• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : المفاهيم القرآنية في أدعية الإمام السجاد .

المفاهيم القرآنية في أدعية الإمام السجاد

بقلم : عباس الموسى

المتأمل لأدعية الإمام السجاد في صحيفته المباركة أو في غيرها من الكتب يشم رائحة القرآن الكريم تفوح من كل كلماته وجوانبه منطوقاً ومفهوماً، لذا فإن المرء متى ما تأمل مع هذه الأدعية ذاب في الله كما ذاب الإمام السجاد في الله، وعاش مع الله في فكره وعقيدته وعمله وكل تصرفاته .

إن أدعية الإمام في الواقع مستوحاة من القرآن الكريم ، فلا يخفى على الإمام – وهو يدعو – كلمات القرآن ومفاهيمه، كيف لا وهو عدل القرآن (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) والشارح له، والدليل على الله (الأدلاء على الله) ، فمن تمرّس وحفظ أدعية الإمام السجاد عن إيمان ووعي صادقين فلاشك أنه سيقرب من الله ، لأن طريق الأئمة طريق الله ، وإنما وصلوا إلى ما وصلوا إليه بالدعاء فقضاء حوائجهم بدعاء الله وعشقهم لله، وتأملاتهم وراحتهم مع الله ، وتعبهم وسهرهم لله ، هكذا هم عاشوا لله وفي سبيل الله.

ومعلوم أن ما تميز به الإمام السجاد عليه السلام ( الدعاء ) فقد كان دعَّاءً – كثير الدعاء – فكان همه أن يقرب الإنسان بما هو إنسان إلى خالقه ورازقه وحافظه ومحاسبه ، كان همه أن يشعر الإنسان أن الله معه في كل وقت وعند كل شدة فلا يرجو غيره ولا يدعو من هو أدنى منه.

كان همه أن يسمو الإنسان إلى أعمق نفسية طاهرة تسمو فوق الشبهات وتعلو الترهات ولا تتنزل للمسقطات.

كان همه أن يحدق الإنسان في ملكوت ربه ليشعر أن كل ذرة من ذرات الوجود هي من لطف الله.

كان همه أن يعيش الإنسان القرآن فكراً وقلباً لا يرى شيئاً إلا ويرى الله معه وفيه وأصله ومنتهاه، لذا كانت أدعية الإمام تنسجم روحاً مع القرآن ، ومن هنا نبدأ.

دعاء يوم الأحد:

هو من الأدعية الجميلة .. وكل أدعيته جميلة.. دعاء يوم الأحد والذي ما إن تأملت في كلماته البلاغية والروحية والنفسية إلا وجدت الله فيه ، ولي هنا محاولة قصيرة ومجملة مع هذا الدعاء في الموافقة بينه وبين كلمات وآيات القرآن الكريم ليدرك القارئ كيف يعيش ويتواجد القرآن في روح ولسان وحتى دم وشرايين الإمام عليه السلام، وليدرك أيضاً كيف كان الإمام يعيش مع الله ، ويتصور كلمات الله بقلبه وروحه الصافية لتنطلق من لسانه عذبة شفافة رقيقة تدخل في قلوب سامعيه وقارئيه - الدعاء - لتصل بالإنسان إلى الله وليتعلق قلبه بالله وبحبه دون سواه من المخلوقات.

وإليك بعض كلمات الدعاء ...

من المرجو ؟

الله هو خالق كل شيء وهو مدبر الأمور وإليه يرجع الأمر كله، وهذا ما يتصوره الإمام – روحي فداه – ويعايشه ويبينه لنا بلسانٍ عذبٍ بليغ ، فينطلق في الدعاء ليبين بداية كل شيء وأن الرجاء لا يكون إلا من الله والخوف لا يكون إلا من عدله والاعتماد لا يكون إلا على قوله والتمسك بحبله فقال (ع) : ( بسم الله الذي لا أرجو إلا فضله ولا أخشى إلا عدله ، ولا أعتمد إلا قوله ولا أمسك إلا بحبله).

وكلام الإمام هذا إنما هو صياغة لمنطوق القرآن أو مفهومه ففي طلب الفضل من الله ورجاء ذلك منه ( لا أرجو...) فإن الإمام يتصور قوله تعالى : (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ومن أعظم فضلاً من الله ، ومن أقدر من الله في شيء ، فكأن الإمام يقول لنا لا ترجوا فضلاً من أحد، بل من الله ، وهذا مستوحى من قوله تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) وهذا هو الواقع، أن كل نعمة وفضل وتوفيق فهو من الله دون سواه ، وهو ناظر أيضاً إلى قوله تعالى : (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا).

