• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : القرآن والمجتمع .
                    • الموضوع : دور التدبير الإلهي في حركة المُجتمع والتاريخ ( قراءة قرآنيّة ) .

دور التدبير الإلهي في حركة المُجتمع والتاريخ ( قراءة قرآنيّة )

محمد مهدي الاصفي

العوامل الأساسيّة في بِناء التاريخ، وفي حركة عَجلَة التاريخ ثلاثة:

1 ـ قانون العِلّيَّة:

وما يستتبع هذا القانون مِن عَلاقة حتميَّة بين الأحداث وأسبابها. وهذا القانون يُقرِّه القرآن الكريم، ويبني عليه، ويعتبره أساساً مِن الأُسس الرئيسة لفَهم التاريخ والمُجتمع، وقد شرحنا ذلك في بحث (المذهب التاريخي في القرآن) بتفصيل(1).

يقول تعالى في تبيان الحتميَّة التاريخيّة النابعة مِن قانون العِلِّيَّة والسببيَّة: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(2).

(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(3).

2 ـ حُرِّيَّة الإرادة:

وهو العنصر الثاني مِن العناصر المُكوِّنة للتاريخ. وهذا العنصر في نفس الوقت الذي يؤدّي دوره في الدائرة الأولى (قانون العلّية)... يُهيمن على هذه الدائرة، ويوجِّه عَجلة التاريخ حيث يشاء مِن خطوط العِلّيَّة. فلا يستطيع الإنسان في حركة التاريخ، أنْ يُعطِّل قانون العِلّيَّة و(القدر)، ولكنْ بامكانه أنْ يتحوّل مِن قَدر إلى قَدر آخر، ومِن مَسار مِن مسارات العِلّيَّة إلى مسار آخر. إنَّ قانون العِلّيَّة يفعل فِعله بشكل حتمي، ومِن دون خَلل أو عَطل، ولكنْ بإمكان الإنسان، أنْ يختار الجهة التي تسوقه بصورة حتميّة إلى الهَلاك، أو تسوقه بصورة حَتميّة إلى الحياة الطيّبة، تَسوقه إلى الغِنى أو إلى الفقر، إلى الفوضى في  الحياة الاجتماعيَّة أو إلى النظام.

اذنْ يبقى قانون العِلّيَّة فاعلاً بصفته الحتميَّة، ولكنَّ الإنسان يبقى هو العنصر المُهيمن على هذا القانون، مِن دون أنْ يخرج عن دائرة نفوذ الحتميّة العلّيَّة.

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ...)(4).

(... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...)(5).

3 ـ التدبير الإلهي:

وفيما تقتصر المادّيَّة التاريخيّة على العنصر الأوَّل فقط، في فَهم التاريخ والمُجتمع ـ وفي دائرة ضيِّقة جِدّاً ـ عَلاقات الإنتاج والتوزيع، هناك مَن ينظر إلى حركة التاريخ نظرة أكثر شمولاً وأوسع، ويعترف بأنَّ الإنسان عنصراً فاعلاً ومؤثّراً في مسار التاريخ، ويَعتبر التاريخ قائماً على هذين الأساسين فقط (الحتميَّة العلّيَّة وحُرّيَّة الإرادة).

ولكنَّ القرآن الكريم يُضيف إلى هذين العاملين، عاملاً ثالثاً أساسيّاً في حركة التاريخ، مِن دونه لا نستطيع أنْ نَفهم ونوجِّه التاريخ، في مسيره الطويل... وهو عنصر (التدبير الإلهي).

عَلاقة التدبير بالعوامل الأُخرى لحركة التاريخ

وهذا العنصر يُهيمن على العنصرين الآخرين، في الوقت الذي لا يُعطِّل دور العنصر الأوَّل، ولا يَهدم تأثير العنصر الثاني، في فَهم حركة التاريخ، ولهذا العنصر قوانينه وسُننه الخاصّة به، وطريقته الخاصّة في توجيه وتحريك التاريخ، وله طريقته الخاصّة في التعامل مع العنصرين الآخرين، وهي طريقة دقيقة يحتاج فَهمها واستيعابها إلى دراسة واسعة لسنا بصدده الآن.

