• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : المثل الثاني: تمثيل آخر للمنافقين .

المثل الثاني: تمثيل آخر للمنافقين

يقول الله في الآيتين 19 و 20 من سورة البقرة:

(أَوْ كَصَيِّب منَ السَّماءِ فيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبْرقٌ، يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُم فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ واللُه مُحِيطٌ بالكَافِرِينَ يَكَادُ البَرْقُ يَخْطِفُ أبصارَهُمْ كُلَّمَا أضاءَ لهُم مَشَوا فيه وإذا أظْلَمَ عليهم قامُوا ولو شَاء اللهُ لذَهَبَ بِسَمْعِهِم وأبصَارِهِم إنّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيء قَدِيْرٌ) .

تنوع أمثال القرآن

أمثال القرآن متنوعة جداً. والله استعان بمختلف الأمثال لأجل إيضاح حقائق مهمة لها تأثير بالغ في تربية الإنسان وسعادته. تارة يمثل الله بالجمادات كما في الآية 17 من سورة الرعد: (أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فسَالَتْ أودِيَةٌ بِقَدَرِها فاحْتمَلَ السَّيْلُ زبَداً رابياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ في النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةً أو مَتَاع زَبَدٌ مثلُهُ كَذَلك يَضْرِبُ اللُه الحقَّ والبَاطِل..) .

لأجل إيضاح ماهية الحق والباطل استعان القرآن هنا بالتمثيل بالمطر، فانه عندما ينزل من السماء ينزل زلالا طاهراً، إلا انه عندما يجري على الأرض يتسخ بالوحل وبما على الأرض من أوساخ، وتتبدل الأوساخ أحياناً إلى رغوة (زبد) وعندما يصل هذا الماء الجاري إلى أودية يفقد رغوته تدريجياً ليرجع إلى زلاله. والحق والباطل مثل هذا الماء فالرغوة الوسخة بمثابة الباطل والماء الجاري الطاهر بمثابة الحق.

وقد يمثل القرآن بالنباتات كما هو الحال في الآية 24 من سورة إبراهيم: (ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيّبةً كَشَجَرَة طَيّبَة أصلُهَا ثَابِتٌ وفَرْعُهَا فِي السَّماء) .

إنّ أبرز مصداق للكلمة الطيبة هو كلمة (لا اله الا الله) فمثّلها الله بالشجرة الطيبة الخضراء دائماً.

وقد يمثل القرآن بالحيوانات ونموذج ذلك ما جاء في الآية 26 من سورة البقرة: (إنَّ اللهَ لا يَسْتَحِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا...) فمثّل هنا بحيوان صغير، كما مثل في سورة العنكبوت الآية 41 بالعنكبوت.

وقد يمثل القرآن بإنسان كما فعل في الآية 171 من سورة البقرة: (وَمَثَلُ الّذينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إلاّ دُعاءً ونِِدَاءً صُمٌ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) .

مثل الله تعالى الرسول(صلى الله عليه وآله) في الآية بالراعي والكفار بالحيوانات التي يرعاها الراعي.

إنّ أهم سبب لتنوع أمثال القرآن هو تبسيط الفهم وتعميقه عند المخاطبين الأوائل للقران وهم العرب الأميون في عهد الجاهلية وكذا المسلمون فإنهم باستثناء عدد قليل منهم كانوا اُميين وما كانوا يتمتعون بحظ وافر من الفهم والتعقل.

وما كان بالإمكان تفهيمهم المفاهيم القرآنية إلا بهذا الأسلوب وبآلية التمثيل التي تجسد المفاهيم القرآنية الرفيعة.

على الجميع وبخاصة العلماء والفقهاء والخطباء و.. إن ينتهجوا منهج القرآن هذا، ليسهلوا على المخاطب إدراك المفاهيم ويؤثروا في نفسه ويجذبوه نحوها. إنَّ القرآن الذي هو من تجليات الجمال الإلهي هو بنفسه مظهر للجمال الكلامي. وعلى هذا ينبغي إتباع القرآن في تسهيل الكلام وتنميقه، ونحن نعدُّ هذا أصلا قيّماً.

أولئك الذين تحضى كتابتهم بالتعقيد وصعوبة الفهم ويعدون استخدام اسلوب التسهيل في الكتابة علامة على قلة العلم، هم في الحقيقة انتهجوا منهجاً عكس المنهج الذي سلكه القرآن(1).