الخشية من عدل الله :

وفي قوله عليه السلام : (لا أخشى إلا عدله) يدرك الإمام أن العادل كل العدل والذي لا يعادله عادل مهما كان هو الله ، فعلى الإنسان أن ينظر في كل أعماله وتصرفاته لأن وراءه عادل عظيم يخشى من عدله مع أن رحمته واسعة وسعت كل شيء، والإمام ناظر هنا إلى قوله تعالى : (مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) .

اعتماد قول الله فقط :

وفي قوله عليه السلام : ( ولا أعتمد إلا قوله ) قول الله وكلماته أصدق الكلمات وأوثقها ، ولا خلاف في ذلك، فقد نختلف أن حديثاً ما ينسب إلى رسول الله (ص) أو أحد الأئمة لكننا لا نختلف أن كلمات الله هي أصدق الكلمات والمتمثلة في قرآنه المجيد وكتابه المحفوظ ، ومن هذا انطلق بعض الفقهاء ليروا أن الأفضل الدعاء بأدعية القرآن حتى في الصلوات الخمس لأنها تمثل أصدق الكلمات، وعلى هذا قوله تعالى : (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) وقوله تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) .وقوله تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا ) .

الإمساك بحبل الله :

وفي قوله عليه السلام ( ولا أمسك إلا بحبله ) ففي الوقت الذي يؤكد رسول الله على الاهتمام بالقرآن كما في حديث الثقلين ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي ) يأتي الإمام ليؤكد أيضاً الاهتمام بالقرآن الكريم ليطرح مفاهيمه ويتمسك بحبله وهو ناظر لقوله : (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ومن هذا قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) ، وكتاب الله هو الحبل المتين فتمسك بحبله لتأخذوا مفاهيمكم من القرآن .

نكتة نحوية وبلاغية :

مما مضى استخدم الإمام أسلوبين نحويين؛ إدخال ( لا ) النافية والفعل المضارع فما فائدة كل منهما ؟

فأما ( لا ) النافية فإذا أدخلت على الفعل كما يقول النحاة نفته مستقبلاً . فلا أرجو .. ولا أخشى .. ولا أعتمد .. ولا أمسك .. كلها نافية للحدوث مستقبلاً بمعنى لن أرجو فضل أحد ، ولن أخشى عدل أحد ، ولن أعتمد قول أحد ، ولن أمسك بحبل أحد إلا الله في كل هذه الأمور .

وأما الاعتماد على كلام رسول الله فلكلام الله (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) خرج عن هذه القاعدة. وأما استخدام الفعل وبالخصوص المضارع لأن المضارع يفيد الاستمرار فـ ( أرجو ، أخشى ، أعتمد ، أمسك ) أفعال مضارعة مستمرة بمعنى لا أرجو فضل أحد ولا أخشى عدله ولا أعتمد قوله ولا أتمسك بحبل أحد إلا الله في حالي هذا وفي المستقبل، لأن المضارع يستخدم للحال والاستقبال كما هو معروف عند النحاة.

الاستجارة بالله:

نعم إن الإمام يحثنا في دعائه على الاستجارة برب الأرباب الفعال لما يريد ، فالإجارة تطلب من الخوف والحماية من المكروه ومن يستطيع أن يدفع عنك مكروهاً غير الله؟!، إن الله وحده هو الذي يدفع المكاره وهو الذي ينبغي أن يستجار به فلذا يعلمنا الإمام أن نقول (بك أستجير يا ذا العفو والرضوان [من ماذا؟] من الظلم والعدوان [ثم ماذا] ومن غير الزمان [ثم ماذا] وتواتر الأحزان [ثم ماذا] وطوارق الحدثان).

فقوله عليه السلام : ( يا ذا العفو والرضوان ) ناظر إلى عفو الله ورضوانه فهو يلتمس عفوه كما في قوله تعالى (وَاعْفُ عَنَّا) وقوله تعالى (وَعَفَا عَنكُمْ) وينبه الإمام بمناداته الله بالعفو أنه أهل العفو وأهل المغفرة، وإذا كنا متمسكين بحبل كتابه فعلينا أن نتعلم العفو فيما بيننا كما علمنا كتابه الكريم (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ). وناظر أيضاً إلى رضوان الله تعالى، والرضا من العبد هو أعلى درجات المقربين (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقوله (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فالدعاء منا إلى صاحب الرضا والرضوان.

