• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : النفس في القرآن الكريم .

النفس في القرآن الكريم

 

( سماحة السيد حكمت الموسوي ـ دار السيدة رقية (ع                     

                                    

تفيد دراسة علم النفس ـ بشكل عام ـ  في فهم السلوك الإنساني وضبطه وتوجيهه وتعطي امكانية السيطرة عليه مستقبلاً، والإنسان ـ بحد ذاته ـ يمثّل معجزة خالدة وما زال يمثل سراً خفياً من أسرار الخالق عز وجل، قال تعالى مبيّناً عظمة خلق الإنسان واستقامة خلقته: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} التين: 4. وقال جلّ شأنه أيضاً: { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } الرحمن: 1-4.

وما زال الإنسان محلّ اهتمام مختلف فروع العلم والمعرفة، ورغم ما توصل إليه العلم من أفكار وانتصارات إلا أن العقل يظل يحتل المكانة الأساسية كأهم أداة للبحث العلمي ودائماً نجد الإنسان في جميع المراحل والعصور التي عاشها سابقاً قديماً وحديثاً، وفي كل هذه العصور يحاول السيطرة علي الطبيعة ليظل ذا مكانة سامية في هذا الكون؛ لذلك يحتاج هذا الإنسان لدراسة دائمة ومستفيضة، ولكي نعرف السبب وراء سلوكه بهذه الطريقة التي تبدو أحياناً مقبولة من الناحية النفسية والإجتماعية وأحياناً أخرى منبوذة وغير مقبولة، ونظراً لأنه تسود العالم اليوم وتسيطر عليه الحضارة الغربية الذي تتميز بسيطرة الإتجاه المادي علي الإتجاه المعنوي والروحي لذلك سيطرت المادة علي غيرها، فعلي سبيل المثال نحن نجد في دراسة الطب أنه ظهر الإهتمام بالجانب المادي وهو الجسد أكثر ممّا هو في الجانب المعنوي ـ وهو النفس ـ ويُعدّ هذا تقصيراً في تدريس الجوانب المعنوية ونقصاً في هذا المجال.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالي النفس في آيات كثيرة جداً وكل آية بمفردها تحمل معنىً جوهرياً قد يكون في حد ذاته فرعاً من فروع علم النفس، وحتي ندرك ما جاء عن النفس في القرآن الكريم نذكر بعضاً من هذه الآيات الكريمة. قال تعالي: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ  ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة  فَادْخُلِي فِي عِبَادِي  وَادْخُلِي جَنَّتِي } الفجر: 27 – 30، { وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }  يوسف: 53 ، { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } يونس: 100 ، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} الأعراف: 189، { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } ق: 16،  {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} المائدة: 116، { بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} القيامة: 14، والآيات الكريمة التي ذكرت النفس البشرية وتحدّثت عنها كثيرة، سواء أكانت هذه النفس مطمئنة أم ضالة وظالمة لنفسها أم غير ذلك من الصفات.

النفس الإنسانية

المراد من النفس هي التي يتكون منها العقل والتمييز والإحساس والغرائز وما إلى ذلك من تكوينات غير عضوية؛ فهي غير الروح؛ ولذلك فإننا نرى الآيات القرآنية وهي تتحدث عن النفس، فإنما تعيّن خصائصها وصفاتها(1)وكما رأينا ذلك في الآيات السابقة الذكر.

والله سبحانه وتعالى خلق النفس وفيها الاستعدادات التامة الذاتية في الإنسان للهدى والإيمان أو للضلال والكفر قال تعالى: {فألهما فجورها وتقواها} ورغّب إلى تزيين النفس وتزكيتها وبغّض غير ذلك من تلويثها بالذنوب والمعاصي والآثام قال تعالى عن النفس: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها} وأعطى الله تعالى النفس القدرة على التمييز بين طريق الخير والشر والوعي التام في ذلك.(2)

والنَّفس لها مراتب مختلفة، وذكرها القرآن الكريم بالصفات التالية:

1. النفس الأمارة: و هي التي تأمر الإنسان بالسوء، والتي قال عنها القرآن الكريم : { وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يوسف : 53.

2. النفس اللَّوامة: وهي التي تندَم بعد ارتكاب المعاصي والذنوب فتؤنب وتلوم الإنسان جرّاء ذلك، و قال عنها القرآن الكريم : { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } القيامة: 2.