إنَّ مثل هؤلاء المنافقين حسب هذه الآيات كمثل المسافر الذي يضل في صحراء ويتخلف عن قافلته في يوم ممطر ولا ملجأ يأويه ولا صديق يعينه ولا يعلم الطريق ولا ضوء ينير له الطريق، في وقت ملئت ظلمات الغيوم السماء بحيث لا يصله حتى نور النجوم الضعيف، والسماء ترتعد، والبرق لا يزيده الا خوفاً ودهشة، وذلك لشدة صوت ووقع الرعد والبرق في الصحاري، وكأنّ البرق يريد أن يخطف بصره ويعميه، وخوفه من الرعد يجره لوضع أصابعه في اذنيه وهو مرتجف خوف موت الصاعقة. إن المنافق بمثابة هذا المسافر.

(... واللهُ مُحِيطٌ بالْكَافِرِينَ) لقد فسرت الإحاطة في الآية بتفسيرين: الأول: الإحاطة العلمية لله. الثاني: إحاطة الله من حيث قدرته. فإذا كانت الإحاطة بمعناها الأول فالآية تعني أنَّ الله يعلم بالكافرين. وإذا كانت الإحاطة بمعناها الثاني فالآية تعني إن الله قادر على كل شيء ولا يخرج شيء عن دائرة قدرته.

(يَكَادُ البَرْقُ يَخْطِفُ أبْصَارَهُم) وذلك لأنَّ الإنسان إذا اعتاد على مكان مظلم، ثُمَّ يُسلِّط على عينه ضوءً قوياً، فانه سيكون حينئذ عرضة للعماء وفقدان البصر.

(كُلَّمَا أضَاءَ لَهُم مَشَوْا فِيه) هذا المسافر عندما يشاهد البرق يفرح لأنّه أضاء له الطريق، لكن فرصته لم تدم، لأن الضوء سريعاً ما ينطفئ.

(وإذا أظْلِمَ عَلَيْهِم قَامُوا) أي يتوقف المسافر بعد أن انطفئ نور البرق، ويرجع إلى حيرته السابقة.

(وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ) .

شأن المنافق شأن هذا المسافر حيث يفيد من نور الإيمان، لكن بما أنّ إيمانه ظاهري لم يستمر إلا لمدة محدودة وما يمضي زمن طويل حتى يفتضح ويغرق تارة أخرى في ظلمات ريائه وكفره ونفاقه.

خطابات الآية

1- كيفية إيجاد البرق والرعد والصاعقة

إنّ البرق يحصل اثر اصطدام غيمتين أحدهما تحمل شحنات موجبة وأخرى شحنات سالبة والاصطدام هذا يولد الضوء المعروف بالبرق; كما ان صوتاً شديداً يحصل اثر هذا الاصطدام يعرف بالرعد. وكلما كانت الغيمتان كبيرتين كان البرق والرعد أعظم; وذلك لكثرة الشحنات المحمولة من قبل كل من الغيمتين.

أمّا الصاعقة فتحصل اثر اصطدام غيمة ذات شحنات موجبة مع مانع ارضي من قبيل الجبل أو الشجرة أو الإنسان، ونتيجة ذلك هي اشتعال الشيء المصطدم به - إذا كان قابلا للاشتعال - وتبدله إلى كومة من الرماد بسرعة مدهشة، ولذلك يقال: إنَّ الصاعقة خطرة على الإنسان إذا كان في سهل.

ما يلفت الانتباه هنا هو أنَّ بعض الروايات عدت الرعد والبرق نتيجتين لاعمال موجودات ميتافيزيقية، فاعتبرت الرعد اصواتاً للملائكة والبرق من آثار جلد الملائكة للغيوم والسحب.(2) وهذا أمر يتنافى مع المسلمات العلمية للعصر الحاضر، كما ان هذا الاختلاف يطبع تساؤلا في ذهن المتأمّل.

يا ترى أي الأمرين هو السبب الحقيقي والواقعي للرعد والبرق؟

في الجواب نقول: لا تضاد بين التبرير العلمي والديني لظاهرتي البرق والرعد; وذلك لأنَّ احد معاني مفردة الملك الواردة في الروايات هو القوى الطبيعية التي خلقها الله، فالجاذبية

والسحاب وغيرها من الظواهر الطبيعية التي سميت في الروايات ملكاً. لقد جاء في رواية أنَّ كل قطرة تنزل من السماء يحتضنها ملك وينزلها إلى الأرض.(3)

وبهذا التبرير أي اعتبار الجاذبية ملكاً يمكن القول بعدم التضاد بين الرؤى والكشفيات العلمية مع ما ورد في الروايات الدينية، بل ينطبق احدهما على الآخر وتحل بذلك عقدة التضاد الظاهري بينهما.

