• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : آية الخلافة .

آية الخلافة

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (1) .

الخليفة :

أمّا الخليفة فهو من يقوم مقام الغير . ولم تستعمل هذه اللفظة بصيغة المفرد في القرآن الكريم إلاّ في موردين : أوّلهما هذا المورد ، والثاني قوله تعالى : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) (2) .

ولكنّها استعملت بصيغة الجمع في موارد : منها قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ في الأَرْضِ ) (3) .

وقوله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم ) (4) .

قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ ) (5) .

وقوله تعالى : ( وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ) (6) .

وقوله تعالى : ( وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ ) (7) .

وقوله تعالى : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ ) (8) .

المراد من الخلافة :

لعلّ المراد منها في كثير من الآيات هو الحلول محلّ الغابرين في الحياة الدنيوية والقيام مقامهم ، وهو ما تؤكّده القرائن الحافّة بالآيات ، إلاّ أنّ المراد بالخلافة في الآيتين اللّتين ذكر فيهما اللفظ بصيغة المفرد هو القيام مقام الخالق والجاعل ـ جل وعلا ـ أي أنّ المراد منها هو ( الخلافة الإلهيّة ) .

وذلك لأمرين :

الأول : إنّ إطلاق لفظ ( خليفة ) من غير إضافة وإشارة إلى المخلوف ممّا يؤكّد أنّ الإنسان خليفة لمَن جعله كذلك ، وهذا نظير ما لو قال رئيس الدولة مثلاً : ( إنّي جاعل في الدولة خليفة ) ، إذ يكون المفهوم العرفي له كون هذا خليفة لرئيس الدولة نفسه .

الثاني : إنّ الحوار الذي جرى بين الملائكة وبين الله تعالى إذ تساءلوا عن معنى جعل خليفة يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، فأجابهم تعالى بأنّه يعلم مالا يعلمون ، والامتحان الذي تمّ وكشف عن صلاحيّة الإنسان لتعلّم الأسماء ، كل هذا ليكشف لنا بوضوح عن أنّ الخلافة المركّز عليها هنا ليست إلاّ الخلافة الإلهية .

وإذا كان هذا الأمر الثاني جارياً في الآية التي نبحث عنها بالخصوص ، فإنّ الأمر الأوّل جارٍ في الآيتين معاً .

وممّا يؤكّد الخلافة هنا إلهيّة أنّ الله عرّف ذلك المخلوق للملائكة قبل أنْ يخلقه بأنّه ( الخليفة ) ، فلو كان المقصود هو من يخلف غيره في الحياة الدنيوية لم يكن يصلح أنْ يعرّف بذلك .

هذا ، وإنّ وجود عبارة : ( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) تفريعاً على جعل الخلافة لداود في الآية الثانية ، ينسجم مع هذا المعنى دون مسألة القيام مقام الآخرين .

سرّ الخلافة الإلهيّة وملاكها :

إنّ الخلافة تعني : كون الخليفة معبّراً عن المستخلِف في ما استخلف فيه . ومن هنا فإنّ الخلافة المطلقة تقتضي كونها شاملة لمختلف الشؤون وكافّة الأمور من جهة ، واستيعابها لكلّ ما استخلف عليه الخليفة من جهة أخرى .

ولهذا كان من اللازم أنْ يكون الخليفة المطلق عالِماً بصفات المستخلِف وشؤون ما يستخلف عليه ، كما يجب أنْ تكون له القدرة الضرورية للتصرّف فيه .

وهكذا فالخلافة المطلقة الإلهية تتوقّف على معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا حتى يمكن للخليفة أن يعبّر عنها ، كما تتوقّف أيضاً على معرفة عامّة المخلوقات ؛ لكي يتمكّن من تدبيرها وأداء حق الاستخلاف فيها .

ولذلك نجد أنّ الله تعالى علّم آدم الأسماء كلّها علْماً يغنيه عن ذلك ويحقّق ملاك إعطاء الخلافة الإلهيّة ، ولم يكن ذلك التعليم بالألفاظ ومداليلها الذهنيّة ، وإنّما كان بالحقائق ومصاديقها الخارجية العينيّة .