ومن ماذا أستجير بالله ؟

أستجير به من الظلم والعدوان فقد أُظلم ويُعتدى عليَّ ولا يستطيع أحد أن يردع عني الظلم إلا الله فبه أستجير لأنه يملك كل القوة الرادعة للظلم والعدوان، (ومن غير الزمان) فإننا نستجير بك يا الله من تقلبات الأحداث والأزمنة وتغيراتها فإنك أنت العالم بالأحداث وبما يجري في هذا الكون (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).

(وتواتر الأحزان) أي تتابع الأحزان التي قد تتوالى على الإنسان في فترات متعاقبة ومتزامنة فما على الإنسان إلا أن يستجير بالله ليرفع عنه الحزن (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ).

(وطوارق الحدثان): أي ما يحدث في الأزمنة والأمكنة المختلفة من أمور قد تأثر على حياة الإنسان فأنت يا الله مدبر الأمور وهل الحدثان إلا أمور تحدث وأليس (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) فبك أستجير من كل الأمور التي يمكن أن تحدث فالأمر من الله وبيد الله وإلى الله يرجع وعليه فالاستجارة به في كل الأمور.

(ومن انقضاء المدة قبل التأهب والعدة) وما زالت الاستجارة بالله من خوف انقضاء المدة (الزمن) قبل أن يستعد الإنسان إلى لقاء ربه فقد يلقاه ولم يتب بعد. وهذا قوله تعالى استجارة به (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) فالإمام يوحي ويشير إلى مفهوم هذه الآية ليحث الإنسان على التأهب والاستعداد للقاء الواحد القهار قبل الندم والتحسر عندما توفى إليه أعماله ...

ومن هنا انطلق الإمام في استجارته بالله وطلب منه أن يرشده لما فيه خيره وصلاحه لأنه هو المرشد والهادي إلى الطريق الصحيح (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) ويقول عز من قائل: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فأنت يا رب الذي تهدي العقول لما فيه الخير والصلاح فإني أسألك وأستجير بك لهدايتي للصلاح والإصلاح بمنك وفضلك الجزيل الذي لا يساويه فضل.

الاستعاذة بالله:

نعم فالإمام يوجهنا إلى الله في الاستعاذة به لا بغيره ، فإن الإنسان في كل شؤونه ومخططاته وترتيباته بحاجة إلى أن يستعين بالأمور المساعدة لنجاح مخططاته وتدابيره ، وهل هناك من يساعد على ذلك إلا الله؟! لذا يقول الإمام (وبك استعين فيما يقترن به النجاح والإنجاح) فالاستعانة محصورة بالله والاستعانة لا تصح إلا به كما أقر ذلك رب العزة في كتابه (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وليس بعيدٌ عن هذه الآية قوله عليه السلام (بك استعين) لما لله من القوة والقدرة والهيمنة على كل الأمور فهو القادر على كل شيء وهو القادر على أن يعين أي أحد من مخلوقاته .

لباس العافية :

أي لباس يرغب أن يلبسه الإنسان؟ إنه لباس العافية الذي لا يدركه الإنسان إلا عند فقده ، فعندما تفقد عافيتك ولو لمرض بسيط تدرك أهميتها، وترغب في استردادها فتلجأ إلى من بيده تلك القدرة في استرجاعها، فالرغبة لا تكون إلا منه ، وهنا يأتي انحصار هذه الرغبة فيه سبحانه وتعالى كما يقول الإمام (وإياك أرغب في لباس العافية وتمامها وشمول السلامة ودوامها) لأنك يا رب أنت من تهب الحياة لمن تريد وتأخذ من تريد وتهب الصحة والعافية لمن تريد وتسلب العافية عمن تريد لأنك القادر على كل شيء (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ).

همزات الشياطين :

إنا نتعوذ بك من الشيطان الرجيم (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، إن الإمام يعلمنا أن التعوذ من مخططات الشيطان ووساوسه ونفثاته -(وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)- لا يكون إلا بالله لأن الله هو أعرف منا بالشيطان ووساوسه، لذا فإننا عندما نتعوذ بالله من رجس الشيطان فإن الله يقول له (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) لأنه شرط في قراره غواية الإنسان (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ومن هنا يقول الإمام (وأعوذ بك يا رب من همزات الشياطين) لأنك المعبود وحدك ولا معبود سواك.