2- الاختلاف بين المثلين

المثلان يتعلقان بالمسافر الذي ضل الطريق في صحراء; لكن المسافر في المثل الأول يواجه خطر المجاعة والعطش والافتراس من قبل الحيوانات، أمّا في المثل الثاني فان الأخطار التي تحدق به هي الإعصار والسيول والرعد والبرق والصاعقة. ومن الطبيعي أن تكون شدة الإخطار في المورد الثاني أكثر من المورد الأول وتجعل حياته عرضة للموت بشكل اشد.

يعتقد البعض أنَّ المثلين يحكيان حال طائفة خاصة وهي طائفة المنافقين عموماً، إلاّ أنِّي أرى أنَّ كلا من المثلين يحكي حال قسم من المنافقين، فان المنافقين ينقسمون إلى قسمين:

القسم الأول: هم المسلمون الذين ضعف إيمانهم عن مواجهة المطامع المادية والدنيوية مثل المال والجاه والمقام، فلا يهابون الكذب وخلف الوعد ونكث العهد; وصولا لمآربهم الشخصية، فهم في النتيجة (مسلمون ضعيفو الإيمان) أمثال ثعلبة بن حاطب الذي تكلمنا عنه في الصفحات الماضية.

والقسم الآخر للمنافقين: هم أولئك الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم أبدا وقد تظاهروا به فحسب دون أن يحملوه، وذلك خوفاً من قدرة الإسلام أو طمعاً بمصالح المسلمين، فهم في النتيجة (كفار متظاهرون بالإسلام) أمثال أبي سفيان ومعاوية ومروان.

ومن الواضح أنّ القسم الثاني هم الأعداء اللدودون للإسلام ووجودهم يشكل خطراً على الإسلام والمسلمين يفوق خطر القسم الأول بمرات، ولذلك نرى أنّ المثل الأول ناظر إلى

القسم الأول من المنافقين، والمثل الثاني ناظر إلى القسم الثاني من المنافقين الذين يعدّ خطرهم أشد وأعظم من خطر القسم الأول.

  3 - عالم النفاق أو النفاق العالمي

للنفاق مستويات مختلفة، فمنه ذات المستوى الفردي ومنه ذات المستوى الجماعي والحكومي والعالمي. ومما يؤسف له أنّ عالمنا اليوم عالم منافق حيث يدعو لشيء ويعمل بما يخالف دعوته، والحدث الآتي ذكره من أبسط مظاهر النفاق العالمي وأوضحها في ذات الوقت.

أرسل الإنسان في سنة من السنوات الماضية كلباً في مركب فضائي وذلك لدراسة تأثير الفضاء على الموجودات الحية، وبعد هبوط المركبة على وجه الأرض وجد الكلب ميتاً.

إذاعة هذا الخبر آثار اعتراضا من قبل منظمات الدفاع عن حقوق الحيوانات وكذا غيرها من المؤسسات والجمعيات وقد كان محور الاعتراضات هو: لماذا قتلتم حيواناً في سبيل تجربة علمية؟

إنَّ هذه الاعتراضات تكشف عن الوجه الظاهري النزيه للمجتمع الدولي، إلاّ أنا نشاهد حالياً مقتل العشرات بل المئات والآلاف من المواطنين الجزائريين في مجازر جماعية دون أنْ تطلق صرخات ضد هذه المجازر.

لمن تلك الأيادي التي ترتكب هذه المجازر من دون أن تلاقي اعتراضات معتد بها ؟ يا لها من أيد لا تستطيع الشرطة بل ولا الجيش أن تقف أمامها ؟ إنها أيدي العالم المتستر والمتقمص قميص الدفاع عن حقوق الحيوانات فضلا عن حقوق البشر. ألا يمكن أن نقول: إن هذا العالم هو عالم منافق؟ وأي نفاق يرتكبه؟ انه نفاق وقح، فيه صرخات تعلو وتشتد لأجل قتل كلب، كما فيه سكوت على قتل الشعوب وارتكاب المجازر الجماعية.

إن الإسلام ووجدان البشرية ينفر من هذا النفاق العالمي ونحن مطمئنون بان زعماء النفاق سيفتضحون يوماً ما.