ويدلّ على ذلك الحوار الذي جرى مع الملائكة , حيث إنّهم تصوّروا أنفسهم لائقين لمقام الخلافة الإلهية ؛ لقيامهم بالتسبيح والتقديس ، فتساءلوا عن الحكمة في جعل خليفة في الأرض ، إلاّ أنّهم اعترفوا بقصورهم عن احتلال هذا المقام حينما علّم الله آدم الأسماء كلّها ثمّ عرضهم على الملائكة ، فقالوا معترفين بالعجز : ( سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) .

ولهذا يمكن أنْ نؤكّد أنّ ما حصل لهم علمه بالأنباء والأخبار لم يكن على حدّ علم آدم كما يشعر به , بل يدلّ عليه اختلاف التعبير ، حيث عبّر بالنسبة لآدم بـ ( علّم ) وبالنسبة للملائكة بـ ( أنبأهم ) .

ويؤيّد هذا الذي ذكرناه أنّ الآية مطلقة لم تُقيّد الخلافة بما يستخلف فيه ولا بمن يستخلف عليه ، ولا ريب في أنّ مَنْ كان له ذلك المقام المطلق لابدّ له من العلم بالأسماء والصفات علماً يمكنه ـ معه ـ أنْ يتصرّف في ما استُخلف فيه كما هو ظاهر .

وخلاصة الأمر :

إنّ الخلافة الإلهيّة تدور مدار العلم الشهودي ـ لا الكسبي الحصولي ـ بالأسماء كلّها ، علماً يتلقّاه الخليفة من الله تعالى بغير واسطة , وهذا هو سرّ الخلافة ومناطها .

الأسماء :

الاسم : هو ما يعرف به الشيء . ولكن ما المراد به في هذه الآية ؟ وهل المراد هو أسماء الله أي الألفاظ ؟ أو مفاهيمها الذهنيّة ؟ أو الأعيان الخارجيّة التي تحكي عنه سبحانه ؟ أو أنّ المراد هو أسماء المخلوقات ؟

أمّا كون المراد بها الألفاظ ـ سواء كانت ألفاظاً حاكية عن الله سبحانه أو عن مخلوقاته ـ فلا ينسجم مع ضرورة أنّ اللغات لم تكن قد وضعت آنذاك ، والمفاهيم الذهنية غير قابلة للنقل والإنباء ، فيتعيّن الاحتمال الثالث ، وحينئذٍ فيكون المراد من الأسماء التي أنبأهم بها آدم أسماء تلك الأسماء العينيّة الحسنى ، كما يساعد عليه تعبير الإنباء في قوله تعالى : ( أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء ) (9) .

وقوله تعالى : ( أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ) (10) .

ومن المحتمل أنْ تكون هذه الأسماء هي أسماء الله من جهة وأسماء لِما سواه من جهة أخرى ، فإنّ هؤلاء يتّصفون تارة بأنّهم مظاهر لصفاته العليا ، وأخرى خُزّان كمالات المخلوقات على وجه أتم وأعلى .. ولعلّ ممّا يؤيّد هذا الاحتمال الإطلاق الموجود في لفظ ( الأسماء ) .

وبهذا الوجه من الجمع يمكننا أنْ نجمع بين الروايات الدالّة على أنّها أسماء الأشياء كالجبال والأودية ، وبين ما يدلّ على أنّ المعروض على الملائكة هي أنوار المعصومين وأرواحهم عليهم السلام ، وقد ورد أنّهم الأسماء الحسنى (11) .

هل تختصّ الخلافة بآدم (ع) ؟

لا ريب في أنّ الخلافة المجعولة في الآية ليست مختصّة بشخص آدم عليه السلام ، فإنّ الملائكة قالوا : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) (12) ، وهذا المعنى لا يُتصوّر إلاّ مع وجود كثرة في الأفراد وحياة اجتماعية معيّنة ، أضف إلى ذلك أنّ الله تعالى لم يرد عليهم بنفي وقوع القتل والإفساد ، بل قال : ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (13) ، مشيراً إلى رفعة مقام الخليفة .