الرؤية التوحيديَّة لعوامل حركة التاريخ:

والمُتتبِّع لآيات القرآن الكريم، يَجد بوضوح أنَّ القرآن الكريم يُفرز هذا العنصر، كعامل مُستقلّ عن العاملين الآخرين...، في الوقت الذي يَنسب كلا العاملين الأوّل والثاني، إلى مشيئة الله، ويُقرِّر أنَّ الله تعالى هو مصدر كلِّ شيء، والسبب الذي إليه يعود كلّ سبب، والخالق الذي إليه تَنتهي كلُّ عِلّة وفعل في الكون، وفي الآخر فإنَّ كلّ حركة في الكون والمُجتمع، تنتسب إلى الله تعالى مِن خِلال هذه الرؤية التوحيديّة الشاملة، دون أنْ تَعني سَلب ارادة الإنسان وحرّيته، أو تعطيل دوره في الحياة، أو رفع المسؤوليّة عنه...، وهذه مسالة دقيقة بالغة الدِقّة في القرآن الكريم، وفي الوقتِ نفسهِ موضَّحة توضيحاً كافياً في كتاب الله؛ وبناءً على هذه الرؤية التوحيديّة، فإنّ الله تعالى هو مبدأ كلِّ سبب وفعل في هذا الكون، سواء منه ما يرجع إلى العنصر الأوّل، أم إلى العنصر الثاني. وبهذه الرؤية، فإنّ القرآن الكريم ينسب كلّ فِعل في هذا الكون إلى الله تعالى، حتّى الأفعال التي تدخل في دائرة مشيئة الإنسان وإرادته.

يقول تعالى: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(6).

(وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(7).

(... وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ...)(8).

(... بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً ...)(9).

(... لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ...)(10).

(... إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)(11).

(... إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)(12).

(التدبير) مِن العوامل المُحرّكة للتاريخ

ومع ذلك، فإنّ هناك في الطبيعة والتاريخ، سلسلة مِن الأفعال الإلهيّة، لا تقع في هذه الدائرة أو تلك، مِن العناصر المُحرّكة للتاريخ، تُجسِّد رعاية الله تعالى وتدبيره لشؤون خلقه، والحضور المُستمر للرعاية الإلهيّة في المُجتمع والطبيعة.

والقرآن الكريم يُسمّي هذه السلسلة مِن الأفعال بِـ (التدبير): (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)(13)، (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ...)(14).

وهذا التدبير شيء غير الخلق والتقدير. ويتمّ بعد الخلق والتقدير: (... خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ...)، وهو تنظيم عمل الطبيعة والمُجتمع، وتنسيق الأدوار، ووضع الأشياء والأمور، والأشخاص والأحداث في مواضعها، التي تتطلَّبها حركة الطبيعة، وحركة التاريخ التكامُليَّة والصاعدة.

الخَلق والتقدير والتدبير:

ولابُدَّ أنْ نَقف وقفة قصيرة عند كلمة (التدبير)، فهي مِن المُصطلحات الإسلاميَّة الأساسيّة، الواردة في القرآن، وجديرة بالكثير مِن التأمّل والتفكير.

 

والذي يتراءى لنا مِن القرآن، أنّ مراحل خَلق الله تعالى، وصُنعه وإرادته ورعايته لهذا الكون ثلاث...، ولا يعني بالضرورة أنْ تتعاقب هذه المراحل الثلاث، بصورة يُمكِن فَرز بعضها عن بعض، ووضع كلٍّ منها في جدول زمني بعد الأُخرى. ولكنَّ هذه المراحل، أو الأفعال الثلاثة موجودة في خَلق الله تعالى، وصنعه ورعايته للكون وللإنسان، وهي:

1 ـ الخَلق.

2 ـ التقدير.