الهي اكف المستضعفين وبخاصة المسلمين شر هذا النوع من النفاق.

- ظهور المنافقين في الإسلام

هل (جذور النفاق) بدأت من المدينة أم من مكة؟ قضية مختلف فيها.

ولأجل إيضاح الموضوع ودراسة تاريخ النفاق والمنافقين في الإسلام نستعين بالقرآن المجيد، فقد جاءت آيات كثيرة في مجال النفاق، والدراسة الإجمالية للموضوع يكشف عن استخدام هذه المادة 37 مرة في القرآن.

لكن أمر النفاق والمنافقين لا ينحصر في هذه الموارد المحدودة; وذلك لانا نجد الكثير من الآيات تعرضت لهذه القضية من دون ذكر لهذه المادة أبداً، كما هو الحال بالنسبة لثلاثة عشر آية من الآيات الأوائل لسورة البقرة(4) فقد كان موضوعها النفاق من دون أن يأتي ذكر لمادة النفاق مباشرة بل استخدمت مواد مرادفة لمادة النفاق.

إنَّ الآيات السبع والثلاثين التي تضمنت مادة النفاق، نزلت كلها في المدينة; ومن هنا يمكننا أن نستنتج إن القائلين ببدء النفاق من المدينة نظروا إلى ظاهر القرآن، إلاّ أنّ الأفضل لنا أن نرجع إلى الوراء قليلا لننظر إلى تاريخ حياة الرسول(صلى الله عليه وآله) والنبوة وكيفية التبليغ ومراحل جهاد الرسول لأعداء الإسلام.

مراحل جهاد الرسول لأعداء الإسلام

إن مواجهة الكفار و المشركين للرسول(صلى الله عليه وآله)والدين الإسلامي الحنيف ذات مراحل ست:

المرحلة الأولى: الاستهزاء والاستخفاف بالدين

بُعث محمد نبياً في غار حراء ونزلت آنذاك أول آيات القرآن عليه، وأصبحت دعوته علنية بعد ثلاث سنوات من الكتمان والتستر في دعوة الناس إلى الدين الجديد.

كان المشركون والوثنيون يعتبرون هذا الدين خطراً على مصالحهم، لكنهم ما كانوا يأخذونه مأخذاً جدياً لذا بادروا إلى الاستهزاء بالرسول ونسبة الجنون إليه.

يقول الله في هذا المجال في الآية 6 من سورة الحجر: (قَالُوا يَا أيُّها الّذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرَ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ)(5) وكانوا يستهدفون من ذلك عدم اخذ الناس هذا الدين مأخذاً جدياً، وعدم الاعتناء والتصديق بكلام الرسول; إلاّ أنّ المسلمين رغم هذه الاتهامات كانوا يزدادون يوماً بعد آخر، وكان الناس وبخاصة الشباب(6) منهم يصغون لكلام الرسول وينجذبون إليه، لذلك باءت مواجهتهم في هذه المرحلة بالفشل، وباتوا يفكرون بمواجهة أخرى ومرحلة أخرى من التصدي.

المرحلة الثانية: نسبة السحر والشعر للرسول(صلى الله عليه وآله)

بما أنّ الكفار لم ينجحوا في الحد من تأثير الرسول على الناس، من خلال المرحلة الأولى من المواجهة، بادروا إلى التصدي له بنعته بالكذب والشعر والسحر. إنّ النسبة هذه تعني أنهم قالوا للناس: إنّ تأثير الرسول فيهم لأجل كونه - نعوذ بالله - ساحراً ذكياً وشخصية مرموقة ويجذب النفوس نحوه لعلمه بالشعر وامتهانه مهارة إنشاده. ولو كان كلامه كلاماً عادياً ما كان يجذب الناس بهذه الشدة. يقول القرآن في هذا المجال في الآية 4 من سورة (صلى الله عليه وآله): (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذّابٌ)(7).

لم توفّر آلية المواجهة هذه جميع الأهداف التي كانوا يستهدفونها، وذلك لأن عدد المسلمين لا زال في تزايد مستمر والرجال والنساء والشباب والشيوخ لا زالوا يتوافدون على الرسول ليعلنوا الإسلام، وكان نتيجة ذلك إن بادر الكفار إلى تغيير أسلوبهم في المواجهة.