فالإمام يعلمنا أيضاً أن عدم التعوذ بالله من همزات الشياطين قد يجعلنا أسرى لإغراءاته فيتمكن منا فنصبح أولياءه ونكون من الخاسرين.

جور السلاطين :

وليس بعيداً عن همزات الشياطين جور السلاطين فإننا نحترز بك وبسلطانك الذي هو فوق كل سلطان لأنك صاحب السلطة ولأنك معطي السلطة فأنت القادر على أن تدفع عني ظلم وجور كل سلطان ممن أعطيته سلطتك، وحركته بحركتك وقد استخدم سلطته في ظلم عبادك فإننا نحترز بسلطانك من جور السلاطين لأنك يا رب (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ).

فائدة نحوية وبلاغية :

لقد استخدم الإمام كلمة (إياك) و (بك) في قوله (ع): (إياك أرغب) و (بك استعين) وتقديم (إياك) و (بك) لإفادة التخصيص أي إليك أرغب وحدك دون غيرك وبك أستعين دون غيرك من المخلوقات. فالاستعانة بك على النجاح وعلى دفع الشرور والطاعة والعبادة.

فتقديم المفعول (إياك) على الفاعل يفيد الحصر – كما يذكر أصحاب اللغة – ومعنى هذا أننا نرغب إليك وحدك ونستعين بك دون سواك وهذا إنما يتم في جميع الأمور بلا استثناء من العبد .

قبول الصلاة والصيام:

عندما يدرك الإنسان أن كله لله يدرك أنه ضعيف لا يستطيع شيئاً فيبتهل إلى الله بقبول صلاته وصومه التي هي عبادات مفترضة عليه ومع ذلك يشعر بالحاجة لتلمس قبول الله لصلاته وصومه لمعرفته أن الصلاة والصيام إنما هي لله (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فإن قول الإمام عليه السلام (وتقبل ما كان من صلاتي وصومي) لمعرفته بأن كل عباداتنا وأمورنا هي في الله وإلى الله فأراد أن يعلمنا أن نرفع أيدينا بالدعاء في قبول هذه العبادات التي هي لله.

أفضل الساعات والأيام :

ويغوص بنا الإمام لينبهنا إلى أن ندعو الله أن يجعل غدنا أفضل من يومنا هذا ومن ساعتنا هذه لأن الإنسان يفكر ويخطط فقد ينجح وقد لا ينجح، فإن لم ينجح فإنه أمام رب الحاجات والخطط ليوفقه على نجاح غده حتى لا يكون الإنسان مصداقاً لقول الإمام الصادق (ع) (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ، ومن لم يرَ الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان ، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة ). (1)

والإمام ناظر إلى ذلك اليوم الذي يلقى فيه الإنسان ربه ليكون أفضل من هذا اليوم (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ)، وقوله (أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ)، وقوله (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)، وقوله (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، وقوله (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

طلب العزة :

إن طلب العزة من صاحب العزة (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) لأنه من يملكها ويهبها (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) فمن رغب في العزة في أي وسط من الأوساط في العشيرة أو القوم أو الجماعة فإنما يطلب ذلك من الله، وقد نبه الإمام إلى أن العشيرة أولى بأن تكون العزة للإنسان فيها لأنها هي التي تحميه وتدافع عنه ويستطيع هو أن يقاوم ويجابه الأعداء بها ولذا أمر رب العزة رسوله أن يبدأ دعوته بالأقربين من عشيرته (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وهذا قول الإمام: (وأعزني في عشيرتي وقومي).

 

الحفظ في النوم واليقظة:

الله هو الحافظ من كل مكروه ومن كل شر (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لذا فإننا ندعوه وحده ليحفظنا من كل مكروه ظاهراً كان أو خفياً لأننا معرضين للمخاطر في اليقظة والنوم، ففي حالة اليقظة لربما نستطيع أن ندفع بعض المخاطر ولكن في المنام لا مجال لذلك إنما ذلك لمن (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) فالله هو الحافظ لعباده من كل المخاطر المادية والمعنوية التي تتهدده، فاحفظني يا رب من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن جميع النواحي (حفظاً عاصماً من معصيتك هادياً إلى طاعتك مستعملاً لمحبتك) وهذا ما أشار إليه الإمام (واحفظني في يقظتي ونومي فأنت الله خيرٌ حافظاً وأنت أرحم الراحمين).

