• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا .

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا

اعداد : دار السيدة رقية (ع)  للقرآن الكريم

(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)

لقد ذكر المعنيون بدراسة الأخلاق في إمكان علاج الأخلاق وتقويمها أدلّة كثيرة، وشواهد عديدة حيث شبهوها بالأجساد، وقالوا: كما أنّها تمرض، وتعروها أعراض مثل: الهزال، وشحوب اللون، والضعف العام كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها علامات الاعتلال، ومضاعفته في صور من الهُزال الخلقي، والانهيار والنفسي، وحدّة المزاج على اختلاف في نسبة المرض، وأبعاده، ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام، والأخلاق. وكما تعالج الأجسام المريضة، وتسترد صحتها، ونشاطها كذلك تعالج الأخلاق المريضة، وتستأنف اعتدالها، واستقامتها متفاوتة في ذلك حسب أعراضها، وطباع ذويها كالأجسام تماماً، وقد ابتلينا وشاهدنا كيف يخضع المرضى لنصائح الأطباء، ويعانون مشقّة العلاج، ومرارة الحميَة توخياً للبرء، والشفاء.

وشاهدنا ونُشاهد أناساً تعمل على تطبيق وصايا وتعاليم مُخترعي الأجهزة الميكانيكية ليضمنوا صيانتها، والاستفادة منها على أفضل وجه، ولولا إمكان معالجة الأخلاق وتقويمها، لحبطت جهود الأنبياء في تهذيب الناس، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح، ولغدا البشر من جراء ذلك كالحيوان بل أخس قيمة، وأسوأ حالاً منه. ولألغي التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وعطل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والوعظ، والإرشاد، والنصيحة، والتأديبات الشرعية، ولما حثَّ الشارع على تحسين الأخلاق حيثُ أمكن ترويضه، وتمرينه، وتطوير أخلاقه بل أصبحت مراكز لتدريب الحيوانات، والبهائم. وربّما عالج أحدنا بعض ما يُعرض عليه من أمراض أخلاقية لكنّه قد يخفق في علاجها، فيترك المرض يأكل فيه، وهُو يعتقد عدم جدوى العلاج بعد فشله أما سبب الفشل، فيعود لعدم معرفته بطرق العلاج أو لعدم جديته في مجاهدة نفسه، لأنّه يحسب أنّ علاج النفس سهل، وتحت متناول يده، فإذا رآه صعباً أعرض عنه، واعتقده مستحيلاً، وحيث كان سوء الخلق من أسوأ الخصال، وأخس الصفات، فجدير بمن يرغب في تهذيب نفسه وتطهير أخلاقه وتطيبها أن يتبع النصائح التالية:

1- أن يستعرض فضائل حسن الخلق، ومآثره الجليلة، وما ورد في مدحه والحث عليه.

2- التحفظ في ضبط الأعصاب، وقمع موجبات الخلق السيئ، وبوادره، والفحص عن أسباب اعتلال أخلاقه بالتفتيش عن الدوافع إن كانت أمراضاً روحية أو جسدية فيعالجها.

3- أن يتذكر مساوئ سوء الخلق، وأضراره الفادحة، وإنّه موجب لسخط الباري عزّ وجلّ، ونفرة الناس، وانزعاجها.

4- أن يتذكر ما صورته الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة من غوائل الذنوب، ومآسيها المادية والروحية في عاجل الحياة وآجلها.

5- أن يستعرض فضائل التوبة، ومآثر التائبين وما حباهم الله عز وجل من كريم العفو، وجزيل الأجر، وسمو  العناية واللطف.

6- محاسبة النفس على اقتراف الآثام، واجتراح المنكرات في الزجر القاسي، والتأنيب، والاجتهاد بملاقاة ذلك بالندم، والانقطاع الصادق، والعمل بأداء الفرائض التي أوجبها الله تعالى عليه فإن أُهملت النفس زاغت عن الحق، وانحرفت، وهوت في الشقاء والهلاك، وإن وجهت وهذبت أشرقت بالفضائل، وأزهرت بالمكارم، وسمت نحوَ السعادة والهناء. قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}، وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} وقال تعالى: {وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} فكيف مع هذا كله لا يطيع الإنسان خالقه العظيم، ومدبره الحكيم الخبير بأسراره في منافعه ومضاره؟! . ومما نعتقد به أنه يستحيل على الإنسان أن ينال ما يصبو إليه من سعادة، وسلام، وطمأنينة، ورخاء إلا بطاعة الله عزّ وجلّ، وانتهاج شريعته، وتطبيق قوانينه بملازمة التقوى ذلك الكنز العظيم الحاوي لصنوف الأماني، والآمال المادية والمعنوية، والروحية الدينية والدنيوية.

والحمد لله أولا وأخيراً.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=842
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 11 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24