3 ـ التدبير

وإليك شرح هذه المراحل الثلاث:

1 ـ 2 (الخَلق) و(التقدير):

الخَلق والتقدير: هو صِنع وإيجاد مُفردات هذا الكون وعناصره، بموجِب تقدير دقيق في الكيف والكمّ، ولو أختلّ هذا التقدير أختلّ نظام هذا الكون.

فإنَّ الغلاف الجَوِّي ـ مَثلاً ـ يتكوّن مِن مجموعة مِن العناصر، خلقها الله تعالى للإنسان، والحيوان، والنبات على وجه الأرض بتقدير دقيق. ولو نقص بعض هذه العناصر، أو اختلّ مِقداره وكيفيَّته اختلّت حياة الإنسان، والحيوان، والنبات على وجه الأرض.

وخلق الله تعالى الأرض والشمس، ووضع الأرض بتقدير دقيق في مدار الشمس، ولو اختلّ هذا التقدير حتّى في زاوية انحراف مِحور الأرض مِن الشمس، وفي المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس، وفي سرعة حركة الأرض الوضعيّة والانتقاليّة؛ لاختلّت حياة الإنسان؛ والحيوان؛ والنبات في الأرض...، وكذلك كلُّ ما في هذا الكون خَلقه الله تعالى، بتقدير دقيق في الكيف والكمّ والمكان والزمان، ولو اختلّ بعض هذا التقدير في الكون؛ اختلّ نظام الكون. وفي الحقيقة إنّ هذا النظام يقوم على أساس (الخَلق) و(التقدير)؛ وباختلال أيّ منهما يَختلّ النظام، ولا يستطيع أن يؤدّي دَوره.

ولقد سال فرعونُ موسى بنَ عمران (عليه السلام)، حينما دعاه إلى الله تعالى عن ربّه، فقال موسى (عليه السلام): (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)(15)، ومعنى (... أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ...): أعطاه ما يَلزمه في حركته، وأداء دوره وتكامله ونموّه مِن الخِلقة، والتكوين، والشروط الضروريّة له. وهذا هو الذي نَقصده مِن (التقدير)، فإنّ التقدير الدقيق هو إعطاء كلّ شيء خَلقه.

وفي هذا المعنى قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)(16).

و(... قَدَّرَ فَهَدَى) في هذه الآية هي بمعنى (... أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ...) في سورة طه.

والهداية هنا تكوينيَّة، وبمعنى ايصال الأشياء إلى غايتها مِن الكمال، وتمكين الأشياء مِن أداء دورها في هذا الكون.

ولا يُمكِن أنْ تكون الهداية بمعنى  (الدِلالة)؛ لأنّ القرآن صريح في أنّ الله تعالى قد هدى كلّ شيء: (...أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، وهذه الهداية لا تُناسب إلاّ الهداية التكوينيّة بمعنى إيصال الكائنات إلى غايتها التي خلقها الله تعالى لها.

وهذه الهداية يَنسبها القرآن الكريم إلى الله تعالى، كما ينسب عمليّة الخَلق والتقدير على طريقة القرآن، في نسبة عمل وحركة الأشياء إلى الله. هذه الهداية هي التقدير الدقيق الذي وضع الله تعالى الأشياء عليه.

وقد وردت كلمة (التقدير) في مُقابل الخَلق، في مواضع مُختلفة مِن القرآن:

يقول تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(17).

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ...)(18).

(... وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ...)(19).

(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(20).

(وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(21).

(لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(22).

3 ـ التدبير:

وبعد مرحلة الخَلق والتقدير، تأتي مرحلة التدبير والرعاية الإلهيّة للكون.

والتدبير هو عمليّة إدارة الكون، والتاريخ، والمُجتمع وتوجيه الأسباب بالاتّجاه الذي يَحفظ نظام الكون والمُجتمع وسلامتهما واستمرارها.

والتدبير يَجد حضور رعاية الله تعالى، وسلطانه وإرادته ومشيئته، في إدارة الكون والمُجتمع، ولا تتمُّ حركة الكون والمُجتمع مِن دون حضور رعاية الله تعالى وتدبيره الدائم والمستمر. ولو أنّ الله تعالى أوْكَل المُجتمع إلى نفسه، وقطع عن الكون والمُجتمع رعايته وتدبيره؛ لاختلَّ نظام التوازن فيهما.