المرحلة الثالثة: المحاصرة الاقتصادية وقطع العلاقات

إنَّ فشل أساليب التهم ونسبة الجنون وغيره إلى الرسول جعلت الكفار والمشركين يفكرون بالمواجهة العملية، لذلك فرضوا حضراً على المسلمين وحبسوهم في مكان يدعى (شعب أبي طالب)، فمنعوا التردد عليهم والتعامل معهم.

لقد صبر المسلمون مدة ثلاث سنوات في ذلك الشعب الخالي من الماء والكلأ، وتحملوا المشاكل التي واجهتهم آنذاك وثبتوا ولم تزل أقدامهم.(8) والمكان هذا رغم انه مشجر حالياً إلاّ أن الإنسان لا يطيق قراءة الفاتحة على قبر أبي طالب(عليه السلام)هناك، وذلك لشدة الحرارة، والمسلمون آنذاك صمدوا وثبتوا، وقد قضى البعض نحبه هناك، رغم ذلك لم يستسلموا للأعداء.

وبعد تجيش عواطف أهالي مكة بادر البعض إلى فك الحصار عنهم شيئاً فشيئاً إلى أن فقد الحصار تأثيره وباءت جهود الكفار مرة أخرى بالفشل الذريع وما باتت هذه الآلية تجدي نفعاً.

المرحلة الرابعة: التدبير لاغتيال الرسول(صلى الله عليه وآله)

لقد شاهد المشركون من جانب فشل آليات التصدي للرسول والمسلمين ومن جانب آخر شاهدوا انتشار الدعوة الإسلامية بشكل سريع بين الناس وإدبارهم عن الأصنام; لذا فكروا بإجراءات جدية وخطرة أكثر من ذي قبل وقد استهدفوا في هذه المرحلة شخصية الرسول(صلى الله عليه وآله) ذاتها. فقد وجد زعماء قريش حلولا ثلاثة لمشكلتهم:

الأول: نفي الرسول(صلى الله عليه وآله) خارج مكة حفظاً لمصالح الكفار في مكة.

الثاني: حبسه للحيلولة دون اتصاله بالناس والمسلمين.

الثالث: قتله.

نتيجة شورا هم كان قرار قتل الرسول في ليلة المبيت(9) حيث حاصر أربعون شخصاً من شجعان العرب بيت الرسول(صلى الله عليه وآله) ليقتلوه في صباح تلك الليلة. اطّلع الرسول(صلى الله عليه وآله)على مؤامرتهم بوحي الهي فأمر الإمام علي(عليه السلام) أن ينام في فراشه آنذاك، وخرج بشكل معجز من بيته قاصداً يثرب (المدينة)، إلاّ أنه تحرك خلاف اتجاه وطريق المدينة لخداع المشركين، وبعد أن اطلع المشركون على تملُّص الرسول قاموا بتعقيبه وتتبع خطواته، لكنَّ الله شاء بقدرته أن يصل الرسول المدينة بسلامة ليقيم أول حكومة إسلامية زادت من قدرة المسلمين وشوكتهم.

المرحلة الخامسة: الحروب المتوالية ضد المسلمين

بعد ما نجع الكفار من النيل من شخصية الرسول(صلى الله عليه وآله) سلكوا طريق المواجهة المسلحة، وذلك لعدم نجاح آليات الحرب النفسية التي سلكوها ضد المسلمين لردهم عن دينهم وللحد من توسع رقعة الإسلام.

إنّ الإسلام يهدد سلطة الكفار ومصالحهم; ولأجل القيام بمهمة المواجهة العسكرية هموا في البداية اعداد رجال مكة ثم رجال القبائل الأخرى لبدء سلسلة حروب عسكرية متوالية ومتواصلة كانت معركة (بدر) البداية ومعركة الأحزاب(10) هي الذروة.

لقد استفاد كفار قريش في معركة الأحزاب من جميع ما توفر لهم من إمكانيات وقوى، وكما يبدو من اسمها فان جميع قبائل العرب وطوائفهم اجتمعوا واعدوا أنفسهم للنزال ضد الإسلام ولقتل الرسول ورجال المسلمين وللإغارة على أموالهم ولهدم بيوتهم، وسبي نسائهم والقضاء على الإسلام في النهاية.

تشير الآيتان 9 و 10 من سورة الأحزاب إلى هذه المرحلة من المواجهة: (يَا أيُّها الّذِيْنَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللِهِ عَلَيْكُم إذْ جَاءَتْكُم جُنُودٌ فأرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيْحَاً وجُنُودَاً لَم تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُون بَصِيْراً، إذ جَاؤوكُم مِنْ فَوْقِكُم وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجرَ وتَظُنُّونَ باللهِ الظَّ نُونا) .