3. النفس المطمئنة : و هي النفس الآمنة والمستقرّة، التي لا يستفزها خوف و لا حزن، فهي وصلت إلى مرحلة الاطمئنان و الراحة والطاعة التامة لأوامر الله والمشمولة بعناياته الربانية، والتي قال عنها القرآن الكريم : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} الفجر: 27 .

4. النفس الراضية : و هي النفس التي رضيت بما أوتيت من عند ربّها، والتي قال عنها القرآن الكريم : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } الفجر: 28.

5. النفس المرضية: وهي النفس التي رضي الله عَزَّ و جَلَّ عنها و التي قال عنها القرآن الكريم : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } الفجر: 28 .

6. النفس المُلهَمَة : وهي النفس التي ألهَمَها الله عَزَّ وجَلَّ ودلّها ما يزكّيها ويطهّرها من أعمال الخير، وما يدنّسها ويضرّها من أعمال الشر، والتي قال عنها القرآن الكريم : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } الشمس: 8.

اتجاهات علم النفس الحديث

لم يقتصر علم النفس الحديث على مجرد التحليل النفسي الذي اشتهر به العالم سيجموند فرويد ولا السريري الذي اشتهر به العالم (دانيال لاقاس كنغ) بل تعدى ذلك إلى علوم الاجتماع والسياسة والإعلام والحرب والتسويق والاقتصاد... وكل مجالات الحياة الإدارية العملية والنظرية وليس هذا فقط بل ذهب علم النفس الحديث إلى دراسة علم نفس الطفل؛ إذ تأخذ الطفولة خصوصيات متعددة مختلفة عن خصوصيات الإنسان البالغ الراشد من حيث الإفرازات الهرمونية الغددية أو من ناحية المخزون الثقافي في خلاياه الدماغية ولربما يكون هذا الموضوع ـ علم نفس الطفولة ـ من أهم المواضيع الحديثة لأنها تتعلق بمستقبل شخصية ونفسية الجيل القادم إلى جانب كون الطفل موسوعة جديدة من المفاهيم غير الناضجة وغير المتكاملة والتي تعكس سلوكيات بريئة تنطبق على ما ورائها من دوافع وخلفيات فكرية.

ولربما يأخذ علم نفس المراهقة أهمية استثنائية لدى علماء النفس والجريمة لما يتميز به جيل المراهقين من نوازع ودوافع غير موزونة نتيجة الاضطراب الحاصل في التغيرات والإفرازات الهرمونية في الجسم. وعلاوة على ذلك نجد أن علم نفس المرأة هو الآخر أخذ ينحو منحى مستقلاً ويفرض نفسه على كافة الصعد النفسية العلمية ولا بأس هنا من تذكير القارئ بان، كل هذه الاتجاهات والدراسات موثقة ومعتبرة إذ تعتمد على مبادئ الإحصاء والتحليل الإحصائي والاحتمالات.

وأمام هذا التوسع الهائل لعلم النفس وضرورته اليومية في مجالات محددة كالإعلام والإدارة والتربية لابد لنا من النظر إلى ما في ذخيرتنا القرآنية والإسلامية والتاريخية من نظريات وتحليلات نفسية وسلوكية في هذا المجال.(3)

منهج دراسة علم النفس في الإسلام

تشير آيات قرآنية كثيرة إلى أمر الإنسان باستعمال الحواس لنقل الواقع، حتى يتم التوصل إلى النتائج الحقة. قال تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق} ، {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} . {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} .. وهذه الآيات تشير إلى الطريقة العقلية في إقامة البرهان، أي أنها تدعو العقل كي يتفكر في هذه المخلوقات، التي هي براهين حسية في واقع الحياة، على قدرة الله تعالى في الخلق. وما دام البرهان حسياً، فما على العقل إلا أن يدركه. (4)

من المصطلحات النفسية في القرآن الكريم

إن القرآن الكريم بما له من نظرة شمولية في حياة الإنسان سواء من الناحية المادية أم المعنوية، وحياة الإنسان المعنوية تنقسم بدورها إلى عدة مجالات اهتم بها علم النفس الحديث (السايكولوجيا) منها؛ العاطفية والتعليمية وغير ذلك الكثير من المجالات المبحوث عنها في علم النفس، مما جعل القرآن الكريم موسوعة نفسية بحق ترشد الإنسان إلى كيفية التعامل مع نفسه أولاً ثم الآخرين من أبناء جنسه والكون الذي يعيش فيه ثانياً. ومن المصطلحات التي عالجها القرآن الكريم اخترنا نموذجين منها هما:

1-  الكبت يقابله: الكظم

إن مصطلح (الكبت) الذي تناوله علم النفس الحديث، تحدّث عنه القرآن الكريم قبل ذلك تحت مسمّى (الكظم)، وهو في المفهوم الإسلامي: القدرة على الإمساك بالهيجان النفسيّ من غضب وثورة وأذى، وصاحبه يكون في موقف اختيار.(5)

فحينما يكظم غيظه يختار الأفضل والأصلح. وهنا يكون فعل الكظم واقعاً عن وعي الفرد وليس ناشئاً عن الكبت النفسي الذي يقول به علماء الغرب.

2- الحتمية تقابلها: الفطرة

إن مصطلح الحتمية يقرر بأنّ السلوك يخضع، وفقاً لعلم النفس الغربي، للتكوين الطفولي في السنوات الخمس الأولى من حياة الإنسان.

إن البديل لمصطلح (الحتمية) هو مصطلح (الفطرة) فهو أفضل وأشمل؛ فالفطرة موجودة في الإنسان كما هي موجودة في الناموس الكوني {فطرت الله التي فطر الناس عليها} ويقول تعالى أيضاً: {قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض}(6).

النفس والروح في القرآن الكريم

توجد بعض النصوص القرآنية التي وردت فيها كلمة النفس ومشتقاتها، وكلمة الروح ومشتقاتها، ومن الموارد التي تحدثت الآيات الكريمة فيها عن النفس:

1- النفس في القرآن الكريم مستقلة عن الحياة الجسدية .. قال تعالى : {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} الزمر : 39/42 ـ فأثناء النوم ، كما يقول القرآن الكريم ـ تكون النفس خارج الجسد ، وعلى الرغم من ذلك نرى أن جسد الإنسان لا يفقد الحياة والنمو .. وعلى الرغم من استقلالية النفس عن الجسد في القرآن الكريم ، فإن القرآن الكريم لم يغفل تعلق النفس بالإطلالة الحسية على عالم المادة من خلال الجسد .. فالنفس تشتهي وتأكل عن طريق الجسد .. قال الله تعالى : (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ) السجدة : 32/ 27 .

2 – النفس الإنسانية موجودة قبل حلولها في الجسد ، فنفوس جميع البشر دون استثناء موجودة منذ أخذ الله تعالى العهد والميثاق على الإنسان في عالم ما وراء المادة والمكان والزمان .. لننظر إلى قول الله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }172 { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } الأعراف : 7/172-173- وموت النفس يكون بخروجها خروجا نهائيا من الجسد ، مع خروج الحياة منه .. وتعود النفس إلى عالمها ما وراء المادة والمكان والزمان ، ويعود الجسد إلى مادته التي خلق منها وهي التراب، قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) الأنعام :6/93.

3 – النفس في القرآن الكريم لا تأتي مرتبطة – من بين جميع المخلوقات – إلا بالإنسان ، فلا يوجد نص قرآني واحد يدل على أن للحيوانات أنفسا .. بالإضافة إلى أن هناك إشارات تدل على أن النفس مسألة تخص الإنسان فقط من بين جميع المخلوقات .. لننظر إلى قول امرأة العزيز في القرآن الكريم : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ) يوسف : 12/53 – إن العبارة القرآنية (إن النفس لأمارة بالسوء ) تشير إلى ارتباط النفس بالإنسان فقط ، لأن الحيوانات تشتهي بغريزتها ، ولا يوجد لديها أمر بالسوء أو بغير السوء .. ولننظر إلى قول الله تعالى : ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ) المائدة : 5 /32 .

4 – ما يؤكد أن النفس جوهر مستقل عن المادة ، هو أن الإنسان بعد الموت لا يحس بسيلان الزمن ، فالموت الذي يعني خروج النفس خروجاً نهائياً من الجسد ، يعني أيضاً خروجها خروجاً نهائياً من إطار المكان والزمان .. لننظر إلى النصوص القرآنية التالية :

( فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ... ) البقرة : 2/259.

 ( يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ) الروم : 30 / 55 .

( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) يونس : 10/ 45 .

5 – لما كانت النفس خاصة بالإنسان من بين المخلوقات المحسوسة ، فإن العقل مسألة خاصة بالإنسان من بين هذه المخلوقات ، لأن قوة التعقل ترتبط ارتباطاً كاملاً بالجانب المجرد للنفس .. ولذلك فعدم تعقل الإنسان يجعله كالأنعام .. لننظر إلى قول الله تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ً) الفرقان : 25 /44 .

6 – كما رأينا أن النفس بوجهها المجرد مستقلة عن الجسد وحياته ، فإن الروح في القرآن الكريم مستقلة عن النفس وعن الجسد .. وكما رأينا أن النفس تميز الإنسان عن باقي المخلوقات ، نرى أن الروح – كما يصورها القرآن الكريم – تميز البشر عن بعضهم بعضاً .. فالروح في القرآن الكريم خاصة بالمقربين من الله تعالى دون بقية البشر .. لننظر إلى النصوص القرآنية التالية ...

(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) النحل : 16 / 2

(رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاقِ ) غافر : 40 / 15 .

(لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه..) المجادلة : 58 / 22 .

ففي الصورة القرآنية الأخيرة نرى العبارة (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه)، فالروح أُيد بها هؤلاء بعد أن كُتب الإيمان في قلوبهم ، وهذا دليلٌ على أن الروح هي بمعنى الصلة والقربة من الله تعالى ويتم التأييد بها بعد وقوع الإيمان الصادق . وما يؤكد أن الروح تعني الصلة الأمينة والقربة مع الله تعالى ، هو وصف جبريل عليه السلام بالروح الأمين ، أي الصلة الأمينة بين الله تعالى وبين البشر .. لننظر إلى قول الله تعالى .. ( نزل به الروح الأمين <193> على قلبك لتكون من المنذرين ) الشعراء : 26 / 193-194.

ولما كانت كلمة الروح في القرآن الكريم تعني الصلة والقربة من الله تعالى ، فإن إضافة هذه الكلمة لله تعالى أعطتها خصوصية خاصة بها ، بأنها لا يعطيها إلا الله تعالى ، شأنها بذلك شأن المسائل التي أُضيفت إلى الله تعالى ، كالبيت الحرام ، والناقة التي أُرسلت بينة مع صالح عليه السلام .. لننظر إلى قول الله تعالى : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) البقرة : 2 / 125 .

( قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية .. ) الأعراف : 7 / 73 وهذه الروح التي يؤيد بها الله تعالى المقربين منه ، نُفخت في آدم ، وأُيد بها عيسى عليهما السلام .. لننظر إلى النصوص القرآنية التالية ..

( وإذ قال ربك للملائكة إني خالقٌ بشراً من صلصالٍ من حمإٍ مسنون <28> فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )الحجر : 28-29 .

( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) البقرة : 2 / 87 ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه ) النساء : 4 / 171 .

وما يؤكد أن الروح تعني العطاء الخالص من الله تعالى ، صلةً وقربةً منه .. هو النص القرآني التالي .. ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من رَوح الله إنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون ) يوسف : 12 / 87 إن الرَّوح من مشتقات الروح .. وواضحٌ أن العبارة القرآنية ( رَوح الله ) تعني مدد الله تعالى وصلته والقربة منه .. وفي النص القرآني التالي نرى أن هذه القربة إلى الله تعالى لا ينالها بعد الموت إلا المقربون .. ( فأما إن كان من المقربين * فرَوحٌ وريحانٌ وجنة نعيم ) الواقعة : 88-89 ؟

الهوامش: 

 

 ــــــــــــــــــــــــــــــ

 1 ـ  انظر: معرفة النفس الإنسانية في القرآن والسنة، سميح عاطف الزين: ج1ص128.

2 ـ  المصدر نفسه: ص130.

3 ـ  انظر: د.علاء القبانجي ـ مجلة النبأ عدد 43.

 

4 ـ  انظر: معرفة النفس الإنسانية في القرآن والسنة، سميح عاطف الزين: ج1ص43.

 

5 ـ  انظر: معرفة النفس الإنسانية في القرآن والسنة، سميح عاطف الزين: ج1ص21.

 

6 ـ  المصدر نفسه.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=850
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 12 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24