التدبير الإلهي في المجتمع والتاريخ:

وبشكل خاصّ، تَبرز هذه الحقيقة في ساحة المُجتمع والتاريخ والحضارة؛ فإنّ الله لو أوْكَل هذا الإنسان إلى نفسه، وإلى الحتميَّات العلّيَّة الحاكمة عليه لآل أمر المُجتمع الإنساني إلى السقوط منذ عهد طويل، ولكنّ الله تعالى يتولّى المُجتمع، والتاريخ، والحضارة برعايته وتدبيره المُستمر، ويَحفظ المُجتمعات البشريّة مِن السقوط، ويحفظ التوازن في حركتها.

ولقد أوْشكت البشريّة على السقوط والنهاية مرّات كثيرة، على عهود الجبابرة  والطغاة، الذين عاثوا في الأرض فساداً، فيما أشعلوه مِن الحروب الكونيَّة الواسعة، التي كادت تُبيد المُجتمعات البشريّة عامّة...، ولقد وصلت البشريّة مرّات عديدة إلى طريق مَسدود تماماً، ففتح الله تعالى الطريق للإنسان، مِن حيث لم يَحتسب...، ولقد وقعت البشريّة مرّات عديدة في طريق السقوط القطعي، لولا أنّ الله تعالى أدركهم في آخر لحظة.

التدبير والسُّنن الإلهيّة في حركة التاريخ:

ونماذج التدبير والرعاية الإلهية، لإدارة الكون والمُجتمع كثيرة، منها: سُنَن (الابتلاء)، و(المِحن)، و(التمحيص)، و(الاستدراج)، و(الإملاء)، و(الاستبدال)، و(العذاب)، و(النعمة)، و(بعثة الرسل)، و(بسط الرزق)، و(التقدير)، و(الخصب)، و(الجدب)، و(التأييد)، و(الخذلان)، و(النعمة)، و(الحِرمان)، وما إلى ذلك مِن سُنَن الله تعالى...

وكل ذلك يدخل في حقل التدبير الإلهي، وليس لها علاقة بحقل الخلق والتقدير.

والله تعالى يبسط الرزق لمَن يشاء، ويَقدِر ويَنصر مَن يشاء، ويَحجب النصر عمَّن يَشاء، ويَبتلي مَن يُريد، ويَستدرج مَن يجب استدراجه، ويَمكر، ويَنعم، ويَهدي، ويُضلّ، ويُرسِل الأنبياء...، ولولا هذا التدبير الإلهي؛ لمَا أستقرّت حياة الإنسان على وجه الأرض؛ ولتهدّمت حضارة الإنسان وحياته مُنذ أمد طويل. 

التدبير الإلهي مِن القرآن

وفيما يلي نستعرض طائفة مِن آيات القرآن، التي تذكّر الإنسان بتدبير الله تعالى، الدائم لحياته، وحضور الرعاية الإلهيّة في حياة الإنسان: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(23).

(... وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(24).

(... اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(25).

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ* وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ)(26).

(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ* الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)(27).

(لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(28).

(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(29).

(إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً)(30).

ومِن القرآن الكثير مِن الآيات، التي تُشير إلى حضور التأييد، والرعاية الإلهيَّة في حياة الإنسان وتاريخه باستمرار، خارج دائرة (الخَلق) و(التقدير)، اللذين تحدّثنا عنهما مِن قَبْل.

التقدير والتدبير في القرآن

وفي القرآن طائفة أُخرى مِن الآيات، تُشير الى مراحل الخَلق، والتقدير، والتدبير جميعاً، وما يستلزم التدبير مِن الهيمنة والاستيلاء والسلطان المُطلَق على هذا الكون.

ونتلو عليك فيما يلي طرفاً مِن هذه الآيات:

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)(31).

والآية الكريمة تُشير إلى ثلاثة أصول هامّة:

1 ـ الخَلق والتقدير: (... الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ...).