البراءة من الشرك :

إن الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي يستحق العبادة وحده دون سواه (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولا يشرك في عبادته أحداً لأن (الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ولأن الله (لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) فإني أبرأ إليك من الشرك الذي لا يغفر في يومي هذا وما بعده ، وبأي نوعٍ كان كما أبرأ إليك من الإلحاد الذي به ينكر وجود الله وقال تعالى (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) لأن الإلحاد يكون في الذات والصفات والأسماء والآيات وهذا معنى قوله عليه السلام (اللهم إني أبرأ إليك في يومي هذا وما بعده من الآحاد من الشرك والإلحاد).

الإخلاص في الدعاء :

من القادر على تلبية الحاجات والمطالب؟ هو الله بلا شك ولا ريب، لأنه مسبب الأسباب والقادر على الأسباب، وممن نرجو الإجابة؟ ... من محقق الإجابة وهو الله سبحانه.

لذا فإن الإمام يوجهنا إلى أن نخلص دعاءنا لله وحده وأن نوجه له الدعاء دون سواه (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فالأمر من المولى بتوجيه الدعاء له مباشرة، فهو الأقرب إلينا من حبل الوريد وقد نبه ربُ الكون وخالقُه رسولَه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) وهذا معنى قوله عليه السلام (وأخلص لك دعائي تعرضاً للإجابة).

الطاعة للإثابة :

الإنسان في طاعته يأمل أن يحصل على ثواب يدخله الجنة، فالله سبحانه قد وعد خلقه أن يجزي من أحسن عملاً بثواب لتلك الطاعة (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فكان حقاً على الله أن يثيبه (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) ولا نطيع أحداً سواك (وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ) لأننا لا نرجو منهم ثواباً لآخرتنا كما هو الله ، فالطاعة إنما هي لله ولرسوله لذا يتحسر من لم يطعهما (يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) لأن الطاعة تمثل التزاماً بالعبودية الحقيقية التي لا تكون إلا لله وحده.

الدعاء بحق محمد (ص) :

ثم ينعطف بنا الإمام ليؤكد على الصلاة على محمد وأهميتهما في ذلك، كيف لا ومحمد هو خير خلق الله على الإطلاق وهو الداعي إلى حقه لذا فإن من أهم مقومات استجابة الدعاء (الصلاة على محمد وآل محمد) (فصل على محمد) أي أني أدعوك يا رب أن ترفع درجته عندك اعترافاً منك له بالفضل والشرف الذي جعلته له (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

العزة التي لا يجاريها عزة :

ثم يكرر الإمام طلب العزة والتي هي لله جميعاً وإنما تتحقق تبعاً لإرادة الله والرسول والمؤمنين (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) الذين يطلبونها بكل جهدهم ورغبتهم، وهو ـ الله ـ منَّ عليك بتلك العزة التي لا يضاهيها شيء، وهذا قوله عليه السلام (وأعزني بعزك الذي لا يضام).

وكرر عليه السلام طلب الحفظ من الله أيضاً لأهميته ولقدرة الله الوحيدة التامة على ذلك دون سواه لأن الله هو الحافظ بعينه التي لا تنام (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) فإنني أطلب منك يا رب أن تحفظني فإذا استجبت لي فسوف تحفظني (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) والحفظ الأهم من الشيطان ووساوسه وهمزاته (وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ) وهذا معنى قوله عليه السلام ( واحفظني بعينك التي لا تنام ) .

الانقطاع إلى الله :

ويدعو الإمام أن يكون الانقطاع إلى الله في كل الأمور لأن الله هو مدبر الأمور وإليه ترجع الأمور كلها، ولتكون حياتي كلها في خدمتك فإنني أفوض أمري إليك كاملاً (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) وهذا قوله عليه السلام (واختم بالانقطاع إليك أمري).

ثم يطلب أن يكون ختام الأمر أيضاً بالمغفرة لأن الله واسع المغفرة (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) وهو أهل المغفرة (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) والمغفرة من الله لعبده دليل على حسن عاقبته في الآخرة ليختم آخر العمر بالمغفرة (وبالمغفرة عمري)، (إنك أنت الغفور الرحيم) فبرحمتك الواسعة والتي وسعت كل شيء ارحمنا (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا)، (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

وختاماً نقول: (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

هذه لمسة بسيطة وقاصرة في فهم كلام إمامنا السجاد وعلاقته بالقرآن الكريم كما استوحيناه وفهمنا وبالله التوفيق ومنه العزة والقوة والمنعة والهداية.

 ـــــــــ

(1)  وسائل الشيعة ج16/94ح5.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=925
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 01 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24