاً. [الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏13، ص: 99]

وأمّا قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة المائدة: 4] فمعناه أنّه سبحانه سريع الحساب يجازي سيئة الظلم والعدوان في الدنيا قبل الآخرة‏ [ينظر: الميزان، 5 / 202].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=1001