2 ـ الهيمنة والسلطان الإلهي المُطلَق على الكون: (... ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ...).

3 ـ التدبير وإدارة الكون: (... يُدَبِّرُ الأَمْرَ ...).

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(32).

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)(33).

وفي هذه الآية الكريمة نقرأ أوّلاً الخَلق والتقدير، ثُمّ الاستيلاء على العرش، والهَيمنة المُطلَقة على الكون، ثُمّ الأمر: (... لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ...)، والأمر كلّه الله: (... مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ...).

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ* يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(34).

وهذه الآية المُبارَكة تُقرّر أنّ الخَلق والتقدير لله تعالى: (... خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ...)، وكذلك له الهيمنة الكاملة على الكون: (... ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ...)، وله تعالى الإحاطة بكلِّ ما يَجري في هذا الكون، والحضور في كلِّ شيء، وفي كلِّ مكان: (... يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ...).

وله تعالى المَعيَّة الكاملة للإنسان: (... وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ...).

ثُمَّ التدبير والتصرُّف في الكون: (... وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ).

الاستيلاء على العَرش والهَيمنة

ومسألة (الاستيلاء على العَرش)، التي سبقت الإشارة إليها، وورد ذِكرها في طائفة مِن آيات القرآن، وذكرنا شطراً منها، نقطة فارقة في التصوّر الإسلامي عن التصوُّر الجاهلي.

فليس كلّ التصوّرات الجاهليّة مَبنيّة على الإلحاد، ونفي وجود الله تعالى. بَلْ هناك طائفة مِن التصوّرات الجاهليّة، يؤمن أصحابها بالله تعالى كاليهوديَّة ـ مَثلاً ـ والتصوّرات الجاهليّة الغربيّة التي تؤمن بالمَسيحيّة.

وأصحاب هذه التصوّرات، يؤمنون بأنّ الله تعالى خَلَق هذا الكون وقدَّره تقديراً، ولكنَّ تصوّراتهم لله تعالى وللكون، قائمة على نَفاذ دور الله عند الخَلق والتقدير، وإيكال أمر الكون والناس إلى القوانين الحتميّة، وإلى الناس مِن جانب الله تعالى، وانعدام الهَيمنة والسلطان الإلهي على الكون والمُجتمع.

والمُجتمع، والتاريخ، والحضارة تَجري بموجب هذه السُّنَن والقوانين، وبموجب إرادة الإِنسان وفعله، في غياب عن حضور التدبير والرعاية والسلطان الإلهي...، كما يتحرّك جهاز ميكانيكي صَنَعه المُهندس في غيابه، وبموجب القوانين التي اكتشفها، والقرآن الكريم يَنسب هذا التصوّر إلى اليهود.

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ...)(35).

والتصوّر القرآني في مُقابل هذا التصوّر الجاهلي: (... بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ...)، وهو تصوّر عميق، قائم على أساس الإيمان بسلطان الله تعالى، وهيمنته على الكون، وإحاطته بما يَجري فيه مِن صغير وكبير.

والأمر كُلّه في هذا الكون يرجع إليه تعالى.

وحضوره الفاعل، والمُدبِّر، والمُهيمن، والمُحيط دائمٌ مُستمرٌّ في الكون والمُجتمع، لا ينقطع ولا يغيب، وهو سبحانه يُدبّر الأمر في الكون والمُجتمع، ويُديره، يُصلِحه باستمرار، برحمته، وحكمته، وعِلمه، وسلطانه.

وقَد نَجِد إشارةً لهذا التصوّر الجاهلي اليهودي، فيما بين أيدينا مِن نسخة العهد القديم، الذي تعرّض للانحراف على يَد اليهود: (فأُكملت السماوات والأرض وكلُّ جندها، وفَرغ الله في اليوم السابع مِن عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع مِن جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدّسه؛ لأنَّه فيه استراح مِن جميع عمله الذي عمل الله خالقاً)(36).

... هكذا: إنّ الله استراح في اليوم السابع مِن جميع عمله الذي عمل...