إنّ هذه الآيات أهل للتأمل من حيث أنها تكشف عن معاناة المسلمين في صدر الإسلام.

وحسب هذه الآيات، فإنّ العَدُو حاصر المدينة مِنْ جميع الجهات، وقد بلغت إعدادات الأعداء وعدتهم إلى مستوى جعلت أبصار المؤمنين تزيغ، وقلوبهم تبلغ الحناجر; وذلك لأن المسلمين قليلون وعدتهم محدودة وأسلحتهم بسيطة، وهذا هو السبب في نفوذ الرعب والخوف في قلوب ضعاف الإيمان من المسلمين حيث كانت عبارات التزلزل والشك تدور في أذهانهم وقد يكون المسلمون جميعاً باستثناء الرسول(صلى الله عليه وآله) والإمام علي(عليه السلام) وعدة قليلة من المسلمين تزلزلوا إيماناً. فان ضعيف الإيمان يتزلزل عند مواجهته لأزمة شديدة، عكس قوي الإيمان حيث يقوى إيمانه ويزداد ثباته عند مواجهة الأزمات والمشاكل.

إنّ معركة الأحزاب كانت ساحة للاختبار لتمييز المؤمنين الحقيقيين عن غيرهم من ضعاف الإيمان والمترددين في إيمانهم. إنّ نهاية هذه المعركة كان لصالح المسلمين ولم تحصل مواجهة واراقة دماء الا في مورد واحد، حيث قتل الإمام علي (عليه السلام) عمرو بن ود.

عسكر الاعداء ابتلي باعصار شديد، ولشدته كانت تقلع خيامهم من اماكنها وتقلب قدور الطعام، كما سادهم خوف واضطراب وخيبة امل اجبرت أبا سفيان وغيره من زعماء الكفر على الرجوع كالجيش الخاسر، وبذلك تحقق وعد الله بنصر المؤمنين تارة أخرى، ونجى المؤمنون من خطر كبير كان يهدد وجودهم ودينهم، فكان نصراً للمسلمين اضفى عليهم قدرة وعظمة جعلت مكة وضواحيها لا تفكر بعدئذ بحرب مع المسلمين. ولاجل هذا استسلمت بعد فترة من الزمن مكة واهاليها ليصبح الإسلام القوة الوحيدة في بلاد الحجاز.

المرحلة السادسة، اللجوء إلى اخطر سلاح (النفاق)

رغم انتكاسة الاعداء في حرب الاحزاب وخسرانهم الحرب آنذاك، ورغم ما ترتب على هذه الانتكاسة من عدم تفكيرهم بعدئذ بدخول حرب مع المسلمين، إلاّ أنّ ذلك ما كان يعني تركهم لمعارضة الإسلام ومخالفته. إنّ الأعداء، اثر ادراكهم فشل وسائل المواجهة السابقة واقرارهم بذلك، بدأوا يفكرون بوسيلة ناجحة وفضلى للتخريب والدمار، وما كانت وسيلتهم الجديدة إلاّ النفاق.

إنّ الأعداء خسروا الحرب مع المسلمين، وهو أمر جعلهم في النهاية يستسلمون ويفتضحون إلاّ أنهم لم ينسوا حربهم مع الإسلام وعدائهم له، وقد تستروا في هذه المرحلة من المواجهة بنقاب النفاق وانتظروا يترصدون الفرصة للنيل من الإسلام وانزال الضربة القاصمة فيه. والآية الشريفة الأولى من سورة المنافقين ناظرة إلى هذه المرحلة من المواجهة (إذا جاَءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنّكَ لَرَسُولُ اللهِ والُله يَعْلَمُ إنّكَ لَرَسُولُه واللهُ يَشْهَدُ إنّ المُنَافِقِينَ لكَاذِبُونَ).

وبهذا الشكل تشكّل تيار النفاق ليصبح تدريجياً كالسيل الجارف،(11) وظاهر هذه الآية وايات أخرى هو أنّ النفاق بدأ من المدينة. لكن هذا لا يعني أنّ مكة كانت تخلو من النفاق والمنافقين، فقد يملك البعض قدرة حدس وتخمين المستقبل وفكراً سياسياً قوياً، وكان من خلال ذلك قد رأى النصر النتيجة الحتمية لنشاطات الرسول(صلى الله عليه وآله)، ولا يمكن بلوغ المقامات العليا آنذاك إلا من خلال التظاهر بالايمان الواقعي والقوي والتماشي مع هذا التيار.

