• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : مناهج وأساليب القصص القرآني .
                    • الموضوع : النموذج القرآني في قصة سليمان وداود (ع) .

النموذج القرآني في قصة سليمان وداود (ع)

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيَمانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}(1)، فهذه المقامات المذكورة والنعم الموصوفة هي غير مقامات النبوّة، بل هي مقامات إمامة وولاية.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيَمانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِير مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}(2)، وهي كسابقتها من الآيات إذ الأعطيات التي استوجبت الحمد من قبل داود وسليمان لمكان الحبوة التي حُظيا بها من الله تعالى، لا لمقام النبوّة منهما، بل لحجّيتهما وإمامتهما.

قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(3)، فقد وصف الله تعالى داود أنّه عبد في هذه الآية والمقام ولم يذكر وصف النبوّة، ممّا يدلّل - بمقتضى أنّ الوصف مشعر بالعلّية - على أنّ هذه الحبوات إنّما أُعطيت له بمقتضى درجة العبودية التي وصل إليها، والتي هي معنى الولاية كما في الخضر حيث قال تعالى {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}(4).

فبيّنت الآية أنّ العلم اللدني والرحمة الخاصّة التي هي من مقامات الولاية وأُعطيت للخضر استحقّها بالعبودية بدرجة خاصّة، فهذه المقامات أُعطيت لداود بسبب مقاماته في العبودية، وهي الولاية ; لأنّ العبودية هي الجانب الذي يلي من العبد تجاه مولاه، لا بما لداود من مقام النبوّة.

فالآيات المتقدّمة تشير إلى حقيقة مهمّة وهي أنّ الحبوات التي حصل عليها الأنبياء لا لمجرّد كونهم أنبياء بل لكونهم حججاً أولياء وأئمّة، فالنبوّة وإن كانت تحتاج إلى المعجزة، إلاّ أنّ المعجزة لا ضرورة لدوامها واستمرارها بنحو ممتدّ، بل يكفي وقوعها وحدوثها لإيجابها واستلزامها الثبات على نحو الدوام، أي أنّ وجودها وإن كان دفعياً إلاّ أنّ حجّيتها ووصف الحجّية لها مستمرّ; إذ هي في حدود تصديق نبوّة النبيّ.

فإذا تمّ الغرض انتفت الضرورة لاستمرار وجودها، وإن كان بعض المعاجز كالقرآن الكريم ـ معاجز مستمرّة الوجود، بينما هذه الحبوات والمقامات ثابتة لحجج الله تعالى وأوليائه، وهو ما حدث وما يحدث لأئمّة آل البيت (عليهم السلام) من الحظوة بالمقامات الإلهية التي حازوا عليها وأكرمهم الله تعالى بحبواته، فلا مجال إذن لإنكار هذه الحقيقة المعرفية القرآنية تحت ذريعة وغطاء التفويض والغلوّ كما توهّم البعض.

فإيتاء الملك لداود هي الإمامة. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، إشارة إلى التدبير الاجتماعي الذي يديره داود في بني إسرائيل، فإيتاء الملك يختلف عن إيتاء النبوّة، فهو منصب خاصّ من قبل الله تعالى، فالإمامة أهلية خاصّة غير أهلية النبوّة.

قوله تعالى: {أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(5)، فتوريث الأرض للعباد الصالحين لا لكونهم أنبياء، بل لكونهم عباداً صالحين، وهذا وعد إلهي.

إنّ أحد حدود الإمامة هي العبودية بدرجة فائقة لله تعالى وهي ولاية ولي الله الإمام وتولّيه لربّه تعالى، وقد روى هارون بن الفضل، قال: "رأيت أبا الحسن عليّ بن محمّد في اليوم الذي توفّي فيه أبو جعفر (عليه السلام) فقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، مضى أبو جعفر (عليه السلام). فقيل له: وكيف عرفت؟ قال: لأنّه تداخلني ذلّة لله لم أكن أعرفها"(6).