إنَّ هذا التصوُّر لايَبعد عن الصورة التي نقلناها عن التصوّرات الجاهلية، في نَفاذ دور الله تعالى عند مرحلة الخَلق والتقدير.

ولنتأمَّل في هذه الفقرات الأربع، مِن آية الكرسي، مِن سورة البقرة(37).

1 ـ (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ...).

والقَيّوم هنا هو القائم بالكون، والذي به يتقوّم الكون.

يقول الشيخ الصدوق في التوحيد(38): (القيّوم مِن قِمتَ بالشيء، اذا وليتَهُ بنفسك، وتولّيتَ حِفظَه، وإصلاحَه، وتقديرَه).

والله تعالى قائم بهذا الكون لا يَغيب عنه، ولا يستقيم الكون مِن دونه.

2 ـ (... لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ...).

وهذه الفَقرة تَخصُّ مالكية الله المُطلَقة للكون.

3 ـ (... يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ...).

وهي تَخصُّ إحاطة علمه المُطلَقة بما في هذا الكون.

4 ـ (... وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ...).

والكُرسي تَعبير مَجازي عن السلطان والهيمنة، ومعنى هذه الفَقرة مِن الآية الكريمة: إحاطة سلطان الله تعالى بالكون، وهيمنته، ونفوذ سلطانه تعالى على الكون.

المَحو والإثبات

ولَعلَّه إلى هذه الحقيقة يُشير قوله تعالى: (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(39). 

فإنَّ التدبير يتطلّب المَحو والإثبات، بصورة دائمة ومُستمِرَّة: ولادة أُمَّة وسقوط أُخرى، ونَصْرٌ لقوم وهزيمةٌ لآخرين، وابتلاءٌ لأقوام واستدراجٌ لآخرين، وهَلاكُ قوم وهدايةُ آخرين، واستبدالُ قوم بقوم...، كلُّ هذه الأحداث التي تَجري بصورة مُستمرّة بإرادة الله تعالى في صفحة التاريخ والمُجتمَع، مِن المَحو والإثبات.

ولوح المَحو والإثبات هذا، يَحتوي على هذه الطائفة الواسعة مِن الأحداث المُتحرِّكة، والمُتغيّرة في ساحة المُجتمع والتاريخ، ولا يعني ذلك أنّ هذه الأحداث والتبدُّلات المُستمرّة، تَحدُث بصورة عَفويَّة واعتباطيَّة، وإنَّما تَحدُث بموجب سُنَن ثابتة لله تعالى، لا تتحوّل ولا تتغيّر.

وقد روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (أنَّ الله يُقدِّم ما يشاء، ويُؤخِّر ما يشاء، ويَمحو ما يشاء، ويَبت ما يشاء، وعنده أمُّ الكتاب)، وقال: (كلُّ أمر يُريده الله فهو في علمه، قبل أن يضعه. وليس شيء يَبدو له إلاَّ وقد كان في علمه. إنَّ الله لا يبدو له مِن جَهل)(40).

حِفظ الموازنة في حياة الإنسان

ولولا استمرار حضور التدبير الإلهي للمُجتمع، والحضارة الإنسانيَّة، والتاريخ لسقطت الحضارة الإنسانيَّة، والمُجتمعات البشريّة مُنذ عهد طويل؛ فإنَّ حركة الإنسان العامّة، كما يقول تعالى إلى خسر: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)(41)، وبعض هذا الطيش، والاستكبار، والزيغ، والضلال، والخَراب، والدمار، والإفساد، الذي يُمارسه الإنسان على وجه الأرض، يكفي لتدمير الحضارة الإنسانيَّة عامّة، لولا أنْ تتدارك الرحمة الإلهيّة الإنسان...، وتُخرجه مِن الطريق المَسدود الذي ينتهي إليه، تُنقذه مِن الهوّة السحيقة والهلاك الذي يؤول أمره إليه.