نتائج الأمثال

يمكننا الخروج بالنتيجة التالية من الآيات الأربع للمثلين السابقين: (المنافق لا ثبات له) وانه يعاني من حالات نفسية منها الوحدة والخوف والوحشة والاضطراب والفضيحة، كما تُتصور في حقه جميع الأخطار التي عدت للمسافر الذي ضلّ الطريق في الصحراء. أمّا المؤمن فيحضى بهدوء وسكينة واطمئنان خاص يحصل في ظلّ الإيمان الخالص باللّه.

ما أحسن ما قال الله تعالى في هذا المجال: (الّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْم أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).(12)

وقد فسّر الظلم في الآية بتفسيرين، الاول: هو الشرك، أي أنّ (إيْمَانَهُمْ بِظُلْم) تعني الإيمان الخالص الذي لم يمتزج بالشرك. والثاني: هو المعنى المعروف والمتبادر من المفردة، أي أنّ المؤمن الذي لم يمتزج ايمانه بظلم لأحد فله الأمن وهو مهتد.

ونقرأ في آيات أخرى: (ألا إنّ أوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الّذينَ آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُم البُشرَى فِي الحيوةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذَلك هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ).(13)

إنَّ عدم الأمن والاضطراب والخوف والوحشة في الدنيا، وعذاب جهنم في الآخرة هو نصيب المنافقين، أمّا المؤمنون فنصيبهم الأمن والسعادة والفلاح.

وهذا أمر اثبت العلم الحديث صحته، ففي مؤتمر حمل عنوان (تأثير الدين على نفس الإنسان)، توصل العلماء المشتركون فيه إلى ان المؤمنين قليلا ما يبتلون بالامراض النفسية وكثيراً ما نجد هذا النوع من الامراض في الذين يفقدون الايمان بالله; وذلك لأنّ غير المؤمن يشعر بالوحدة دائماً وتهزه ابسط المشاكل.

أمّا المؤمن فيرى الله معه، يتوكل عليه في الحوادث ويبدي الثبات والصبر من نفسه دائماً، فإذا فقد أحد أعزته قال: (إنَّا للهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ)(14) وبهذا الإعتقاد تسهل عليه الوطئة وتتغمده رحمة الله وألطافه كما تقول الآية 157 من سورة البقرة.

وهو إذا فقد رأس ماله لا يأسى ولا يحزن، كما انه إذا اتاه شيء ثمين لا يفرح ولا يفخر (لَكَيْلا تأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور)(15)

وإذا حصلت له حوادث أخرى فيعدها امتحانات الهية تسلك به نحو الكمال في الدنيا وتدرُّ عليه الثواب والأجر في الآخرة. فهو لا يلعن الزمان ولا المكان بل يشكر الله ويحكّم ايمانه بالله ويقوّيه. واذا ما تصفحنا سيرة عظمائنا لوجدنا مفاهيم هذه الايات متجسدة فيهم عملياً.

سعيد بن جبير عند الموت

إن سعيد بن جبير من العظماء والأولياء، كما انه من انصار الامام السجاد(عليه السلام)، فقد كان مؤمناً حنيفاً ومتوكلا على الله في اعماله، وقد ابتسم عند مقتله.

عندما جي بسعيد بن جبير إلى الحجاج(16) دار نقاش بينهما استهدف الحجاج عبره النيل والاستهزاء بسعيد، إلاّ أنَّه ما استطاع، لقدرة سعيد على الكلام، فامر بقتله وقال له: اختر أي قتلة شئت ! قال:اختر لنفسك فان القصاص امامك. ولما أمر بقتله قال (وَجَّهْتُ وَجْهِي للّذي فَطَرَ السَّمَواتِ والأَرْضَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكينَ)(17) فقال: شدوا به لغير القبلة. فقال: (أيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).(18) قال: كُبوَّه على وجهه. فقال: (مِنْها خَلَقْنَاكُم وَفِيْها نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارةً أُخْرَى).(19)

وبعدما أمر الحجاج بقتله دعى سعيد بهذا الدعاء (اللهم لا تسلّطه على احد بعدي)، وقد استجيب دعاؤه ولم يبق الحجاج بعده الا خمسة عشرة ليلة(20) ولم يقتل بعده الحجاج احداً. وقد مات الحجاج اثر مرض كان يشعر خلاله بالبرودة والرعشة بحيث كان يدخل يديه في النار وتحترق وهو لا يشعر بها. ولما جاءه احد الوجهاء وطلب منه ان يدعو له، ذكّره بما قد أوصاه سابقاً من عدم الاكثار في القتل.