وفي رواية أُخرى أنّه (عليه السلام) سُئل عن كيفية علمه بوفاة أبيه قال: "قد دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت أنّه قد مضى"(7).

فالإمامة ولاية ملكوتية غيبية وليست ولاية ملك مادّي فقط، بل ولاية عبودية لله تعالى. والولاية أعلى رتبة من النبوّة، وذلك أنّ الولاية هي جهة القرب والارتباط بالله تعالى، فولاية كلّ نبيّ هي أعلى وأشرف من نبوّته; لأنّها جهة عبودية النبيّ للربّ تعالى، فلذلك الولاية أعظم من النبوّة، أي ولاية ولي الله الإمام وتولّيه لربّه.

قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخْلَصِينَ}(8)، إنّ غواية إبليس وإضلاله لا تشمل المخلَصين - بالفتح - فهم معصومون عن غواية إبليس على صعيد العمل وعلى صعيد العلم.

وإنّ سورة الصافات في أربع مواضع ذكرت (عباد الله المخلَصين).

1 - قوله تعالى: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المخْلَصِينَ}(9).

2 - قوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المخْلَصِينَ}(10).

3 - قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لمحْضَرُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المخْلَصِينَ}(11).

2 - قوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المخْلَصِينَ}(12).

فوصف الله تعالى هؤلاء العباد بأنّهم مخلَصين لا تقع منهم معصية ولا يراودهم شكّ أو شبهة، فهم مخلِصين لله في عبادتهم، ومخلَصين من أي ذنب أو قبيح.

لذا فإن قوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المخْلَصِينَ}، حيث نزّه الله تعالى عن كلّ وصف إلاّ توصيف عباد الله المخلَصين، وهي أعلى مقامات المخلَصين التي تعني المعرفة الحقّة له تعالى.

فالصلاح الذاتي وما يترتّب عليه من صفات لم يكن كسبياً، بل هو منصب إلهي اصطفائي جعلي; وذلك لقوله تعالى: {وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ}(13).

ومثله الرشد الذاتي اللدني حيث لم يكن عادياً كسبياً، بل هو إلهي جعلي يمنّ على خاصّة عباده; لقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ}(14).

المشاركة في الحجية:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ}(15)، فهذه مشاركة بين موسى وهارون في الحجّية، فنزول الفرقان لم يختصّ به موسى، بل شاركه هارون كذلك. وهذا مفاد حديث المنزلة، إذ كونه (عليه السلام) من النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى، يشير إلى جنبة مشاركة ما ينزل على النبيّ (صلى الله عليه وآله)، شركة تابع له كما في قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}(16).

أي يتلو النبيّ (صلى الله عليه وآله) ويشهد الوحي عياناً وهو البينة من الربّ وهو رجل من النبيّ من نفسه.

فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"(17)، وغيرها من الموارد التي تشير إلى المشاركة، كآية المباهلة وآية التطهير.

ــــــــــــــــــــــ

1- سورة سبأ 34: 10 - 12.

2- سورة النمل 27: 15.

3- سورة ص 38: 17.

4- سورة الكهف 18: 65.

5- سورة الأنبياء 21: 105.

6- أصول الكافي 1 / 381.

7- بحار الأنوار 27 / 293 عن بصائر الدرجات.

8- سورة ص 38: 82 - 83.

9- سورة الصافات 37: 39 - 40.

10- سورة الصافات 37: 73 - 74.

11- سورة الصافات 37: 127 - 128.

12- سورة الصافات 37: 159 - 160.

13- سورة الأنبياء 21: 72.

14- سورة الأنبياء 21: 51.

15- سورة الأنبياء 21: 48.

16- سورة هود 11: 17.

17- خلاصة عبقات الأنوار ج 10 للسيد حامد حسين اللكهنوي، فقد عقد مجلّداً خاصّاً في بيان تواتر الحديث الشريف.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=864
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 12 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24