إنّنا عندما نُنعِم النظر في مسار التاريخ، وما يظهر على هذا المسار، مِن أحداث صغيرة وكبيرة، نَلمس يد الله تعالى في تدبير المُجتمع، وتنظيم مسير التاريخ، واستمراريَّة حياة الإنسان على ظهر الأرض، ونشعر بشَكل واضح أنّ حركة التاريخ، لم يَكُن مِن المُمكن أنْ تَستمرَّ، لولا يد الله تعالى، وتدبيره، ورعايته لمسيرة الحضارة والحياة الإنسانيَّة.

ونَجد في القرآن الكريم بشَكل خاصّ، الاهتمام بتقرير، وتثبيت حضور الرعاية، والتدبير الإلهي في حركة التاريخ والمُجتمع.

ولنقرأ طَرفاً مِن الآيات، التي تُشير إلى حضور الرعاية، والتدبير الإلهي في حركة التاريخ: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ  عُلُوّاً كَبِيراً* فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً* رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(42).

(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)(43).

(الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)(44).

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ)(45).

(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(46).

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)(47).

والمَشاهد التي يرسمها القرآن الكريم، لتدخُّل المشيئة الإلهيَّة في حركة التاريخ، وحضور الرعاية والتدبير الإلهي، في سيرة الحضارة البشريَّة كثيرة، لسنا بصَدد إحصائها...، والقرآن الكريم يؤكِّد بشَكل خاصّ حضورَ الرعاية والتدبير الإلهي في حَركة التاريخ.

ويقرأ الإنسان هذه الآيات المُباركات، وغيرها مِن الآيات؛ فيشعر بفاعليَّة (يد الله) في التاريخ. يَضع هذا ويرفع ذاك، ويُعِزّ هذا ويُذِلّ ذاك: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(48)، ينصر قوماً، ويَخذل آخرين، ويُمهل ناساً، ويستدرجهم، ثُمّ يأخذهم أخذَ عزيز مُقتدر، وينتصر لقوم، ويتخلّى عن آخرين، بما تتطلّبه حِكمة الله تعالى، ورحمته وعدله وفضله، جَلَّت قدرته وحكمته.

الهوامش:

ـــــــــ

1 ـ تراجع مَجلَّة رسالة القرآن: العدد الأوّل (مُحرَّم ـ 1411هـ)، والعدد الثاني (ربيع الثاني ـ 1411هـ).

2 ـ الأنفال: 25.

3 ـ النمل: 52.

4 ـ الأنفال: 53.

5 ـ الرعد: 11.

6 ـ الدهر: 30.

7 ـ التكوير: 29.

8 ـ هود: 123.

9 ـ الرعد: 33.

10 ـ الروم: 4.

11 ـ الحجّ: 14.

12 ـ هود: 108.

13 ـ يونس: 3.

14 ـ السجدة: 5.

15 ـ طه: 50.

16 ـ الأعلى: 3.

17 ـ يس: 39.

18 ـ يونس: 50.

19 ـ المزمّل: 20.

20 ـ يس: 38.

21 ـ فصّلت: 12.

22 ـ الفرقان: 2.

23 ـ آل عمران: 26.

24 ـ البقرة: 245.

25 ـ الروم: 5.

26 ـ الزمر: 36 ـ 37.

27 ـ الشورى: 27 ـ 28.

28 ـ الشورى: 12.

29 ـ فاطر: 2.

30 ـ النساء: 133.

31 ـ يونس: 10.

32 ـ الأنعام: 54.

33 ـ التنزيل: 4.

34 ـ الحديد: 5 ـ 7.

35 ـ المائدة: 64.

36 ـ العهد القديم: كتاب التكوين، الإصحاح الأوّل.

37 ـ البقرة: 255.

38 ـ التوحيد للصدوق: 210.

39 ـ الرعد: 39.

40 ـ تفسير الميزان 11: 388 (ط2).

41 ـ العصر: 1 ـ 2.

42 ـ الإسراء: 4 ـ 7.

43 ـ الفتح: 27.

44 ـ الروم: 1 ـ 6.

45 ـ التوبة: 26.

46 ـ التوبة: 26.

47 ـ الأنفال: 5 ـ 14.

48 ـ آل عمران: 26.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=897
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 12 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24