كما أنّه لا ريب في أنّ مثل هذا المقام الأسمى لا يُعطى لكل الأفراد فعلاً ؛ لأنّ المفسد السافك للدماء لا يليق له ولا يناسبه ، وعليه فتكون الخلافة مجعولة لآدم كنوع لا كشخص ، وذلك بمعنى أنّه يوجد في النوع الإنساني من يحمل صلاحيّة الوصول إلى هذا المقام الجليل . فالإنسان خليفة الله تعالى في أرضه بما أنّ له العلم بالأسماء الحسنى .

والذي يبدو ممّا سبق كلّه أنّ ذلك الإنسان الخليفة هو الغاية القصوى من خلق الإنسان وإيجاد هذا النوع في كل زمان .

وهناك روايات تُشير إلى ما استفدناه من الآيات ، نذكر بعضها في ما يلي :

روى الصدوق بسندين عن الصادق عليه السلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى علّم آدم عليه السلام أسماء حجج الله كلّها ، ثمّ عرضهم ـ وهم أرواح ـ على الملائكة ، فقال : ( أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (14) بأنّكم أحقّ بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليه السلام ، ( قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (15) .

قال الله تبارك وتعالى : ( يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ) (16) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله ـ تعالى ذكره ـ فعلِموا أنّهم أحق بأنْ يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريّته ، ثمّ غيّبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبّتهم ، وقال لهم : ( أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) (17) .

وفي تفسر العيّاشي عن أبي العبّاس , عن أبي عبد الله عليه السلام : سألته عن قول الله : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) (18) ماذا علّمه ؟ قال : ( الأرضين والجبال والشعاب والأودية ، ثمّ نظر إلى بساط تحته فقال : وهذا البساط ممّا علّمه ) (19) .

وفيه عن داود بن سرحان العطّار قال : كنتُ عند أبي عبد الله عليه السلام ، فدعا بالخوان فتغدّينا ، ثمّ جاءوا بالطست والدست سنانه ، فقال : جعلت فداك ، قوله : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) (20) الطست والدست سنانه منه ؟ فقال : ( والفجاج والأودية ) . وأهوى بيده : كذا وكذا (21) .

_______________________

* اقتباس شبكة الإمامين الحسنين ( عليهما السلام ) من كتاب : ( الإمامة والولاية في القرآن الكريم ) ، تأليف : مجموعة مؤلّفين .

(1) سورة البقرة : الآية : 29 ـ 30 .

(2) سورة ص : الآية : 26 .

(3) سورة الأنعام : الآية : 165 .

(4) سورة يونس : الآية : 14 .

(5) سورة يونس الآية: 73 .

(6) سورة الأعراف : الآية : 69 .

(7) سورة الأعراف : الآية : 74 .

(8) سورة النمل : الآية : 62 .

(9) سورة البقرة : الآية : 31 .

(10) سورة البقرة : الآية : 33 .

(11) الكافي : ج1 ، ص 143 ، الحديث 4 : عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجل ( لِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) ، قال : ( نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا ) .

(12) سورة البقرة : الآية : 30 .

(13) سورة البقرة : الآية :30 .

(14) سورة البقرة : الآية : 31 .

(15) سورة البقرة : الآية : 32 .

(16) سورة البقرة : الآية : 33 .

(17) كمال الدين : ج1 ، ص 14 .

(18) سورة البقرة : الآية : 31 .

(19) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص 32 . تفسير البرهان : ج1 ، ص 75 . البحار : ج5 ، ص 57 و 39 .

(20) سورة البقرة : الآية : 31 .

(21) تفسير العياشي : ج 1 ، ص 33 . تفسير البرهان ج 1 ، ص 75 . البحار : ج 5 ، ص 39 .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=976
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 04 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24