نعم إنَّ الأمان في الدنيا للمؤمنين فقط دون المنافقين، ودين الله ليس للآخرة فقط بل هو منهج للحياة الدنيا كذلك.

ـــــــــــــ

1. يقول الله في الآية 4 من سورة ابراهيم (وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إلاَّ بِلسَان قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) كما قال الرسول(صلى الله عليه وآله)مراراً: «أمرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم» بحار الانوار 1: 85.

2. من لا يحضره الفقيه 1: 334، الحديث 9 و 10.

3. من لا يحضره الفقيه 1: 333، الحديث 5.

4. من الآية الثامنة وحتى العشرين.

5. وقد تكررت هذه الإتهامات في آيات أخرى نقلا عن المشركين، وهي: الدخان: 14 والطور: 92، والقلم: 2، و51 والتكوير: 21. ويستفاد من آيات القرآن ان اول مواجهة يخوضها المشركون والكفار لرسول يبعث لهم هي نسبة الجنون إليه. وللمزيد يمكن مراجعة الايات التالية: الذاريات: 39 و52، الصافات: 36، الشعراء: 72، نوح: 9.

6. لقد كان لجيل الشباب دور فاعل في تمكن الإسلام وامتداده في بقاع الارض; وحالياً للشباب نفس الدور الذي كان للشباب في صدر الإسلام; فما دام الشباب في حضن الإسلام لا خطر يواجه هذا الدين. ولهذا ينبغي العناية الخاصة بهذه الشريحة في بلداننا.

7. ان هذه التهمة لم تختص برسولنا، بل شملت الكثير من الرسل حيث يقول الله في الآية 52 من سورة الذاريات: (كَذِلك ما أتَى الّذين مِنْ قَبْلِهِم مِنْ رَسُول إلاّ قَالُوا سَاحِرٌ مَجْنُونٌ) وقد جاءت آيات كثيرة من القرآن متناولة الموضوع ذاته.

8. ان الإسلام الذي بلغنا حالياً هو نتيجة للمشاق والزحمات والشهادات والتضحيات التي تحملها الاوائل، لذلك كان علينا لزاماً ان نسعى لحفظ هذا الدين بالقول والعمل.

9. الاصطلاح يطلق على الليلة التي نام فيها الامام علي(عليه السلام) مكان الرسول(صلى الله عليه وآله) ليموّه على خروج الرسول من بيته. ولاجل هذه التضحية العظيمة نزلت الآية الشريفة التالية في حقه(عليه السلام): (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ واللهُ رؤوفٌ بالعِبَادِ).

10. بعد الاحزاب كانت معارك أخرى الا انها ليست بمستوى الاحزاب من حيث الاهمية.

11. ان الثورة الاسلامية في ايران واجهت نفس المراحل الست، وقد شهدناها قبل الثورة وبعدها فكان منها الاستهزاء بالامام الخميني (قده) واهانته ونفيه إلى الخارج والحصار الاقتصادي والحروب المسلحة الداخلية منها والخارجية، والنهاية هو النفاق الذي كانت منظمة خلق ايران نموذجاً بارزاً له.

12. الأنعام: 82.

13. يونس: 26- 64.

14. البقرة: 165.

15. الحديد: 23.

16. يقول احد الكتّاب في الحجاج: «لو كانت هناك مسابقة تعرّف من خلالها الملل والنحل طغاتها وجناتها وعرّفنا نحن المسلمون الحجاج في تلك المسابقة لربحنا تلك المسابقة قطعاً».

ويبدو انه منصف في كلامه وليس الأمر بعيداً عن الواقع; فانَّ قطع رؤوس المعارضين له ومشاهدة فوران الدم من الجسد والشرايين هي احد موارد ترفيهه والتذاذه، وكان يصّرح بالتذاذه بمشاهدة هذه المناظر.

17. الأنعام: 79.

18. البقرة: 115.

19. طه: 55.

20. سفينة البحار، مادة سعد.  

منقول من موقع مركز آل البيت عليهما السلام العالمي للمعلومات


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=989
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 04 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24